استمرار مجازر الأسد في سوريا تحت سمع وبصر العالم وسط عجز المجتمع الدولي * الشارع العربي يعتبر الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن بشأن سوريا رسالة عداء من الدول الكبري تجاه ثورات الربيع العربي * سيناتور أمريكي: حان الوقت لتسليح المعارضة السورية التي تقاتل ضد نظام بشار الأسد * الخناق يضيق حول النظام السوري ودول خليجية وأوروبية تطرد سفراء الأسد واتجاهات للاعتراف بالمجلس الوطني السوري د.ثناء فؤاد عبدالله شاءت أقدار الشعب السوري أن يستعيد الذكري الثلاثين لمجازر مدينة " حماه " التي ارتكبها حافظ الأسد الأب في 1982، وهو يخوض معاركه الشرسة وثورته الباسلة ضد المجازر التي يرتكبها بشار الأسد الابن منذ مارس 2011 وحتي اليوم ومجزرة النظام الجديدة في "حمص"، فيما يجسد مأساة مروعة لمعاناة شعب سوريا، وشعوب المنطقة من أحط نماذج الاستبداد والحكم الشمولي. وبينما شهدت الساحة الدولية وأروقة مجلس الأمن الدولي نوعا رديئا من المناورات وحوارات المصالح في الكواليس الخلفية، سعيا وراء إصدار قرار عربي غربي تقدمت به المغرب حول ما يجري في سوريا، فإن مسيرة بشار الأسد تمضي في طريقها لإبادة المعارضين والرافضين لاستمراره علي قمة السلطة، من خلال آلة القتل الجهنمية التي تحصد يوميا عشرات من ضحايا ثورة العزة والكرامة والحرية التي تخوضها المدن والبلدات السورية ضده. هذا، بينما تتوالي الأنباء التي تؤكد الانشقاقات المتزايدة في صفوف الجيش السوري في العديد من المناطق الساخنة، خاصة في المدن والقري التي دائما ما تكون مسرحا لمواجهات عنيفة بين الجيش السوري وقوات الأمن من جهة، والثوار المدنيين من جهة أخري، فيما بدأت الأنباء تتواتر بشأن مباحثات دولية لتوفير منفي دولي مقبول تمهيدا لمغادرة الأسد، وأكدت مصادر سورية وعربية، أن هذه المباحثات شملت دولا عربية وأوروبية مع شخصيات من داخل النظام السوري، ووجهاء رفيعي المستوي من الطائفة العلوية، بناء علي طلبهم، وصولا إلي بحث مستقبل النظام السوري، ولفت البعض الانتباه إلي الوصول إلي نتائج إيجابية، يتم إعلانها لاحقا. الفشل الدولي أصيب العالم بخيبة أمل شديدة عندما استخدمت روسيا والصين " الفيتو المزدوج " في جلسة 4 / 2 في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع القرار الذي يدين القمع الدامي في سوريا، وصوتت 13 دولة لصالح مشروع القرار الذي طرحه الأوروبيون والعرب بدعم من الجامعة العربية في محاولة لتسوية الأزمة في سوريا وإدانة الانتهاكات البشعة التي يرتكبها نظام بشار الأسد ضد المدنيين السوريين . وقد بدا واضحا، أن كلا من روسيا والصين، تبذلان كل ما في وسعهما لحماية النظام السوري، ورفض حتي إدانته من جانب المجتمع الدولي بالرغم مما يرتكبه من جرائم ترقي إلي مستوي جرائم حرب . وبعد الإحباط الذي سببه استخدام روسيا والصين للفيتو لمنع صدور القرار، اعتبرت عدة عواصم عالمية أن الدولتين تتحملان مسؤلية استمرار أعمال القتل والتنكيل والتعذيب التي يرتكبها بشار الأسد ضد شعبه، الذي يطالب بالحرية والديمقراطية. ومن الملاحظ أن مشروع القرار الذي وقفت وراءه المغرب وليبيا والبحرين والأردن والكويت وقطر والسعودية والإمارات وعمان وتركيا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا والمانيا والرتغال وكولومبيا وتوجو، حرص علي تلبية جميع التعديلات التي طلبتها روسيا، والتي تركزت علي الاستبعاد الكامل لأي إشارة لنقل سلطة بشار الأسد إلي نائبه فاروق الشرع كما كان في النص الأصلي للمشروع، كما تم استبعاد البند الخاص بمنع تدفق الأسلحة إلي سوريا، ولكن النص الجديد احتفظ بعبارة "المساندة الكاملة لعملية الانتقال السياسي في سوريا" والتي أصر عليها المندوب الفرنسي، ولكن دون التطرق إلي تفاصيل عملية انتقال السلطة التي تحدثت عنها الجامعة العربية في خطتها لحل الأزمة السورية التي طرحتها في يناير الماضي. والحقيقة أنه جرت محاولات ومساع دولية يائسة لإقناع روسيا بعدم استخدام الفيتو ضد مشروع القرار، بينما استخدمت موسكو جميع الأساليب لمراوغة دبلوماسيي مجلس الأمن إلي حد التهرب من الرد علي اتصالات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون كما ذكرت ذلك متحدثة الوزارة، بل وتهديد الدول الكبري بما أطلقت عليه "الفضيحة " في حالة اقرار مشروعها بشأن سوريا. ويبدو أن الهاجس الأكبر الذي أحاط بالموقف الروسي هو اتخاذ مواقف صلبة لمنع تكرار السيناريو الليبي في سوريا، بما يؤدي إلي التدخل الدولي العسكري لوقف قمع النظام السوري ضد المدنيين السوريين، وقد حاولت الدول الكبري إقناع المندوب الروسي أنه ليس واردا تكرار هذا السيناريو بحذافيره، ولكن دون جدوي. أما عن الجانب العربي فقد طالب علي لسان رئيس الوزراء القطري ورئيس اللجنة العربية المعنية بالأزمة السورية الشيخ حمد بن جاسم آل ثان بأن تقوم الأممالمتحدة بدورها في مساندة الجامعة العربية من أجل وقف أعمال العنف وضمان حق الشعب السوري في التعبير والتظاهر السلمي وإقرار خارطة الطريق لمخرج سياسي من الأزمة عن طريق حوار وطني بين جميع أطياف الشعب السوري . هذا مع حرص كامل من جانب رئيس اللجنة العربية والأمين العام للجامعة العربية علي التأكيد بأنهم لا يطالبون الدول الكبري بالتدخل العسكري في سوريا، والحرص الكامل علي وحدة وسيادة وسلامة الدولة السورية، والتشديد علي ضرورة الدعم من جانب مجلس الأمن الدولي، للجامعة العربية، وليس الإحلال محلها، وكانت الدول الخليجية التي تقف وراء المبادرة العربية تعول كثيرا علي الدعم الدولي، مؤكدة أن استخدام روسيا والصين للفيتو سيفسره الشارع العربي علي أنه عداء للشعوب العربية . وقد نص مشروع القرار الذي لم يكتب له أن يري النور حتي الآن علي إدانة استمرار الانتهاكات الجسيمة وواسعة النطاق ضد حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ومطالبة الحكومة السورية بوقفها، وإدانة جميع أشكال العنف أيا كان مرتكبها، ومحاسبة المسئولين عنها، وإطلاق سراح المحتجزين بشكل تعسفي، وسحب جميع القوات المسلحة من المدن والبلدات السورية، وضمان حق التظاهر السلمي، والسماح لجميع المؤسسات التابعة للجامعة العربية ووسائل الإعلام الدولية بالتحرك دون عوائق في أنحاء سوريا، بما في ذلك بعثة الجامعة العربية، والمطالبة بعملية سياسية شاملة بقيادة سورية في بيئة خالية من العنف والخوف والترهيب والتطرف وتلبية تطلعات الشعب السوري المشروعة، إلي جانب المطالبة بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلي داخل سوريا بدون عوائق . ويبدو أن الظرف الدولي الحالي قد يدفع في طريق اللجوء إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتتولي حاليا قطر رئاستها، في محاولة للحصول علي تأييدها لدعم المبادرة العربية الغربية، وبنسبة تأييد تصل إلي 70% في الوقت نفسه فإن الفيتو الروسي الصيني الذي أغضب الأوروبيين والغربيين عموما دفع للسير في اتجاه آخر لتشكيل ما أطلق عليه "مجموعة أصدقاء الشعب السوري" بهدف العمل علي فرض العقوبات الإقليمية ضد سوريا لتجفيف مصادر التمويل وشحنات الأسلحة التي تبقي علي استمرار آلة الحرب " ومن المتوقع أن يشارك في هذه المجموعة دول أوروبية وعربية مع الولاياتالمتحدة ودول أخري مثل كندا واستراليا، ويبدو أن الجانب الفرنسي يبدي حماسا كبيرا وراء تشكيل هذه المجموعة باعتبار أنها وسيلة مهمة تساعد علي تطبيق المبادرة العربية حول سوريا، بدون إسقاط النظام، وتفادي احتمالات نشوب حرب أهلية، وبما يوفر خروجا مقبولا للرئيس السوري بشار الأسد. لعبة المصالح بعث فشل مجلس الأمن الدولي في استصدار قرار بإدانة القمع الدموي في سوريا برسالة مزدوجة، الأولي للنظام السوري بأنه يستطيع الاستمرار في التنكيل بالشعب الطامح للحريات والتغيير السياسي بدون محاسبة وإدانة دولية، والرسالة الثانية للشعب السوري بأن مصيره يبقي رهنا بقدرته علي الصمود وتحدي آلة القتل العمياء للنظام، وأيضا بالحسابات الدولية وتوازنات لعبة المصالح واستخدام الأوراق بين الدول علي المستويين الإقليمي والعالمي . فمن ناحية، تتذرع روسيا في موقفها، ومعها الصين بدرجة ما، بالقانون الدولي والشرعية الدولية وتطبيق مبدأ عدم التدخل في نزاع تعتبره موسكو داخليا بين بشار الأسد وشعبه، ويمكن حله بالحوار بين مختلف الأطراف، غير أن العنصر الكامن والخفي في الموقف الروسي لا يعدو أن يكون محاولة روسية لاستثمار الموقف إلي أقصي درجة ممكنة دعما لمصالح اقتصادية وجيوسياسية لا تنازل عنها أمام الدول الغربية، فهناك العديد من اتفاقات وصفقات الأسلحة التي ابرمتها سوريا مع روسيا في العامين الماضيين، بمليارات الدولارات، وتريد روسيا استمرارها بأي ثمن، بغض النظر عما يدفعه الشعب السوري من دماء أبنائه، في الوقت نفسه، هناك مصالح روسيا الاستراتيجية والمتمثلة في استمرار البقاء الروسي العسكري في قاعدة " طرطوس " السورية البحرية، وقاعدة "تدمر" الجوية . هذا فضلا علي اتخاذ روسيا لموقف احترازي مسبق خشية أن يؤدي تغيير النظام السوري الحالي إلي تولي التيار الإسلامي السلطة، استمرارا لصعود الإسلاميين في دول الربيع العربي، مما يدفع في اتجاه انتشار الإسلام المسلح في الفناء الخلفي للاتحاد الروسي في منطقة آسيا الوسطي، ولموسكو فيها مصالح يتعين الحرص علي عدم تهديدها. بالإضافة إلي ذلك، تسعي روسيا للظهور بمظهر القوة الدولية العظمي، والتي لا تسمح لأحد بالاستهانة بمكانتها علي الساحة العالمية، وقد تبدّي ذلك في تهديداتها للدول الكبري بالفضيحة إذا ما سارت في طريق التدخل العسكري في سوريا، كما تبدي في الرد الخشن الذي استخدمه المندوب الروسي فيتالي تشوركين علي كلمات رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم الذي حذر روسيا من استخدام الفيتو حتي لا تخسر الدول العربية، فما كان من المندوب الروسي إلا أن رد عليه محذرا من أنه إذا بادر في الحديث معه باستخدام هذه النبرة مجددا، فإن ذلك سيعني أنه لن يكون هناك شيء اسمه قطر بعد اليوم! وقد عول الجانب الروسي علي الجهود التي قام بها وزير الخارجية سيرجي لافروف ومدير المخابرات ميخائيل فرادكوف إلي سوريا منذ أيام، في محاولة لإقناع بشار الأسد بتنفيذ سريع لإصلاحات سياسية يمكن أن تغيرالموقف لصالح النظام السوري، وهو ما تستبعده الدوائر العربية والغربية، ويقول المحلل العسكري الكسندر جولتر إن روسيا قد تغامر وتراهن علي " الحصان الخطأ "، وقد تؤدي كل الجهود التي تبذلها موسكو لنتائج عكسية تخالف المصالح الروسية، وقد يتغير النظام السوري، ومن ثمة تتغير تحالفات دمشق في اتجاه دول الخليج والدول الغربية، ابتعادا عن طهرانوروسيا . من ناحية أخري، فإن الموقف الأمريكي الإسرائيلي، يتم تكييفه أساسا بناء علي ما يمكن أن يؤدي إليه رحيل نظام بشار الأسد وتفكك صيغة السلطة في سوريا من تداعيات حالية ومستقبلية علي المصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك ضمان أمن واستقرار إسرائيل، والثوابت الإقليمية الدافعة في هذا الاتجاه في سوريا ولبنان والعراق، والتخطيط الأمريكي الإسرائيلي المرتقب تجاه البرنامج النووي لإيران، واحتمالات توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لمنشآت إيران النووية، فضلا عن تركيز واشنطن علي تأمين منطقة امدادها بالنفط الخليجي كمصلحة رئيسية طويلة الأمد. من ناحية ثالثة، تبدو منطقة الخليج في عجلة من أمرها، وهي تتذرع بمحاولة وقف إراقة الدماء في صفوف الشعب السوري، وذلك علي خلفية الأمل في سرعة إسقاط نظام بشار الأسد، لتمهيد الأرض لما ستؤل إليه المنطقة في حالة تدمير قوة إيران العسكرية، ووقف أو تأخير برنامجها النووي الذي ينطوي علي تهديدات محققة لأمن منطقة الخليج بأكمله، وبالتالي، تحاول دول خليجية جمع الأوراق المتساقطة من الخلل الاستراتيجي الراهن في المنطقة العربية من جراء ثورات الربيع العربي، وانشغال مصر الكامل بظروفها الداخلية وبالتالي محدودية دورها وتأثيرها الإقليمي في مجريات الأحداث الجارية، الأمر الذي أثار تساؤلات في دوائر عالمية عن قدرة السعودية و دويلات خليجية بلا ثقل سياسي أو استراتيجي في الحلول محل الدور المصري الغائب، وأثره الذي كان يمكن تفعيله في الأزمة السورية . أزمة النظام تؤكد مصادر سورية أن النظام السوري كلما شعر بتصاعد وخطورة الأزمة التي يواجهها، فإنه يزيد من التنكيل بالشعب والقسوة في سفك الدماء والتي وصلت في مذبحة حمص وحصارها إلي سقوط ما يقرب من 200 شهيد في يوم واحد وهدم مئات المنازل علي أصحابها . وتؤكد مصادر المجلس الوطني السوري أن أزمة النظام لم تعد علي مستوي القاعدة العسكرية المتوسطة أو الدنيا، بل وصلت إلي أوساط كبار العسكريين بعدما نشأت مشكلات كبري بين ماهر الأسد وحافظ مخلوف، وهما من كبار القيادات العسكرية الخمس التي تشرف علي العمليات العسكرية علي الأرض، ومع زيادة الإحساس بالفشل الميداني، فقد تحالف ماهر الأسد وآصف شوكت في مواجهة حافظ مخلوف، وتم تحميل الأخير مسئولية الفشل العسكري في ريف دمشق، مما يعني حدوث تصدع حقيقي داخل النظام، والذي فسره البعض علي أنه إشارة إلي قرب نهاية المعارك الفاصلة والحاسمة معه. ومن المؤشرات الواضحة علي أزمة النظام أن نسبة الالتحاق للمجندين من أجل الخدمة الإلزامية وصلت إلي "صفر"، ومع أن الجيش السوري ماتزال لديه إمكانات عسكرية هائلة فيما يخص السلاح، ولكن تنقصه وبقوة الروح القتالية والإرادة التي تدفع الجنود للاستمرار، حيث بدي تململ كبار الضباط والقيادات والجنود، وبالتالي تزداد يوميا نسبة المنشقين عن الجيش. ويقول قادة في الجيش السوري الحر إن سبب انشقاق الجنود المتوالي وانضمامهم للثورة هو تضليل الجنود وإبلاغهم أنهم يواجهون مسلحين علي الأرض، ثم يجد الجنود أن معركتهم مع أهاليهم المدنيين العزل، ويحدث ذلك بصورة أكبر في المناطق التي عانت ظلما اجتماعيا واقتصاديا منذ الثمانينيات، ومنها منطقة جبل الزاوية وحمص وامتدادا إلي حماه وادلب وريف دمشق، وبالتالي، فإن قسما كبيرا من الضباط والجنود يرفضون تنفيذ اطلاق النار علي المدنيين، وهناك ضباط علويين أعلنوا انشقاقهم، وتقدر بعض المصادر عدد المنشقين عموما بحوالي 30 ألفا . ونتيجة لذلك، فإن قدرة الأسد علي نشر كامل قواته بكامل قدراتها لإنهاء الاضطرابات المستمرة منذ 11 شهرا محدودة نظرا للمخاوف من أن تؤدي هذه الخطوة إلي مزيد من الانشقاقات في صفوف الجيش . ويقول الكاتبان خالد عويس وويليام ماكلين إن خيارات جيش الأسد تمثل معضلة، فهو إذا أخرج الأغلبية الكبري من المجندين فربما انقلبوا عليه إذا أمرهم بقتال أهاليهم، وإذا لجأ إلي قواته الرئيسية وأغلبها من العلويين لزيادة معدلات العنف فربما أدي ذلك إلي دفع السوريين إلي معسكر المعارضة، وعلي كل، فإنه كلما تصاعد العنف، كلما ازداد اعتماد الأسد علي الأقلية العلوية، وهو ما ينطوي علي المخاطرة بمزيد من الصراع الطائفي . أزمة المعارضة وجيشها في الأسبوع الماضي، تم إعلان تشكيل عسكري جديد للمعارضة أطلق عليه "المجلس العسكري السوري الأعلي" برئاسة العميد الركن مصطفي أحمد الشيخ، بهدف أن يكون بمثابة " الهيكل التنظيمي " للمنشقين لتحرير سوريا، حيث يتولي تنظيم صفوف الثوار ممن أتموا الخدمة الإلزامية والراغبين بالتطوع في كتائب المجالس العسكرية الثورية الفرعية في جميع المحافظات السورية وضم العسكريين المسرحين والمتقاعدين، ووصف بيان التشكيل المجلس بأنه هيكل تنظيمي مؤسساتي بعيد عن الانتماءات المذهبية والسياسية والعرقية والقومية، ولكن البيان لم يشر من قريب أو بعيد إلي الجيش السوري الحر بقيادة العقيد رياض الأسعد، وأكد البيان أن من مهماته تنظيم عمليات الانشقاق كفرق وليس كأفراد، ودعم دوافع الانقلاب علي النظام، غير أن علامات جديدة علي انقسامات المعارضة ظهرت من خلال مؤشرات التنافس بين المجلس الجديد وجيش سوريا الحر. ومن المعروف أن الجيش السوري الحر قد تشكل من عسكريين منشقين، وقد نظم نفسه في كتائب ولواءات عسكرية في عدة أنحاء من سوريا، وله قيادات في الداخل وفي الخارج في تركيا. وتؤكد الشواهد أن مشكلة الجيش السوري الحر تتمثل في أنه لا يستطيع الاحتفاظ بالأرض التي يسيطر عليها، ويتمثل إنجازه الرئيسي في شن هجمات تحقق زخما سياسيا ومعنويا بين السوريين المعارضين مما يضاعف الضغط ضد نظام الأسد. وعلي العموم، فإن المعارضة السورية بوجه عام، ومجلسها الوطني لايزال يعاني بعض التشرذم والانقسامات السياسية والأيديولوجية بين معارضي الداخل ومعارضي الخارج، وتبدو التحركات الثورية في الشارع السوري سابقة علي تحركات المعارضة المنظمة، ولا تمثل المعارضة في المجلس الوطني السوري سوي ما يقرب من 40% من معارضي الأسد. مسارات قادمة 1: علي المستوي العربي، بادرت دول مجلس التعاون الخليجية بسحب جميع سفرائها من سوريا ودعوة سفراء سوريا المعتمدين لديها إلي مغادرة البلاد وبشكل فوري، وعللت ذلك باستمرار رفض النظام السوري لجميع الجهود العربية لحل الأزمة وحقن دماء السوريين . إبان ذلك، ظهرت اتجاهات لدراسة فكرة الاعتراف بالمجلس الانتقالي السوري، وتفعيل نظام المقاطعة وفقا لقرار وزراء الخارجية العرب خاصة بنود المقاطعة ومنع الطيران السوري من الوصول إلي العواصم العربية. ولكن بوجه عام، يبدو التعثر في تسوية الأزمة السورية «عربيا» بعد فقدان القدرة علي الحصول علي دعم دولي وبعد استخدام الفيتو الروسي الصيني، حيث تم ارجاء اجتماع مجلس الجامعة العربية علي مستوي وزراء الخارجية والذي كان مقررا عقده السبت، وذلك علي أمل أن يتضح المسار العربي تجاه سوريا خلال اجتماع مجلس التعاون الخليجي الطارئ الأحد، وعلي عُهدة مسئولين خليجيين، يبدو أن الكل يستشعر "الورطة" التي تكتنف الموقف العربي بعد إخفاق مجلس الأمن في استصدار قرار كان من شأنه دفع المبادرة العربية للأمام . وفي هذا الإطار، بدأت تصريحات عربية خليجية تلمح إلي أن حل الأزمة السورية ليس بالضرورة أن يكون علي نمط ما حدث في النموذج اليمني، وقد يكون هناك فرصة للحل عن طريق الحوار، كما شددت الجامعة علي التنديد الشديد بالانتهاكات والتصعيد الوحشي الذي تقوم به القوات السورية، والتي قصفت بيوت السوريين لتنهدم علي رؤوس ساكنيها . 2: وبالقرب أيضا من المستوي الإقليمي، تحركت تركيا مجددا، وأعلن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إطلاق تركيا لمبادرة جديدة بشأن سوريا بهدف وقف إراقة الدماء في بلد تتقاسم معه حدودا تتجاوز 900 كيلومتر. ويبدو في هذا الصدد أن تركيا بصدد التفاهم مع الولاياتالمتحدة حول المبادرة المرتقبة (وهما شريكان في حلف شمال الأطلنطي) ويقوم وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو بزيادرة لأمريكا في الأسبوع الحالي لبحث الملف السوري، وكانت تركيا قد أعلنت منذ أيام أنها لن تعترض علي عمل عسكري يقوم به الناتو في سوريا، وباستخدام قاعدة "انجيرليك" التركية، وعموما، فإن تركيا تسعي منذ نشوب الأزمة في سوريا إلي توفير غطاء دولي لأي تحرك تقوم به في هذا الشأن، سواء غطاء من الجانب العربي، أو علي المستوي الأمريكي الأوروبي. 3: علي المستوي الأمريكي، والغربي عموما، قامت الولاياتالمتحدة بإغلاق سفارتها في دمشق وعلقت كل أنشطتها اعتبارا من 6 فبراير الجاري، داعية المجتمع الدولي لخطوات مماثلة، مع تأكيد بأن السفير الأمريكي سيحتفظ بمنصبه وسيتعاون من واشنطن مع المعارضة السورية لدعم الانتقال السياسي السلمي الذي يطالب به الشعب السوري بشجاعة نادرة. وقد واكب هذه الخطوة من جانب الولاياتالمتحدة، والتي وصفها البعض بأنها بمثابة "حرب دبلوماسية" تشنها واشنطن علي سوريا، بتصريحات ذات مغزي من جانب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أكد فيها أن الحل في سوريا قد يأتي عن طريق الحوار، وليس بالضرورة عن طريق تدخل عسكري . غير أنه أيضا وعلي المستوي الأمريكي، أكد السيناتور الجمهوري جون ماكين أنه علي الولاياتالمتحدة دراسة فكرة تسليح المعارضة السورية التي تقاتل القوات التابعة لنظام بشار الأسد، وقد علقت بعض المصادر علي ذلك بأن فكرة تسليح المعارضة تعتبر تمهيدا، في مرحلة قادمة، لبحث التدخل العسكري في سوريا، إذا لم يتدارك النظام السوري، ويتخذ خطوات تجهض التحرك في هذا الاتجاه. أما علي المستوي الأوروبي، فإن تحركات نشطة يقوم بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل سواء في اتجاه المحاولة مجددا مع روسيا والصين للعدول عن رأيهما في تصويت مستقبلي، أو في اتجاه دعم مجموعة أصدقاء الشعب السوري التي أعلن عنها مؤخرا . ويأتي ذلك في إطار ضغوط تمارسها الدول الأوروبية علي نظام الأسد، وقد أعلنت كل من باريس وروما وبرلين سحب سفرائها لدي سوريا لتلحق بعواصم أخري أخذت نفس الموقف وهي لندن وبروكسل، بينما سعت السلطات الاسترالية إلي توسيع حظر السفر والعقوبات المالية المفروضة علي قادة سوريين . 4: أما علي مستوي روسيا فقد مثل لقاء لافروف والأسد محاولة روسية " مستمية " لتغيير صورة الأسد عربيا وعالميا، ويبدو أن موسكو تعول كثيرا علي الوعود التي يعلن عنها الأسد حول إجراء إصلاحات سياسية، وأنه تم بالفعل إعداد دستور جديد لسوريا وسوف يتم الاستفتاء عليه في وقت لاحق . ويقول وليام ماكلين وستيف جاترمان إن روسيا تسعي لإنقاذ آخر قدم رئيسي لها في العالم العربي في مواجهة منافسين غربيين، ويعلق محللون آخرون بأن موسكو استخدمت الفيتو ليس حبا في الأسد أو أملا في عودة سوريا إلي وضع ما قبل اندلاع الصراع، بقدر ما هو رغبة قوية من جانب رئيس الوزراء فلاديمير بوتين في تحدي المساعي الغربية الرامية إلي فرض التغيير السياسي في منطقة تتنافس فيها الدول الكبري، وفي وقت حيوي بالنسبة لمستقبل بوتين الذي يستعد لخوض معركة انتخابات الرئاسة في مارس المقبل. أيضا علي المسار الروسي، فإن تحركات موسكو تسير في عدة اتجاهات، كما تشي بها المؤشرات ظاهريا، فمن ناحية، هناك الهدف الرئيسي المتمثل في احتواء النفوذ الغربي في دولة تعتبر أهم حليف لروسيا في العالم العربي، ومن ناحية ثانية، هناك احتمالات بوجود مساع روسية لإبرام اتفاق مع الأسد لإنهاء "متفق عليه" لوجوده في قمة السلطة في سياق عملية تغيير سياسي محكومة، ويمكن أن تكون لصالح موالين لنظام الأسد، ومن ناحية ثالثة، فإن الجهود الروسية والحرص علي عدم خروج إدارة الأزمة السورية من يدها يمكن أن تصل إلي تأمين الخروج الآمن لبشار الأسد وكبار ضباطه ومعاونيه ممن تورطوا في دماء السوريين من سوريا، وقد يعتبر ذلك علي مستوي السوريين حلا مقبولا، ويبدو أن هذه التكهنات تنطوي علي بعض المصداقية نظرا إلي حرص المسؤل الروسي علي اصطحاب مدير الاستخبارات في زيارته لسوريا وهو ما يفسر علي أنه محاولة من موسكو لشرح المخاطر التي تكتنف الأسد ونظامه فعليا في ظل الأزمة الراهنة. وفي أثناء زيارة لافروف لسوريا، بادر الجانبان بتأييد المبادرة العربية، بل وطالب الرئيس السوري بعودة المراقبين العرب إلي سوريا وتوسيع مهمتهم، ولكن أثناء الزيارة سقط المئات من السوريين تحت وطأة العنف الوحشي الذي يمارسه نظام الأسد، ومع ذلك تستمر موسكو في استخدام " نغمة " الحل في نطاق النظام السوري القائم، الأمر الذي انعكس علي مواقف العواصم الأوروبية التي انتقدت الموقف الروسي بقوة، إلي حد دفع البعض للتكهن بعودة الحرب الباردة بين روسيا والغرب، علي خلفية الملف السوري، وتوقع خبير ألماني يعمل في وسائل إعلام روسية بأن تؤدي الملاسنات الراهنة بين روسيا والغرب إلي فرض عقوبات علي روسيا، وبالرغم من المبالغة في هذا الأمر، فإن كثيرين لا يستبعدون أن تصعد واشنطن وأوروبا في المرحلة الحالية من الانتقادات الموجهة للانتهاكات الجارية في كل من منطقتي القوقاز والتبت.