في خطوة استثنائية تهدف إلى الضغط من أجل «الشفافية الكاملة» نشر أعضاء من الحزب الديمقراطي في الكونجرس الأمريكي مجموعة من الصور الفوتوغرافية من الأرشيف الشخصي لجيفري إبستين، المتهم بالاتجار الجنسي بالقاصرات. وجاء النشر كجزء من حملة تشريعية أوسع تطالب وزارة العدل الأمريكية (DOJ) و«مكتب التحقيقات الفيدرالي» (FBI) برفع السرية عن جميع الوثائق المتعلقة بالتحقيقات السابقة مع إبستين، الذى وُجد ميتًا فى زنزانته فى أغسطس 2019، فى ظروف يشوبها الغموض ولا تزال محل جدل كبير. الصور الجديدة التى تم عرضها خلال مؤتمر صحفي عُقد فى مبنى الكابيتول بواشنطن تُظهر إبستين برفقة شخصيات بارزة من عالمي السياسة والمال، إضافة إلى عدد من القُصّر، فى أحداث وحفلات تعود إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ◄ اقرأ أيضًا | نجوم كبار يظهرون في صور تم الكشف عنها مؤخرًا في ملفات إبستين وقد ترأس المؤتمر النائب الديمقراطى جيرى نادلر عضو اللجنة القضائية فى مجلس النواب، الذى صرّح قائلًا: «هذه الصور ليست دليل إدانة بحد ذاتها، لكنها دليل على وجود شبكة واسعة من العلاقات التى لم تُستكشف بالشكل الكافى، الشعب الأمريكي يستحق معرفة الحقيقة كاملة، دون تعتيم أو حماية لأى شخص، مهما كان موقعه». ومن بين الصور المنشورة، واحدة تعود إلى عام 2003، وتُظهر إبستين فى حفل خاص بجزيرة «ليتل سانت جيمس»، وهى جزيرته الخاصة، برفقة رجل أعمال مشهور وعضو سابق فى مجلس الشيوخ، فضلًا عن فتاتين تبدو إحداهما دون سن 18 عامًا، بحسب تحليل مُقدَّم من خبراء فى قسم شئون القُصّر التابع لمكتب المدّعى العام فى نيويورك. ويأتي هذا النشر فى سياق تصاعد الضغوط على وزارة العدل للكشف عن آلاف الصفحات من الوثائق المتعلقة بملف إبستين، التى تشير مصادر قضائية إلى أنها تحتوى على أسماء أشخاص لم يُفصح عنها من قبل. وقد أصدرت القاضية الفيدرالية لوريتا بريسكا في نوفمبر 2025 أمرًا قضائيًا يُلزِم وزارة العدل بإصدار جزء كبير من هذه الوثائق فى غضون 60 يومًا، بناءً على دعوى مدنية رفعتها إحدى الناجيات، فيرجينيا روبرتس جيوفرى، ضد جهاز إنفاذ القانون نفسه. وتقول النائبة برياميلا جايابال رئيسة كتلة النواب التقدميين: «لقد مرّت ست سنوات على اعتقال إبستين، وخمس سنوات على موته الغامض، ومع ذلك لم يُقدَّم سوى عدد قليل جدًا من الأشخاص إلى العدالة». وأضافت: «الصور التى نُشرت اليوم ليست ترفًا، بل إشارة إلى أننا لن نتوقف حتى يُفتح كل ملف، ويُستجوب كل مشتبه به». ولقى نشر تلك الصور ترحيبًا واسعًا من الناشطين فى مجال حقوق الإنسان ومجموعات دعم ضحايا الاتجار الجنسي، مثل منظمة RAINN (الشبكة الوطنية لمنع الاعتداء الجنسي)، التى رحّبت بما وصفته ب«الجرأة السياسية» التي أظهرها النواب، لكنه أثار أيضًا موجة من الانتقادات من بعض الجمهوريين، الذين اعتبروه «محاولة لاستغلال قضية جنائية لأغراض سياسية». وقال السيناتور ماركو روبيو فى تغريدة له: «نشر صور قديمة دون سياق قضائى واضح قد يضر بالتحقيقات الجارية، ويقوض مبدأ افتراض البراءة. يجب أن تكون العدالة قائمة على الأدلة، لا على التسريبات». لكن الباحثة القانونية الدكتورة سارة كولينز «من جامعة جورج تاون» ردّت على ذلك قائلة: «الافتراض هنا ليس الإدانة، بل الكشف. فالصور تُظهر علاقات فعلية وقعت فى أماكن موثقة، مع أفراد أُشير إليهم مرارًا فى شهادات الضحايا». وأضافت: «الصمت الآن هو ما يُقوّض العدالة، لا الشفافية». ووفقًا للتحليل الفنى الذى أجرته لجنة التحقيق التابعة لمجلس النواب تضمّنت الصور لقاءات على متن طائرة إبستين الخاصة، المعروفة باسم «لوليتا إكسبريس»، تضم شخصيات من القطاع المالى ووسائل الإعلام. كما تضمّنت حفلات فى منزله بنيويورك حضور فتيات فى مقتبل العمر، إحداهن تظهر فى أكثر من صورة مع مستشار سياسى سابق لرئيس أمريكى. وأظهرت وثائق مرفقة بالصور وجود دفعات مالية تحت بند «خدمات استشارية» من جهات لم يُفصح عنها بعد. كانت وزارة العدل الأمريكية قد أصدرت في ديسمبر 2024 جزءًا أوليًا من «ملفات إبستين»، لكنها حذفت أكثر من 70% من الأسماء، بذريعة «حماية الخصوصية» أو «عدم اكتمال التحقيق». واستغل النواب الديمقراطيون النشر لدفع مشروع قانون جديد يحمل اسم Epstein Accountability and Transparency Act، الذى يطلب من مكتب المدّعى العام الفيدرالى إصدار جميع الوثائق المتعلقة بشبكة إبستين خلال 90 يومًا. كما يطالب بتشكيل لجنة مستقلة لمراجعة فشل أجهزة الأمن فى منع جرائمه، ومنح الحصانة الجزئية للضحايا والشهود الذين يتعاونون مع التحقيق. ويتوقع أن يُطرح المشروع للتصويت فى يناير 2026، فى ظل دعم متزايد من الرأى العام الأمريكى، خاصة بعد فيلم وثائقى جديد أنتجته شبكة HBO فى نوفمبر 2025 كشف تفاصيل جديدة عن كيفية تجنيد إبستين للقاصرات عبر وعود وظيفية وتعليمية. نشر الصور ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لدفع عجلة العدالة التى تأخرت طويلًا. فجيفرى إبستين لم يكن مجرمًا معزولًا، بل كان رأس شبكة استغلت السلطة والمال والصمت. والصور الجديدة - رغم قسوتها - تذكّرنا بأن الضحايا - اللواتى كنّ أطفالًا حينها - يستحققن الحقيقة، وأن المجتمعات الديمقراطية لا تُبنى على التعتيم، بل على الجرأة فى مواجهة الفساد أينما وُجد.