لا بدّ من بعض المصارحة. المصارحة تقضي بالاعتراف بأن المصالحة الفلسطينية باتت وهما. لم يعد هناك ما يجمع بين "فتح" و"حماس"، كما ليس ما يجمع بين السلطة الوطنية الفلسطينية من جهة و"حماس" من جهة أخري. لا وجود لمشروع وطني مشترك يعمل جميع الفلسطينيين علي تحقيقه. هناك مشروع خاص ب"حماس" يقوم علي أن فلسطين "وقف إسلامي" وهذا يستوجب تحريرها من البحر إلي النهر... أو من النهر إلي البحر، لا فارق، فيما هناك مشروع مختلف جذريا. يقوم هذا المشروع علي الواقع أوّلا وعلي قرارات الشرعية الدولية ثانيا وأخيرا، بدءا بقرار التقسيم الذي دعا في العام 1948 إلي قيام دولة فلسطينية وأخري اسمها دولة إسرائيل علي أرض فلسطين. لا يمكن التوفيق بين الرؤيتين. ولذلك لا يمكن التوفيق بين "فتح" و"حماس" أو بين "حماس" والسلطة الوطنية. لماذا إذا اضاعة الوقت؟ هل هناك فائدة من اضاعة الوقت في الظروف الراهنة؟ من هذا المنطلق، كانت المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية مجرد اضاعة للوقت ليس إلاّ. لا هدف ل"حماس" سوي تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة الذي باتت تسيطر عليه بقوة ميليشياتها، تمهيدا لتكرار الانقلاب الناجح الذي نفّذته في منتصف العام 2007 في الضفة الغربية في يوم من الأيام. ولا هدف ل"فتح" التي تدعم السلطة الوطنية الفلسطينية سوي التخلص من الاحتلال تمهيدا لإقامة دولة فلسطينية " قابلة للحياة" تجسد طموحات الشعب الفلسطيني المتمثلة في ممارسة حقوقه "غير القابلة للتصرف" استنادا إلي قرارات الشرعية الدولية في هذا المجال. باختصار شديد، هناك مشروعان يستحيل التوفيق بينهما. ولذلك، يبدو البحث عن مصالحة بين السلطة الوطنية و"فتح" من جهة و"حماس" من جهة أخري مجرد وهم. هل يمكن بناء سياسة علي وهم؟ ماذا ينفع البحث عن وهم من أجل بناء سياسة ما ليس معروفا ما الذي يمكن أن تؤدي إليه. في النهاية، إن أي مشروع سياسي، مهما كان تافها، في حاجة إلي هدف واضح المعالم. كيف يمكن الحديث عن هدف مشترك مع "حماس" متي كان هذا الهدف المعلن للحركة، والمتمثل في القضاء علي دولة إسرائيل، ليس سوي تغطية للهدف الحقيقي المتمثل في السيطرة علي الضفة الغربية واخضاعها علي غرار ما حصل في قطاع غزة. يبدو ضروريا في هذه المرحلة الابتعاد عن الأوهام. لا سبب وراء تمسك "حماس" المفاجئ بتقرير جولدستون، الذي يدينها بمقدار ما يدين إسرائيل، سوي إحراج رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (أبومازن). حسنا حصل إحراج ل"أبومازن" الذي لم يحسن التصرف بعد صدور التقرير الذي وضعه ممثل الأممالمتحدة الذي رأس لجنة تحقيق دولية في حرب غزة. ماذا بعد التقرير وكيف يمكن استغلال التقرير وتوظيفه في المشروع الوطني الفلسطيني؟ ذلك هو السؤال الكبير الذي يفترض أن يحل مكان الألاعيب والمناورات الرخيصة والمبتذلة التي لا هدف منها سوي النيل من المشروع الوطني الذي يبدأ بدحر الاحتلال. يفترض في الفلسطينيين، جميع الفلسطينيين، التنبه في المرحلة الراهنة إلي أنه ليس في استطاعتهم تحقيق حلم الدولة في غياب الدعم الشعبي للمشروع الوطني الفلسطيني الذي يقبل به المجتمع الدولي. يقوم هذا المشروع علي حل الدولتين. ليس واردا أن تفرض القوة العظمي الوحيدة في العالم التي اسمها الولاياتالمتحدة هذا الحل بالقوة. تواجه إدارة أوباما ما يكفي من المشاكل كي تعمل في اتجاه تحقيق هدف متواضع يقوم علي معاودة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية علي مستوي متدن، علي أن تطرح أفكارا تسد الفجوات بين الجانبين متي دعت الحاجة إلي ذلك. لا وجود لمشروع اسمه مشروع اوباما سيطرحه الرئيس الأمريكي قريبا ويجبر الطرفين علي القبول به. إن اوباما منشغل بأمور كثيرة تبدأ بالوضع الداخلي الأمريكي، بما في ذلك الضمان الصحي والأزمة الاقتصادية، وتنتهي في افغانستان التي يبدو انها ستكون فيتنام الثانية للأمريكيين، في حال لم تحسن الإدارة التصرف. وليس ما يشير، أقله إلي الآن، إلي إنها ستحسن التصرف في هذا المجال. علي الفلسطينيين أن يقلعوا شوكهم بأيديهم. ليس امامهم سوي اتخاذ القرارات الصعبة. في طليعة القرارات الصعبة تناسي المصالحة مع "حماس". قبل كل شيء، إن "حماس" لا تمتلك حرية قرارها. القرار الحماسي في طهران اوّلا وفي دمشق إلي حد ما. اكثر من ذلك، تمتلك الحركة اجندة خاصة بها لا علاقة لها بالمشروع الوطني الفلسطيني المبني علي خيار الدولتين. بكلام أوضح، لا مفر من ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني انطلاقا من الضفة الغربية أولا. هناك حكومة اسرائيلية برئاسة بنيامين نتانياهو تجسد كل امراض المجتمع الإسرائيلي، علي رأسها العمل من اجل تقويض اي فرصة للسلام. إن التطرف الإسرائيلي يجب أن يكون حافزا لمزيد من الوعي الفلسطيني لحقيقة أن بناء نواة لدولة في الضفة الغربية سيجعل إسرائيل ترضخ في نهاية المطاف للأمر الواقع. لا مفر من استمرار التحالف القائم بين السلطة الوطنية و"فتح" وحكومة الدكتور سلام فياض التي تعتبر أفضل عمل قام به الفلسطينيون في تاريخ نضالهم السياسي. المصالحة الفلسطينية وهم. من يتوقف عندها يريد إضاعة وقته لا اكثر. من يريد دولة فلسطينية يبني مؤسسات للدولة. الضفة الغربية في ظل ما تحقق فيها في السنوات القليلة الماضية تشكل قاعدة انطلاق في مواجهة الاحتلال والتطرف والمتطرفين من إسرائيليين وعرب وغير عرب! لا بد دائما من نقطة انطلاق. الضفة والأمن السائد فيها والمؤسسات الفلسطينية الفعالة نقطة البداية في المعركة الصعبة، ولكن غير المستحيلة، التي يخوضها الشعب الفلسطيني... من اجل الحرية والاستقلال وحق العودة إلي الدولة الفلسطينية!