وزير التموين: سعر أردب القمح يحمل الموازنة أكثر من 10 مليارات جنيه    فرحة المزارعين بحصاد الباذنجان في المنوفية.. بشاير الخير    الأكاديمية المهنية للمعلمين تعقد ورشة عمل عن دور الذكاء الاصطناعي في التعليم    مندوبة جنوب إفريقيا: نطالب مجلس الأمن بتفعيل أحكام «العدل الدولية» ضد إسرائيل    صادرات النفط الخام العراقية للشهر الماضي تجاوزت 3 ملايين و412 ألف برميل يوميا    «الجيل»: جلسات الحوار الوطني تعكس رغبة الأحزاب في مناقشة أوضاع غزة    رئيس التشيك يغادر الأردن عقب زيارة استمرت 3 أيام    إمام محمدين يعود لقيادة قطاع الناشئين في الاتحاد السكندري    أزمة جديدة في حراسة مرمى مدريد بعد إصابة لونين    البوابة الإلكترونية بمحافظة القليوبية لإعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024.. توزيع الدرجات    تأجيل محاكمة متهم في قضية أحداث اقتحام قسم كرداسة لجلسة 29 يونيو    لأول مرة.. مريم نعوم «ممثلة» بالحلقة الخامسة من مسلسل دواعي السفر    أحمد الطاهري لمشاهدي القاهرة الإخبارية: نعدكم بمزيد من الاجتهاد للحفاظ على مصداقيتنا    نفاد تذاكر حفل عمرو دياب في بيروت بعد طرحها بساعة (تفاصيل)    وكيل الأزهر يقدم 6 نصائح للتعامل مع السيرة النبوية في مواجهة حملات التشكيك    رئيس جامعة كفر الشيخ: قافلة طبية وتوعوية لقرية برج مغيزل ضمن حياة كريمة    غلق كوبري محرم بك جزئيًا في الإسكندرية.. تعرف على التحويلات المرورية    قيادى بالوفد يكشف مصير المذكرة المقدمة ضد حمدي قوطة لرئيس الحزب    واجبات العمرة والميقات الزماني والمكاني.. أحكام مهمة يوضحها علي جمعة    موعد صرف معاشات شهر يونيو 2024 مع الزيادة الجديدة    القوات المسلحة تنظم مؤتمر الروماتيزم والمناعة بالمجمع الطبي بالإسكندرية    هانز فليك.. هل أنت مستعد لتغيير الحمض النووي لبرشلونة؟    فيلم "تاني تاني" يحقق إيرادات ضئيلة في الأسبوع الأول من عرضه    عرض مغري خلال ساعات لرحيل مروان عطية عن الأهلي    ما هو اسم الله الأعظم؟.. أسامة قابيل يجيب (فيديو)    معدل التضخم يرتفع مجددا في ألمانيا    الصليب الأحمر: إنقاذ 67 مهاجراً في المتوسط خلال 24 ساعة    انعقاد الملتقى الفقهي الخامس بحضور وكيل الأزهر    رئيس جامعة المنوفية يعلن اعتماد 5 برامج بكلية الهندسة    محافظ مطروح ومدير الطب البيطري يبحثان خطة الحفاظ على الثروة الحيوانية    وزير إسرائيلي: تحقيق الاستقرار في رفح قد يستغرق 5 سنوات    فيلم الحَرَش لفراس الطيبة يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان روتردام للفيلم العربي    جامعة بني سويف تكرم الطلاب الفائزين في مهرجان إبداع 12    رسميًا موعد عطلة عيد الأضحى بالسعودية 2024 وعدد أيام الإجازة    مواعيد عيد الأضحى 2024: تفاصيل الإجازات والاحتفالات    خلافات قديمة.. قرار قضائي ضد المتهمين بالتعدي على شاب وإصابته في بدر    محافظ شمال سيناء يستقبل مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر (صور)    وزير الصحة يبحث مع سكرتير الدولة الروسي تعزيز التعاون في مجال تصنيع الدواء والمعدات الطبية    قبل الانطلاق في رحلتك.. اعرف مستلزمات الحج للرجال والنساء    زعماء المعارضة الإسرائيلية يتفقون على خطوات لتبديل حكومة «نتنياهو»    الفرق بين التكلفة الفعلية والنمطية لتوصيل التغذية الكهربائية    حبس المتهم بالشروع في قتل عامل ديلفري بالعياط 4 أيام    محافظ أسيوط يترأس اجتماع اتخاذ التدابير الوقائية لمنع انتشار الأمراض المعدية    قرار جديد من اتحاد الكرة بشأن تحصيل بدلات الحكام من الأندية    تأييد قرار النائب العام بالتحفظ على أموال «سفاح التجمع»    البابا تواضروس الثاني يستقبل وفدا وزاريا فلسطينيا    شوبير يشن هجومًا لاذعًا على الحكم الدولي جهاد جريشة: ذاكر القانون كويس بعد إذنك    هيئة الدواء: تسعيرة الدواء الجبرية تخضع لآليات محددة ويتم تسعير كل صنف بشكل منفرد بناء على طلب الشركة المنتجة    رئيس قطاع الآثار الإسلامية يعلن اكتشافات أثرية بجامع المادراني    مساعد وزيرة الهجرة يستعرض جهود الوزارة في ملف دعم المصريين بالخارج    «مصايف الإسكندرية» ترفع الرايات الثلاث على الشواطئ.. احذر البحر في هذه الحالة    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس للعام الدراسى المقبل.. تعرف على الأوراق المطلوبة    خبيرة فلك تبشر مواليد برج الدلو في 2024    جوتيريش يدين بشدة محاولة كوريا الشمالية إطلاق قمر صناعي عسكري    صعود مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة الأربعاء    الفرق بين التحلل من العمرة والحج.. الإفتاء تشرح    مواعيد مباريات اليوم.. نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. وكأس مصر    "رديت بطريقتي".. شيكابالا يعترف بخطئه بشأن جمهور الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة كوبية بين واشنطن وبكين
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 06 - 2023

فى أتون تنافسهما الاستراتيجى حامى الوطيس، اتهمت دوائر أمريكية، الصين بمواصلة مساعيها الدءوبة، لتوسيع بنيتها التحتية المتعلقة باللوجيستيات، والقواعد، والأنشطة الاستخباراتية حول العالم، بغية استعراض وتعظيم قوتها العسكرية الضاربة. وفى هذا المضمار، أبرمت اتفاقا سريا مع كوبا، عام 2019، تحصل بموجبه الجزيرة الكاريبية على مليارات الدولارات من الصين؛ مقابل تمكين الأخيرة من بناء منشآت تجسس إلكترونية فى الجزيرة، تخول الصينيين مراقبة التحركات والأنشطة البحرية الأمريكية، والتنصت على الاتصالات بمناطق سواحل فلوريدا، وجنوب شرق الولايات المتحدة. حيث يوجد مقر القيادتين العسكريتين الجنوبية والوسطى، كما تتمركز بعض القواعد العسكرية.
تأتى السرديات الأمريكية بشأن الاختراق الاستخباراتى الصينى، فى توقيت بالغ الدقة؛ لجهة اصطدام العلاقات الأمريكية الصينية، بما تسميه بكين «الصعوبات الجديدة»، التى تُحمَل واشنطن مسئولية تفجرها. إذ تتزامن مع مساعى بكين لتوسيع حضورها الأمنى والاستخباراتى حول العالم؛ بهدف مواكبة الانتشارالمقلق للجيش الأمريكى فى آسيا، وسائر أرجاء المعمورة. كما تعقب توترا أمريكيا صينيا، نشب، فى فبراير الماضى، على خلفية إسقاط واشنطن منطادا صينيا للتجسس قبالة الساحل الشرقى الأمريكى؛ بعد تحليقه فوق منشآت عسكرية حساسة. وتترافق أيضا مع رفض وزير الدفاع الصينى، دعوة نظيره الأمريكى، لإجراء مباحثات استراتيجية على هامش حوار «شانجريلا» الأمنى، مطلع الشهر الحالى. وسط تجدد الاحتكاكات العسكرية بين الجانبين فى مضيق تايوان، وبحر الصين الجنوبى، إثر دعم واشنطن مساعى تايوان لتكريس الحكم الذاتى، وإصرار الصين على استعادتها بالقوة، إذا لزم الأمر. ويصادف الأمر أخيرا، زيارة، أنتونى بلينكن، للصين، وهى الأولى لوزير خارجية أمريكى منذ خمس سنوات، حيث تم إلغاء زيارة كانت مقررة فى فبراير الفائت، جراء أزمة المنطاد الصينى.
بموازاة نفيها الادعاءات الأمريكية بشأن تموضعها الاستخباراتى فى كوبا، انتقدت بكين سياسة واشنطن تجاه الأخيرة، محذرة إياها من التدخل فى شئونها الداخلية. واعتبرت الخارجية الصينية أن نشر الشائعات والافتراءات، يعد تكتيكا أمريكيا لتبرير التدخل فى الشئون الداخلية للبلدان الأخرى. أما الحكومة الكوبية، التى جددت نفيها وجود أى قواعد تجسس صينية على أراضيها، فأدانت المزاعم الأمريكية، التى اعتبرتها تلفيقا يبتغى تسويغ الحصارالاقتصادى المجحف، الذى تفرضه واشنطن على الجزيرة، منذ عقود. وشددت هافانا على رفضها كل أشكال الوجود العسكرى الأجنبى فى ربوع أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى، خصوصا من لدن الولايات المتحدة وحلفائها.
متنوعة هى الرسائل الاستراتيجية، التى تنطوى عليها الروايات الأمريكية بشأن مساعى بكين للتجسس على واشنطن، عبر كوبا. فللوهلة الأولى، يبدو الأمر وكأنه استنساخ لسيناريو الحرب الباردة، وأزمة الصواريخ النووية، ما بين الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة، مطلع ستينيات القرن الماضى. حينما نجح الأول فى الرد على التموضع الاستخباراتى والنووى الأمريكى والأطلسى، فى كل من ألمانيا وتركيا، بمحازاة المجال الجيوسياسى السوفييتى، من خلال نجاحه فى نشر صواريخ نووية، وإقامة مرافق تجسّس إلكترونية فى الجزيرة الكاريبية، التى لا يفصلها عن السواحل الجنوبية الشرقية للولايات المتحدة، سوى تسعين ميلا بحريا فقط. فاليوم، تأبى الصين، إلا الرد على التدابير الأمريكية الهادفة إلى محاصرتها تكنولوجيا، واحتوائها جيوسياسيا، عبر إنشاء ناتو أسيوى، من خلال صيغة «ناتو +6»، التى تضم كوريا الجنوبية، وأستراليا، واليابان، ونيوزيلندا، وإسرائيل، كما تسعى إلى ضم الهند. وفى هذا السياق، انطلقت بكين، أخيرا، فى تحرك استراتيجى مضاد، بحثا عن موطئ قدم جيواستراتيجى فى أمريكا اللاتينية، والبحر الكاريبى، حيث الفناء الجيوسياسى الخلفى للولايات المتحدة.
تشى مفاعيل التوتر المتصاعد حاليا بين واشنطن وبكين، ببلوغ التنافس الاستراتيجى، الذى يتخذ شكل حرب باردة، أو أزمة صواريخ كوبية جديدتين بين الجانبين، مبلغا خطيرا. ففى أواسط القرن الماضى، تمكن الاتحاد السوفييتى السابق من استثمار الجفاء الأمريكى الكوبى، وقتئذ، لتكريس تموضعه الجيوسياسى النووى والاستخباراتى على الجزيرة الكاريبية اللصيقة بالسواحل الأمريكية الجنوبية الشرقية. واليوم، تتطلع الصين إلى الاستفادة من تكرار إدارة ترامب ذات الخطأ الاستراتيجى مع كوبا. بحيث تستغل تجديد العقوبات الأمريكية على الجزيرة، بغية إغداق المساعدات عليها، توطئة لانتزاع تمركزات استراتيجية حيوية لبكين فى منطقة الكاريبى.
رغم مضى ما يناهز العقود السبعة، على اندلاع ثورة، كاسترو، التى أطاحت بباتيستا، رجل واشنطن فى كوبا، ومهدت السبيل لارتماء هافانا فى أحضان موسكو، لا تزال الجزيرة الكاريبية تمثل شوكة فى خاصرة الولايات المتحدة. ففى حين لم تعد كوبا الخاضعة لعقوبات أمريكية منذ العام 1962، تنتج سوى ثلث استهلاكها اليومى من الوقود، كما تكابد أسوأ أزمة اقتصادية منذ ثلاثة عقود، يتوالى وصول السفن المحملة بالنفط الروسى المجانى إلى الجزيرة. وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت العلاقات بين هافانا وموسكو، انتعاشا لافتا، مع تنفيذ شركات روسية، مشاريع طموحة فى قطاعات كوبية حساسة، فيما لا تنقطع الزيارات الرسمية المتبادلة بين كبار المسئولين فى البلدين.
بين ثنايا مساعيها الحثيثة للاقتراب من الفضاء الجيوسياسى الأمريكى، ردا على مزاحمة واشنطن لها فى شرق آسيا؛ انبرت الصين فى تعظيم حضورها الجيواستراتيجى داخل أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى. وفى سبيل ذلك، عززت بكين أواصر علاقاتها مع كوبا، التى كانت أول دولة تعترف بالحكومة الشيوعية الصينية عام 1960. وبمرور الوقت، تلاقت تصورات الطرفين، سواء فيما يتعلق بالنموذج السياسى المتبع داخليا، أو النمط المقترح للنظام العالمى. كما باتت الصين حليفا اقتصاديا حيويا لكوبا، التى صارت ثانى أكبر شريك تجارى لبكين، فيما غدت الأخيرة أكبر حامل للديون الكوبية. وضمن خطتها لكسرالاحتكار الأمريكى لاحتياطيات المعادن الاستراتيجية النفيسة حول العالم، حرصت بكين على الفوز بمقدرات كوبا من خام النيكل. كما ترنو إلى مد طريق الحرير البحرى الجديد فى أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى، من خلال تنفيذ مشروعات لوجيستية كبرى، وشق طرق استراتيجية عبر المحيطات المفتوحة فى أمريكا الوسطى.
تعتقد الصين أن الموقع الجغرافى للجزيرة الكوبية، التى خاضت صراعا مريرا، امتد لسبعة عقود مع واشنطن، يشكل مصدر إزعاج للأخيرة، لا يقل، فى وطأته الاستراتيجية، عن ذلك الذى تمثله تايوان للصين. وبناء عليه، تتطلع بكين إلى أن يفضى تقاربها الاستراتيجى مع هافانا، إلى فتح آفاق اقتصادية وجيوسياسية أرحب أمام العملاق الآسيوى فى منطقة الكاريبى. الأمر الذى يعزز موقفه خلال المنافسة الاستراتيجية الشرسة والممتدة مع واشنطن.
ثمة فارق جوهرى بين تايوان وكوبا؛ يتمثل فى الحضور العسكرى المكثف لواشنطن فى بحر الصين الجنوبى، وارتباطها باتفاقات تعاون أمنى وعسكرى وثيق مع تايوان، والفلبين، واليابان، وجزر المحيط الهادئ. وهو أمر تفتقده بكين فى منطقة الكاريبى حتى الآن، بينما تراهن على بلوغه فى بضع سنين. خصوصا إذا ما تواصلت الجهود الصينية لتحديث القدرات العسكرية الكوبية، وتوثقت عرى التعاون بينهما على الصعد كافة. بما يتيح للصين إقامة قواعد عسكرية فى الكاريبى، وامتلاك ورقة مساومة، تخولها انتزاع تنازلات أمريكية استراتيجية فى بحر الصين الجنوبى. ورغم تأكيد، إدارة بايدن، نجاح جهودها فى إبطاء المساعى الصينية، لاستعراض قوتها العسكرية، وتعزيز تموضعها الجيوسياسى عالميا، وتطوير أنشطتها الاستخباراتية فى كوبا. يظل وجود قاعدة تجسس صينية فى جزيرة تقع على بعد 150 كيلومترا قبالة سواحل فلوريدا، حال ثبوته، بمثابة تحدٍ جيواستراتيجى خطير، للولايات المتحدة القارية.
لعل هذا ما دفع مسئولين أمريكيين حاليين، للإيحاء بتجاوز مسألة إقامة بكين منصات للتجسس الإلكترونى فى كوبا. فبينما شكك المتحدث باسم مجلس الأمن القومى، فى دقة هكذا طروحات؛ أعرب عن قلق إدارة، بايدن، البالغ إزاء أنشطة التأثيرالاستراتيجى الصينية حول العالم، لاسيما فى نصف الكرة الأرضية الغربى، وتحديدا فى أمريكا اللاتينية والكاريبى. أما وزير الخارجية، فأكد على مراقبة واشنطن التحركات الصينية الحساسة فى كل بقعة على وجه البسيطة، باستمرار، وعن كثب؛ لافتا إلى حرصها على احتوائها من خلال الدبلوماسية. الأمر الذى يشى برغبة أمريكية ملحة، فى التهدئة مع بكين، وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة معها؛ بما يضمن إدارة العلاقات بشكل مسئول، ضمن مسار تنموى مستدام. علاوة على تجنب سوء التقدير والحسابات الخاطئة، اللذين يؤديان إلى تطور المنافسة المحمومة، على مختلف الجبهات، وفى شتى المجالات، إلى صدام عنيف، أو صراع مفتوح. وهو السيناريو الكارثى، الذى تفضل واشنطن إرجاءه؛ حتى تؤتى مخططاتها الرامية إلى حرمان روسيا من استعادة إمكاناتها ومكانتها كقوة عظمى مناوئة للقطبية الأحادية الأمريكية، أُكُلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.