في أي لحظة ثالرمز إلى مادة للاتهام؟! ومن يمنح نفسه حق إعادة تشكيل سيرة امرأة صنعت وجدان أمة كاملة، خارج الوثيقة والسياق والتاريخ؟! بعد ما يقارب مئة وعشرين عامًا على ميلاد أم كلثوم لم تعد الأسئلة المطروحة حول فنها أو تأثيرها، بل حول أخلاقها وحياتها الخاصة ومواقفها السياسية، وكأننا أمام متهمة فى محكمة مفتوحة بلا حق دفاع تُنتزع الوقائع من زمنها، وتُعاد صياغتها وفق منطق الإثارة لا التوثيق، فى لحظة تتزامن مع الاحتفال بذكراها وأزمة فيلم "الست". أم كلثوم التى جابت عواصم العالم فى حفلات تاريخية، وتبرعت بعائد حفلاتها كاملًا لدعم المجهود الحربى بعد نكسة 1967، وغنت للاستقلال وبكت الهزيمة ثم غنت للنصر، تُقدَّم اليوم فى صورة مغايرة لما هو ثابت فى أرشيف الصحافة المصرية وشهادات معاصريها.. فهل نحن أمام قراءة جديدة للتاريخ أم إعادة اختلاق له؟ أزمة فيلم "الست" لا تتعلق بحرية الخيال بقدر ما تطرح سؤال المسئولية: ماذا يحدث حين يغيب الأرشيف، وتستبدل الوثيقة بالإيحاء، والسياق بالانطباع؟ وماذا حين تتحول السيرة العامة إلى ساحة اتهام أخلاقى بلا دليل؟.. «آخرساعة» استطلعت آراء أربعة نقاد لتقديم قراءة متأنية فى فيلم «الست».. ما له وما عليه. ◄ اقرأ أيضًا | إعادة بث مسلسل أم كلثوم على شاشة القناة الأولى بعد غد الاثنين ◄ يوم ميلادها الحقيقي لم يكن الخطأ فى تاريخ ميلاد أم كلثوم مجرد زلة معلوماتية عابرة، بل مثالًا صارخًا على كيف تتحول المعلومة الخاطئة، حين تتكرر بلا مراجعة، إلى «حقيقة» مستقرة فى الوعى العام، فمنذ عقود، تناقلت الصحافة العربية، ثم لحقتها لاحقًا موسوعات رقمية، وعلى رأسها «ويكيبيديا»، تاريخ 31 ديسمبر 1898 باعتباره تاريخ ميلاد كوكب الشرق، دون سند وثائقى حاسم، ودون العودة إلى سجلات رسمية أو مستندات أصلية. الوثائق الرسمية، وشهادات القيد، وسجلات قرية طماى الزهايرة، إلى جانب شهادات معاصرين وأقارب، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن تاريخ ميلاد أم كلثوم الحقيقى هو الرابع من مايو عام 1904، لا نهاية ديسمبر 1898 كما شاع. ومع ذلك، ظل الخطأ قائمًا، بل محصنًا ضد التصحيح، لأن مصدره لم يكن وثيقة، بل «إجماعًا إعلاميًا» زائفًا. الأخطر من ذلك أن ويكيبيديا، التى يفترض أن تكون منصة مفتوحة للتصحيح والتحديث، وقعت فى الفخ نفسه، فاعتمدت على المراجع الصحفية المكرسة للخطأ، بدل أن تعود إلى الوثائق الأصلية، لتتحول من أداة معرفة إلى وسيط لإعادة تدوير الوهم. وهكذا انتقلت المعلومة الخاطئة من الورق إلى الشاشة، ومن الصحافة إلى البحث الأكاديمى، دون أن تتغير. كانت أم كلثوم تحتفل بحياتها بعيد ميلادها يوم 31 ديسمبر من كل عام، والحقيقة أنه تاريخ ميلاد والدها الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي، وكانت تحتفل بعيد ميلاده تخليدًا له. ◄ الكوافير الخاص بها يحكي: في أوج مجدها وعظمتها اختارت كوكب الشرق على سنبل ليكون الكوافير الخاص بها، وعهدت إليه بمهمة غاية فى الخصوصية، منحتْه فرصة عمره ليقوم بتسريح شعرها وعمل تسريحات خاصة بها تتفق مع الفستان والعقد والقرط، لتتكامل صورتها الرائعة التى تهل بها على جماهير الفن الراقى فى حفلاتها الشهرية داخل وخارج مصر. يقول: «لم يكن عملى مع أم كلثوم مجرد عمل مهنى، بل كان علاقة إنسانية قبل أى شيء. كنت أراها قبل الحفل بساعات طويلة، تجلس فى هدوء كامل، تفتح الراديو، تتابع الأخبار، وتغرق فى صمت عميق». كانت دقيقة الملاحظة، لا تترك شيئًا دون مراجعة، وتسأل عن كل تفصيلة مهما بدت صغيرة. وكانت تحرص على أن يكون شعرها بسيطًا، دون تكلف أو مبالغة، لأن البساطة كانت عندها جزءًا من الهيبة. ويضيف: «رغم الصرامة الظاهرة، كانت أم كلثوم شديدة الإنسانية. لا ترفع صوتها إلا نادرًا، وإذا غضبت كان غضبها صامتًا. تحترم كل من يعمل معها، لكنها لا تقبل أى استهتار أو تقصير». كانت دقيقة فى المواعيد، لا تحب التأخير، ولا تحب المجاملات الزائدة. وكانت تسأل عن أحوال الجميع، وتحرص على أن يعمل كل فرد فى هدوء وتركيز.