الغربية: محمد عوف شهدت محافظة الغربية في الآونة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في جرائم القتل المرتبطة بنزاعات الميراث، مما يعكس أزمة اجتماعية وقانونية تستدعي التدخل العاجل؛ فقد تحولت المحافظة إلى مسرح لعدد من الجرائم الأسرية المروعة التي ارتُكبت على خلفية نزاعات تتعلق بالتركة، بين جرائم قتل عمد واعتداءات مسلحة وتهديدات متبادلة، وهي حوادث تكررت بشكل لافت، كاشفةً عن أزمة عميقة تضرب في النسيج الأسري، وتفضح خللًا واضحًا في منظومة القيم التي كانت تحكم العلاقات داخل العائلات المصرية. في شهور قليلة مضت، وقعت واحدة من أبشع الجرائم في عزبة رستم التابعة لمركز قطور؛ حيث أقدم محامى يُدعى محمد الشرقاوي على قتل والدته وشقيقه وشقيقته مستخدمًا أسلحة بيضاء وصاروخًا كهربائيًا، قبل أن يشعل النيران في الجثث لإخفاء جريمته، المتهم وهو في العقد الرابع من عمره، كان يعيش مع أسرته المكونة من والدته وشقيقه وشقيقته بعد وفاة والده بخمس سنوات. هو دائمًا ورغم اشتغاله بالقانون كثير الشجار معهم، خاصة بعد أن وزعت والدته الميراث على ابنائها، وهو الأمر الذي أثار غضبه ودفعه إلى العزلة والعيش بمفرده في شقة داخل نفس المنزل. وفي أحد الأيام، استسلم الشاب الثلاثيني لوساوس الشيطان، وانعدمت بداخله مشاعر الرحمة والإنسانية؛ ليقرر تنفيذ جريمة بشعة بحق أسرته؛ ذبح والدته وأشقاءه، ثم أشعل النيران في جثثهم بغرض إخفاء الجريمة، لاحظ الجيران انبعاث رائحة كريهة من داخل المنزل والدخان المتصاعد، فسألوا الشاب الذي أخبرهم بأنه حرق مخلفات داخل الحظيرة. لكن اختفاء والدته وشقيقيه، خصوصًا مع غيابها الملحوظ عن متابعة أعمال الأرض كما اعتادت، أثار الشكوك بين الجميع من يعرفون عنها النشاط ومتابعة أعمالها بنفسها. وفي محاولة لإخفاء آثار الجريمة، ذهب القاتل لشراء مواد كيميائية ومادة كاوية للتخلص من الأشلاء، إلا أن أفراد العائلة بدأوا في التوافد على المنزل بعد ملاحظتهم الغياب المفاجئ للأم وأبنائها، ليكتشفوا الأشلاء المتفحمة داخل المنزل وعند عودته، أدرك المتهم انكشاف أمره ففر هاربًا. الضحايا حينها تلقت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن الغربية بلاغًا من الأهالي بالعثور على ثلاث جثث داخل منزل بالعزبة، فانتقلت على الفور فرق البحث الجنائي مدعومة بسيارات الإسعاف. بالفحص، تبين وجود أشلاء لجثث ثلاث ضحايا، جميعهم يحملون آثار ذبح وحرق، وأظهرت التحريات أن القتلى هم الأم "بدرية" (في العقد السادس من عمرها)، وابنتها "أمنية" (في العقد الثاني)، والابن الأصغر "محمود" (أيضًا في العقد الثاني). وبسرعة، حُدد الجاني، وهو الابن الأكبر، وتم ضبطه بعد هروبه، وأحيل إلى النيابة التي باشرت التحقيقات، وأصدرت قرارها بدفن الضحايا بعد تشريح الجثث. ولم تكن هذه الجريمة الوحيدة التي هزت الغربية، فقبلها بأيام قليلة؛ أصدرت محكمة جنايات المحلة حكمًا بالإعدام شنقًا لأربعة أفراد من عائلة واحدة، بعد إدانتهم بقتل ابن عمهم بسبب خلافات قديمة على الميراث، المتهمون، وهم أب وثلاثة من أبنائه، تربصوا بالمجني عليه واعتدوا عليه حتى فارق الحياة، في جريمة خلفت صدمة واسعة في المجتمع المحلي. وكانت الأجهزة الأمنية قد ألقت القبض عليهم فور وقوع الجريمة، وأحيلوا إلى المحاكمة الجنائية التي أصدرت حكمها بالإعدام. وفي قرية النصارية التابعة لمركز كفر الزيات، قُتل مزارع، إثر مشاجرة عنيفة مع أقاربه تطورت إلى استخدام العنف الشديد على خلفية خلافات في تقسيم التركة. ولا تزال تتوالى الجرائم في الغربية بسبب الميراث؛ فقد تعرضت سيدة وزوجها لاعتداء بالطعن على يد ثلاثة من أقاربها في قرية محلة القصب بالمحلة الكبرى، بعد نزاع حاد على حصص الإرث. كما شهدت قرية العتوة في أكتوبر الماضي جريمة قتل بشعة؛ عندما أقدم شاب على قتل شقيقه باستخدام "شومة" إثر خلاف قديم على توزيع تركة والدهما. وفي واقعة لا تقل غرابة، شهدت قرية عطف أبو جندي – مركز قطور، خلافًا مأساويًا انتهى بمنع دفن سيدة بجوار زوجها داخل مقابر العائلة، المتوفاة كانت قد أوصت بدفنها بجوار زوجها، لكن أقارب زوجها رفضوا تنفيذ الوصية بسبب خلافات طويلة الأمد على الميراث، مما اضطر أهلها لنقل الجثمان إلى مقابر أخرى تبعد أكثر من 30 كيلومترًا في مركز طنطا. استمر النزاع لأكثر من أربع ساعات، واضطرت الأسرة إلى تأجيل صلاة الجنازة من الظهر إلى العصر بسبب هذا الخلاف. وفي مدينة المحلة الكبرى، وقعت جريمة مأساوية أخرى، عندما أقدم شاب على طعن شقيقته الصغرى بسكين حتى أرداها قتيلة، فيما أصيبت شقيقته الأخرى بإصابات بالغة إثر مشاجرة دامية بينهم على الميراث. كان الأب قد جمع أبناءه قبل وفاته، موصيًا إياهم بالترابط وعدم التفرق، لكن وصيته دفنت معه، فبعد وفاته اجتمع الأبناء لتقسيم التركة، إلا أن إحدى الشقيقتين فجّرت مفاجأة بإبراز عقد بيع للمنزل لصالحها وشقيقتها الأخرى، ما يعني حرمان شقيقهما من حقه. رفض الأخ هذا الوضع، وغادر المنزل مهددًا بالطعن على العقد، ثم عاد لاحقًا لينفذ جريمته البشعة. أزمة اللواء إيهاب مصطفى، نائب مدير أمن الغربية الأسبق، يرى أن تكرار هذه الحوادث العائلية يشير إلى خلل خطير في منظومة القيم داخل الأسرة المصرية، مؤكدًا أن الأمر يتطلب تدخلًا عاجلًا لإعادة ثقافة التسامح والحوار إلى مكانها الطبيعي، وأضاف أن دور المؤسسات الدينية والتعليمية أصبح محوريًا لترسيخ مبادئ الاحترام والعدل. من جانبه، أشار الدكتور سامي عبد الله، أستاذ علم الاجتماع بجامعة طنطا، إلى أن هذه الجرائم تعكس أزمة فهم عميقة لمعنى الحقوق والملكية داخل الأسرة، حيث يربط بعض الأفراد الميراث بالقوة والسيطرة بدلًا من الحق الشرعي، وأكد أن الحل يكمن في التربية على القيم الدينية، وتعزيز ثقافة الوساطة داخل الأسرة قبل أن تتفاقم المشكلات. وتشير تحليلات الظاهرة إلى أن الأسباب وراء تفاقم النزاع على الميراث متعددة، فمنها ضعف الوعي القانوني، حيث يجهل كثيرون الحقوق الشرعية والقانونية، مما يجعل من الخلاف حول التركة معركة وجود. كما أن الطمع والرغبة في الاستحواذ على أكبر نصيب – خصوصًا من جانب بعض الرجال أو الإخوة غير الأشقاء – يعد دافعًا قويًا للعنف. ويمثل غياب الحوار الأسري أحد أكبر المشاكل، حيث تبدأ النزاعات عادة بمشادات كلامية تنتهي إلى اشتباكات دموية، كما أن تأجيل حسم الأمور القانونية الخاصة بالإرث، وتركها معلقة لسنوات، يفتح الباب لصراعات لا تنتهي، خصوصًا مع تعدد الورثة وتغيّر الأجيال. ولا يمكن إغفال الضغوط الاقتصادية المتزايدة، التي تجعل الميراث – مهما صغر – سببًا للانفجار داخل البيوت. وللحد من هذه الظاهرة المتفاقمة، دعت دكتورة رانيا الكيلاني أستاذ علم الاجتماع بآداب طنطا، إلى عدد من الخطوات العملية، من بينها إطلاق حملات توعية إعلامية ودينية لشرح الحقوق والواجبات الشرعية، وتفعيل دور المساجد والكنائس في تقديم خطاب إصلاحي يرسخ مفاهيم العدل والرحمة في توزيع التركات، كما طرحت فكرة تدريب وسطاء محليين قادرين على التدخل وحل النزاعات قبل أن تصل إلى المحاكم أو إلى العنف، إلى جانب ضرورة تبسيط الإجراءات القانونية لتوزيع الميراث وتيسير إصدار إعلام الوراثة في أسرع وقت ممكن. الجرائم الأسرية المرتبطة بالميراث في محافظة الغربية لم تعد مجرد وقائع فردية معزولة، بل تحوّلت إلى ظاهرة مقلقة تنذر بالخطر، هي ليست فقط جرائم قتل وسفك دماء، بل تعبير عن انهيار منظومة القيم وتصدّع في العلاقات الإنسانية داخل الأسرة الواحدة، إن معالجة هذا الملف الحساس تتطلب تضافرًا حقيقيًا بين الدولة والمجتمع، ووقفة جادة لإعادة النظر في أسلوب تعاملنا مع مفاهيم المال والحق، قبل أن تتحول البيوت إلى ساحات حرب، تُزهق فيها الأرواح باسم "الورث". اقرأ أيضا: بسبب الميراث l فاضح شقيقته بفيديو ملفق .. وآخر شرع فى قتل اخوته البنات