الرئيس السيسي: سيناء بقعة غالية من أرض مصر المقدسة    سعر الدولار يواصل النزول أمام الجنيه اليوم 25-4-2024    أسعار الخضروات اليوم الخميس25-4-2024 في قنا    هل التوقيت الصيفي يجلب فوائد ملموسة لمصر؟    بث مباشر.. كلمة الرئيس السيسي بمناسبة الذكرى ال 42 لتحرير سيناء    الأوقاف الإسلامية: 700 مستوطن اقتحموا المسجد الأقصى منذ ساعات الصباح    ترتيب هدافي دوري روشن السعودي قبل مباريات اليوم الخميس 25- 4- 2024    حالة الطقس اليوم الخميس25-4-2024 في محافظة قنا    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بمحاور القاهرة والجيزة    قيادي في حماس: إذا قامت دولة فلسطين مستقلة سيتم حل كتائب القسام    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    لأول مرة .. أمريكا تعلن عن إرسالها صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا    وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ البنية الفوقية لمحطة الحاويات «تحيا مصر 1» بميناء دمياط    تفاصيل اجتماع أمين صندوق الزمالك مع جوميز قبل السفر إلى غانا    قطع المياه عن سكان هذه المناطق بالقاهرة لمدة 6 ساعات.. اعرف المواعيد    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    بسبب ماس كهربائي.. نشوب حريق بحوش في سوهاج    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق مصنع بالوراق    شاب يُنهي حياته شنقًا على جذع نخلة بسوهاج    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    كيفية الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الافتاء توضحها    6 كلمات توقفك عن المعصية فورا .. علي جمعة يوضحها    حكم الحج بدون تصريح بعد أن تخلف من العمرة.. أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    «الاتحاد الدولي للمستشفيات» يستقبل رئيس هيئة الرعاية الصحية في زيارة لأكبر مستشفيات سويسرا.. صور    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    إزالة 7 حالات بناء مخالف على أرض زراعية بمدينة أرمنت في الأقصر    «الجمهورية»: الرئيس السيسي عبر بسيناء عبورا جديدا    عائشة بن أحمد تتالق في أحدث ظهور عبر إنستجرام    إعلام فلسطيني: شهيد في غارة لجيش الاحتلال غرب رفح الفلسطينية    «الأهرام»: سيناء تستعد لتصبح واحدة من أكبر قلاع التنمية في مصر    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    الشرطة الأمريكية تعتقل عددًا من الطلاب المؤيدين لفلسطين بجامعة كاليفورنيا.. فيديو    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    مستشار سابق بالخارجية الأمريكية: لا يوجد ضوء أخضر أمريكي بشأن اجتياح رفح    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    بالصور.. نجوم الفن يشاركون في تكريم «القومي للمسرح» للراحل أشرف عبد الغفور    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    فرج عامر يكشف كواليس «قرصة ودن» لاعبي سموحة قبل مباراة البلدية    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    عماد النحاس يكشف توقعه لمباراة الأهلي ومازيمبي    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    تجربة بكين .. تعبئة السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة وإنهاء الاستيراد    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفكر الاجتماعي في العصر الحديث - الحلقة الثالثة عشر - مدرسة الفلسفة المثالية ودور العقلية البابلية في ميلاد العقلانية الغربية وكشف الخرافة التي هيمنت على العقل الغربي حول معجزة التوراة
نشر في شباب مصر يوم 28 - 01 - 2012


الفكر الاجتماعي في العصر الحديث
الحلقة الثالثة عشر
مدرسة الفلسفة المثالية ودور العقلية البابلية في ميلاد العقلانية الغربية وكشف الخرافة التي هيمنت على العقل الغربي حول معجزة التوراة
يوسف حجازي
عودة الذات الإنسانية إلى ذاتها
المصطلح عبارة كلمة تنطلق من الفكر لتعبر عن الفكر ، وقديما قال فيلسوف الصين كونفوشيوس ( 551 ق م – 479 ق م ) عندما سئل ماذا سوف تفعل اول ما تفعل لو وليت السلطة قال سوف احدد للعبارات معانيها ، وعلى أساس ذلك وانطلاقا من ذلك نستطيع أن نقول أن الفلسفة قي الاصطلاح هي الإطار الفكري والنهج العقلاني الذي يوجه كل أقوالنا وأفعالنا وسلوكنا في السر والعلن وفي الباطن والظاهر ، وقد كانت الفلسفة في بداياتها الأولي مرتبطة بالميتافيزيقيا ، ولكنها انتقلت إلى الأرض فيما بعد ، وقد كان سقراط ( 469 ق م – 399 ق م ) هو الفيلسوف الذي انزل الفلسفة من السماء إلى الأرض ، وهذا يعني ثورة بكل المقاييس لأنه يعني أن تعود الذات الإنسانية إلى ذاتها والخروج من دائرة الغيبيات التي وضعت الإنسان في موقع متوسط بين الوثنية الطفيلية وعمليات الخلق البشرية للإلهة المتعددة بسبب عمليات بحث الإنسان المستمرة عن تفسير ظواهر ومظاهر ووقائع الطبيعة التي تحيط بالإنسان في كل مكان ، ولذلك كان الإنسان في عصر الميتافيزيقيا عصر الغيبيات القسرية للذات الإنسانية يعتقد أن خلف كل ظاهرة اله ، وقد ساعد هذا الاعتقاد على تعدد الآلهة وظهور الكهنوتية الدينية التي وجد الإنسان نفسه مرتبطا بها ولا يستطيع الفكاك من جبروتها ، ولذلك كان إنزال الفلسفة من السماء إلى الأرض ثورة ، لأنه يعني تفعيل الذات الإنسانية ، ولأنه يعني الخروج من دائرة الخوف من هذه الآلهة الذي ابتكرها الإنسان نفسه ، ولأنه يعني الخروج من دائرة تعدد هذه الآلهة إلى دائرة الاعتقاد بوجود اله واحد يسير هذا الكون ويفسر ظواهر ومظاهر ووقائع هذا الكون ، ولكن سفراط الذي انزل الفلسفة من السماء إلى الأرض ، ووضع الذات الإنسانية فوق سلطة معبد دلفي الكهنوتية ، وجعل الذات الإنسانية تعمل وفق منطق الوعي والتقدم والحرية ، ورفع شعار اعرف نفسك بنفسك ، ووضع الأساس للفلسفة المثالية الذي كان مؤسسها الأول تلميذه أفلاطون وسار على نهجه من بعده الفلاسفة المثاليون رينيه ديكارت ( 1596 – 1650 ) وباروخ سبينوزا ( 1632 – 1677 ) وغوتفريد ليبنتز ( 1646 – 1716 ) والفيلسوف القسيس الانجيليكاني جورج بيركلي ( 1685 – 1753 ) ( وايمانويل كانت ( 1724 – 1804 ) ويوهان غوتليب فيخته ( 1762 – 1814 ) وجورج فيلهالم فردريش هيغل ( 1770 – 1831 ) وفردريك فون شيلنغ ( 1775 – 1854 ) وادموند هوسرل ( 1859 – 1938 9 وغيرهم من الفلاسفة دفع حياته ثمنا لفلسفته وثمنا لثقافته وحكم عليه بالموت بتهمة اللاوطنية وإفساد عقول الشباب وعدم احترام الدين والهة أثينا ، وهكذا كان سقراط اول إنسان في التاريخ يعدم بسبب أفكاره وأول عضو مجلس شعب في التاريخ يعدم بسبب أفكاره ، لأنه كان يثق بالصوت الذي ينطلق من داخله والذي كان يعارض آلهة مدينة أثينا ، لأن سقراط كان فيلسوفا وفيلسوفا مثقفا في نفس الوقت ، فيلسوفا لأنه كان يعبر عن أفكاره بشكل منظم ويعيدا عن أي انفعال أو فوضى أو غوغائية ، وفيلسوفا مثقفا لأنه كان فيلسوفا يتخذ لنفسه رؤية خاصة تجاه كل شيء من لأشياء المعنوية والمادية في الكون ، وهو مؤسس فلسفة الأخلاق الأصلية والقاسم الذي يقسم الفلسفة إلى قسمين ، قسم إلى ما قبل سقراط وقسم إلى ما بعد سقراط ، وقد كانت فلسفته نقطة تحول الفلسفة من النزعة الطبيعية المادية إلى النزعة المثالية ، وقد كانت فلسفة سقراط تدور حول موضوع واحد وهو الإنسان ،والى جانب موضوع الإنسان كان سقراط يتناول الكون الطبيعي وموجوداته الحسية وظواهره لأنها مركز الإنسان وبيئته ومكان نشأته وتطوره .
هل كان سقراط مثاليا
عندما كان سقراط يعلم الناس ويناقشهم ويحاورهم ويطرح عليهم الأسئلة التي تحير عقولهم في طرقات أثينا وساحاتها وحدائقها كان السوفسطائيون الذين يدعون أنهم يحبون الجدل والحوار ويناقشون الناس في كل شيء بهدف تعليمهم يقولون أن القيم الاجتماعية والأخلاق الإنسانية نسبية وليست مطلقة ، أي أنها تتغير وفق المكان والزمان والحاجة ، ولذتك كان السوفسطائيون يعتبرون أن كل الأشياء تتغير بعد مرور الزمن ، لأن الأشياء تمر على الزمن وليس العكس ، لأن الأشياء نسبية تتغير والزمن مطلق لا يتغير ، ولتوضيح الصورة أكثر يمكن تشبيه الأشياء براكب دراجة هوائية تسير على الشارع ، وراكب الدراجة الهوائية هو الأشياء الموجودة في الكون والشارع هو الزمن ، وراكب الدراجة الهوائية (الأشياء) يتغير وضعه باستمرار ولكن الشارع ( الزمن) لا يتغير وضعه ، ولكن سقراط هاجمهم بكل ما أوتي من ثقافة وفلسفة وقال أن القيم الاجتماعية والأخلاق الإنسانية مطلقة في كل مكان وزمان وفي كل الحالات والظروف ، والمطلق لا يمكن تحييره وفق أهواء الناس ونزعاتهم السلطوية ، لأنه عكس النسبي ، ولأنه يعني التام أو الكامل ، ولأنه موجود في ذاته وبذاته ، ولأنه الواجب الوجود الذي يتجاوز الزمان والمكان ولا يرتبط بأرض أو شعب أو ظروف أو ملابسات ، والحقائق المطلقة هي الحقائق التي لا يستمدها العقل من الإحساس والتجربة ولكنه يستمدها من المبدأ الأول ، والمبدأ الأول هو المدلول الذي يتجاوز كل شيء ، وقد عرف هيغل المطلق بأنه روح العصر ، وعرف روح الأمة بأنه جوهرها ومطلقها ، وعرف الحقيقة المطلقة بأنها النقطة التي تتلاقى عندها كل الأضداد وفروع المعرفة جميعا من علم ودين ، وهي النقطة التي يتداخل فيها المقدس والزمني وهي وحدة وجود كاملة ، ولذلك أدرك سقراط خطورة تعدد الآلهة حتى اتهم بعداوته للآلهة واعدم بشجاعة لأنه كان قد رفض فكرة الهروب الذي عرضها عليه كريتون بعد أن يتدبر أمر الحراس في انتظار قدوم القضاة من جزيرة دلفي وقال أن ذلك يتناقض مع مبادئي ، ولأن الهروب يعني الخوف من الموت وهو يعتقد أن الخوف من الموت لا يجب أن يكون له وجود لدى أي فيلسوف حقيقي ، ولأن هروبه من أثينا سوف يجعل تعاليمه لا تلقى أي نجاح في أي مدينة أخرى ، ولأنه لن يستطيع محاورة أي إنسان ولأن كل من يقابله أو يحاوره سوف لا يحترمه ، ولذلك قال لن ارفض فلسفتي إلى أن الفظ النفس الأخير ، وكذلك رفض فكرة النفي لأن النفي كما قال اشد ألما من الإعدام ، وأضاف قائلا أنا لن أغادر أثينا لأنه ليس من عادة الثور العجوز تغيير زريبته المعتادة وعلى أي إنسان يوافق على العيش وفق القوانين المدنية أن يلتزم بهذه القوانين حتى وان كانت على حساب حياته ، ونظر إلى تلميذه كريتون وقال له لا تحزن يا كريتون فالإنسان يبدأ رحلة الموت منذ ولادته ، والبكاء اليوم يعادل البكاء يوم الميلاد ، ثم التفت إلى هيئة المحلفين وقال لهم من يعتقد انه يجب على الفيلسوف أن ينسحب من الفلسفة ينبغي له أن يفكر أيضا في انه لا بد للجنود أن ينسحبوا من ارض المعركة عندما يبدو لهم أنهم سوف يقتلون في هذه المعركة . وهكذا نرى أن سقراط كان هو من وضع حجر الأساس الذي قامت عليه الفلسفة المثالية على يد تلميذه أفلاطون ، وإذا لم يكن هذا هو الأساس الذي قامت على أساسه الفلسفة المثالية فكيف يكون الأساس، وإذا لم يكن تحويل مسار التفكير الفلسفي من التفكير في الكون وصانع الكون وعناصر تكوين الكون إلى البحث في ذات الإنسان هو الأساس الذي قامت على أساسه الفلسفة المثالية فكيف يكون الأساس ، وإذا لم يكن تحويل مسار النقاش إلى طبيعة الإنسان وجوهره هو الأساس الذي قامت على أساسه الفلسفة المثالية فكيف يكون الأساس ، وإذا لم يكن الإيمان بالخالق والبحث عنه واستخدام الدليل العقلي في البرهان على وجوده هو الأساس الذي قامت على أساسه الفلسفة المثالية فكيف يكون الأساس ، وإذا لم يكن نشر الفضيلة والصدق والمحبة بين الناس هو الأساس الذي قامت على أساسه الفلسفة المثالية فكيف يكون الأساس ، وإذا لم يكن اعتماد العقل والمنطق في التفكير وفي تحديد صحة التفكير أو بطلان التفكير هو الأساس الذي قامت على أساسه الفلسفة المثالية فكيف يكون الأساس
نشأة الفلسفة وتطورها وكشف خرافة معجزة التوراة الإلهية
كلمة فلسفة باللغة اليونانية تعني حب الحكمة وليس امتلاك الحكمة ، ولذلك نستطيع القول بدون الخوف من الوقوع في الخطأ أو التعصب أن الفلسفة جزء من حضارة كل أمة ولذلك نشأت في كل أمة ، وقد كشف علم البابليات أو علم الأشوريات وخاصة بعد فك رموز اللغة السومرية أن الحضارة الغربية الكونية لم تعد تنكر انتسابها إلى الحضارة البابلية الأشورية الكلدانية التي ازدهري قبل ظهور الثقافة الإغريقية ، وكانت الرائدة في اختراع الكتابة المسمارية والأبجدية الكنعانية وتدوين الشرائع والقوانين وتقسيم السنة إلى 360 يوما والساعة إلى 60 دقيقة ، وابتكار النظريات الأولى في الاقتصاد والفلك والهندسة والرياضيات ، والزراعة والعجلة والمحراث ، والسياسة والموسيقى ، وجدلية العلاقة بين الإلهة والإنسان ، وهو واقع عبر عنه عالم الأشوريات المفكر الفرنسي جان بوتيرو ( 1914 – 2007 ) المتخصص في العهد القديم وتاريخ الشرق الأوسط القديم الذي قال ( إنني مضطر ودون رومانسية ولا روح تحزب ولكن ببداهات المؤرخ وحدها إلى الاعتراف بأننا نستطيع أن نميز الحضارة البابلية كأقدم حالة للحضارة الغربية الحديثة على الخط التصاعدي المباشر ، والى الإقرار تبعا لذلك بأن العقلية البابلية هي الميلاد البعيد للعقلانية الغربية الحديثة برغم البعد الزمني بين الحضارتين والتباينات والتناقضات وكل ذلك التنكر المكابر ) وخاصة ما جاء في سفر مراثي ارميا في الإصحاح الخامس في النصوص التوراتية من تحامل وحقد على بابل وأشور ومصر ( داس مضطهدونا أعناقنا ، أعيننا ، ولم نجد راحة، خضعنا باسطين أيدينا إلى أشور ومصر لنشبع خبزا ) وما جاء في سفر مراثي ارميا في الإصحاح 25 ( وفي ختام السبعين سنة أعاقب ملك بابل وأمته وارض الكلدانيين على إثمهم وأحولها إلى خراب أبدي ) لكن هذا التحامل وهذا الحقد على بلاد الرافدين قد كشفت أسبابه النصوص المسمارية وسط دهشة البعض واحتجاجات البعض على مؤلفي التوراة الذين لم يستلهموا التوراة من تراث الكلدانيين فقط ولكنهم غرفوا وبكلتا اليدين من أفكار بلاد الرافدين التي قالوا أنها البلاد الملعونة من الرب ، لكن تقدم علم الآثار مكن العلماء وخاصة العالم الألماني فردريك ديليتش المتوفي في كانون الثاني 1923 ، والذي كان يتعاطى مع العلوم الشرقية وخاصة مع علوم الآثار البابلية وشرح أسفار العهد القديم العبرانية والآرامية من كشف حقيقة هذا التحامل وهذا الافتراء وهذه الخرافة التي هيمنت على عقول الغربيين حول خرافة معجزة التوراة الإلهية في محاضرته الجريئة والمبكرة التي ألقاها في برلين في كانون الثاني من عام 1903 ، وذلك يعد رجوعه من بابل حيث قال ردا على بعض الأسئلة التي وجهت إليه والتي كان مضمونها ، لماذا هذا التنقيب المكلف عن الآثار المتراكمة ، وما هو الداعي لهذا الجهد من البحث والتنقيب في بلاد الرافدين الذي لا يوجد فيها ذهب أو فضة ، ولماذا هذا التنافس ، وما الذي يدفع الناس إلى الاهتمام في البحث والتنقيب عن آثار بابل وأشور وسومر، وكان جوابه العهد القديم ( التوراة ) ، لأن نتائج الحفريات في بابل سوف تفتح مرحلة جديدة في فهم العهد القديم ، ولأن نتائج هذه الحفريات سوف تثبت أن العهد القديم وبابل سوف يظلان مرتبطان إلى الأبد ، ولأن العهد القديم كان المصدر الوحيد لمعرفتنا عن تاريخ المنطقة التي تمتد بين البحر الأبيض المتوسط والخليج وجبل ارارات ( جبل الجودي ) وأثيوبيا قبل عام 550 ق م ، وهي منطقة كانت تكثر فيها الألغاز التي كان من المستحيل حلها بدون الرجوع إلى العهد القديم ، ولكن بعد هذه الحفريات في بلاد الرافدين وخاصة في أشور وسومر وبابل بدأت الجدران التي تحيط بمسرح أحداث العهد القديم تتساقط ، وبعد فترة قصيرة لاحقة سقطت فكرة المعجزة الإغريقية في ولادة الفلسفة بعد أن بات مؤكدا أن حضارة الإغريق نفسها لم تنج من شعاع العقلانية البابلية وخاصة بعد أن بات مؤكدا أن فيثاغورس ( 580 ق م – 500 ق م ) وهو عالم رياضيات ومؤسس مدرسة الإخوة الفيتاغورسية ، والذي كانت فلسفته تمثل التيار الأقوى للاتجاه المعارض للعلم ، ولذلك كان يتبني الأفكار والأساطير المتوارثة بين الأجيال ولكن تلك التي لها صفة علمية في تفسيرها ، كما كان يعتبر نفسه شبيها للإله ويقع في موقع متوسط بين الله والإنسان ، ولذلك كان يقول هناك رجال وهناك الله وهناك أشياء مثل فيتاغورس ، ولذلك كان يرجع المسببات إلى الله الواحد غير المرئي ويرفض العالم المرئي ويعتبره عالم خاطئ وعالم ناقص ، وقد زار بابل يحثا عن المعرفة ، وكذلك كان زينون الرواقي الكنعاني مؤسس المدرسة الرواقية التي كانت تركز على الأفكار الأخلاقية للفضيلة الرواقية في التأكيد على الخير والسلام الفكري الناتج عن حياة الفضيلة بانسجام مع الطبيعة أيضا قد زار بابل بحثا عن المعرفة ، وكان أفلاطون أيضا قد زار بلاد الرافدين والشام ومصر وأكد ذلك في محاورة تيماس لبلاتون وفيها نجد كاهنا فرعونيا يخاطب سولون قائلا ( أيها اليونانيين ما انتم إلا كالأطفال أمام المصريين ) وهذا يعني انه كانت هناك فلسفة بابلية بالمعنى الحقيقي للفلسفة وليس بالمعنى المجازي ، لكن هذا لا يعني أن الفلسفة البابلية كانت تأخذ نفس المنظومة الفلسفية للفلسفة الإغريقية التي نعرفها في فلسفة سقراط وفلسفة أفلاطون وفلسفة أرسطو ، و نفس المنظومة الفلسفية في فلسفة الفارابي وفلسفة ابن رشد ، ونفس المنظومة الفلسفية في فلسفة هيغل وفلسفة كانت وفلسفة ديكارت ، لأن الفلسفة البابلية لم تكن فلسفة منهجية ولدت نتيجة تراكم مفاهيم ذهنية سابقة أو نتيجة تضارب هذه المفاهيم ، كما أنها لم تلد على يد مفكر فلسفي كان يعرف كيف ينظم أفكاره ليطرحها كمنظومة موحدة منسجمة كنظرية شخصية ، ولكنها كانت فلسفة تأسيسية انبثقت بنفسها ككل المنظورات الأشورية والبابلية الأخرى على شكل تأملات عقلية أولية عن الوجود واللاوجود ، ومن أشهر هذه المنظورات أسطورة الاينو - ايليتش ( عندما في الأعالي ) التي تقول في الأعالي لم يكن هناك سماء ، وفي الأسفل لم يكن هناك ارض ، لم يكن من الالهه سوى ابسو أبو الالهه ، وتعاميت أم الالهه ، وممو اله الضباب ، وتقول هذه الأسطورة أنه في الماضي لم يكن هناك أرض ولم يكن هناك سماء ولم يكن هناك زمن ، ولكن كانت هناك مياه يوجد فيها ثلاث ألهه ، الإله ابسو اله المياه العميقة ( العذبة ) وزوجته تعاميت إلهة المياه المالحة ( البحار ) والإله ممو اله الضباب ، وقد تناسلت هذه ألآلهة ، وابتدأ الزمن ، وامتلأت أعماق البحار المالحة ( تعاميت ) يالالهه الجديدة التي نشرت الفوضى في الكون بعد الهدوء والسكينة ، فغضبت الالهه القديمة وقررت قتل الالهه الجديدة ، وبدأ الصراع بين تعاميت ربة المجتمع الأنثوي أو المجتمع الامومي وبين مردوخ الإله الذكر واحد أبناء تعاميت ، وانتصر مردوخ وقضى على تعاميت وقسم جثتها إلى قسمين فرفع الأول وصار سماء وبسط الثاني وصار أرض ، وذلك كناية عن التخلص من السيطرة الأنثوية الأمومية عند البلوغ ، ثم خلق النجوم كمحطات راحة للالهه ، وخلق الإنسان من دماء الالهه الأسيرة كناية عن قداسة الإنسان وتفوقه على بقية الكائنات ، وأخيرا بني مدينة بابل وسخر الإنسان لخدمته فيها ، وذلك بالإضافة إلى عدد من الأساطير البابلية التي كانت متأثرة بالأساطير السومرية والتي ظهرت في العصر البرونزي الأوسط وحتى صعود الإمبراطورية الأشورية في العصر الحديدي القديم ، وتتألف هذه المثيولوجيا من مجموعة من القصص الأسطورية المتعددة التي تصور نشاط الالهه والإبطال والمخلوقات الأسطورية ، والحياة السياسية والاجتماعية وتفسير الظواهر الطبيعية والدينية والحضارية وخاصة أسطورة جلجامش في البحث عن الخلود وأسطورة قصة الطوفان وأسطورة ايرا اله الطاعون وأسطورة اللابو اله المرض وأسطورة عشتار وقانون حورابي وأسطورة ملحمة آدابا في البحث عن الخلود بكسر جناح رياح الجنوب وغضب الإله إيا الذي دعا الإله ادابا إلى المثول أمام الإله آنو كبير الالهه ، ولكن وقبل صعوده إلى السماء نصحه أن لا بأكل الطعام ولا يشرب الشراب الذي يقدم له في السماء لأنه سيموت ، وعند صعوده إلى السماء يرى آدابا الإله تموز ولكنه يرفض الطعام والماء الذي قدم له ، ولذلك خسر الخلود والأبدية لأن الماء الذي قدم له كان ماء الحياة الأبدية ، وأسطورة ملحمة إيتانا وهي قصة الملك إيتانا الذي صعد إلى السماء ليطلب من الحية رمز الطب أن تساعده في الحصول على العشبة التي تساعده على الإنجاب وغيرها من الأساطير والملاحم ، وهكذا يكون البابليون قد سبقوا طاليس ( 634 ق م - 543 ق م ) وهو أحد حكماء أثينا السبعة وأبو العلوم والفيلسوف الأول في الثقافة الإغريقية وهو في الأصل كنعاني في القول بان أصل الأشياء كلها هو الماء ، وكذلك الحال في مصر القديمة التي سبقت الإغريق في الفكر والفلسفة حيث كانت مصر تتميز بتراثها في مجال النحت والرسم واكتشاف اللغة الهيروغليفية وإقامة الدولة القومية وتأسيس المذاهب الفكرية والدينية ، ومن خلال هذا التراث نستطيع أن نستخلص مجموعة من الأفكار الفلسفية وخاصة في مجال نشأة العالم ، وفي تمثيلية منف نقرأ نص يقول أن الفكر هو أساس الوجود ، وأن الله هو الذي اوجد الوجود ، وهناك إشارة حركية تشير إلى هذا المعنى وهي ( أعلن أسماء كل الأشياء ، وهو المتسبب في كل ما يظهر واللسان الذي يعلن عن فكر ) وتشير هذه العبارة الفلسفية أن الله هو الذي اوجد العالم ، وفي مجال الأخلاق كان المصريون القدماء يميزون بين نوعين من الأفعال ، الأفعال المرغوبة والأفعال المكروهة ، وربطوا ذلك بالعقاب والثواب ، وفي تمثيلية منف ما يشير إلى ذلك حيث نجد عبارة تقول ( تمنح الحياة للمسالم ، ويمنح الموت للمذنب ، والمذنب هو من يفعل ما هو مكروه ) وفي مجال العدالة يوجد أكثر من نص نظرا لأهميتها في الحياة السياسية والاجتماعية وتشير تعاليم الحكيم بتاح حتب إلى العدالة باسم ماعت وهي كلمة هيروغليفية تعني القانون والنظام والدولة ، ويؤكد النص التالي أهمية العدالة حيث يقول ( عظيمة هي ماعت ، ناموسها يبقى ولم ينبذ منذ زمن صانعها ) كما يؤكد هذه الحقيقة الحكيم بتاح حوتب ، وفي مجال الخلود يميز المصريون بين النفس والجسد ولذلك كانوا يطلقون على النفس اسم الكا وعلى الجسد اسم البا ، والنفس في تقديرهم خالدة والجسد في تقديرهم فان ، ولذلك عملوا على إبقاء الجسد من خلال تقنيتين التحنيط والأهرام ، ولكن المصريون الذين أمنوا بفكرة الخلود لم يؤمنوا بالخلود لكل الإفراد ولكنهم امنوا بالخلود للفراعنة والمقربين منهم فقط دون غيرهم ، ولذلك نرى أن التحنيط كان يقتصر على الفراعنة والمقربين منهم ، ويدل التحنيط وبناء المقابر على أن الفراعنة والمقربين منهم هم الفئة التي تستطيع أن تحافظ على أجسادها ، ولذلك تغير موقف المصريين من فكرة الخلود وما يؤكد ذلك هذا النص الذي يقول ( احتفل باليوم البهيج ، وتذكر لا يأخذ الإنسان ما يملك معه ، نعم لا يعود ثانية من رحل إلى هناك ، وقد خلد الفكر المصري مجموعة من العلماء ومنهم الحكيم بتاع حتب وزير الملك اسيسي من ملوك الأسرة الخامسة في عصر الدولة الفرعونية القديمة الذي قدم أروع وأجمل قصة حب سجلها التاريخ ليعلمنا كيف نعامل الجنس الآخر وكيف كان المصريون يحترمون المرأة وهي طفلة تلهو ، ويحترمون رغبتها في الزواج وهي فتاة ، ويرفعون مكانتها في السماء وهي أم ، وألام هبة الله في الأرض كما مصر هي هبة النيل ، وقد أودع فيها الله سر الوجود ، ووجودها استمرار لوجود الحياة الإنسانية ، وفي ذلك يقول الحكيم بتاح حتب ( إذا أردت الحياة أحب شريكة حياتك ، اعتن بها ترعى بيتك ، قربها من قلبك فهي توم حياتك ، زودها بالكسوة ، زودها بوسائل الزينة ، كل ذلك سوف ينعكس على بيتك ويعطر حياتك ويضيئها ، سعادتها سعادة قلبك ، حافظ عليها فهي هبة الإله ، حس بألمها قبل أن تتألم وحس بجوعها قبل أن تجوع ، إنها تعيش في أنفاسك وفي نظرك وفي جسدك ، إنها أم لأولادك إذا أسعدتها أسعدتهم ، وفي رعايتها رعايتهم ، إنها أمانة في يدك وفي قلبك ، وأنت المسؤول عنها أمام الإله الأعظم الذي أقسمت أمامه أن تكون أخا وأبا وشريكا لحياتها ) والفرعون اخناتون ( أمنحوتب الرابع ) الذي قام بمجموعة من الثورات الدينية والأخلاقية عندما استبعد عبادة
رع وفكرة تعدد الآلهة بعبادة أتون الإله الواحد وذلك بالإضافة إلى ثورة في مجال الفن عندما دعا إلى اعتماد النزعة الواقعية ، وثورة في مجال السياسة والعلاقات الدولية عندما سمح للإغريق الاستفادة من مكتبات الحضارة المصرية ووقع اول اتفاقية سلام مع البابليين ، وهكذا نرى أن الفكر المصري القديم ساهم في تأسيس مجموعة من الأفكار الفلسفية في مجال الوجود والأخلاق والعلم والدين والمذاهب السياسية والفن والعلاقات الاجتماعية والدولية الدولية ، ولكن ذلك لا يمثل إلا مرحلة من مراحل الفكر ، لكن الموضوعية والأمانة العلمية والتاريخية تفترض أن نشير إلى أن الفكر لم يدرك ذاته بذاته إلا في بلاد الإغريق ، وفي بلاد الإغريق أيضا وجد الفكر ذاته بذاته وعرف الكون على انه جوهر ذاته ، ولكن الموضوعية والأمانة العلمية والتاريخية أيضا تفترض أن نشير إلى تفنيد المزاعم الصهيونية التي تدعي انتساب شخصيات وحوادث تاريخية كنعانية وسومرية وبابلية وأشورية وفرعونية إلى الديانة اليهودية بهدف خلق حضور تاريخي وجغرافي لليهود يرتبط بالحضارات الكنعانية والسومرية والأشورية والبابلية والفرعونية ، ولذلك اقتبسوا من المثيولوجيات والأساطير والقصص ما يخدم هذا الهدف بعد تزوير هذه المثيولوجيات والأساطير والقصص والأحداث ، ولذلك نرى أن الكثير من النصوص التوراتية التي تدعي لنقسها صفة التاريخية لا يمكن إثباتها أو إقامة الدليل على صحتها بعد الرجوع إلى التاريخ الدنيوي ، وذلك بالإضافة إلى أن بعض المدونات السومرية والبابلية والأشورية والكنعانية والفرعونية تعطينا صورة مختلفة تماما عن الصورة الموجودة في كتاب التوراة ، وذلك على الرغم من نهب محتويات هذه المدونات والسطو على الكثير من منجزاتها الإبداعية والثقافية والدينية وبشكل انتقائي يمكن اليهود من الادعاء بأن محتويات هذه المدونات هي رسالة مقدسة من الله إلى اليهود ، وان الله قد اختص بها اليهود وحدهم في موقع مقدس غير محدد جغرافيا بهذه المدونات ، ومن هنا نرى أن الجغرافية لا تشكل جزء من هوية هذه المدونات ولم تكن سمة من سمات تراثها الذي تميز بتعدد مراكزها في بلاد ما بين النهرين ومصر الفرعونية وبلاد الشام ، وذلك بالإضافة إلى أن المجموعات اليهودية المنتشرة في العالم لا تشكل جنسا ولكن مجموعة من الأجناس موجودة في مجتمعات تسودها ثقافات مختلفة ونظم إنتاجية وحضارية مختلفة تختلف باختلاف الزمان و المكان ، وقد كتب دانيال روس ( 1780 – 1849 ) في كتابه ( من إبراهيم وحتى المسيح ) ( أن تاريخ إسرائيل في فترة ما بعد يشوع بن نون ينقسم إلى مجموعة تواريخ يساوي عددها عدد قبائل إسرائيل ) ويتضح تفتت الهوية اليهودية أيضا في ظهور المفهوم الديني اليهودي الذي يقول أن شريعة الدولة هى الشريعة التي يجب أن يسير عليها اليهود في حياتهم العامة ، وهذا يعني تقليص الشريعة اليهودية بحيث تصبح مقصورة على حياة اليهود الدينية الخاصة وتعاملاتهم فيما بينهم ولا تشمل حياة اليهود العامة والقومية ، وهذا يعني أيضا أن الجانب القومي في الديانة اليهودية ليس أكثر من تطلعات دينية وانتماء اثني انعزالي وهذا ما يفسر ظهور الغيتو في الحياة الدينية والاجتماعية والثقافية والحضارية اليهودية وهو المبدأ الذي ما زال سائدا في الحياة اليهودية في ما يسمى إسرائيل في الحياة الدينية والاجتماعية والثقافية والحضارية وحتى السياسية ، ولذلك لا يمكن وصف الوجود الاستعماري اليهودي في فلسطين بالمجتمع ، ولكن يمكن وصفه بحالة يمكن أن نطلق علبها مصطلح تجاور الأعراق لأنهم ينتمون إلى أعراق مختلفة جنسيا وحضاريا واجتماعيا ، ولأن كل عرق من هذه الأعراق تطور في ظل ظروف حضارية مختلفة ، لأن الحديث عن شعب يهودي أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ الخيال والفكر إلا في الشطحات الجنونية الصهيونية ، لأن كلمة شعب كلمة حديثة والديانة اليهودية قديمة جدا ولذلك يمكن القول أن هوية الشعب اليهودي أن كانت موجودة فهي هوية مستمدة من الذاكرة الدينية ، ولذلك يسأل شلومو زند متى اخترع الشعب اليهودي ، هل اخترع مع نزول التوراة ، هل اخترع مع احتلال ارض كنعان ، هل اخترع بجرة قلم من بضعة مؤرخين يهود في القرن التاسع عشر تصدوا في ظل تبلور الحركات القومية لمهمة اختراع هذا الشعب على غرار باحثين من الماضي من أبناء ثقافات أخرى اختلقوا شعوبا مغايرة في سبيل إيجاد أمم مستقبلية وتثبيتها ، وفي أي زمن جرى نقل التوراة من خزانة الكتب التيولوجية الدينية إلى خزانة الكتب التاريخية القومية ، وهذه أسئلة مسكونة بالسؤال وكل سؤال مسكون بالسؤال سؤال حي والسؤال هو ألا يثير ذلك الشكوك حول بقاء دولة إسرائيل دولة يهودية ، وهذا يقودنا أيضا كما يقول شلومو إلى السؤال الثاني الذي يقول أن قصة الشعب اليهودي أي تحويل اليهود من مجموعة لها هوية ثقافية ودينية مشتركة إلى شعب مهزوم هو اختراع حديث العهد نسبيا نشأ في القرن التاسع عشر بواسطة العلماء الصهاينة وبدعم من المؤسسة الأكاديمية في إسرائيل ، ولذلك يقول شلومو زند إنها مؤامرة فكرية من نوع ما ، ويقول توم سيغف الأمر كله خيال وأسطورة كانت بمثابة ذريعة وسبب لقيام دولة إسرائيل ، ولذلك قال شلومو زند لتوم سيغف أن فكرة انحدار الفلسطينيين من الشعب اليهودي القديم هي اكبر بكثير من فرصة آن أكون إنا وأنت من أحفاد الشعب اليهودي ، ومن هذا التفتت والتشتت العرقي والجغرافي والحضاري ، ومن اجل تكريس ثقافة الغيتو وفكرة ارض الميعاد هود الأحبار المثيولوجيات والأساطير الكنعانية والسومرية والبابلية والفرعونية ونسبوها للتوراة اليهودية ، وخاصة ثياب الأحبار التي تظهر فيها التأثيرات الفرعونية المصرية بشكل واضح وتعتبر صورة طبق الأصل عن ثياب كهنة معبد هليوبوليس في مصر الفرعونية ، وتابوت العهد الذي يعتبر صورة طبق الأصل لتابوت الشهادة في هليوبوليس وطيبة حيث كان الكهنة في مصر الفرعونية يحملون خلال ممارسة الطقوس الدينية اسفاطا صغيرة تحتوي على أدوات ممارسة طقوسهم الكهنوتية ، وذلك بالإضافة إلى المشهد الذي يغطى فيه الأحبار وجوههم بحجاب ، ويظهر على رؤوسهم قرون كناية عن تقديس العجل أثناء تأدية طقوسهم الدينية ، والقرن هو إشارة إلى العجل أبيس الذي كان المصريون القدماء يقدسونه ، وقد قدس اليهود العجل ، وهذا يرجع إلى العجل أبيس الذي ترك في نفوس اليهود أثارا عميقة تجلت في مشهد العجل الذهبي التوراتي في سيناء ، وقد أخذت المزامير اليهودية في التوراة كثيراً من ألأفكار والقصائد المصرية القديمة التي نسبتها إلى يهوه إله إسرائيل ، وخاصة قصيدة مدح الإله آمون رع ، والموازنة بين القصيدة المصرية القديمة والمزامير اليهودية لا يمكن أن تنسب إلى المصادفة ، ومن ذلك أن القصيدة المصرية تخاطب آمون رع وكأنه ( وحيد السماء الأعظم ، وأقدم من في الأرض ، وسيد كل المخلوقات ، والوحيد بين كل الآلهة ، ورب الأرباب ، وأب الالهه ، واله الحق ، وصانع الرجال ، وخالق الحيوانات ، وخالق كل شيء ، والإله الواحد العادل الذي يصعد إلى السماء مبتهجا عبر السموات ، وكان العالم الأمريكي جيمس هنري بريستد ( 1811 – 1882 ) هو اول من أشار إلى التطابق بين نشيد اخناتون والمزمور 14 ، وأول من قام بعمل مقارنة بين النشيد والمزمور وخرج بنتيجة أن هذا التطابق لا يمكن أن يكون مجرد مصادفة أو مجرد توارد خواطر ، ولكنه يرجع إلى معرفة اليهود بأنشودة اخناتون واستنساخ هذه الأنشودة من الفكر الفرعوني القديم إلى التوراة ، ويتجلى هذا الاستنساخ في الشكل والمضمون والترتيب وتتابع الأفكار ، وذلك بالإضافة إلى أن أقدم القوانين اليهودية المذكورة في التوراة هي قوانين مسروقة من تشريعات حمورابى ومصاغة بأسلوب يهودي، وقد كشف العالم الألماني ألبرت اينشتاين آلت ( 1897 – 1955 ) عن هذه السرقة وعن سرقة القوانين الكنعانية والأشورية والحثية والفرعونية في كتابه مصادر القانون الإسرائيلي ، وحتى الوصايا العشر نفسها لا يمكن اعتبارها إنتاج يهودي خالص وقد قارن المؤرخ الايطالي جوزيبي ريتشيوني بدقة متناهية ( في كتابه تاريخ إسرائيل ) بين الوصايا العشرة ومجموعة من النصوص القديمة في كتاب الأموات المصري وفي بعض النص البابلي شوربو ووجد أن هناك تشابها بين الوصايا العشرة ونصوص كتاب الأموات ونص شوربو البابلي ، وكذلك التلمود الذي كتب في بابل وتناول الكثير من الأمور التي تتعلق بالأراضي والقنوات المائية والسدود والزراعة التي تعتمد على الري وهي في أكثرها مقتبسه من أنظمة الحياة البابلية ، وذلك بالإضافة إلى قصة الشمس والقمر وهي اكبر منجزات يشوع بن نون التي سجلها سفر يشوع في الإصحاح الأول والتي تقول أن يشوع صرخ في حالة من الابتهاج والسرور بعد هزيمته لملكي صادق ملك اورشاليم وهوهام ملك حبرون وافرام ملك يرموت ويافيع ملك لاخيش ودبير ملك عجلون قائلا ياشمس دومي على جبعون وهي مدينة جنوب غرب أريحا ويا قمر على وادي ايلون وهي مدينة غرب القدس ، ( حيث كلم الرب يوم اسلم الرب والاموريين أمام بني إسرائيل ، وقال أمام عيون إسرائيل يا شمس دومي على جبعون ويا قمر على وادي ايلون ) ، فدامت الشمس على جبعون ووقف القمر على وادي ايلون ، ولكن الأبحاث التحليلية اللغوية اللاحقة بددت هذه الشكوك لأنه ثبت قطعيا أن هذا النص ليس إلا نقلا عن مقطع من كتاب العادل وهو كتاب يهودي أقدم من التوراة ويحتوي على مجموعة من الأناشيد والملاحم الشعرية اليهودية القديمة منقولة عن الحضارات التي كان اليهود الرعاة يتنقلون فيها ، وقد ادخل في لاحقا في قصة يشوع بن نون من قبل مؤلفي التوراة ، وبالإضافة إلى ذلك قال العلماء الاركيولوجيين ) علماء الآثار ) أن سفر الخروج وهو احد الأسفار الخمسة التي نزلت على موسى في جبل الطور في سيناء قد تضمن قصص تشبه تماما القصص التوراتية المسروقة من الحوليات البابلية وخاصة موسى التي تتطابق مع قصة سرجون الأول الاكدي حيث تسجل النصوص المسمارية أن سرجون كان اول ملك من أصل سامي عربي استطاع أن يكون إمبراطورية عربية في بلاد ما بين النهرين والأناضول وديار بكر وأرمينيا والبحرين وعمان وفارس والشام وقبرص ومصر والحبشة واستمرت من عام 2350 ق م إلى العام 2150 ق م ، وتعتبر قصة ولادة ونشأة هذا الملك شبيهة بقصة ولادة ونشأة موسى ، والشبه يرجع إلى أن أم سرجون وقد كانت كاهنة في معابد الفرات الأوسط كانت قد وضعت سرجون في صندوق مطلي بالقار في نهر الفرات حتى تحميه من بطش ملك البلاد السومري ، وقد رأى زابابا حارس بستان القصر الصندوق واخذ الطفل وتولى تربيته ورعايته حتى كبر وعمل ساقيا في بلاط الملك وعندما اشتد عوده أطاح بالملك ونصب نفسه ملكا بدلا منه ، وهذه القصة أيضا تتكرر مع رومولوس مؤسس روما وشقيقه التوأم ريموس ، وتقول الأسطورة أن اموليوس أطاح بأخيه الملك نوميتور عن عرش مدينة البا لونجا وقتل أبنائه وأرغم ابنته ريا سلفيا على أن تصبح كاهنة عذراء في معبد الالهه فستا ، وكان مفروضا على العذراء بحكم القانون أن تظل عذراء ولا تنجب أطفالا يهددون عرش الملك الذي انقلب على جدهم ، ولكن تموز اله الحرب أغوى سلفيا فأنجبت طفلين رومولوس وريموس فغضب الملك وأمر بقتل سلفيا ووضع الطفلين في سلة وقذفهما في نهر التيبر ، وسارت السلة مع الماء إلى أن ألقى بها النهر على الشاطئ ، وتصاف ذلك مع مرور ذئبه فأخذت الطفلين ورعتهما وأرضعتهما إلى أن كبرا وأسسا مدينة روما ثم قتل رومولوس ريموس وانفرد بحكم روما ، ومن اكبر الأدلة علي تهويد التراث الفكري والحضاري هو السطو على قصة الخلق عند البابليين ( اينو- ايليش ) ، وقد وجد الباحث الأمريكي جيم ريتشارد الكثير من الموضوعات المتطابقة بين قصة الخلق البابلية وقصة الخلق التي وردت في سفر التكوين ، ولكن أكثر ما يثير الدهشة هو التطابق في التسلسل المشترك للحوادث في قصة الخلق البابلية وقصة الخلق في سفر التكوين وخاصة في موضوع نشأة السماء والأجسام السماوية وعزل الماء عن اليابسة وخلق الإنسان في اليوم السادس واستراحة الإله في اليوم السابع ، ومما يؤكد أن التوراة ليست من عند الله كما يدعي اليهود هذا النص في الآية الخامسة من الإصحاح الثالث من سفر التكوين والذي يقول ( وتكونان كالإله عارفين الخير والشر ) وآيات أخرى تحمل معنى الإشراك بالله ، وتتنوع أكاذيب اليهود ويقولون أن
لله أبناء من الذكور ، وان هؤلاء الأبناء عندما رأوا أن بنات البشر حسناوات اتخذوا لأنفسهم نساء منهن ، وفي ذلك تقول التوراة في الآية الرابعة من الإصحاح السادس من سفر التكوين ( أذا دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولادا هؤلاء هم الجبابرة ) ، وهذا أيضا يتطابق مع الأسطورة البابلية للإلهة المتمردين لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم أبناء للإلهين ابسو وتعاميت ، وكما نلاحظ أيضا التشابه في الخلق والبعث والنشوء بين ملحمة جلجامش والتوراة على الرغم من أن التوراة دونت بعد ملحمة جلجامش بحوالي ألفي عام ، وكذلك نرى انه من الموضوعية العلمية والأمانة التاريخية أن نشر إلى التشابه بين القصص الفارسية وقصص التلمود في قصة الخلق ، فالقصة الفارسية تقول أن الإله خلق اول ما خلق إنسان مكون من ذكر وأنثى ملتصقين من الخلف ثم فصل هذا الإنسان إلى ذكر وأنثى ، والتلمود يقول في السنهدرين أن الإله اخذ ترابا من جميع بقاع الأرض وعجنها ثم خلقها جسما ذو وجهين ثم قسمه إلى نصفين فصار احدهما ادم وصار الأخر حواء ، وهذا أيضا يتطابق مع المثيولوجيا الإغريقية حيث يقول اريستوفانس ( 450 ق م – 388 ق م ) كان الجنسان متحدين في جسم واحد مستدير كالكرة وله أربع أياد وأربع أقدام ووجهان ، وكان هذا الجسم سريع الحركة إلى درجة خارقة حيث يستخدم أطرافه الثمانية في الدوران كالعجلة ، وكانت قوته رهيبة وطموحه لا يحد ، فبدأ يدبر الخطة لمحاصرة السموات ومهاجمة الإلهة ، لكن زيوس كبير آلهة الأوليمب أحس بالخطر ففكر في أن يشطر ذلك الجنس إلى شطرين ، إلى رجل وامرأة كي تضعف قوته وينشغل كل نصف بالسعي إلى نصفه الآخر ، وقد كان ، ومنذ ذلك اليوم صار يلهب كلا من الشطرين شوق إلى الاندماج في شطره الثاني ، وهذا الشوق الذي يجذب كل من الجنسين نحو الجنس الآخر هو ما نسميه الحب ، وهو الأمر الذي أشارت إليه التوراة ، ولكن التوراة أضافت أن الله خلق الإنسان على صورة الإله نفسه ، ولكن ورغم أن التوراة لم تصف لون الطين الذي خلق منه الإنسان إلا أنها استخدمت نفس اللون الذي ذكرته جميع القصص والمثيولوجيات التي هودها اليهود وهو اللون الأحمر ، ولذلك كانت الكلمة العبرية التي تدل على الرجل هي كلمة آدم والكلمة العبرية التي تدل على الأرض كلمة أدمه وهي كلمات مشتقة من كلمة أدوم وتعني اللون الأحمر ، وهذا يعني ومن خلال الاستدلال المنطقي أن الإنسان خلق من الطين الأحمر ، وإذا كانت أرض فلسطين في الغالب من الطين الأحمر وكلمة كنعان تعني اللون الأحمر أو اللون الأرجواني فهذا يعني أن الإنسان الأول خلق من طين فلسطين وفي فلسطين ، ولذلك يسمي اليهود فلسطين ارض الميعاد ، وهذا يتناقض مع الطبيعة والتاريخ لأن المنطق والطبيعة والتاريخ يقول أن الإنسان خلق في البيئة الصعبة ثم انتقل إلى البيئة السهلة ، ولأن الأرض خلقت قبل أن يخلق الإنسان والأديان ، ولأن الله ليس وكيل عقارات عند اليهود يمنحهم ما يريدون من ارض غيرهم من الشعوب وليس موظف في الأرصاد اليهودية حتى يديم الشمس على جبعون والقمر على وادي ايلون ليكمل يشوع ذبحه للكنعانيين والاموريين ، وكذلك نلاحظ التشابه المدهش إلى درجة الذهول بين وصف جنة عدن في التوراة والقصيدة السومرية التي تصف ارض الخلود التي لا يوجد فيها مرض أو موت أو حزن ، هذه الجنة التي كانت نتاج الخيال السومري في الأسطورة السومرية عن الإله اينكا الذي وصف الجنة في شكل بستان من الأشجار المثمرة ويعيش فيها الناس والحيوانات في سلام وتفاهم ، وكذلك خطيئة الإنسان الأولى ، خطيئة ادم وحواء ، وهي موجودة أيضا في الأسطورة التوراتية والأسطورة البابلية ، الأسطورة التوراتية تقول أن الحية أغرت ادم وحواء في أن يأكلا من ثمر شجرة معرفة الخير والشر ، وفي الأسطورة البابلية كان الإله أيا هو الذي أغرى ادم وحواء على أن يأكلا من هذه الشجرة ، ومضمون الروايتين يحمل نفس المعنى لأن معرفة الخير والشر يعنى معرفة الحكمة ومعرفة الحكمة يعني أن يكون الإنسان في مستوى الإله ، وذلك بالإضافة إلى أن ادم وحواء أكلا من شجرة الحياة وهذا يعني أن يكون الإنسان خالد في الحياة مثل الإله ، ولذلك طرد الإله ادم وحواء من الجنة لأنه لا يريد للإنسان أن يكون في مستوى الإله في معرفة الخير والشر والحكمة ، وأن يكون في مستوى الإله في الخلود في الحياة ، ولذلك قال الرب كما يدعي مؤلفي التوراة في الإصحاح الثالث من سفر التكوين ( وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا للخير والشر ، والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا للأبد ) وهذا ما حدث مع جلجامش ملك أورك الذي ذهب إلى جزيرة الجنة الذي كان يعيش فيها محبوب الالهه أوتنابشتيم في عام 2100 ق م ليأخذ منه زهرة الحياة ، ولكن أحد الالهه التي رفضت أن يصبح الإنسان خالدا يتساوى مع الالهه في الخلود تحول إلى هيئة حية وغطس في الماء وانتزع من جلجامش زهرة الحياة ، ولم يقف دور اليهود في الفكر عند هذا الحد ولكنه تجاوز ذلك إلى أسطورة التنين الذي كان موجود على خاتم اسطواني في بلاد ما بين النهرين في الألف الثالث قبل الميلاد ، وكان يصور أبطال يقضون على وحش له سبعة رؤوس ( الشمعدان اليهودي له سبعة رؤوس ) ، ويقول جوردون المستشرق الأمريكي وأستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة برانديس في بوسطن أن المعركة بين يهوه والتنين وهي المعركة التي يطلق عليها اسم معركة الازدواج كانت معروفة في بلاد كنعان منذ عصور ما قبل دخول إبراهيم إلى ارض كنعان ، ولكن العبرانيين اقتبسوها ونسبوها لهم مع اللغة وغيرها من مظاهر الحضارة الكنعانية الأخرى ، وقد صورت التوراة الصراع بين يهوه والتنين وقالت أن هذا الصراع كان يرتبط بالخليقة بشكل مباشر ، ويذكر كاستر أن كلمة لوثيان العبرية تعادل كلمة لوثيان الكنعانية وهي كلمة تعني الذي يرى ، وقد قدم الإصحاح الثالث من سفر أشعيا صورة ليهوه تشبه صورة التنين إلى حد كبير وفيها الكثير من الخيال الأسطوري حيث يصف يهوه على الشكل التالي ( هو ذا اسم الرب يأتي من بعيد ، غضبه مشتعل ، والحريق عظيم ، شفتاه ممتلئتان سخطا ، ولسانه كنار آكلة ، ونفخته كنهر غامر يبلغ إلى الرقبة ) وفي المزمور 18 نجد نفس الصورة حيث يقول المزمور ( فارتجت الأرض ، وارتعشت أسس الجبال ، ارتعدت وارتجت ، لأنه غضب ، صعد دخان من انفه ونار من فمه أكلت جمر اشتعل منه ) ونفس الصورة في المزمور 21 الذي يقول ( وتجعلهم مثل تنور نار في زمان حضورك ، الرب سخطه يبتلعهم وتأكلهم النار ) وما يؤكد أن أسطورة التنين اليهودية مقتبسة من الأساطير الكنعانية والسومرية والبابلية والفرعونية هو التشابه الكبير بين ما جاء في وصف التنين في الأسطورة اليهودية وما هو موجود في أسطورة الخلق البابلية التي تسبق النصوص اليهودية بأحد عشر قرنا ، وما هو موجود في ملحمة بعل الكنعانية التي تسبق النصوص اليهودية بستة قرون ، وذلك بالإضافة إلى أن وصف التنين بالحية كان قد ورد في أسطورة رع الثعبان أبو فيس ملك الكنعانيين الهكسوس في مصر وهي تسبق النص اليهودي بحوالي خمسة عشر قرنا ، كما أن تعبير الحية الملتوية ورؤوس لوثيان الموجودة في النص اليهودي وردت في ملحمة بعل الكنعانية وأن وصف الإله بالتنين ورد في ملحمة الخلق البابلية ، وأن فكرة الصراع بين الإله والتنين هي فكرة بابلية وردت في ملحمة الخلق البابلية ، وهي فكرة فارسية في نفس الوقت وقد وردت في كتاب الازفستا الذي يسبق النصوص اليهودية ، وكلمة ازفستيا تعني الأساس أو البناء القوي ، وهو كتاب الرسول زرادشت المقدس في الديانة الزرادشتية ، وفي كتاب البونداهشن وهو كتاب فارسي يسبق النصوص اليهودية أيضا ، ولكن وعلى الرغم من أن الحية كانت قد قتلت على يد الله مرة بنفسه ويده كما جاء في سفر أيوب ومرة بسيفه القاسي كما جاء في سفر اشعياء إلا أننا نرى أن الله قد سلط الحيات علي كهنة فرعون وعلى اليهود لتمردهم على الخروج من مصر ، ولم يرفع الله البلاء عن اليهود إلا بعد أن تضرع موسى إلى الله ليرفع البلاء عن اليهود ، وبعد أن صنع موسى حية من نحاس ورفعها على سارية ليشفى بها كل من لدغته الحية ، وقد استمرت عبادة الحية عند اليهود بعد موسى رغم أن بعض اليهود كانوا قد اتهموا موسى رغم قدسيته بتلويث الديانة اليهودية لسماحه بممارسة عبادة الإله الحية ، وقد جاء في ( الإصحاح 18- 4 ) في سفر الملوك الثاني أن الملك اليهودي حزقيا وهي كلمة عبرية تعني الرب قوى أو الرب قوة ( 721 ق م – 693 ق م ) سحق الحية النحاسية الذي صنعها موسى لأنها صارت عبادة وثنية ، ولأن اليهود حتى ذلك الوقت كانوا يوقدون لها ويدعونها نحشتان ، وكان موسى على رأي زينون كوسيدوفسكي يتأثر بزواجه من ابنة كاهن مديان صفورا ، وإن هذا واضح في سفر الملوك الثاني (إصحاح 18 : 4) هناك تقرأ أن الملك اليهودي حزقيا (721- 693 ق م) سحق الحية النحاسية التي عملها موسى لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها ودعوها نحشتان وكان موسى على رأى زينون كوسيدوفكسى يتأثر في ذلك بزواجه من ابنة كاهن مديان صفورا ، ولذلك عمل موسى على التوفيق بين الديانة اليهودية وطقس الحية ، وكذلك الحال بالنسبة إلى قصة الطوفان التي وردت في المثيولوجيات السومرية والبابلية وخاصة في ملحمة جلجامش ، حيث غطى الماء الأرض ولم ينجى من الطوفان إلا زعيم ديني وبعض أفراد أسرته والحيوانات التي حملها في سفينته التي أوحي إليه ببنائها قبل الطوفان ، وقد أورد سفر التكوين هذه القصة ، ولكن وبعد أكثر من ألفي سنة من الطوفان اكتشف العالم البريطاني جورج سميث ( 1840 – 1876 ) بعض الألواح المسمارية التي تحتوي على بعض المقاطع من قصة الطوفان في نينوى ( الموصل ) والتي تشبه تماما تلك النصوص التي جاءت في التوراة ، وما كاد سميث ينشر مكتشفاته حتى انهالت عليه الاتهامات وبدون رحمة أو شفقة من المرائين والمنافقين الذين كانوا يعتبرون التوراة كتاب مقدس من عند الله في العهد الفيكتوري ، وكان رد فعل سميث أن غادر لندن إلى العراق وهناك وجد بين أنقاض مدينة نينوى المقاطع الناقصة التي تسد نقصا في نظريته وخاصة وصف الجبل الذي رست عنده السفينة وطول الطوفان وقصة الغراب والحمامة ، والعبرة من الأسطورة في عقاب البشرية على ما ارتكبت من أخطاء وأفعال مشينة ومكافئة المؤمنين الشرفاء ، ولكن وفي كلتا الحالتين قررت الآلهة أن تقضي على الجنس البشري ، وأن تفشي سر الطوفان رجل مؤمن ، وأن ترشد هذا الرجل إلى بناء سفينة تنقذه وتنقذ من معه من المؤمنين ومن صنوف الكائنات الحية ، وقد يكون من المحتمل أن لا يكون من ألصدفه أن يكون هذا الرجل هو ملك بابل العاشر افلاوس الأول وفقا لرواية بيروسوس وهو راهب وفلكي ومؤرخ كلدي من عبدة الإله مردوخ عاش في القرن الثالث قبل الميلاد ، وهناك اعتقاد أن اسمه في اللغة الاكدية هو بعل رعي شو ويعني بعل هو راعيا ، وأن يكون نوح هو الرجل العاشر في نسل آدم كما تقول الرواية اليهودية ، وأن يرسل هذا الرجل طائرين غرابا وحمامة ليعرف عن طريقهما هل تراجعت المياه عن اليابسة ، وفي كلتا الحالتين تعود الحمامة لأنها لم تجد مكانا تستقر فيه ولا يعود الغراب ، وفي كلتا الحالتين رست السفينة على جبل اراراط ( الجودي ) ، وفي كلتا الحالتين اشتمت الالهه رائحة الشواء وسكن غضبها ، وفي كلتا الحالتين يقدم الرجل بعد تراجع الماء عن الأرض هدية للالهه وتقدم له الالهه الأمان ، وفي كلتا الحالتين تندم الالهه على الطوفان الذي اهلك البشر ، وفي القصة البابلية يندم الإله انليل وتندم الالهه وتوجه اليوم إلى انليل وتمنت لو أرسلت أسدا أو ذئبا أو مجاعة ليهلك أبناء البشر الآثمين وعلى الآثم وزر إثمه ، وفي الرواية التوراتية يندم الله على الطوفان ، ويقطع على نفسه ميثاقا أن لا يخرب الأرض ، وأن لا يميت كل حي من اجل إنسان ، وأن يكون القوس في السماء هو علامة الميثاق ، وتنتهي قصة الطوفان بأن يبني نوح للرب هيكلا ويقدم له الضحية شكرا على إنقاذه من الطوفان ، وهكذا يصبح الهيكل هدفا لكل محاولة في التاريخ اليهودي ، وفي إعادة ترتيب التاريخ البشري ، وفي إعادة ترتيب أحداث الطبيعة ، بحيث يكون القوس في السماء تذكرة لبناء الهيكل وتقديم الشكر للرب ، ويكون الهيكل علامة التخلص من الآثمين من البشر وحيواناتهم الآثمة غير
الطاهرة تحقيقا للميثاق الأبدي بين الإله والأجداد الأوائل في أن يكون الهيكل أبدي في ديمومته على الأرض المقدسة ، ولذلك يؤكد مناحم كلاين المستشرق في جامعة بار ايلات بأن بقايا الهيكل موجودة في السماء وأن الرب حين يشاء بناء الهيكل الثالث سوف ينزلها إلى الأرض ، و يقول الحاخامات أن أرض فلسطين تمتاز عن غيرها من الأراضي ، وهي الأرض التي لم تغمرها مياه الطوفان ، وأن آدم خلق في مدينة اورشاليم ، وأن خلق العالم بدأ في جبل صهيون ، كما أننا لا يمكن أن نتجاهل الفلسفات الفارسة والهندية والصينية واليابانية ، وهي فلسفات ذات طابع ديني روحي أكثر منها فلسفات عقلانية ، وتتميز بكونها فلسفات مثالية التوحيد تشرح الحياة الحقيقية في ضوء مثالية الواحدية الوجودية ، ولذلك نراها تعتقد أن الحقيقة واحدة في مطلقها ، وروحية في مطلقها ، ويرجع هذا إلى مرونة العقل ومرونة الواحدية وديناميتها في نفس الوقت ، ولذلك نرى أن بعض المدارس التي تعتنق الثنوية تصبغ هذه الثنوية بطابع الواحدية الوجودية
الفلسفة المثالية
الفلسفة المثالية مدرسة فلسفية نظرية وعملية ترجع كل ظواهر الوجود إلى الفكر، وتنطلق من حقيقة أن الكون في الأصل عبارة عن صور عقلية ، وأن الكلية العقلية أي العقل الكلي هو منشأ الوجود ومصدر المعرفة ، ومن الكلية العقلية ينشأ كل شيء والى العقلية الكلية يرجع كل شيء ، ولذلك نرى أن الفلسفة المثالية فلسفة كلية تهتم بالكليات ولا تهتم بالجزئيات ، لأن الكليات تهتم بالحقيقة الكلية والجزئيات لا تهتم بالحقيقة الكلية ، كما نرى أيضا أن الفلسفة المثالية تقوم على فكرة العقل أو فكرة الله الذي نشأ منه كل شيء ، ولذلك كان هدف الفلسفة المثالية هو التعامل مع حقائق الأشياء الكامنة وراء المحسوس وهو ما جعلها تتفق مع العلم في الهدف ، وفي أن الأشياء الواقعية هي أفكارنا نحن ، وانه ليس هناك حقيقة إلا ذواتنا المفكرة ، وقد اتفقت المدارس المثالية على أن الإنسان كائن روحي يمتلك حرية الإرادة ومسؤول عن أفعاله ، ولذلك نرى أن هذه الفلسفة تعتمد على أزلية الأفكار وتأثير العقل الإنساني ، وعلى عالم الروح وعالم المادة ، وبناء على هذه الحقيقة نستطيع القول أن الفلسفة المثالية تعتقد بأن ما هو موجود حولنا ليس موجود بالفعل ولكنه من صنع العقل الإنساني ، وذلك عكس الفلسفة المادية التي جاءت كرد فعل للفلسفة المثالية وخالفتها في نظرتها إلى العالم الخارجي والى طبيعة الإنسان ، حيث تعتبر أن السبب الأول في نشأة الكون هو شيء مادي محسوس ، وان وجود الموجودات هو نتاج للمادة ، والمادة هي الحقيقة المطلقة ، وقد كان أفلاطون وهو مؤسس المدرسة الفلسفية المثالية يقول أن العالم العقلي هو الحق وأن العالم المحسوس هو أشبه بالظلال ، وكان باركلي وهو فيلسوف مثالي يقول أن حقيقة الشيء هي إدراك العقل له ، وأن ما لا يدركه العقل هو عدم لا وجود له ، وكان ايمانويل كانت وهو فيلسوف مثالي يقول أن شرط المعرفة يتوقف على المقولات العقلية ، وكان جورج هيغل وهو فيلسوف مثالي يقول أن حقيقة الكون روح مطلق يعبر عن نفسه في الوجود المنشود ، ولذلك ولأن كلمة المثالية في الأصل كلمة مشتقة من كلمة مثال الإغريقية وتعني الصورة أو الفكرة ، نرى أن هذه الفلسفة تركز على دراسة الأهداف الأخلاقية ، وعلى تمجيد العقل والروح على حساب المادة ، وتؤمن أن العالم الذي نعيش فيه على الأرض عالم فان يقابله عالم سرمدي مثالي خالد أبدي لا وجود له على الأرض ، وأن وجود القيم وجود ثابت لا يتغير ولا يجوز الشك فيها أو في صحتها ، وأن الحقيقة النهائية حقيقة مطلقة ولا تكتشف إلا عن طرق العقل لأن العقل هو مصدر المعرفة ، وأن المثل الأعلى للحياة الإنسانية هو التأمل والتفكير ، وفي مجال المجتمع ترى الفلسفة المثالية أن المجتمع يتكون من طبقتين طبقة المفكرون وطبقة العمال ، وفي مجال التربية والمادة الدراسية وطرق التدريس ترى الفلسفة المثالية أن التربية هي الإعداد للحياة وليست الحياة ذاتها كما تراها الفلسفة البرجماتية ، وأن المادة الدراسية تمثل محور العملية التربوية ، وأن هدف طرق التدريس هو ملء أدمغة التلاميذ بالحقائق المطلقة ، ولذلك كان الكثيرون في هذا العالم يعتقدون أن الفلسفة المثالية نزعة غير واقعية وشكل من أشكال التفكير والإحساس الذي لا يفيد في أي شيء في الحياة العملية ، خاصة وأننا نعيش في عالم مادي لا وجود فيه للقيم والمبادئ الإنسانية الغيرية فيه ، عالم يتهرب الكثير من الناس من قاعدة الحضارة الأساسية وهي قاعدة الواجب الأخلاقي والاجتماعي والسياسي مبررين ذلك في أن الدولة التي من المفترض أن تكون القدوة لهم لم تعد دولة أخلاقية ولم تعد دولة تلتزم بالقيم والمبادئ الإنسانية الغيرية ، ولم تعد دولة تلتزم بأداء الواجب الأخلاقي وأداء الواجب الاجتماعي وأداء الواجب السياسي ، ولم تعد دولة تلتزم بالعقلانية والمسؤولية ، وهذا يفسر إلى حد كبير سقوط الحضارات والدول والأحزاب والحركات الوطنية ، لأن الخروج من قاعدة القيم والمباديء الأخلاقية ، والخروج من دائرة أداء الواجب الأخلاقي ، والخروج من دائرة أداء الواجب الاجتماعي ، والخروج من دائرة أداء الواجب السياسي ، والخروج من دائرة أداء الواجب الإنساني ، لا بد يكون له ثمن .
أشكال ومدارس الفلسفة المثالية
هناك شكلان للفلسفة المثالية ، الشكل الأول وهو الشكل الذي يحاول إعادة الوجود إلى الفكر الفردي ويسمى هذا الشكل بالمثالية الذاتية ، والشكل الثاني وهو الشكل الذي يحاول أن يقصر الوجود على الفكر العام ، كما تنقسم الفلسفة المثالية إلى عدة مدارس فلسفية ، وهي المدرسة المثالية الواقعية ( الانتولوجية - ALANTLOGIA ) وهي مدرسة أفلاطون التي تؤكد على وجود عالم بذاته من المثل يقع خارج فكر البشر والأشياء ، وكان أفلاطون تلميذ سقراط وهو من أسرة نبيلة قد خطا بالفلسفة خطوة جديدة حيث نقلها من الآراء المتناثرة والنظريات المتفرقة والملاحظات إلى الوحدة والبناء المتناسق في كتب متعددة صاغها بأسلوب الحوار متأثرا في ذلك بأسلوب أستاذه سقراط الذي جعله بطلا في الكثير من المناقشات ، ولأن أفلاطون كان فيلسوفا وأديبا وفنانا لذلك كان أسلوبه في ألكتابه يمتاز بالصور البيانية والاستعارات والقصص الخيالية ، وهو الأمر الذي أتعب الباحثين من بعده لأنهم احتاروا في فهم بعض المواضيع أفلاطون ، وماذا يريد أفلاطون ، هل يريد أفلاطون الحقيقة ، أم يريد أفلاطون المجاز ، وقد بحث أفلاطون في نظرية المعرفة ( الابيستمولوجيا – EPISTEMOL)GY ) وهي احد فروع الفلسفة الذي يدرس طبيعة ومنظور ووسائل إنتاج المعرفة ، وكان أول من استخدم مصطلح الابتسيمولوجيا هو الفيلسوف الاسكتلندي جيمس فردريك فيرير ( JAMES FREDERIC FERRIEوكان أول من عرف الابيستمولوجيا على أنها فلسفة العلوم هو الفيلسوف الفرنسي اندريه لالاند ( (ANDRE LALAND ) الذي يحمل اسم الأرض العاقر ، وهي تختلف عن مناهج العلوم ( الميثودولوجيا - METHODLOGY ) لأن الابتسيمولوجيا تدرس بشكل نقدي مبادئ وفروض ونتائج كل العلوم لتحديد أصلها المنطقي ، الميثودولوجيا تدرس المناهج البحثية التي تستخدم في كل فرع من فروع العلوم المختلفة ، ولذلك تعتبر الميثودولوجيا فرعا من فروع الابتسيمولوجيا ، وقد تركزت دراسة أفلاطون نظرية المعرفة في موضوع من أين يأتي العلم بالأشياء ، هل يأتي عن طريق الحواس وحدها ، أم يأتي عن طريق الحواس والتأمل ، ومن أشهر كتبه كتاب الجمهورية وفيه ملخص فلسفة أفلاطون في السياسة والدين والأخلاق والتربية والفن وعلم النفس والميتافيزيقيا ، وفي هذا الكتاب أيضا يضع أفلاطون الأسس التي يراها لبناء المدينة الفاضلة مدينة المثل الأعلى للمدن ، وكيف يطبق العدل في هذه المدينة ، ومن يحكم هذه المدينة ، وكيف يربى الحاكم في هذه المدينة ، وكيف يربى الأطفال في هذه المدينة ، وكيف يكون موقف النساء في هذه المدينة ، وكيف يكون نظام الملكية في هذه المدينة ، ويبدأ أفلاطون كتابه الجمهورية في البحث عن معنى العدل وينتهي إلى أن انه لا يمكن معرفة معنى العدل بشكل صحيح إلا بعد دراسة المجتمع دراسة صحيحة ، لأن المجتمع أساس العدل ، وأن الإنسان لا يمكن أن يعرف كل شيء وهو لا يستطيع أن يعرف أصله ، ولذلك يجب أن نعرف كيف يكون المجتمع وهو في أكمل نظامه ، وأن نعرف كيف تكون العلاقة بين إفراد المجتمع ، وإذا استطعنا أن نعرف كيف يكون المجتمع وهو في أكمل نظامه ، وان نعرف العلاقة بين أفراد المجتمع ، استطعنا أن نعرف معنى لمجتمع العادل ومعنى الإنسان العادل ومعنى العدل نفسه ، وبعد البحث عن معنى العدل يبدأ أفلاطون قي دراسته للمجتمع بدراسة الفرد والدولة لأن الإنسان والدولة متشابهان ، ولأن الدولة عبارة عن تجمع أفراد ، ولذلك يقول أفلاطون إذا أردنا أن تكون الدولة صالحة يجب علينا أن نكون مواطنين صالحين ، ولذلك بدأ بدراسة العاطفة والعاطفة مقرها القلب والقلب يزود الإنسان بالقوة والشجاعة ، ودراسة الغريزة ومركزها في البطن والبطن يجعل الإنسان ينغمس في الحياة المادية ، ودراسة العقل ومركزه في الرأس والرأس يهدي إلى الحكمة ، وكل إنسان لديه هذه القوى العاطفة والشهوة والحكمة ولكن بدرجات مختلفة ، ومن يغلب عليه بطنه ينغمس في الحياة المادية ، ومن تغلب عليه عواطفه يكون جنديا ، ومن يغلب عليه العقل يكون مفكرا ، والإنسان المتزن هو الإنسان الذي يستطيع تحقيق التوازن بين هذه القوى الثلاثة ، وشأن الأمة كشأن الفرد يجب أن يكون فيها العمال الذين يشبهون قوة الشهوة في الإنسان ، والجنود الذين يشبهون قوة العاطفة في الإنسان ، والمفكرين والفلاسفة الذين يشبهون قوة العقل في الإنسان ، وعلى هذا الأساس وضع أفلاطون نظام الدولة ونظام الطبقات ونظام التربية ، فالماديون للعمل والجنود للحرب والفلاسفة للحكم ، ولتحقيق عملية الفصل بين الطبقات قال أفلاطون انه يجب أن يكون هناك مربي عام لتربية الأطفال في المدينة ، ويجب عزل الأطفال عن أبائهم ، وبعد ذلك وضع أفلاطون برنامج للمربي العام ، في السنوات الاولى يبدأ المربي العام بتدريس الأطفال التربية البدنية والموسيقى والعلوم والرياضيات والتاريخ والأخلاق العلمية ليعرف كل طفل حقوقه وواجباته ولكن شريطة أن ترتكز هذه الواجبات على أساس ديني ، ومدة دراسة هذا البرنامج عشرون عاما حتى يكون الشاب قد نال قدرا كبيرا من الغذاء الصالح لكل قواه الجسمية والعقلية والخلقية ، وبعد هذه المدة يمتحن الشباب امتحانا قاسيا لمعرفة ميولهم واستعداداتهم وقواهم ، ومن يتخلف في الامتحان يوجه إلى العمل الاقتصادي في الزراعة والصناعة والتجارة ، والناجحون في الامتحان يبدأون مرحلة دراسية أخرى تستمر عشر سنوات تربى فيها أجسامهم وعقولهم وأخلاقهم بشكل أكثر رقي ، وفي نهاية المرحلة يمتحنون ، ومن يتخلف يوجه إلى الخدمة في الجيش ، والناجحون يبداون مرحلة دراسية تستمر خمس سنوات يدرسون فيها الفلسفة والسياسة والحكم والفلسفة الإلهية ، ومن ينجح يوجه إلى الحياة العملية ليكتسب التجربة ، وبعد ذلك يمتحنون فمن يرسب يوجه إلى العمل في الجيش ، ومن ينجح يوجه إلى العمل في جهاز الحكم في الدولة ، وبالإضافة إلى ذلك وحتى يمنع التنافس والغيرة والجشع في المال وضع أفلاطون نظاما دقيقا يمنع التنافس والغيرة والجشع ، وفي موضوع المرأة رأى أفلاطون أن يفتح المجال أمام المرأة في العلم وفي الحكم إذا أظهرت كفاية في الحكم ، وقد كانت هذه الصورة للمدينة الفاضلة كما تصورها أفلاطون لأن أساس فلسفة أفلاطون يقوم على أساس أن وراء هذا العالم الذي نعيش فيه ونحسه عالما عقليا روحانيا يسمى عالم المثل ، وهو عالم كامل لا يعتريه نقص ولا تغير ، وهو غاية الغايات للعالم المحسوس ، وكلما اقترب العالم المحسوس من عالم المثل كلما اقترب من الكمال ، وقد سار على نهج أفلاطون الكثير من المدارس الفلسفية ومنها المدرسة المثالية اللامادية وهي مدرسة جورج بيركلي ، وهي المدرسة التي لا تعترف بوجود الحقيقة الخارجية وتعتبر أن الموجودات المادية لا وجود لها في الواقع ، ولكنها موجودة في تمثلاتنا الذهنية عنها ، وهذه الأخيرة نتلقاها من الفكر الإلهي مباشرة عبر الأشياء ( الوجود هو الوجود المدرك ) ، والمدرسة المثالية المتعالية ، وهي مدرسة ايمانويل كانت الذي أطلق عليه المفكر هيني اسم الآلة المفكرة ، وهي المدرسة التي تقول أن كل ما نعرفه عن العالم من مفاهيم وحدوس هو إنتاج محض للفكر ، ولذلك يقول كانت ( إن ما اسميه مثالية متعالية للظواهر هو مذهب يعتبر أن هذه الظواهر هي تمثلات ذهنية وليست أشياء بذاتها لأن معرفة الأشياء بذاتها أمر غير ممكن ) ، والمدرسة المثالية الذاتية ، وهي مدرسة يوهان غوتليب فيخته وهي مدرسة فلسفة الأنا ، وهي مثالية لأنها تجعل من المثال مبدأ للوجود ، وذاتية لأنها تضع هذا لمثال في الذات الأخلاقية المطلقة ، أي أنها ترد حقيقة العالم الخارجي إلى التمثلات الفردية ، والمدرسة المثالية الموضوعية ، وهي مدرسة فردريك فون شيلنغ التي ترد الظواهر المتعلقة بالوعي إلى نظام مطلق سابق على وجود الإنسان ، ومدرسة المثالية المطلقة وهي مدرسة جورج هيغل ، وهي المدرسة التي تماثل ما بين الفكر والواقع على أساس أن كل ما هو عقلي واقعي وكل ما هو واقعي عقلي ، ولذلك ترى أن العقل عبر تطوره الخاص به يعبر عن تطور الواقع ، والمدرسة المثالية الظاهرانية وهي مدرسة هوسرل ، وهي المدرسة التي ترد معرفة واكتشاف جواهر الأشياء والمفاهيم إلى الحدس ، لأن التجربة لا تصلح إلا لكشف طبيعة هذه الجواهر ،
http://yousefhijazi.maktoobblog.com/


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.