كفر الشيخ : حمدين بدوى تشهد قرية كفر الطائفة التابعة لمركز كفر الشيخ واحدة من أكثر الوقائع الأسرية مأساوية، بعد أن تحولت خلافات الميراث بين أشقاء إلى سلسلة متواصلة من العنف والاعتداءات، انتهت بتداول مقاطع فيديو صادمة على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر مشاهد ضرب وتكسير داخل منزل العائلة، في مشهد يعكس مدى تفكك الروابط الأسرية تحت وطأة الطمع والنزاع. القصة لم تبدأ مؤخرًا، بل تمتد جذورها إلى سنوات مضت؛ حيث نشبت خلافات متكررة بين الأشقاء بسبب تقسيم الميراث، وتطورت على فترات إلى مشاجرات عنيفة، وبلاغات رسمية، وحبس بعض الأطراف على ذمة قضايا سابقة، دون أن تنجح كل تلك الإجراءات في إنهاء النزاع. الراحل الحاج فتحي خليفة كان رب أسرة كبيرة مكونة من 12 فردًا: الأب والأم، وعشرة أبناء (ستة ذكور وأربع بنات). عاش الجميع سنوات طويلة في استقرار نسبي، حيث تزوج معظم الأبناء، واستقل كل منهم بمسكنه داخل المنزل العائلي أو بالقرب منه، باستثناء الابن الأصغر أحمد. بمرور الوقت، توفي اثنان من الأبناء، ثم لحقت بهما الأم، ليبقى الأب بمفرده في المنزل، بينما يقيم الأبناء كلٌ في شقته، ومع تقدم الأب في العمر، قرر الابن الأكبر عبد الحفيظ أن يوفر لوالده رعاية أفضل، فاقترح أن يتزوج الأب ويقيم معه، وهو ما قوبل برفض وتعنت من بعض الإخوة، لتبدأ أولى شرارات الخلاف. وفاة الأب وبعد وفاة الأب، ظلت الأمور مستقرة نسبيًا لفترة، قبل أن تعود الخلافات للظهور مجددًا حول بعض الغرف والمساحات داخل المنزل، وتحديد أحقية كل طرف فيها، لتتحول المشكلات من نزاعات كلامية إلى اعتداءات متبادلة. وفق روايات متطابقة من الأهالي ومصادر أمنية، شهدت الخلافات مراحل متصاعدة من العنف، من بينها ربط كلب أمام المنزل لمنع دخول الأقارب، وتكسير جدران لضم غرف، والاعتداء بالضرب، وصولًا إلى تحطيم سيارة تاكسي يمتلكها أحد الأشقاء، فضلًا عن حملات تشهير على مواقع التواصل الاجتماعي طالت بنات أحد الأطراف. الواقعة الأخيرة، التي فجّرت غضب الرأي العام، تمثلت في انتشار فيديو يُظهر اعتداءً على رجل مسن داخل منزل العائلة، مع وجود آثار تكسير واضحة في الجدران، وصراخ واستغاثات، في مشهد وصفه أهالي القرية بأنه «غير مسبوق في قسوته». صرخة ابنة ابنة الشخص المعتدى عليه نشرت الفيديو مرفقًا بمنشور استغاثة، قالت فيه إن أعمامها حاولوا اقتحام المنزل وتكسير الأبواب، وعندما تصدى لهم والدها المسن، انهالوا عليه بالضرب، واعتدوا عليها أيضًا. وأكدت أن ما جرى ليست مشاجرة عابرة، بل امتدادا لصراع طويل يهدد حياتهم، مشيرة إلى أنهم يعيشون في حالة خوف دائم. كما سردت تفاصيل تتعلق بتقسيم الميراث، مؤكدة أن الجد كان قد حدد نصيب كل ابن منذ عام 2003، إلا أن بعض الأطراف لا يلتزمون بذلك، ويسعون لفرض الأمر الواقع بالقوة. روايات متباينة في المقابل، تحدث أحد أبناء الطرف الآخر – طالبًا عدم ذكر اسمه – مؤكدًا أن الصورة المتداولة لا تعكس القصة كاملة، وأن هناك نزاعات قانونية وأوراقًا رسمية لا تزال محل خلاف، مشيرًا إلى أن الميراث أصبح «لعنة» دمّرت العائلة نفسيًا واجتماعيًا. أهالي قرية كفر الطائفة عبّروا عن قلقهم الشديد من استمرار هذا النزاع، مؤكدين أن ما يحدث لا يسيئ فقط لأطرافه، بل يهدد أمن القرية بالكامل. يقول أحد الجيران الكبار: «شاهدنا هؤلاء الأخوة وهم أطفال يلعبون معًا، واليوم نشاهدهم يتقاتلون على الميراث. الخاسر الوحيد هو العائلة كلها». بينما ترى سيدة من القرية أن المشاجرات المتكررة باتت مصدر رعب للأطفال، وتشوه سمعة القرية، مطالبة بتدخل حاسم يضع حدًا لتلك الوقائع. أما أحد شباب القرية فاعتبر أن الحل الوحيد هو إنهاء الشراكة وبيع الممتلكات، قائلًا: «ما يحدث نموذجا مخيفا للجيل الجديد». تحرك أمني مصدر أمني أكد أن الواقعة الأخيرة ليست الأولى، وأن الأشقاء طرف في بلاغات سابقة بسبب نفس الخلافات، وأضاف أن الأجهزة الأمنية فور تداول الفيديو تحركت لفحصه، وتم ضبط المتهمين، وتحرر محضر بالواقعة، وأخطرت النيابة العامة. وكانت تلقت مديرية أمن كفر الشيخ إخطارًا بالواقعة، واتخذت الإجراءات القانونية، حيث قررت النيابة حبس المتهمين أربعة أيام على ذمة التحقيق، ثم تجديد حبسهم 15 يومًا، مع تكثيف التحريات للوقوف على ملابسات النزاع وأسبابه. قضية كفر الطائفة تحولت إلى درس قاسٍ في كيف يمكن للميراث أن يهدم ما بناه العمر من مودة ورحمة، حين يغيب العقل ويعلو صوت الطمع، وبينما تتحرك العدالة الجنائية، تبقى محكمة الضمير هي الغائبة الأكبر، في صراع يبدو أن فصوله لم تُغلق بعد. الأشقاء وقفوا على مسرح الخلاف، ليعرضوا للناس مثالًا حيًا عن الجحود في أسمى صوره، وكيف هي الحياة إذا استقر فيها الغضب على عصبة الدم، وإذا استقر فيها البغض بين الإخوة، الأكيد هنا أن لكل شقيق حجته في ما اقترف، والأكيد أيضا أن جميعهم مذنبون. اقرأ أيضا: خناقة علي ميراث تنهي حياة شخص بكفر شكر