كان من أحد أهم قرارات الجمعية العمومية غير العادية لنقابة الأطباء التى انعقدت مؤخراً تحت مُسمى “ جمعية الكرامه “ هو رفض القرار الذى أصدره رئيس الوزراء بالموافقة على إنشاء ما سموه “ هيئة التدريب الإلزامى للأطباء “ بناءً على اقتراح من وزير الصحه..وبصفتى كنت مُشاركاً فى هذه الجمعية العمومية التى شهدت أكبر عدد من المشاركين فى تاريخ النقابة، وشاهداً على ماحدث فيها، فإن هذا القرار بالذات قد حظى بتصفيق هائل من آلاف الأطباء المشاركين وإجماع تام على رفضه. فى الحقيقة لا أستطيع أن أخفى دهشتى من تسرع السيد رئيس الوزراء فى وضع توقيعه على قانون يمس المسار التعليمى والمهنى للأطباء بدون استشارة أكثر من رأى من خبراء المهنه وحكمائها العالمين بمشاكلها عن قرب، وبدون الحديث مع شباب الأطباء المعنيين بالأمر عن العقبات التى تواجههم للحصول على شهادات التخصص والتدريب الجيد، واكتفى فقط برأى السيد وزير الصحة! ومن قبل رفض هذا القرار من جموع الأطباء، فإننى تعجبت أيما عجب عندما قرأت خبر هذه الهيئة فى الصحف، وحاولت بقدر الإمكان الحصول على أية معلومات عنها، فتابعت كل ماصرح به وزير الصحة فى هذا الشأن سواء فى مقابلات صحفية أو تليفزيونيه لشرح ماهية هذه الهيئة ووظيفتها، فلم أجد شيئاً مفهوماً أو رؤيه واضحه وعمليه لما يدور فى ذهن الرجل عن مسألة شهادات تخصص الأطباء ومن يمنحها وكيف، ولا عن مسئولية تدريب الأطباء ومن سيقوم بها وأماكنها المتوافرة وتكلفتها..بل أننى كلما قرأت وسمعت تصريحاته أكثر إزداد الأمر غموضاً لدىة! فقد نقلت صحيفة الأهرام عنه منذ أيام تصريحات نصها كالتالى: “ إن قرار إنشاء هيئة التدريب الإلزامى للأطباء هو توسيع لمظلة الزمالة المصرية من خلال هيئة عامة تضم جميع المؤهلين من وزارة الصحة والجامعات وقطاعى الخدمات الطبية بالقوات المسلحة ووزارة الداخلية “ وأضاف أيضاً “ أنه من خلال تلك الهيئة التى أقرها مجلس الوزراء بالقرار رقم 210 لسنة 2016 يستطيع كل أطباء وزارة الصحه أن يحصلوا على شهاداتهم التخصصية فى جميع المجالات دون أى تكلفة مادية يدفعها الطبيب علماً بأن الطبيب يدفع 6 آلاف جنيه فى 3 أعوام للحصول على الماجستير، وأن هذه الهيئة بما تصدره من شهادات تسير بالتوازى مع الشهادات الأكاديمية التى تصدرها الجامعات ولا تلغى الزمالة المصريه القديمة “ !! أقسم بالله العظيم أننى لم أفهم كلمه واحده من هذا الكلام، وأنا أمارس المهنه منذ 44 عاماً وأشارك فى قضايا الطب والتعليم الطبى منذ أكثر من عشرين عاماً، وكنت أول من دعا إلى إحداث تغيير جذرى فى عملية إعداد الأطباء للتخصص وتدريبهم عندما أتاح لى الراحل الكبير الأستاذ لبيب السباعى عام 1998 لأكتب فى صفحته الأسبوعية المتخصصه فى ذلك الوقت مقالاً تحت عنوان “الحاجة إلى إنشاء شهادة الزمالة المصرية” مواكبة لما يحدث فى جميع بلاد العالم المحترمه وبعد أن عاصرت وشاركت فى إنشاء شهادة الزماله السعودية للتخصصات الطبية المختلفه حيث كنت أعمل هناك وقتها، وكتبت بعد ذلك أكثر من مقال بالأهرام أشيد فيه بقرار وزير الصحة الأسبق الأستاذ الدكتور إسماعيل سلام بالبدء فى إنشاء درجة الزماله المصرية رغم معارضة الكثير من أساتذة الجامعات عليه بشده، وطلب منى سيادته فى هذا الوقت التعاون فى هذا المجال، وهو ماحاولته قدر جهدى..على الرغم من كل ذلك فإننى لم أفهم ماهى هذه الهيئه الغريبه العجيبه التى أصدر رئيس الوزراء قراره بالموافقه على إنشائها ! إننا ونحن فى عملنا بلجنة إعداد قانون التأمين الصحى الجديد منذ سنوات – وأنا أحد أعضائها – كانت قضية تعليم وتدريب الأطباء أحد أهم اهتماماتنا للإعداد لخدمة طبية ذات جودة عالية تحت مظلة التأمين الصحى، وفى هذا الإطار تشرفنا بأكثر من لقاء مع رئيس لجنة القطاع الطبى بالمجلس الأعلى للجامعات الأسبق الأستاذ الدكتور رشاد برسوم أحد أنبغ من أنجبت مصر من أطباء، وعرض على اللجنه مشروعاً قومياً كاملاً لإنقاذ مهنة الطب فى مصر، تم إعداده بواسطة مجموعه من الأساتذة الكبار الأفاضل بعد مناقشات عميقة وانتهوا إلى تقرير هام جداً لمشروع قومى لتطوير التأهيل المهنى للأطباء، كانت أهم ملامحه : (1)توحيد برامج تدريب أطباء الإمتياز (2) عقد امتحان قومى فى محتوى برنامج تدريب الإمتياز توطئة للحصول على الترخيص بمزاولة المهنه (3) توحيد برامج تدريب الأطباء المقيمين فى كافة التخصصات على مستوى الدولة (4) إنشاء درجه مهنية تسمى “ الزماله القومية للمجلس الطبى المصرى “ فى كافة التخصصات الطبية تكون تدريجياً هى شهادة التخصص الوحيدة المعترف بها فى المجالات الإكلينيكيه على أن تقتصر درجة الدكتوراة على العاملين فى مجال البحوث والتدريس بالجامعات (5) إنشاء “ المجلس الطبى المصرى “ ليختص بما جاء ذكره من برامج تدريبية وامتحانات قومية (6) إنشاء المجلس القومى للبحوث الطبية لتفعيل دور البحث الطبى فى كافة مراحل تأهيل الأطباء. بناءً على موافقة المجلس الأعلىللجامعات ووزيرى التعليم والصحة ثم رئيس مجلس الوزراء على ماتقدم، صدر القرار الوزارى المشترك بتاريخ 6/1/2011 رقم 56 لوزارة التعليم العالى وة18 لوزارة الصحة بتشكيل لجنه تأسيسية تتولى الإعداد لإنشاء “المجلس الطبى المصرى” وتهيئته للصلاحيات المُشار إليها..وبالفعل أعدت اللجنة التنفيذية المنبثقة عن اللجنة التأسيسية تقريراً مفصلاً فى 22 إبريل عام 2013 عما تم فى السنوات الثلاث التى تلت قرار رئيس الوزراء بإنشاء اللجنه التأسيسية للمشروع القومى لتطوير التعليم والتدريب الطبى، وهو تقرير علمى مفصل عن الأوضاع الحاليه والمعوقات والإقتراحات. السيد المحترم رئيس مجلس الوزراء..لماذا تُريدنا أن نعيد اختراع العجلة؟! هل اطلعت على كل ما أشرت إليه سابقاً قبل أن تُوقع على الموافقة على إنشاء هذه الهيئة التى لامعنى ولا دور واضح لها؟ هل سألت أهل الخبره والإختصاص من خارج موظفى وزارة الصحة ورأى الأطباء الذين سيُطبق عليهم القرار؟! هل فهمت الآن لماذا رفضت جموع الأطباء قرارك؟! إننا نكرر كثيراً أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون لديه هيئات إستشارية عالية المستوى ومن مختلف الإتجاهات فى جميع المجالات، ولكننى الآن أظن أن رئيس الوزراء فى مصر يحتاج إلى هذا أيضاً وربما بصورة أكبر، حتى نُجنب بلدنا عشوائية وتخبط القرارات، فى الوقت الذى نحتاج فيه فقط للأفكار الجديده المبدعة. لمزيد من مقالات طارق الغزالى حرب