في حال افترضنا أن موقف "حماس" من المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية تبدل، أقله ظاهرا، لا مفرّ من التساؤل ما الجديد الذي حملها علي التعاطي الإيجابي مع المبادرة المصرية بعدما كانت إلي ما قبل فترة قصيرة في جانب كل من يقف ضد مصر وسياستها؟ من ينظر إلي الأمور عن كثب، يجد أن عليه الاعتراف بأن "حماس" تتصرف هذه الأيام بطريقة مختلفة تجاه المبادرة المصرية وتسعي في الوقت نفسه في الظهور في مظهر من يقف علي مسافة واحدة من الجميع، علما أن هامش المناورة لديها ضيق جدا نظرا إلي أنها رأس حربة للمحور الإيراني- السوري لا أكثر ولا أقل. علي الرغم من أن حتي الطفل الصغير يعرف طبيعة العلاقة التي تربط "حماس" بطهران ودمشق، تظل الزيارة التي قام بها السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للقاهرة اخيرا زيارة مهمة، خصوصا أنه تحدث بإيجابية عن الدور المصري وتوقع توقيع اتفاق ما في العاصمة المصرية هذا الشهر. ولكن يبقي السؤال: مصالحة من أجل ماذا؟ لا معني لأي مصالحة من دون مضمون سياسي واضح يؤدي إلي تحقيق هدف سياسي محدد يتمثل في قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدسالشرقية وذلك استنادا إلي حدود العام 1967 . يمكن بالطبع إدخال تعديلات معينة علي هذه الحدود في ضوء الحاجة إلي تبادل للأراضي، خصوصا أن المطلوب إقامة رابط بين الضفة الغربية. يمكن لهذا الرابط أن يتخذ شكل طريق أو ممر من نوع ما يصل بين المنطقتين ويؤكد انهما دولة واحدة وليستا كيانين منفصلين. وهذا يعني في طبيعة الحال أنه لابد من إدخال تعديلات علي حدود 1967 نظرا إلي أنه لم يكن هناك ما يربط بين الضفة والقطاع في مرحلة ما قبل حرب حزيران- يونيو 1967 . ما نشهده في هذه المرحلة، بعيدا عن الكلام الإسرائيلي عن استمرار الاستيطان الذي يستهدف سد الأبواب في وجه معاودة المفاوضات والجهود التي تبذلها إدارة الرئيس أوباما، جهد فلسطيني لتأكيد أن عملية بناء الدولة سائرة علي قدم وساق علي الرغم من كل الصعوبات والعراقيل التي يضعها الاحتلال. من مصلحة "حماس" في حال كانت حريصة علي القضية الفلسطينية ومهتمة بالتخلص من الاحتلال اللحاق بالركب الفلسطيني بدل بقائها اسيرة المحور الإيراني- السوري. يكون ذلك بالتخلي عن الأوهام أولا والمساهمة في المشروع الوطني الذي تنفذه السلطة الوطنية برئاسة السيد محمود عبّاس (ابو مازن) والحكومة المنبثقة عنها برئاسة الدكتور سلام فياض ثانيا وأخيرا. للمرة الأولي في تاريخ الشعب الفلسطيني، هناك حكومة مدعومة من السلطة الوطنية ومن "فتح" تبني مؤسسات لدولة. هناك للمرة الأولي سلطة فلسطينية لا تؤمن بالتذاكي علي المجتمع الدولي، أو بجمهورية الفاكهاني الطيبة الذكر التي أقامتها "المقاومة" في بيروت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، بمقدار ما تؤمن بوجود متطلبات معينة لا مفر من الالتزام بها، في حال كان مطلوبا الانتصار علي الاحتلال والتخلص منه إلي الأبد. مرة أخري، لا وجود لشيء اسمه مصالحة من أجل المصالحة. هناك حاجة إلي مصالحة تصب في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني بعيدا عن الشعارات والمزايدات. في الواقع، أن المقاومة الحقيقية للاحتلال هي تلك التي تشهدها الضفة الغربية التي لم تنزلق إلي المغامرة الفاشلة التي تتابع فصولها في غزة علي حساب المواطن الفلسطيني ومستقبله والقيم التي قام عليها هذا المجتمع ومكنته من الصمود في وجه المشروع الصهيوني منذ ما يزيد علي قرن. هل تنضم "حماس" إلي المقاومة الحقيقية، التي حافظت علي الهوية الوطنية الفلسطينية في احلك الظروف، أم تستمر في سلوكها الذي يريح الاحتلال ويدعم التطرف داخل إسرائيل نفسها؟ يفترض في "حماس"، بكل أجنحتها، بما في ذلك الجناح الإيراني، أن تكون قادرة علي الإجابة عن هذا السؤال. لا معني للمصالحة في حال كان الهدف منها الهرب من الأزمة العميقة التي تعيشها الحركة. تتلخص الأزمة بأن الحركة صارت أسيرة شعاراتها وتحالفاتها العجيبة، بل أسيرة الجندي الإسرائيلي الذي أسرته في يونيو من العام 2006 والذي كلف إلي الآن مئات الشهداء وآلاف الجرحي من أبناء الشعب الفلسطيني. بكلام أوضح، أن الهرب إلي المصالحة ليس حلا ولا يمكن أن يشكل مخرجا لا ل"حماس" ولا للذين يقفون خلفها. الحل والمخرج يكونان بالانضمام إلي المشروع الوطني الفلسطيني والمساهمة في انجاحه. لا مانع من الانطلاق من عملية نقد للذات شبيهة بتلك التي قامت بها "فتح" التي تحسنت أوضاعها بنسبة مائة في المائة بعد المؤتمر الأخير للحركة الذي انعقد في بيت لحم، علي الأرض الفلسطينية. لعلّ الخطوة الأولي التي يمكن أن تقدم عليها حركة مثل "حماس" تتمثل بالاعتراف بأن لا خيار آخر في الوقت الراهن سوي متابعة بناء البيت الداخلي الفلسطيني علي أسس سليمة تقوم علي فكرة في غاية البساطة. في أساس الفكرة أن علي الفلسطينيين إثبات أنهم قادرون علي تحمل مسئولياتهم متي اندحر الاحتلال. ما يثير الأسف أن الفلسطينيين لم يتمكنوا من إثبات أنهم قادرون علي التعاطي بجدية مع الانسحاب الإسرائيلي من غزة. كان الهدف من الانسحاب الذي نفّذه الإسرائيليون صيف العام 2005 في عهد أرييل شارون إيقاعهم في فخ. سارعت "حماس" إلي الفخ عندما أعلنت أنها تريد استخدام غزة قاعدة لتحرير كل فلسطين عن طريق صواريخها المضحكة - المبكية. ماذا حل بغزة؟ لماذا الحصار مستمر؟ ماذا كانت النتيجة الحقيقية للحرب الأخيرة التي مارست فيها إسرائيل كل أشكال إرهاب الدولة فيما العالم يصفق لها بصفاقة ليس بعدها صفاقة؟ نعم كبيرة للمصالحة الفلسطينية. المصالحة أكثر من ضرورية شرط أن تكون علي أساس متين. لا أساس متينا، إلي إشعار آخر، غير البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والجهود التي تبذل حاليا لبناء مؤسسات الدولة المستقلة بتعاون بين السلطة الوطنية والحكومة و"فتح". هل تنضم "حماس" إلي المشروع الوطني الفلسطيني أم تفضل الحديث عن المصالحة لكسب الوقت ليس إلا ومتابعة بناء إمارتها الطالبانية في غزة علي حساب كل ما هو حضاري أو له علاقة من قريب أو بعيد بالعصر والعالم المتطور؟