يقول الباحث المغربي، الدكتور عبد القادر جموسي: "إن فلسفة الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا هي مشروع معرفي، يهدف إلى تقديم قراءة شاملة للوجود". وقال عبد القادر جموسي: "إن فلسفة باروخ سبينوزا عبارة عن مشروع معرفي يسعى إلى تقديم قراءة شاملة للوجود، قراءة تنطلق من إيمان راسخ بقدرة العقل الإنساني على فهم نظام الطبيعة الشامل." وأضاف: "لكن هذا الطموح المعرفي العقلاني أثار حول الفيلسوف جدلا واسعا، دفع بالعديد من قرائه إلى اتهامه بتعليم الإلحاد فيما اعتبره آخرون، ويا للمفارقة، فيلسوفا منتشيا بحب الله." وكان جموسي يتحدث في كتابه "حياة سبينوزا.. من الطائفة إلى الدولة" الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في 111 صفحة متوسطة القطع. والمؤلف من مدينة القنيطرة في المغرب وله كتب سابقة منها "عودة جلجامش" و"الأمير .. نيكولو ماكيافيلي" و"رباعيات أربع" للشاعر ت. إس. إليوت وغير ذلك. وقال الكاتب: "وتكاد تكون النقطة التي لا يختلف حولها الدارسون على مدى تعاقب الأزمنة هي سمة "العمق" و"التعقيد" التي تميز طروحات سبينوزا ورؤيته للعالم التي ما تزال تثير الأسئلة وتعدد التأويلات. وهي السمة نفسها التي دفعت بأقرب أصدقائه ومحاوريه، أثناء حياته إلى التعبير عن دقة موضوعاته فكانوا يلحون عليه لتقديم المزيد من الإيضاحات لتسليط الضوء على آرائه ونظرياته الفلسفية المستجدة." غموض سبينوزا وقال متحدثًا عن أساليب يعود بعضها إلى القراء أنفسهم، لا إلى الفيلسوف "وفي تقديري الشخصي فإن الأسباب التي جعلت أعمال هذا الفيلسوف العظيم تتسم بالغموض وتستعصي على الفهم، تعود إلى اعتبارات عدة نذكر منها على سبيل المثال ما يلي: "أولا: اختياره للمنهج الهندسي في عرض أفكاره ومعالجة إشكالاته الفلسفية." ثانيا: "انطلاق قرائه من أحكام عقائدية وأيديولوجية مسبقة تعوق إدراكهم لأفكاره في سياقها وأفقها المعرفي الجديد". ثالثا: "اقتصار معاصريه على نصوص محددة مما جعل قراءتهم تكون مجزأة ولا تلم بمبادئ ومقاصد فلسفته في نسقها وشموليتها". رابعا: "اختلاف السياقات التي ارتبطت بها فلسفته من سياق ديني وديكارتي وسياسي." وتابع قوله: "أما اليوم فتبدو المسافة النقدية مع مشروع سبينوزا الفلسفي ملائمة لإعطاء فكرة أوضح عن الفيلسوف وحجم إسهامه في تاريخ الفكر الفلسفي الإنساني. وما هذه السيرة التي أقدمها بين أيدي القارئ العربي سوى محاولة لرسم صورة حية للفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا، اتبع فيها أطوار مساره الفلسفي في علاقتها مع حياته الشخصية. وأضاف: "ذلك على قاعدة أن سيرة حياة أي فيلسوف هي بمثابة مفتاح لولوج عالمه واستقبال أفكاره ونظرياته. ولعل القارئ يتبين من هذه السيرة مصدر نشوء العديد من أفكار سبينوزا من رحم تفاعله وسجالاته مع رجالات عصره من علماء وفلاسفة أمثال كريستيان هيجنز وروبرت بويل وليبنز." سبينوزا وديكارت
وتحدث عن بداية سبينوزا على خط الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت. وقال: "ابتدأ سبينوزا مساره الفلسفي ديكارتيا في وقت كانت فيه الديكارتية هي المعبر الصريح عن الفكر العلمي الصاعد مقابل الفكر المدرسي (الاسكولائي) وتقاليد اللاهوت اليهودي - المسيحي السائدة. وهو ما أكسب ديكارت لقب مؤسس الفلسفة الحديثة دون منازع. وفي فصل بعنوان "ملحق: المنهج التأملي وإصلاح العقل" يقول المؤلف "يشكل كتاب (رسالة في إصلاح العقل) سيرة ذاتية فلسفية فاصلة بين مرحلتين من مسار التطور الفكري لسبينوزا: مرحلة ما قبل فلسفية ومرحلة فلسفية". مضيفا "ينطلق سبينوزا في (إصلاح العقل (بروح إيجابية مدركة لهدفها ومصممة على تحقيق الطفرة الوجودية اللازمة لسن حياة جديدة وعلاج النفس من كل شر على أساس أن الشر ليس من طبيعة رافضة لكل علاج. ثم أن تحصيل الفهم الصحيح، بما هو ماهية الفكر، لا يتأتى إلا عن طريق تطهير العقل وشفائه من كل متعلقات الحياة اليومية". ويتابع: "يبتدئ الفيلسوف بحثه من صميم التجربة الشخصية ليتخذ بعد تأمل عميق موقفه الحاسم من الأوضاع الإنسانية المتقلبة والفانية التي لا تورث النفس سوى الإحباط والحزن. وعلى هذا الأساس يستنهض سبينوزا قدراته العقلية الفطرية في سبيل البحث فيما إذا كان يوجد شيء يكون خيرا حقيقيا تزهد النفس فيما عداه ولا تتأثر بسواه".