استغل مبارك سيناء وترك 50 فى المائة من البدو يعيشون فى فقر.. وعلى القادة الجدد عدم قصر تركيزهم على إغلاق غزة فحسب نشرت جريدة الجارديان البريطانية منذ نحو الاسبوع مقالا لفواز جرجس استاذ العلاقات الدولية ومدير مركز الشرق الاوسط بكلية لندن للاقتصاد يقول فيه «ردا على الهجوم الذى وقع الاسبوع الماضى على الحدود فى شبه جزيرة سيناء، وأسفر عن قتل 16 جنديا، شنت طائرات هليكوبتر عسكرية مصرية هجومًا صاروخيا على متشددين اسلاميين مشتبه بهم فى سيناء، مما أسفر عن قتل 20 شخصًا. وقد شنت الهجمات الجوية على قرية تومة فى أول عمل عسكرى فى سيناء منذ حرب أكتوبر عام 1973 بينما احتشدت قوات الأمن قرب رفح على الحدود مع قطاع غزة الفلسطينى، استعدادًا لما وصفوه بمواجهة حاسمة مع المسلحين.
ولكن، ربما تتسبب تحركات الجيش فى تفاقم الوضع الخطير بالفعل، ما لم تعالج التحديات الخطيرة فى سيناء، وبوجه خاص الإحساس العام لدى سكانها من البدو بالتجاهل، والتمييز، والحرمان من حقوق المواطنة».
ويضيف جرجس أنه على مدى العقدين الماضيين، تدهورت الحالة الأمنية فى شبه جزيرة سيناء بسرعة، وساعد على تفاقمها الفقر المدقع والتهميش الاجتماعى والاقتصادى وما قامت به أجهزة مبارك الأمنية من التعامل بصورة خرقاء مع مجتمع البدو، وهو مجتمع يتسم بالعراقة والاعتزاز بالنفس. فقد بدأ من التسعينيات، ضخ المليارات من الدولارات الامريكية فى تطوير صناعة السياحة فى شرم الشيخ بجنوب سيناء وفى شبه الجزيرة بشكل عام، بينما ذهبت جميع الوظائف إلى أشخاص من خارج المنطقة، وليس إلى البدو ولم تصل الفائدة للاقتصاد المحلى.
وبالمثل، باع مبارك ورجاله مساحات شاسعة من أراضى سيناء إلى أصدقائهم الرأسماليين، مما أثار غضب البدو الذين شعروا أنهم مستبعدون من تطوير الأراضى الزراعية فى أرضهم. وعلى نفس القدر من الأهمية، أطلق مبارك بلطجية الأمن التابعين له ضد البدو المتمردين وقاموا بإذلال زعمائهم وإهانتهم؛ وهى خطيئة فاقمت حدة السخط فى المجتمع البدوى على سلطات القاهرة. وعلى مدى سنوات، حدثنى كثير من البدو عن شكاواهم ضد نظام مبارك، مؤكدين الاستغلال الاقتصادى لأراضيهم، وعدم احترام تقاليدهم الخاصة المتعلقة بالشرف والقيم.
ثم يشير جرجس إلى أنه بينما كانت قطط مبارك السمان تكنز ثروات من سيناء، عاش 50٪ من البدو حياة الفقر، مع انعدام فرص العمل. لذلك، اعتمدوا فى تدبير لقمة العيش على اقتصاد سرى، يشمل تهريب البضائع والاسلحة الى قطاع غزة المحاصر، والمهاجرين غير الشرعيين من الأفارقة والمصريين إلى أوروبا، والمخدرات. وتحولت سيناء بفعل غياب القانون على نحو متزايد إلى وجهة جاذبة للمجاهدين الساعين إلى الثروة، والمجرمين.
ومع تشديد الحصار الإسرائيلى على غزة عام 2000، بتعاون قوى مع مبارك، أصبحت سيناء طوق نجاة لحماس والفلسطينيين، وذلك عبر استخدام الأنفاق لتهريب الغذاء والسلاح. وتبنى بعض البدو قضية جيرانهم الفلسطينيين، الذين ذكرتهم محنتهم المأساوية بما يعانونه هم أنفسهم. ووجد التشدد أرضًا خصبة، اجتذبت البدو، والمتطرفين الفلسطينيين المعارضين لحماس، والحكومة المصرية واسرائيل وعشرات من الأجانب.
وينوه جرجس إلى أن تصاعد العنف فى الآونة الأخيرة، يذكرنا من جديد بالحاجة الملحة لحل الصراع العربى الاسرائيلى وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. والمفارقة، أنه تم تحميل حماس مسئولية هجوم المسلحين ضد الجنود المصريين. حتى إن هؤلاء المتشددين هاجموا حماس، واتهموها بالخيانة. ووجدت حماس نفسها بين مطرقة الحصار الاسرائيلى وسندان الجهاديين الذين يتوقون لمواجهة الدولة اليهودية عسكريًا.
ورغم أن سلطات ما بعد مبارك تدرك خطورة الازمة فى شبه جزيرة سيناء، وأمامها مهام ضخمة، إلا أن هناك قصورا فى الوسائل وضعفا فى الرغبة اللازمة للتعامل بفعالية مع مطالب البدو المشروعة، مثل تمكين المجتمع المحلى وتخصيص حصة من السياحة فى سيناء للاقتصاد المحلى.
وكان الرئيس محمد مرسى والجنرالات الحاكمون يأملون تأجيل ما لا مفر منه: إعادة بحث بنية الأمن المصرية بواسطة إسرائيل والولايات المتحدة بعد الإطاحة بمبارك، الذى تعاون مع إسرائيل فى فرض حصارها على قطاع غزة وقام بدور رجل واشنطن فى المنطقة. لكنهما لم تعودا قادرتين على القيام بذلك.
يختتم جرجس مقاله مشيرا إلى التحدى الذى يواجه القيادة المصرية الجديدة وهو بناء نظام لما بعد مبارك يضع الأولوية لأمن الإنسان بمعناه الواسع. وهذا يعنى التنمية الاقتصادية فى الداخل ووضع استراتيجية سياسية لتمكين المواطنين والمجتمعات المحلية وليس المحاسيب الرأسماليين والإسراع بالتوصل الى اتفاق سلام يوفر الأمن لإسرائيل والعدالة للفلسطينيين. كما أن أى نهج آخر يركز فقط على اغلاق قطاع غزة من سيناء تفضيل التعاون ضد الإرهاب سوف يلاقى معارضة شديدة من المصريين، ومن المرجح أن يفشل فى تحقيق الأمن للفلسطينيين والاسرائيليين والمصريين.