محمد كمال تعد قارة أوروبا من أكثر الأماكن التي ينتشر فيها طائر الوقواق، وهو كائن طفيلي يُعرف باسم «الطائر الخبيث»، إذ يمتاز بجمال شكله وألوانه، لكنه معروف بأنانيته المفرطة وسلوكه الانعزالي. يتغذى الوقواق على يرقات الفراشات، ولا يهتم برعاية صغاره، إذ يضع بيضه في أعشاش طيور أخرى تاركًا مهمة حضانة البيض وتربية الصغار لغيره. وقد برز اسم هذا الطائر مؤخرًا بعد اقترانه بعنوان مسلسل جديد عرض على منصة «نتفلكس»، وهو المسلسل الإسباني «The Crystal Cuckoo» أو «طائر الوقواق البلوري» للمخرجة لورا ألفيا، مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب خافيير كاستيلو، ويشارك في بطولته كاتلينا سوبيلانا وأليخاندرو جارسيا وأيتزيار إيتانو وإيفان ماساجيه وألفونس نيتو وتوماس دي إيستال، ويتكون المسلسل من ست حلقات. اختارت المخرجة طائر الوقواق تحديدًا ليكون رمزًا لقرية «يسكيس»، وهي قرية أسبانية خيالية تُشير الأحداث إلى أنها تقع في الشمال الشرقي لأسبانيا، بالقرب من العاصمة مدريد، وعلى بُعد أربع ساعات منها. وقد دفع هذا الأمر كثيرين إلى الاعتقاد بأن القرية ترمز إلى مدينة هويسكا الواقعة في مدينة أراغون، داخل إقليم الباسك شمال شرقي البلاد، وعززت هذه الفرضية اللقطات الافتتاحية للمسلسل التي صورت بواسطة الكاميرا العلوية (الدرون)، إذ ظهرت جبال البرانس التي تُحيط بمدينة هويسكا، تلتها لقطة لنهر أراغون، ثم لقطة علوية للغابة ذات الأشجار الكثيفة المتشابكة، وصولًا إلى لقطة متوسطة لذئب. تبدأ الأحداث عام 2005 في قرية يسكيس، حيث يخرج الضابط ميجيل فيرير من الغابة وهو ملطخ بالدماء، فيراه ابنه الصغير «خوان» ويسأله عما حدث، فيجيبه ميجيل «كان هناك شجار في العمل»، طالبًا منه عدم إخبار والدته حتى لا تقلق. ثم تنتقل الأحداث إلى عام 2022 في أحد مستشفيات مدريد، حيث تسقط الطبيبة الشابة كلارا فجأة. بعدها يعود المسلسل إلى عام 2004، حين كان ميجيل برفقة عائلته في رحلة إلى إحدى البحيرات، فشاهد حريقًا مشتعلًا في الجهة الأخرى، وعند وصوله إلى المنزل المحترق حاول إنقاذ امرأة بداخله دون جدوى، إذ تبين أنها الجثة الوحيدة في المكان. خلال التحقيق في الملابسات بمشاركة زميله «رافا»، اكتشفا أن المرأة «راكيل دوران» كانت منفصلة عن زوجها، وأصبحت مدمنة على مسكنات الألم، وتبين أنها زوجة «جابرييل»، خال رافا. نعود مجددًا إلى عام 2022، حيث تستيقظ كلارا في المستشفى بعد شهر كامل من الغيبوبة لتكتشف أنها تعرضت لأزمة قلبية تطلبت إنعاشًا لم ينجح، فاضطر الأطباء إلى وضعها على أجهزة الإعاشة إلى أن خضعت لعملية زراعة قلب بعد توفر متبرع. وبعد فترة العلاج والنقاهة، وفي عام 2023، رغبت كلارا في معرفة هوية صاحب القلب الذي زُرع في جسدها، وعلى الرغم من تذكير «مونيكا» زميلتها في السكن والعمل بأن المتبرعين في إسبانيا مجهولو الهوية، أصرت كلارا على البحث والتحري، إلى أن توصلت إلى أن المتبرع شاب يُدعى كارلوس، توفي في حادث سير. تواصلت كلارا مع والدة كارلوس، وهي «مارتا»، وهي أيضا زوجة الضابط ميجيل من قرية يسكيس. رفضت مارتا الحديث معها في البداية، ثم عادت ودعتها إلى القرية لتريها موطن كارلوس ولتحضر معها مراسم نثر رماده. وعندما وصلت كلارا، عرضت عليها مارتا صورة زوجها ميجيل، وقالت إنه «تركنا» منذ سنوات، أما الابن الأكبر لميجيل ومارتا، وهو خوان، فقد سار على خطى والده والتحق بالشرطة تحت قيادة صديق والده القديم رافا. خلال مراسم نثر الرماد، علمت كلارا من رافا أن ميجيل ليس ميتًا كما أوهمتها مارتا، بل مفقود. عملية زراعة قلب كلارا في الدراما ليست سوى حيلة درامية بديعة تنقل الطبيبة القادمة من المدينة الكبيرة إلى القرية البسيطة، قرية يسكيس الصغيرة ذات الأسرار الكبيرة، وهناك تكتشف كلارا أن سكان يسكيس اختفوا عبر العقود الماضية في ظروف غامضة، وكان يُعتقد دائمًا أنهم توفّوا لعدم وجود أدلة. لم يتخيل أحد أن ثمة رابطًا يجمع هذه الاختفاءات، وربما كان السبب اتساع الفجوات الزمنية بينها، ومن هنا تنطلق الأحداث في محاولة كشف الغموض المحيط بحريق عام 2004، ثم اختفاء ميجيل المفاجئ عام 2005، ووصولًا إلى القضية الجديدة التي شهدتها كلارا بنفسها عام 2023 حين اختفت طفلة رضيعة فجأة تُدعى «مانويلا». اعتمدت المخرجة لورا ألفيا في السرد على أسلوبين: الأول التنقل الزمني المستمر بين 2004 و2023 عبر مشاهد الفلاش باك المتعددة، والثاني المونتاج المتتالي الذي يعرض مشاهد متزامنة تنفذ بسلاسة وسرعة. كما استخدمت الرمزية الدرامية في نقطتين أساسيتين، أولاهما الطيور والحيوانات عبر اختيار طائر الوقواق رمزًا للقرية، وارتداء السكان أقنعة تجسده في مهرجانهم السنوي. فهو كائن طفيلي وأناني يعبر بدقة عن طبيعة شخصيات القرية، إذ تحمل جميعها الأسرار وتميل إلى الأنانية الشديدة، ولا يشغلها سوى كشف الحقيقة مهما كانت العواقب، بدءًا بميجيل الذي جعل قضية اختفاء شقيقته أولويته على حساب أسرته وابنه المريض كارلوس، وصولًا إلى الشخصيات الثانوية في يسكيس مثل «براويلو»، والد ماريا، الملقب ب»القط السكير»، وهو مدمن خمر يضع إدمانه فوق مصلحة ابنته. كما وظفت المخرجة الرمزية بين الكلاب والذئاب، وفكرة أن الذئاب كانت في الأصل كلابًا مستأنسة قبل أن تتوحش، وهي رمزية طُبقت على سكان القرية أيضًا. برعت المخرجة في التنقل الزمني دون أن تسبب ارتباكًا في التفاصيل، لكن الأسئلة بقيت مطروحة حول علاقة الحريق باختفاء شقيقة ميجيل، واختفاء عاملة محطة البنزين «سيلفيا»، وأيضًا خطف الرضيعة. وبدأت المؤشرات تتجه تدريجيًا نحو شخصية جابرييل، خاصة أن شكوك ميجيل كانت تحوم حوله منذ البداية، إذ لديه دوافع عدائية تجاه النساء، ومع ذلك ظل اختفاء ميجيل نفسه موضع الغموض الأكبر والتساؤل. في الحلقتين الرابعة والخامسة، تعود الأحداث عبر الفلاش باك إلى عام 1979 للتركيز على جابرييل وعلاقته بابن شقيقته رافا، وأسباب القطيعة بين والدته وشقيقه. ورغم أن هذه الخلفية بدت ضعيفة في البداية، باعتبار جابرييل غريب الأطوار وأن رافا نشأ بلا أب، تكشف التطورات التدريجية أن الغابة لعبت الدور الأكبر في تشكيل شخصية جابرييل، إذ جمعت بين غريزته الإنسانية الفطرية ونزعته الحيوانية المفترسة، مع أنانيته التي تبدو سمةً عامة لسكان القرية، وانتقلت أزماته الداخلية لاحقًا إلى رافا أيضًا. ركزت المخرجة لورا ألفيا على توظيف الغابة والحيوانات في افتتاح ونهاية معظم الحلقات؛ فإذا بدأت الحلقة بلقطة علوية للغابة تنتهي بمشهد لأحد الحيوانات كالذئب أو الكلب أو طائر الوقواق أو حتى قناعه، والعكس صحيح. وفي المشهد الأخير من المسلسل، وبينما تغادر كلارا القرية عائدة إلى مدريد بسيارتها، تتوقف فجأة أمام ذئب يقف في منتصف الطريق ينظر إليها بثبات، فتبادله النظرات بابتسامة ذات دلالات عديدة. وفي نهاية كل حلقة، تشير المخرجة إلى أن التصوير تم في وادي أمبروزو (المعروف عربيًا باسم وادي عمروس) الواقع في قرية كاثيرس «قصرش»، موجهة شكرها لسكان الوادي مؤكدة دعمها الكامل لهم بعد الحرائق التي دمرت المنطقة في صيف 2025، وتحديدًا في أواخر أغسطس الماضي، حين اجتاحت النيران منحدرات الوادي وهددت القرية بأكملها، وأطلق عليه السكان يومها اسم «الوحش». اقرأ أيضا: دراما أجنبية| موسم ثان من «Wednesday» واستبعاد بطل العمل