حب مصر، ليس أغنية حماسية ولا عبارات إنشائية ولا شعارات فى المناسبات، بل موقف ثابت تُختبر به الضمائر فى أوقات الشدة قبل الرخاء، والذى يحب مصر يمدّ لها يده عندما تحتاج، ويعترف بنعمتها التى عاش فى ظلها، فلا يكون شكّاءً بكّاءً ولا يستثمر الأزمات ولا يهيل التراب، وكثيرون ممّن ادّعوا حبها كانوا أول من حمل حقائبه وأمواله واستثماراته إلى الخارج عندما اشتدت العواصف. أما الذين أحبّوها بحق، فلم يشغّلوا «الأسطوانة المشروخة»، وصمدوا وصبروا وتحملوا، ولم نسمع منهم شكوى، ومنهم رجال أعمال ومستثمرون كان بإمكانهم الهروب من المسئولية فى سنوات الفوضى، لكنهم آمنوا أنهم جزء من هذا الشعب، وما يقع على الأغلبية يقع عليهم، فوقفوا فى الصف ذاته، يعملون ويقدّمون دون ضجيج. صور النفاق كثيرة، وهناك تيارات سياسية ودينية توظف السياسة والدين لخدمة مصالح ضيقة، وما إن تختلف الحسابات حتى يتحولوا إلى «خبراء ضدّ»، لا يعجبهم شيء لا يرون إلا السلبيات، ويتجاهلون أى إنجاز أو محاولة صادقة للإصلاح، وأكثرهم سوءًا الجماعات الإرهابية ومن يدور فى فلكها، يطعنون فى الظهر والصدر والقلب، ويبحثون عن النار تحت الرماد، وينشرون الشائعات لإحباط الناس وكسر عزيمتهم. أدعياء الحب الكاذب لا يعرفون إلا مكاسبهم ، وإن لم ينالوا نصيبًا من الغنيمة انقلبوا، وكأن الوطن بالنسبة لهم شركة سمسرة لا بيتًا كبيرًا يحتضن الجميع، رأيناهم من قبل يحصلون على مساحاتٍ واسعة من المزايا، ويربحون الملايين ثم يتهربون من حقوق الدولة، ثم يحدثوننا عن الوطنية! من يحب مصر يقف فى صف استقرارها، لأنه يدرك أنه لا تنمية بلا استقرار، ولا تحسين لمستويات المعيشة بلا عمل هادئ ومصانع تدور، ويتصدى للمحاولات التى تستنزف الطاقات وتبدد الجهد ، وفى المقابل هناك من يختلق الأزمات ليظهر فى الصورة «منقذًا» لا غنى عنه، بينما هو أصل المشكلة. لو ابتعد لأراح البلاد والعباد. الرجل المريض هو من يتناول وطنه بالشتائم والإهانات، ولا يرى فيه إلا العيوب.. مرضى لا علاج لهم وشفاؤهم بعيد، والأسوأ أولئك الذين لا يرتاحون إلا إذا رأوا آلام الآخرين.. وستبقى مصر قويّة ما دام فى أبنائها من يصبر ويعمل ويُغلِب مصلحة الوطن على كل مصلحة، ليتواصل البناء، ويظلّ الأمل حاضرًا فى غدٍ يليق بهذا البلد العريق وأهله. ووسط هذا كله، يبقى صبر الشعب المصرى وسامًا على صدر الدولة، تحمّل فاتورة الإصلاح الاقتصادى أملًا فى غدٍ أفضل ، وهذا شعب ليس له وطن غير هذا الوطن، ولا تراب غير هذا التراب، المصريون لا يستطيعون العيش إلا هنا ، ويرفعون أيديهم بالدعاء: أن يحفظ الله مصر من كل شر، وأن يكتب لها الأمان.