الصراع الذي يشهده اتحاد المحامين العرب اليوم ليس مجرد خلاف عابر حول منصب إداري أو بروتوكول انتخابي بل هو امتداد مباشر لصراع ممتد داخل نقابة المحامين المصرية نفسها، فالمواجهة بين عبد الحليم علام النقيب الحالي وسامح عاشور النقيب الأسبق خرجت من قاعات النقابة في القاهرة لتنفجر في قلب اجتماعات الاتحاد بتونس. ذلك الجدل الذي انفجر في تونس يعيدنا إلى سؤال مركزي مهم هل نحن أمام صراع أشخاص أم أمام أزمة مؤسسات؟! إذا نظرنا إلى المشهد من زاوية محايدة سنراه مواجهة شخصية بين عبد الحليم علام وسامح عاشور كل رجل منهما يملك شرعية مختلفة فالأول يستند إلى الصندوق وقيادة النقابة المنتخبة والثاني يستند إلى تاريخ طويل وتحالفات عربية لا يمكن إنكارها. بهذا المعنى تبدو الأزمة أقرب إلى صراع على النفوذ والمكانة أكثر من كونها نزاعا على نصوص أو لوائح. لكن هناك زاوية أخرى لا تقل وجاهة؛ فالقضية ربما تكشف عن أزمة أعمق تتعلق بمستقبل المؤسسات المهنية العربية فإذا كان اتحاد المحامين العرب عاجزا عن حسم مسألة تمثيل دولة بحجم مصر دون الدخول في صدام فكيف يمكنه أن يؤدي أدواره الأكبر في الدفاع عن قضايا الأمة أو تعزيز دور المحاماة في المجتمعات العربية؟.. أسئلة كثيرة سنحاول الإجابة عليها فيما تبقى من سطور. ◄ عبد الحليم علام: «تمسكنا بتطبيق اللائحة» ◄ المحامون: "ما حدث مع رجائي عطية في السابق لن يتكرر مع النقيب" حين انعقدت اجتماعات اتحاد المحامين العرب في تونس كان كثيرون يتوقعون أن تكون جلسة عادية لتجديد الثقة في الأمانة العامة أو مناقشة شئون مهنية لكن ما جرى كان أقرب إلى مسرح مواجهة مفتوح. فبينما ظهر اسم سامح عاشور مرشحا لمنصب الأمين العام للاتحاد اعترض وفد النقابة المصرية برئاسة عبد الحليم علام مؤكدين أن التمثيل المصري لا يجوز أن ينفصل عن النقابة الرسمية المنتخبة وأن أي قرار بمنح عاشور المنصب يعد التفافا على الشرعية؛ الأزمة الحالية لم تبدأ من تونس بل بدأت في القاهرة وتحديدا بعد اجتماع نقباء النقابات الفرعية للمحامين في مصر وإصدارهم لبيان أكدوا فيه رفضهم أي تدخل خارجي في شئون نقابة المحامين المصرية أو محاولة فرض أشخاص بعينهم بالمخالفة للوائح. وبالطبع هنا يقصدون سامح عاشور النقيب السابق للمحامين وليس ذلك فقط بل أعلن النقباء دعمهم الكامل لعبد الحليم علام نقيب المحامين ورئيس الاتحاد مؤكدين أن محاولات إرباك المشهد الراهن ليست سوى تكرار لمحاولات فشلت في أعوام 2009 و2020 ويُعاد إنتاجها الآن بنفس الأدوات والأطراف. وتفسيرا لتلك النقطة في البيان يجب أن نعرف أن ما حدث اليوم ليس سوى امتدادا لصراع قديم داخل الاتحاد يتجدد كل بضع سنوات مع اقتراب أي استحقاقات انتخابية؛ ففي عامي 2009 و2020 شهدت قاعات المكتب الدائم خلافات مشابهة بين الوفد المصري ووفود عربية أخرى كانت تدور كلها حول شرعية العضوية وآليات انتخاب الأمين العام أي أن ذلك الصراع هو صراع متكرر ولهذا بعد ساعات من هذا البيان انتقل المشهد إلى تونس حيث كان من المقرر أن يشهد المكتب الدائم للاتحاد جلسة حاسمة لانتخاب الأمين العام واستكمال المقاعد الشاغرة. وكان سامح عاشور يعتزم الترشح لمنصب الأمين العام مستندًا إلى أصوات بعض الأعضاء الذين جرى تمديد عضويتهم في وقت سابق دون انتخابات جديدة. لكن عبد الحليم علام اعترض بشدة على هذا التوجه متمسكًا بتطبيق اللائحة وعدم السماح باستمرار عضوية من انتهت ولايتهم قائلا خلال كلمته: "إن مواعيد انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب مضطربة ومؤتمره العام لم يُعقد منذ سنوات". وأضاف نقيب المحامين أنه تتم الدعوة الانتقائية لاجتماعات طارئة في غياب الظروف الطارئة وتتخذ قرارات مصيرية عبر منصات إلكترونية بلا سند قانوني أو إجراءات منضبطة في غياب غالبية الأعضاء الأصليين حيث زُج بالاتحاد في نزاعات داخلية وانحيازات غامضة لا تمت لرسالته بصلة مما أضعف مكانته وانحرف بمسيرته العريقة عن الطريق الذي قام من أجله منتقدًا ما وصفه بانتهاك الاتحاد لقانونه ونظامه الأساسي وأعرافه المستقرة. ◄ اقرأ أيضًا | العقوبة المنتظرة ل «البلوجرز».. عضو ب المحامين العرب توضح ◄ خلاف وبيان تلك الكلمات وما تلاها زاد الخلاف وتحول اجتماع الاتحاد لحالة من التوتر إلى "خناقة" بين محامي من الوفد المصري وعضو في الوفد اليمني ورغم احتواء الموقف انتهت الجلسة بقرار تأجيل جميع القرارات إلى وقت لاحق لم يتم تحديده. بعد يومين فقط فجر بيان قيل إنه صادر عن الأمانة العامة للاتحاد الأزمة؛ حيث وصف البيان تصرفات الوفد المصري بأنها أحداث شغب مؤسفة وقال أن أعضاء الوفد احتلوا مقاعد مخصصة لنقباء عرب وأعضاء أمانة عامة خلال حفل الافتتاح ما أثار استياء بعض الحضور وأدى إلى انسحاب عدد منهم. البيان ذكر أيضا أن أحد أعضاء الوفد المصري اعتدى لفظيا على الأمين العام المساعد عن اليمن مما تسبب في تعرض الأمين العام المكاوي بنعيسى لحالة صحية طارئة منعته من استكمال الجلسات. وطالب بيان الأمانة العامة عبد الحليم علام بالاعتذار الرسمي واتخاذ إجراءات تأديبية ضد المحامي المعتدي مهددة بعرض الأمر على المكتب الدائم المقبل في حال عدم الاستجابة. ذلك البيان استدعى ردًا من النقابة اعتبرت أن البيان المنسوب للأمانة العامة مفبرك ولا يعبر عن الحقيقة وحتى عبد الحليم علام نفسه قال؛ "إنه فوجئ بالبيان عقب عودته من تونس قائلا إن الأمين العام المكاوي بنعيسى كان برفقته حتى قبيل منتصف الليل يوم الاجتماع ثم ودعه صباحا قبل مغادرته مؤكدًا على أن البيان لا يمكن أن يصدر عنه فلغته متدنية واحتوى على أكاذيب تخدم شخصًا بعينه يسعى لأهداف شخصية". ووجه نقيب المحامين رسالة للمحامين قائلا: "ندعو جموع المحامين لعدم الانسياق وراء هذا البيان لأنه يهدف لإثارة الفتنة وخلق صراعات تهدد كيان الاتحاد". على الجانب الآخر بدا أن سامح عاشور يستعيد حضوره بقوة داخل أروقة الاتحاد؛ فقد نشر بنفسه البيان المثير للجدل على صفحته الرسمية مؤكدًا أن جميع المرشحين لمنصب الأمين العام تنازلوا لصالحه ما جعله المرشح التوافقي. وفي هذه النقطة يرى خصومه أن هذه الخطوة تمثل محاولة للالتفاف على الشرعية فيما يعتبره أنصاره أنه الأقدر على استعادة الاتحاد من حالة الجمود والانقسامات وإعادته إلى مساره التاريخي. ردود الأفعال استمرت من داخل مصر وخاصة من مجلس نقابة المحامين حيث وصف ربيع جمعة الملواني عضو مجلس النقابة العامة للمحامين بيان الأمانة العامة بالإفك والتضليل. وقال الملواني إن الوفد المصري شارك في الاجتماعات استنادا إلى رؤية قانونية تهدف لتطبيق النظام الأساسي خصوصا ما يتعلق باستبعاد أعضاء انتهت ولايتهم وسيطروا على الاتحاد لعشرين عاما. وأشار إلى أن المشاركة جرت على نفقة الأعضاء الشخصية دون تحميل النقابة أعباء مالية مؤكدا أن محاولات إبقاء الوضع القائم تصب في مصلحة أشخاص محددين لكن ما حدث مع النقيب الراحل رجائي عطية لن يتكرر فنقابة المحامين المصرية وأعضاؤها أكبر من أي تهديد وهم قادرون على التصدي لأي محاولة للنيل من مكانتها أو قيادتها. ◄ تجاوزات ولكن ويقول أحمد عبد المنعم المحامي بالنقض: أن ما جرى في تونس لم يكن لائقا فهناك تجاوزات حدثت بالفعل لكن أيضا لا يمكن إنكار أن الاتحاد يعاني من خلل هيكلي حقيقي وأن هناك أطرافا تريد الإبقاء على الوضع الحالي إلى ما لا نهاية، فمصر هي صاحبة الفكرة والإنشاء لاتحاد المحامين العرب منذ 1944 ولم تتوقف يوما عن دعم الاتحاد ماديا ومعنويا وأي محاولة لتقليص هذا الدور مرفوض. فيما يرى حسين محمود المحامي؛ أنه من حق نقابة المحامين المصرية في اختيار ممثليها في الاتحاد ولا يجب أن يتم فرض اسماء على النقابة مهما كانت هذه الأسماء ومهما كان تقديرنا لها، فهناك طرق شرعية للاختيار وهى الصندوق الذي جاء ب عبد الحليم علام نقيبا للمحامين وليس سامح عاشور. مؤكدا أن النقابة هي الجهة الوحيدة المخولة بتمثيل مصر داخل الاتحاد وأن أي قرار بتعيين أي شخص أو منحه منصب الأمين العام يعد اغتصابًا لحق النقابة الشرعي. أما رفعت عبد الستار المحامي بالاستئناف فقال: إن الاتحاد كيان مستقل لا يخضع لهيمنة نقابة واحدة مهما كان وزنها ومحاولة إقصاء عاشور خطأ تاريخي يفقد مصر نفوذها العربي. بعد هذه التصريحات وتحليلا للوضع والصراع الذي ما زال قائما بين شخصين كل منهما يملك شرعية مختلفة فالأول يستند إلى الصندوق وقيادة النقابة المنتخبة والثاني يستند إلى تاريخ طويل وتحالفات عربية لا يمكن إنكارها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه مع اشتداد الأزمة هو: إلى أين يتجه الصراع؟! هناك عدد من السيناريوهات المطروحة منها اعتقاد البعض أن الأمور ستنتهي بتسوية سياسية تُبقي على سامح عاشور في منصبه بالاتحاد مع منح النقابة ضمانات أقوى في التمثيل. وطبعا هذا السيناريو يقوم على منطق لا غالب ولا مغلوب ويحاول أن يحفظ ماء وجه الجميع لكن هل يقبله علام الذي رفع شعار لا شرعية بلا صندوق؟! سيناريو آخر يبدو أكثر تصادمية يتوقع أن تستمر النقابة في مقاطعة الاتحاد أو تقليص مشاركتها ما يعني عمليا إضعاف الدور المصري داخل الاتحاد وهو أمر قد يفتح الباب أمام دول أخرى لملء الفراغ فهل تتحمل مصر أن تفقد موقعا تاريخيا كان دائما محسوبا لها؟! السيناريو الثالث أن تتحول الأزمة إلى معركة قانونية؛ حيث تلجأ النقابة إلى الطعن على قرارات الاتحاد أو إثارة القضية في المحافل القضائية العربية. كلها سيناريوهات مطروحة لكن الحقيقة هو أن الأزمة الراهنة في اتحاد المحامين العرب تكشف عن مأزق عميق يتجاوز الأشخاص واللوائح إلى سؤال جوهري حول مستقبل الاتحاد نفسه وهل سيظل مظلة حقيقية للنقابات العربية أم سيتحول إلى ساحة صراع على النفوذ والمقاعد؟! الإجابة مرهونة بما ستسفر عنه الأيام المقبلة وما إذا كان القادة الحاليون قادرين على تجاوز الحسابات الشخصية والعودة إلى رسالة الاتحاد الأصلية التي تأسس من أجلها وهى الدفاع عن المحاماة وعن القضايا العربية المشتركة.