سواء أكانت إسرائيل بصدد إعداد خطة لاستقبال اللاجئين العلويين من سورية، أم أن ما نسب من كلام إلى رئيس أركان الجيش الإسرائيلى قد أُخرج من سياقه، فإن الافتراض الأساسى الذى يستند إليه الجيش الإسرائيلى ووزير الدفاع إيهود باراك لم يتغير، وهو أن عهد بشار الأسد يشارف على نهايته. يقول رئيس الأركان إن «الأسد من الأشخاص الذين سيقاتلون حتى الطلقة الأخيرة»، ولذا يجب الاستعداد لكل الاحتمالات، بما فيها حرب أهلية دموية فى سوريا ستدفع بالطائفة العلوية إلى البحث عن ملجأ لها خارج سوريا بما فى ذلك إسرائيل.
لكن من الصعب أن نجد على الأرض فى سوريا ما يعزز الافتراضات الإسرائيلية، ويدل الخطاب المتعالى للأسد، وهو الرابع له منذ بداية الأحداث، على أنه يقرأ الوقائع فى بلده بطريقة مختلفة عن قراءة خبراء الاستخبارات العسكرية لها. فإلى جانب سخريته من أغلبية الدول العربية ومن الجامعة العربية «التى لم تعد عربية وإنما أصبحت مستعربة، وتعمل بتأثير من الضغوط الخارجية»، على حد قوله، عرض الأسد خطة عمل ذات بعدين، هما: مواصلة ضرب المتظاهرين «بيد من حديد»، والتحضير لدستور جديد يعرض على الشعب السورى للاستفتاء فى نهاية شباط/فبراير أو بداية آذار/مارس.
وقد أثبت استمرار عمليات قتل المتظاهرين الشق الأول من خطته. وفى حال صح كلام عبدالحليم خدام، النائب السابق للرئيس السورى وأحد أهم المعارضين له اليوم، فإن الأسد ينوى إشعال حرب أهلية جديدة فى لبنان كى يصرف الأنظار عما يجرى فى سوريا إلى لبنان.
وعلى الرغم من صحة المعلومات التى تحدثت عن انتقال عدد من المواطنين العلويين الذين يسكنون فى مناطق ذات كثافة سكانية سنية إلى لبنان وتركيا، فإن أعداد هؤلاء ضئيلة ولا تشكل ظاهرة. وحتى الآن فإن أغلبية اللاجئين الذين غادروا سوريا هم من السنّة أو من المسيحيين ومجموعات قليلة من الفلسطينيين. كما أن المنشقين عن الجيش السورى لا يؤثرون فى وحدته ولا ينذرون بانهياره، إذ إنه من مجموع نحو 220 ألف جندى نظامى وأكثر من 280 ألف جندى فى الاحتياط، بلغ عدد المنشقين بالاستناد إلى مصادر المعارضة نحو 15 ألف جندى وضابط. وتشير مصادر المعارضة إلى وجود 1500 جندى وضابط فى السجون بتهمة التحضير للانشقاق.
على الصعيد السياسى، بدا الأسد كأنه مستعد للقبول بقرار جامعة الدول العربية والسماح لمراقبى الجامعة بالعمل فى سوريا. لكن منذ اللحظة الأولى لوصول هؤلاء المراقبين ظهر أن عملهم يعانى من مشكلتين، إذ إنهم خضعوا فى عملهم وتنقلاتهم لموافقة الاستخبارات السورية، كما برزت خلافات فيما بينهم بشأن كيفية نقل مشاهداتهم.
وكانت النتيجة أن التقرير الذى قُدم إلى الجامعة العربية يوم السبت جاء مرتبكا، وفى بعض الأحيان مغلوطا، الأمر الذى أدى إلى رفض بعض المراقبين ما تضمنه والتهديد بالاستقالة من مهمتهم.
إن الهجوم الذى تعرض له مراقبو الجامعة العربية من شأنه أن يؤدى إلى النتيجة التى يتطلع إليها الأسد، أى إقدام الجامعة على وقف عمليات المراقبة التى يقوم بها مراقبوها، الأمر الذى يسمح للأسد بمواصلة عمليات القمع.
إن استمرار مراقبى الجامعة العربية بعملهم لن يوقف القتل فى سوريا، لكنه سيشكل مرحلة أولى ستقرر الجامعة بعدها تحويل الموضوع السورى إلى الأممالمتحدة. ويبدو حتى الآن أن الأسد لا يخشى تدويل الأزمة السورية ما دامت روسيا تقف إلى جانبه وستمنع صدور أى قرار عملى، لذا فهو سيواصل إحباط عمل مراقبى الجامعة العربية، ويعتقد أنه قادر على قمع حركة الاحتجاج مهما كان الثمن.
فى هذا الوقت تبدو المعارضة السورية، التى أعلنت أمس أن خطاب الأسد «دفن المبادرة العربية»، عاجزة عن تشكيل بديل للسلطة، أمّا الجيش السورى الحر المؤلف من المنشقين عن الجيش ومن المدنيين الذين انضموا إليه فإن أقصى ما يمكن أن يقوم به هو خوض حرب عصابات ضد النظام من دون أن يحدث انقلابا.
استنادا إلى هذا كله، يصعب الاعتماد على مقولة إن نظام بشار الأسد يوشك على الزوال، ولا سيما مع استبعاد التدخل الخارجى من جانب واشنطن وأنقرة والعواصم العربية.