تواصل لجنة الخمسين مداولاتها لتعديل دستور البلاد المعطل، وتشير التقديرات إلى أن اللجنة سوف تنتهى من أعمالها فى الموعد المحدد، وهو شهران منذ بداية العمل، وأن الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد سوف يجرى خلال خمسة عشر يوما، وبذلك يتوقع أن يفتح الباب للانتخابات البرلمانية فى شهر ديسمبر القادم، أى بعد ثلاثة أشهر فقط. والسؤال هنا: هل استعدت الأحزاب المدنية لهذه الانتخابات التى تمثل علامة فارقة فى تاريخ مصر؟ بداية نشير إلى أن الانتخابات البرلمانية التى يتوقع فتح بابها فى ديسمبر القادم تعتبر أخطر وأهم انتخابات فى تاريخ مصر، فهى من ناحية تجرى بعد التحولات التى شهدتها مصر بدءًا من حل مجلس الشعب الذى كان تيار الإسلام السياسى يسيطر على نحو 70٪ من مقاعده، وأيضا بعد إزاحة محمد مرسى، وهو المنتمى لجماعة الإخوان، من السلطة بثورة شعبية. ومن ناحية ثانية فإن التوجه الجديد هو إلغاء قانون العزل السياسى فلن يطبق فى الانتخابات القادمة على أعضاء الحزب الوطنى المنحل، ولا على أعضاء جماعة الإخوان من غير المتهمين، ومن ثم فإن الانتخابات القادمة يمكن أن تشهد مشاركة كبيرة من جانب الأعضاء السابقين فى الحزب الوطنى، وكذلك من المنتمين للجماعة. ومن ناحية ثالثة فإن التوجه نحو اعتماد النظام المختلط (الذى يجمع بين سمات البرلمانى والرئاسى) يعنى أن من سيحصل على الأكثرية سوف يشكل الحكومة ويتقاسم السلطة التنفيذية مع رئيس الجمهورية. السؤال هنا: هل استعدت الأحزاب المدنية لهذه الانتخابات؟ من خلال متابعة أداء الأحزاب السياسية المدنية نجد أن هذه الأحزاب، أو غالبيتها، تكاد تكون منفصلة عن الواقع تماما، ففى الوقت الذى لا تعمل فيه على الأرض مع الناس، لديها تصورات وهمية عن قدراتها، البعض منها يتصور أن بمقدوره حصد غالبية مقاعد البرلمان لا لسبب إلا لأن لديه قدرات مالية يراها كفيلة بضم شخصيات ورموز يمكنها الفوز فى الانتخابات، ومن هذه الأحزاب ما يرفع شعارات براقة تدغدغ مشاعر البسطاء وفى مقدمتها «العدالة الاجتماعية» ويتصور أن الجماهير سوف تزحف وراءه وتسير خلفه، ومن هذه الأحزاب المدنية من تسعى بعض قياداته إلى استخدام أساليب قديمة عفا عليها الزمن من أجل ضمان حصة معتبرة من مقاعد البرلمان القادم، وهى نفس المجموعة التى كانت حتى الأمس القريب، زمن مرسى والجماعة، تسعى للعب دور المعارضة «المستأنسة» لحكم المرشد والجماعة، وكانت ترى أن 30 يونيو سيكون يوما عاديا يشهد تظاهر بضعة آلاف من المواطنين، لن يزيد على خمسة آلاف، وهو نفس تقدير الدكتور سعد الكتاتنى الذى رفعه إلى الرئيس المعزول محمد مرسى. هذه المجموعة الفاشلة والتى يتسم سلوكها بالانتهازية السياسية تواصل الجهود بحثا عن صفقات مشبوهة. يبدو واضحا أن الأحزاب المدنية ورغم ما يبدو على السطح من حراك بداخلها، تواصل ارتكاب الأخطاء التى تصل إلى حد الخطايا، فالأحزاب الليبرالية لم تنجح حتى الآن فى بلورة نواة للاندماج، وكذلك الحال بالنسبة لأحزاب اليسار والأحزاب القومية. يأتى هذا بينما يستعد حزب النور لوراثة دور ومكانة حزب الحرية والعدالة من خلال تقديم نفسه للرأى العام المصرى باعتباره المدافع عن «الدين والشريعة» بعقلانية، الذى يقدر دور جيش مصر ويدعو إلى احترامه. وإذا واصلت الأحزاب المدنية إعادة إنتاج الأخطاء ولم تبلور توجها سريعا نحو اندماج الأحزاب المتشابهة، فإن الانتخابات البرلمانية القادمة سوف تشهد تنافسا حادا بين تيار الإسلام السياسى ممثلا فى حزب النور والأحزاب القريبة منه فكريا وبين عناصر كانت تتبع الحزب الوطنى المنحل، ولا ننسى أن عديدا من أعضاء الحزب الوطنى المنحل لا مشكلة لديهم فى الوقوف على أرضية أحزاب الإسلام السياسى، ومنهم من هو على استعداد للمزايدة على الأرضية الدينية. من هنا نقول بوضوح إن مؤسسى وقادة الأحزاب المدنية أمام مسؤولية تاريخية وعليهم الاختيار ما بين مصالحهم الشخصية وحساباتهم الذاتية التى قد تدفعهم إلى الاحتفاظ بأحزابهم القزمية ويقاومون اندماج الأحزاب المتشابهة، وبين مصلحة الوطن فى الوقت الذاهن، فمصلحة مصر اليوم تتمثل فى تبلور أحزاب كبيرة عبر اندماج الأحزاب المتشابهة فى حزب كبير حتى يمكنه خوض الانتخابات والحصول على حصة «معقولة» من مقاعد البرلمان، كذا كانت تجارب التحول الديمقراطى فى دول شرق ووسط أوروبا بعد سقود سور برلين عام 1989، ظهرت عشرات، بل مئات الأحزاب القزمية، ومع ثانى انتخابات برلمانية تبقت فقط الأحزب الكبيرة التى جاءت وليدة اندماج بين أحزاب قزمية وصغيرة تنتمى لنفس التيار الفكرى وتتبع ذات الخط السياسى. مصر شعبها وجيشها تستحق نخبة سياسية جديدة تقدم مصالح الوطن على مصالح الشخصية والأغراض الذاتية، وذلك حتى يمكن بدء مرحلة بناء النموذج الديمقراطى المأمول.