«كل سنة وأنتم طيبين يا مصريين مسلمين ومسيحيين بمناسبة رأس السنة الميلادية وعيد الميلاد المجيد» تلك الكلمات حملتها لافتة موقعة باسم جبهة الإنقاذ الوطنى وعلقت أمام عدد كبير من الكنائس التى مررت عليها فى القاهرة، وبهذه اللافتة قدمت جبهة الإنقاذ نفسها للمواطن المصرى باعتبارها تحالفا للأحزاب ذات المرجعية الوطنية أو المصرية، ومن ثم باتت لدى الناخب المصرى المتطلع إلى استعادة مصر وإعادة الاعتبار لهويتها الوطنية، باتت تمثل له البديل والأمل. نعم جبهة الإنقاذ تضم أحزابا وتيارات متنوعة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ولا يتصور أن تخوض مكونات الجبهة الانتخابات البرلمانية ببرنامج واحد، ونحن هنا لا نتحدث عن حزب سياسى أو اندماج بين الأحزاب المكونة للجبهة، بل نحن لا نتحدث عن تحالف سياسى بين مكونات جبهة الإنقاذ الوطنى، كما أننا لا نتحدث عن انتخابات عادية تجرى فى ظروف طبيعية. نتحدث عن تحالف أو ائتلاف انتخابى بين أحزاب متنوعة ليس مطلوبا منها صياغة برنامج انتخابى تفصيلى تتقدم به للناخب المصرى، ولا يعنى ذلك عدم الاتفاق على خطوط عامة للتوافق بين مكونات الجبهة، وأعتقد أنه يمكن التوافق على شعارات وأهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير، «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية»، وفى تقديرى أن كل مكونات الجبهة تتوافق على هذه العناصر التى يمكن بلورتها فى نظام ديمقراطى يتسم بالمسؤولية ويخضع للمحاسبة. تحقيق العدالة الاجتماعية التى تعنى التزام الدولة بتوفير المسكن الصحى الملائم، التعليم العام الجيد، العلاج المجانى لغير القادر من المواطنين، وأخيرا حد أدنى للأجور والمرتبات. لا أعتقد أن هناك حزبا فى جبهة الإنقاذ يرفض أى شعار من الشعارات أو مطلب من المطالب التى رفعها الثوار فى الخامس والعشرين من يناير، حتى الأحزاب الليبرالية اليمينية، كالوفد والمصريين الأحرار، تتبنى مبدأ العدالة الاجتماعية بل ترفعه شعارا لها. أما المكونات اليسارية فى جبهة الإنقاذ التى تتمثل فى التيار الشعبى، والتحالف الشعبى، والكرامة، والناصرى والتجمع، فهى تؤمن بالعدالة الاجتماعية إيمانا تاما، صحيح لديها طبعة تزيد كثيرا عما لدى الأحزاب الليبرالية من مكونات العدالة الاجتماعية، إلا أن الصحيح أيضا أنها تلتقى مع باقى مكونات الجبهة فى المفهوم الشامل للعدالة الاجتماعية. أيضا فإننا لا نتحدث عن انتخابات برلمانية عادية تجرى فى ظروف عادية لنظام سياسى استقر وتشكلت هياكله وتبلورت ملامحه، بل نتحدث عن مرحلة انتقالية فارقة فى تاريخ البلاد، فالقضية اليوم هى أن مصر فى مفترق طرق، إما أن تندفع باتجاه دولة دينية كدولة ملالى إيران ومن ثمّ تدخل نفقا مظلما لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما يمكن أن تصل إليه على طريق التدهور والانحدار، وإما أن تبدأ السير على طريق التطور الديمقراطى والاستقرار السياسى كدولة مدنية حديثة قائمة على المواطنة والمساواة وعدم التمييز بين مواطنيها، دولة مدنية حديثة تؤمن بالعلم وبمبادئ الحرية والديمقراطية، تقدس الدين وتقدره وتحفظ له قدسيته بإبعاده عن أتون الصراعات السياسية وتحفظ له قدره بعدم الزج به كغطاء لسياسات دنيوية بعيدة كل البعد عن جوهر الدين. باختصار الانتخابات البرلمانية القادمة ستكون حاسمة فى تحديد وجهة مصر، فمن سيفوز بغالبية مقاعد مجلس النواب سوف يشكل الحكومة، إذا كان ذلك من نصيب تيار الإسلام السياسى فسوف يتمكن من الهيمنة على كل سلطات الدولة، فلديهم رئاسة الجمهورية وفوزهم بغالبية مقاعد البرلمان يضمن لهم غالبية برلمانية تعطيهم الحق فى تشكيل الحكومة، ومن ثمّ تدخل مصر مرحلة النفق المظلم الذى سبقتنا إليه إيران، ونبدأ أولى خطوات التحول إلى دولة دينية ربما تحمل فى طياتها بذور تقسيم مصر برضا وترحيب من تيار الإسلام السياسى، كما فعل فى السودان على يد البشير ورفاقه، أما فوز التيار المدنى بغالبية مقاعد البرلمان فسوف يعطيه الحق فى تشكيل الحكومة ومن ثمّ تكون الرئاسة للإسلاميين والبرلمان والحكومة للمدنيين، وهنا نستعيد التوازن وتبدأ مرحلة استعادة مصر وهويتها الوطنية، وذلك يتحقق فقط فى حال خوض جبهة الإنقاذ الانتخابات البرلمانية معا وبقائمة انتخابية واحد