في ليلة حالكة السكون بشارع القشيشي بالمنشية الجديدة في شبرا الخيمة، اهتزت أركان الهدوء على وقع جريمة بشعة أنهت حياة شاب في ريعان شبابه، كل ذنبه أنه دافع عن حرمة منزله وعن سلامة أسرته وجيرانه في مواجهة تجار المخدرات. لم يكن «أحمد .م .ع» (32 عامًا)، محاسب بشركة القماش الحاصل على بكالوريوس التجارة، يعلم أن كلمات الحق التي نطق بها ستكلفه حياته، ليتحول حلم تجهيز عش الزوجية لخطيبته إلى مأتم غرق كل من حضره وتقبل العزاء فيه في دموعه ودمائه. تفاصيل ما حدث في شارع القشيشي بشبرا الخيمة نكشفه من خلال السطور التالية. كان الشاب أحمد نموذجًا للشاب المستقيم، معروفًا بطيبته وحسن خلقه بين أهالي المنطقة، يعيش وسط أسرته البسيطة المكونة من أربعة أشقاء بعد رحيل والديه، لا يحمل في سجله سوى السمعة النظيفة والسعي الدؤوب لتأمين لقمة العيش. كان أحمد على أعتاب حياة جديدة، فقبل الواقعة بثلاثة أيام فقط، أتم قراءة فاتحة خطبته على فتاة تعلق بها قلبه، وبدأ يجهز نفسه وشقيقه للخروج لشراء بعض الهدايا والأغراض لخطيبته، حاملًا حلمًا بسيطًا ببيت يؤسسه لزواجه القريب. لكن القدر كان يحمل له موعدًا مختلفًا، موعدًا مع الغدر والوحشية، بسبب موقف شجاع رفض فيه أن تتحول عتبة منزله إلى سوق لبيع السموم. «حرمة البيوت» قبل وقوع الجريمة بساعات، كانت اللحظات التي سبقت المأساة بمثابة نذير صامت، كدخان يتصاعد قبل أن يلحظه أحد، المتهمون، وهم ثلاثة أشخاص، كانوا يقفون أمام العقار الذي يسكنه أحمد، يوزعون المواد المخدرة في العلن دون أي خوف أو اعتبار لحرمة المكان وأهله. لم يتحمل أحمد وشقيقه هذا المشهد المخزي، فتقدما إليهم بهدوء وحزم، خاطبهم أحمد بكلمات بسيطة لكنها تحمل كل معاني الشهامة والرجولة: «ما ينفعش اللي بتعملوه، البيوت لها حرمة، وأنا عندي أهل بيتي وكمان في أطفال، مش هسمح ده يحصل أمام البيت»، طلب منهم بوضوح أن يبتعدوا ويبحثون عن مكان آخر لترويج سمومهم. كان هذا الكلام البسيط بمثابة الشرارة التي سقطت على قلوب امتلأت بالحقد والغل، اعتبر المتهمون كلامه طردًا وإهانة لا تغتفر، وأثناء انصرافهم من المكان، انهالوا عليه وعلى شقيقه بالسباب والشتائم بأقذر الألفاظ، ووجهوا لهما تهديدات صريحة بأنهم لن يتركوا الأمر يمر بهذه السهولة، وأنهم سيعودون للانتقام. ساعة الغدر لم يدر في خيال أو حتى توقع أحمد أن غضبهم من كلماته سيتحول إلى وحشية لا تعرف الرحمة، ومع اقتراب عقارب الساعة من الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، عاد المتهمون. لم يعودوا للنقاش، بل عادوا كغربان الشر، حاملين أسلحة نارية «خرطوش»، وعيونهم تضمر الكراهية والرغبة في الانتقام. وقفوا أمام عقار المجني عليه للمرة الثانية، رافعين أصواتهم التي اخترقت سكون الليل، ليؤكدوا تهديداتهم: «رجعنالكم تاني ومش هنخليكم تعيشوا علي وش الدنيا.» وسط حالة الفزع التي عمت المكان، خرج أحمد متماسكًا لمواجهتهم، غير متخيل أن الخلاف سيتصاعد إلى حد القتل، وخلال ثوانٍ معدودة، تحولت المشادة إلى مشاجرة دامية بالأسلحة النارية، أشهر أحدهم سلاحه، مطلقًا طلقة خرطوش، وفي لحظة غدر، استقرت الرصاصة في بطن الشاب الأعزل. سقط أحمد علي الأرض غارقًا في دمائه، يحاول التقاط أنفاسه الأخيرة، ركض إليه شقيقه «محمد .ع» (28 عامًا)، يصرخ مستغيثًا، محاولًا إيقاف النزيف ونقله إلى مستشفى ناصر العام بشبرا الخيمة، لكن محاولاته باءت بالفشل، فلقد كان الوقت أسرع من كل محاولة، ولفظ أحمد أنفاسه الأخيرة قبل حتى أن تمتد إليه يد طبيه، ليموت شهيدًا على يد شقيقه في مشهد مأساوي. رحلة السقوط تلقّت الأجهزة الأمنية بقسم شرطة شبرا الخيمة أول بلاغًا من مستشفى ناصر العام بوصول جثة الشاب مصابًا بطلق ناري في البطن. انتقل فريق البحث فورًا إلى المستشفى ومكان الواقعة، وتبين صحة البلاغ. أكد شقيق المجني عليه وشهود العيان؛ أن أحمد دفع حياته ثمنًا لرفضه توزيع الجناة للمخدرات أمام بيته. وأشاروا إلى أن المتهمين الثلاثة قتلوه ليجعلوا منه عبرة لكل من يتجرأ على الوقوف في وجههم أو منعهم من توزيع السموم. استمع فريق البحث إلى شهود العيان، وقام رجال المباحث بتفريغ الكاميرات المحيطة بموقع الحادث، مما أكد تصدي المجني عليه لهم ومنعهم من بيع المخدرات، وأنهم نفذوا مخططهم لقتله انتقامًا، وخلال ساعات، تمكنت أجهزة البحث من وضع الأكمنة المحكمة والقبض على المتهمين، وهم «محمد» الشهير ب «هش»، و»محمد.ع» الشهير ب «بني»، والثالث يدعى «خالد». كشفت التحقيقات عن المشادة الكلامية التي سبقت الجريمة، وتهديد المتهمين لأحمد وشقيقه، ووجهت النيابة العامة لهم تهمة القتل العمد، ورغم محاولة أحدهم ادعاء أن المجني عليه تعدى عليهم، إلا أنه اعترف بارتكاب الواقعة تحت ضغط الأدلة ومواجهته بملابسات الحادث. أمرت النيابة بحبس المتهمين أربعة أيام على ذمة التحقيقات، وجارٍ استكمال الإجراءات والتصريح بدفن الجثة بعد ورود التقرير الطبي. صرخة وإنهيار «قتلوا أخويا قدامي وكانوا عايزين يقتلوني أنا كمان.. مات على إيديا وأنا بنقله في العربية للمستشفى»، بهذه الكلمات المليئة بالحزن والأسى تحدث «محمد .ع»، شقيق المجني عليه، البالغ من العمر 28 عامًا ويعمل سائقًا. قال محمد وهو يتلقى واجب العزاء بصوت يسيطر عليه الانهيار: «كنت معاه وقت الحادث، أطلقوا النيران تجاهي أنا وشقيقي، أصيب أحمد بطلق ناري في بطنه، أخذ الرصاصة بدل مني.. جريت وراهم بس ضرب النار كان عشوائي، فعدت إلى أخويا علشان أوصل بيه لأي مستشفى بسرعة، بس مات على إيدي». وأضاف: «من يوم الحادث خطيبته منهارة تماما ومش مصدقة اللي حصل، ولم تكن خطيبته فقط، إخواته البنات وكل أهالي المنطقة، عمره ما عمل ولو مشكلة واحدة مع أي حد، منتظم في شغله ومستقيم في حياته. حسبنا الله ونعم الوكيل، ربنا يجيب له حقه بإذن الله». انتهت حياة أحمد علي، شهيد الشهامة، تاركًا خلفه أسرته المكلومة وخطيبته المصدومة وحلم زواج لم يكتمل اقرأ أيضا: الأجهزة الأمنية تكشف تفاصيل مقتل شاب على يد بائع مخدرات بالجيزة