مرة اخري، تشدد حركة "حماس" علي المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية التي تعني مصالحة بينها، من جهة، وكل من"فتح" والسلطة الوطنية من جهة اخري. لا شك ان المصالحة ضرورية ولا يمكن ان يكون هناك اي ضرر منها. ولكن يبقي السؤال: مصالحة من اجل ماذا؟ هل يوجد شيء اسمه مصالحة من اجل المصالحة؟ هل يكفي ان تكون هناك رغبة سورية في المصالحة كي تعود المصالحة الي الواجهة في حين ان كل ما علي "حماس" عمله هو توقيع نص اتفاق بين الجانبين امكن التوصل اليه بوساطة مصرية... علي ان يكون التوقيع في القاهرة طبعا. لا يمكن الا التشجيع علي مصالحة فلسطينية تقود في نهاية المطاف الي لقاء بين الرئيس محمود عبّاس (أبومازن) ورئيس المكتب السياسي ل"حماس" السيد خالد مشعل. مثل هذه المصالحة خطوة علي الطريق الصحيح في حال كانت ذات مضمون سياسي. هناك برنامج وطني فلسطيني هو البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. هذا البرنامج القائم علي حل الدولتين مقبول من المجتمع الدولي انه اللعبة الوحيدة في المدينة، كما يقول المثل الأمريكي. كل ما تبقي ألاعيب لا تخدم سوي بنيامين نتانياهو الساعي الي التهرب من المفاوضات في حال لم تكن النتيجة معروفة سلفا. والنتيجة التي يسعي نتانياهو الي تثبيتها علي ارض الواقع تتمثل في تكريس الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية ولجزء من الضفة الغربية. من هذا المنطلق، يأتي ذلك الإصرار الإسرائيلي علي ان يتضمن اي بحث في معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين ضرورة ان تأخذ النتيجة التي يمكن ان يتوصل اليها الجانبان الواقع القائم علي الأرض، اي واقع الاحتلال. وهذا يعني، بكل وقاحة، ان اسرائيل تصر علي ضم المستوطنات التي اقامتها في الضفة الغربية في حال التوصل الي حل نهائي. بالنسبة الي اسرائيل، ان الضفة الغربية "ارض متنازع عليها" وليست ارضا محتلة. ان اي مصالحة فلسطينية- فلسطينية لا تأخذ في الاعتبار الطريقة الأنجع لمواجهة المشروع الإسرائيلي تعتبر مجرد اضاعة للوقت تستخدمه "حماس" لتنفيذ مخطط واضح المعالم يتمثل في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وهو ما يحصل حاليا في قطاع غزة المحاصر الذي صار مع اهله اسيرا للأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط المحتجز منذ صيف العام 2006 . بعض المنطق يبدو اكثر من اي ضروري. قبل كل شيء، ان الجولة العربية التي يقوم بها رئيس المكتب الساسي لحركة "حماس" لم تؤثر ولن تؤثر علي موقف "فتح" والسلطة الوطنية الفلسطينية من المصالحة. الحاجة الي افعال وليس الي مجرد كلام يمكن ادراجه في خانة التمنيات وكسب الوقت والمزايدات اكثر من اي شيء آخر. نعم هناك انسداد لأبواب التسوية. ولكن هل علي الجانب الفلسطيني الاستسلام لنتانياهو؟ ان التخلي عن المشروع الوطني الفلسطيني يشكل الطريق الأقرب للاستسلام لرئيس الوزراء الإسرائيلي المراهن بدوره علي الوقت. من يطلق الشعارات الكبيرة من نوع "المقاومة المسلحة" يخدم نتانياهو من حيث يدري او لا يدري. كذلك يخدم نتانياهو، الذي يؤمن بشعار ألا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه، من يعبئ الجمهور الفلسطيني ضد مصر. ما فعلته مصر عبر "الانشاءات" التي تقيمها علي طول الحدود مع غزة حماية للفلسطينيين من المصائب التي يمكن ان تحل بهم بسبب الأنفاق والسلاح الذي يرسل من خلالها. كل ما فعله السلاح في غزة هو تعميم الفوضي في القطاع وتوفير المبررات كي تمارس اسرائيل ارهاب الدولة. هناك بكل بساطة حكومة اسرائيلية لا علاقة لها بالسلام وعملية السلام. هناك تهور اسرائيلي بكل معني الكلمة. لا يمكن مواجهة هذا التهور، الذي كان افضل تعبير عنه طريقة التعامل مع السفير التركي في تل ابيب، بمزيد من التهور كإطلاق الصواريخ المضحكة- المبكية من غزة مثلا... او الاكتفاء بالقول ان المفاوضات لم تؤد الي نتيجة علي الرغم من انها استمرت سنوات. يقول المنطق ان علي الجانب الفلسطيني ترتيب البيت الداخلي اولا والتمسك في الوقت ذاته بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. عندئذ، يمكن ان يكون هناك معني ما للمصالحة الفلسطينية، خصوصا اذا كان الهدف من المصالحة القضاء علي فوضي السلاح وعلي وهم تحرير فلسطين من البحر الي النهر ومن البحر الي النهر لافارق. لو كان العرب، كل العرب، قادرين علي شن حرب علي اسرائيل والدخول في نزاع عسكري معها، لما كان هناك شيء اسمه مبادرة السلام العربية التي اقرتها قمة بيروت بالإجماع في العام 2002 هذه المبادرة تعبير عن توازن معين للقوي ليس في استطاعة العرب قلبه للأسف الشديد. انها دليل علي انهم بلغوا مرحلة من النضج السياسي تجعلهم قادرين علي التفريق بين الممكن والمستحيل. قبل الكلام عن المصالحة، ليسأل الفلسطيني نفسه ما هو ممكن وما هو مستحيل؟ يتمثل الممكن حاليا، في ظل موازين القوي القائمة التي سمحت لإسرائيل بتدمير غزة ومتابعة فرض الحصار الظالم علي اهلها من دون ان ينبس العالم ببنت شفة، بالسعي الي التفاوض ولكن استنادا الي مرجعية واضحة. المرجعية الواضحة هي حدود العام 1967 من يعتقد ان في استطاعته تجاوز هذا الواقع، يبيع للفلسطينيين اوهاما عن طريق جعلهم يعتقدون ان المصالحة ستؤدي الي معجزة. الحقيقة ان المصالحة خطوة في الاتجاه الصحيح شرط ان تصب في اتجاه محدد يقطع الطريق علي استخدام الشعب الفلسطيني وقودا في معارك الآخرين من عرب وغير عرب. بكلام اوضح، آن للفلسطينيين ان يعوا انهم شعب من احد عشر مليونا وليسوا وقودا لمعارك لا علاقة لهم بها من قريب او بعيد تستخدم فيها الشعارات البالية من اجل ان يصفي هذا الطرف العربي او غير العربي حساباته مع الآخرين...علي حسابهم طبعا!