كان سؤالاً مباغتًا في نهاية حوار ممتد, وجهه أستاذ الجامعة ذلك الرجل الكوري الجنوبي دمث الخلق، لمجموعة المتحاورين معه – وكنت أحدهم – في مدينة "بوسان", إحدى المدن الكبرى في دولة كوريا الجنوبية, تلك الدولة الرائعة التي تشهد طفرة تكنولوجية وحضارية متميزة, رغم حداثة تجربتها السياسية والاقتصادية، والتي يمكن أن تقترب من حداثة التجربة المصرية بعد ثورة يوليو في الخمسينيات من القرن المنصرم. لم تكن بداية التجربة الكورية الجنوبية بأحسن حال من التجربة المصرية, بل على العكس من ذلك, فقد كانت كومة من الأنقاض والأشلاء السياسية والفكرية بعد سلسلة من الحروب الطاحنة مع اليابان, ومرورًا بتقسيم شبه الجزيرة الكورية إلى كوريا الشمالية بأيديولوجيتها الشيوعية وكوريا الجنوبية بأيديولوجيتها الرأسمالية. ارتمت كوريا الجنوبية في أحضان الولاياتالمتحدة وتبنت النموذج الغربي واستطاعت خلال عقود قليلة أن تحقق معجزة اقتصادية وتعليمية بارزة. وعلى الرغم من أن ثقافة الشعب الكوري صارت أسيرة لتلك لأفكار الغربية من تحرر وعلاقات جنسية مفتوحة, فإن البنية العقدية التقليدية للمجتمع الكوري ما زالت تظهر قدرًا من التماسك, فالبوذية هي لا تزال الديانة السائدة, ومع ذلك فقد شهدت كوريا الجنوبية تحررًا وتحولاً أدى إلى تقبل فكرة الدين السماوي, وبدأت المسيحية الكاثوليكية تمارس عملية غزو وتبشير ممنهجة وممولة حتى صارت الأسرة الواحدة تضم فسيفساء من الديانات والمعتقدات المختلفة, فهناك الأب البوذي والابن المسيحي والبنت الملحدة, وغير ذلك. أما التواجد الإسلامي فما زال ضئيلاً جدًا نظرًا لقلة عدد المسلمين من الجنسيات المختلفة, إضافة لغياب أية قنوات فضائية عربية أو إسلامية تستطيع مخاطبة الشعب الكوري بلغة حديثة وجذابة, وهي أزمة المجتمعات والدول الإسلامية الآن والتي هي في أمس الحاجة لمراجعة أولوياتها. فعلى المستوى السياسي لا توجد دولة إسلامية واحدة يمكنها أن تقدم نموذجًا مقنعًا للمجتمعات الغربية والشرق آسيوية, ولا حتى لمجتمعات ودول أمريكا الجنوبية. لكن هذا لا يعني أن تتوقف مسيرة دعوة غير المسلمين إلى الإسلام لحين تحقق وجود الدولة الإسلامية (النموذج), فهذا درب من العبث. لكن على الأقل يستطيع المسلمون من خلال الجهود المؤسسية والفردية تأهيل كوادر قاردة على فهم كيف يفكر الآخرون, وكيف نستطيع أن نقدم لهم الإسلام بطريقة جذابة, لقد كان سؤال هذا الرجل الكوري أستاذ الجامعة, صادمًا (هل إلهكم ذكر أم أنثى؟) لأنه يكشف عن هيمنة الطريقة الكلاسيكية في التعامل مع مفهوم (الإله), وكأنه ينتمي إلى العصور القديمة الإغريقية والرومانية وحتى العربية في تصور الإله على أنه مجرد شخص ذكر أو أنثى. كما يكشف أيضًا عن تقصير كبير من جانب المسلمين في مخاطبة الآخر والتفاعل معه أو على الأقل التعارف الذي حث عليه القرآن في قول الله تعالى "وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا". وإذا كان ينبغي علينا أن نشعر بالأسى ونحن نقارن بين المنظومة الكورية والمصرية فيما يتعلق بالجانب السياسي والاقتصادي, وقد بدأنا في توقيت واحد تقريبًا, فماذا ينبغي علينا أن نفعل ونحن نرى التحول العقدي والديني في المجتمع الكوري دون أن يكون لنا نصيب يذكر؟