المرصد المصري للصحافة والإعلام يُطلق حملة تدوين في "يوم الصحفي المصري"    البابا تواضروس: دور العبادة مكان لصلاة الإنسان ومناجاة العبد لربه    محافظ السويس يكرم أوائل الإعدادية العامة والأزهرية    ارتفاع أسعار الذهب في المعاملات الفورية إلى 2304.92 دولار للأوقية    وزيرة البيئة تترأس الاجتماع الأول للجنة تسيير مشروع تحويل الأنظمة المالية المتعلقة بالمناخ في مصر    محافظ مطروح: العمل على زيادة ضخ المياه للمناطق السكنية    «القاهرة الإخبارية»: حزب الله نفذ عمليات غير مسبوقة ضد الأهداف الإسرائيلية    اختيار نائب رئيس البديل الألماني في ولاية تورينجن لرئاسة وفد الحزب في البرلمان الأوروبي    غدًا.. ولي عهد الكويت يتوجه إلى السعودية في زيارة رسمية    نادٍ أوروبي يقترب من ضم نجم الأهلي (خاص)    تغيير وحيد في تشكيل منتخب مصر ضد غينيا بيساو بتصفيات المونديال    مصر تحصد ذهبية منافسات الفرق في بطولة إفريقيا لسلاح الشيش    طقس وقفة عرفة وعيد الأضحى 2024.. الحرارة تصل إلى 48 درجة مئوية    سفر آخر أفواج حُجاج النقابة العامة للمهندسين    قصور الثقافة تواصل فعاليات ورشة إعادة تدوير المخلفات بالإسماعيلية    كريم قاسم يروج لفيلم ولاد رزق 3: «لازم الصغير يكبر» (فيديو)    "لا أتاجر بمرضي وعمرو كان بيطفِّش العرسان".. كواليس الإصابة بالسرطان.. تصريحات تثير الجدل للإعلامية لميس الحديدي    هل تجوز صلاة العيد خلف التليفزيون؟.. عضو الفتوى الإلكترونية ترد    قافلة جامعة قناة السويس الطبية تفحص 115 مريضًا ب "أبو زنيمة"    "بايونيرز للتنمية" تحقق أرباح 1.17 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام    الرئيس الأوكراني ينفي أنباء استيلاء روسيا على بلدة ريجيفكا    بنك مصر يوقع بروتوكول تعاون لدعم منظومة التحصيل الإلكتروني    وزير التعليم العالي يسافر إلى روسيا للمشاركة في اجتماع الدول الأعضاء في "البريكس"    جمع مليون جنيه في ساعتين.. إخلاء سبيل مدرس الجيولوجيا صاحب فيديو الدرس الخصوصي بصالة حسن مصطفى    رحلة العائلة المقدسة إلى مصر حماية للمسيحية في مهدها    حورية فرغلي دكتورة تبحث عن الحُب في مسلسل «سيما ماجي»    أخبار الأهلي : 5 مرشحين لخلافة علي معلول فى الأهلي    ليونيل ميسي يشارك في فوز الأرجنتين على الإكوادور    هيئة الدواء تقدم الدليل الإرشادي لتأمين أصحاب الأمراض المزمنة فى الحج    وزارة الأوقاف: أحكام وصيغ التكبير في عيد الأضحى    مستشفيات جامعة أسوان يعلن خطة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى    توفير فرص عمل ووحدات سكنية ل12 أسرة من الأولى بالرعاية في الشرقية    اسكواش - مصطفى عسل يصعد للمركز الثاني عالميا.. ونور الطيب تتقدم ثلاثة مراكز    «القومي للبحوث» يوضح أهم النصائح للتغذية السليمة في عيد الأضحى    تشكيل الحكومة الجديد.. 4 نواب في الوزارة الجديدة    إعلام إسرائيلى: قتلى وجرحى فى صفوف الجيش جراء حادث أمنى فى رفح الفلسطينية    ياسمين عبد العزيز ترد على رسالة أيمن بهجت قمر لها    «مودة» ينظم معسكر إعداد الكوادر من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    الرئيس الروسي يزور كوريا الشمالية وفيتنام قريبا    أفيجدرو لبيرمان يرفض الانضمام إلى حكومة نتنياهو    الأوقاف: افتتاح 27 مسجدًا الجمعة القادمة| صور    وزيرة الهجرة: نعتز بالتعاون مع الجانب الألماني    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح آداب ذبح الأضاحي في عيد الأضحى (فيديو)    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته ببسيون لشهر سبتمبر لاستكمال المرافعات    تاريخ فرض الحج: مقاربات فقهية وآراء متباينة    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    "أتمنى ديانج".. تعليق قوي من عضو مجلس الزمالك بشأن عودة إمام عاشور    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    سرقا هاتفه وتعديا عليه بالضرب.. المشدد 3 سنوات لسائقين تسببا في إصابة شخص بالقليوبية    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    جالانت يتجاهل جانتس بعد استقالته من الحكومة.. ما رأي نتنياهو؟    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤرخ د. عاصم الدسوقى يزيل الالتباس ويكشف:الخلافة العثمانية «أكذوبة»!
نشر في أكتوبر يوم 12 - 01 - 2020

الإبحار فى حقبة ما يسمى ب «الإمبراطورية العثمانية» كمن يمشي فوق بحر من الرمال المليئة بالألغام، كلما توقف لحظة يكتشف الكثير من المآسى والأهوال عن إمبراطورية قامت على الزيف والضلال، كانت شعارات الدين والدفاع عن الإسلام الستار الذى تغلغت منه إلى جسد الأمة العربية لتفرض جبروتها، وتعيد العرب سنوات ضوئية إلى الوراء وتنهب ثرواتها، وكان القاسم المشترك فى جميع غزواتها «الوشاية والخيانة».
حوار : أحمد النومى
تصوير : عامر عبد ربه
وهنا تبروز التساؤلات الشائكة هل كان مجيئهم إلى مصر فتحا أم غزوا، وما هى الجرائم التي ارتكبها أحفاد عثمان أرطغل فى المحروسة، وما الفارق بين الاحتلال العثماني وسائر الإمبراطوريات التى غزت مصر، ولماذا اعتبر المؤرخ «ابن اياس» يوم سقوط مصر فى يد سليم خان مثلما جرى فى بغداد على أيدى جند هولاكو؟
هل دافع العثمانيون حقا عن الإسلام، وهل استفاد العرب من هذا الاحتلال العثماني، ولماذا وصفت كتب التاريخ السلطان سليم خان بالسفاح، وما سر كراهية حكام تركيا لمصر، ولماذا انتهكوا حرمة المساجد وقتلوا المصريين فيها، وهل فرضية إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية قابلة للتحقق على أرض الواقع كما يرى المهوس أردوغان، ولماذا تتعمد الأعمال الدرامية التركية تزييف التاريخ؟
هذه التساؤلات الساخنة وغيرها طرحتها «أكتوبر» على المؤرخ التاريخى الكبير ورائد مدرسة التاريخ الحديث الدكتور عاصم الدسوقي، ليضع النقاط الحائرة فوق الحروف المتناثرة.. فى هذا الحوار الكاشف لحقبة مهمة من تاريخ مصر والمنطقة:
بداية.. من هم العثمانيون؟
لفهم هذا الموضوع لا بد وأن نتناول أصل العثمانيين، فهم قبيلة كانت تقيم فى شمال غرب الصين القديمة، وشأن بقية القبائل كانوا يتنقلون من مكان لآخر بحثا عن الرزق، وبالتالى ليسوا أصحاب حضارة لأنها تأتى مع الاستقرار الذى يبدأ مع الزراعة وليس النقل والتجارة، وكل الحضارات القديمة بدأت مع الزراعة حيث التحدى بين الإنسان والطبيعة وكيفية التغلب عليه بابتكار الوسائل المناسبة، فهم قبيلة أخذت تتنقل من شمال غرب الصين حتى وصلت آسيا الصغرى، وكانت فى هذا الطريق الطويل تتصادم مع قوى وقبائل أخرى مستقرة وتنتصر عليها بقوة السلاح وتأخذ منها جزءا، وحتى اللغة لديهم بها اختلاط، تجد لغة الأوردو فى كلامهم وهى لغة أهل باكستان وأندونيسيا، وعندما اقتربوا من بلاد فارس دخلت فى لغتهم الحروف الفارسية، ثم دخلت اللغة العربية على كلماتهم أيضا، فلغتهم خليط من الاورودو والفارسية والعربية.
إذن العثمانيون ليسوا الأتراك فقط؟
نعم صحيح، فهم بالأساس من أواسط أسيا، فى شمال غرب الصين وتنقلوا من مكان إلى مكان.
وماذا عن بقية خط سيرهم ورحلتهم إلى بلاد العرب؟
عندما وصلوا إلى آسيا الصغرى فى منتصف القرن الرابع عشر، كان هناك نزاع فى منطقة بيزنطة، فى عهد الإمبراطورية البيزينطية المسيحية، بين الأباطرة الطامحين فى تولى الحكم فى هذه الإمبراطورية، فاستعان أحدهم بالعثمانيين، وكان زعيم القبيلة وقتها يدعى «عثمان» ومن هنا أطلقت صفة العثمانيين على هذة القبيلة.
أليس هو عثمان أرطغل مؤسس الدولة العثمانية؟
نعم لكنه لم يكن المؤسس، بل كان زعيم القبيلة فى منتصف القرن الرابع عشر، فاستعانوا به، فنصره على خصمه، ففتحت الطريق أمامه وعبر الدردنيل أو البسفور، ووصل إلى البلقان، أو أوروبا الشرقية «بلغاريا ورومانيا والصرب التى كانت يوغسلافيا وقتها وألبانيا» كلها كانت إمارات إقطاعية فى زمانها سيطروا عليها بقوة السلاح.
وهل كان للعثمانيين أو قبيلة عثمان مواصفات أو سمات أخلاقية تميزهم؟
لم يتميزوا بخصال معينة، لأن القبيلة دائما ليست لها موروث ثقافى لأنها تتنقل من مكان إلى مكان ولا تملك إلا القوة لتفرض نفسها، ووقتها كان السيف حتى بعض المصادر تذكر مقولة اللعب بالسيف، حتى عندما اعتنقوا الأسلام كانوا على المذهب الحنفى رغم أنه ليس أقدم المذاهب، لأنه كان مذهبا يسيرا وليس متشددا كالمالكية مثلا، ولهذا تجد فى مراسم الزفاف بمصر جملة على مذهب ابى حنيفة لان مصر كانت ولاية ضمن الإمبراطورية العثمانية، وكان مذهب الدولة، لكن المصريين لا يعرفوا التمذهب، هو فقط مسلم، وليس شافعى أو حنبلى أو مالكى، وسيطروا فى البلقان على شعوب أوروبا المسيحية، فنشأت ما يعرف فى التاريخ ب «المسألة الشرقية».
وماذا تعنى المسألة الشرقية؟
تعنى كيف تتخلص أوروبا من سيطرة المسلمين على شعوب مسيحية، وهى شعوب البلقان فى أوروبا، ونشأت هذة المسألة فى القرن الخامس عشر وقادتها فرنسا لأنها فى وسط أوروبا وانجلترا، ووصل التفكير لوضع حد لهذه السيطرة بإضعاف الدولة العثمانية تمهيدا للقضاء عليها، وكانوا يريدون الحصول على حقوق مواطنة لشعوبهم المسيحية.
وكيف دخل العثمانيون بلاد العرب؟
فى عام 1453 م كانت هناك ثلاث قوى متنافسة فى المنطقة، قوى الصفويين فى إيران وهم شيعة، وقوى المماليك فى مصر والشام، والعثمانيين القادمون من آسيا الصغرى وبيزنطة، فحدث الصراع بينهم، هناك فكرة تاريخية تؤكد أن أى قوة تنشأ، تبدأ صغيرة ثم تكبر وتنموا وتعلوا وتسيطر، وبعد الوصول إلى الحد الأقصى للقوى تتجمد، وإذا جاءت قوى جديدة فى هذا المنعطف تتغلب على هذه القوى المتجمدة، وهو ما حدث بين الثلاث قوى، القوى الأقدم هى الصفويين والمماليك، والأحدث العثمانيون، فبدأ الصراع بين الثلاثة على منطقة لا تزال موضع صراع حتى الآن وهى منطقة الأكراد فى شمال العراق وشمال سوريا وشمال إيران وجنوب شرق الدولة العثمانية وكانت هناك وقتها امارات كردية مستقلة، وطبقا للمنحنى الحضارى انهزمت القوى الأقدم وهى الصفويين فى موقعة «شال ديران أو كالديران – 1514»، وكان المماليك بقيادة الغورى يناصرون الصفويين ضد العثمانيين لأنهم خطر مشترك، ولم ينس العثمانيون هذا الموقف من المماليك، وبعد القضاء على الصفويين، أراد السلطان سليم الأول ضم مصر والشام سلما بدون دماء، ورفض الغورى أن يكون تابعا بعد ان كان سلطان المماليك فى الشام ومصر، ورفض تسليم مصر رغم العرض أن يظل واليا على مصر، فحدث الصدام، وهناك سبب آخر تعللت به الدولة العثمانية لدخول مصر .
ما هذا السبب؟
هناك فى تركيا لا يذكروا مسألة وقوف المماليك بجانب الصفويين، وذكروا سببا آخر وهو كثرة القتل فى من سيتولى الحكم فى الإمبراطورية العثمانية بسبب الطمع بين الأخوة والصراع على عرش السلطان، وقد حدث ذلك كثيرا، وكان من سيكون عليه الدور فى الحكم يتم عزله وسجنه فى قفص من ذهب، حتى لا يقتله أحد، ووقتها لن يكون لديه أى خبرة لانه معزول عن المشاركة فى إدارة شئون الحكم، فيقع فى أيدى رجال البلاط فيصرفونه كما يشاءون، أحد هؤلاء اسمه الأمير «جم» المفترض أن يرث سليم الأول، ويخشى أن يغدر به اخوته ويقتلوه فهرب من إسطنبول إلى مصر، فكان سببا من السلطان سليم ليطلب من الغورى تسليم «جم» فرفض «الغورى « باعتباره لاجئا سياسيا، فكانت هذه بداية المناوشات الأولية بينهما، وتذكر المصادر التاريخية أن سليم قال للغورى «اذا لم يستجيبوا إلى طلبنا سوف ألعب بهم بالسيف»، وهزم الغورى فى موقعة مرج دابق شمال حلب، وطلب سليم من طومان باى نائب الغورى ومن تولى القيادة بعده، تسليم مصر بدون معركة فرفض وحارب على قدر القوة، لكن المنحنى الحضارى كان فى صالح العثمانيين، فالمماليك كانت قوى لها أكثر من 6 أو 7 قرون تحكم، وانهزم فى معركة الريدانية التى تقع الآن بين العباسية والمطرية وكانت صحراء، وهذا يفسر الشارع الرئيسى هناك بعنوان سليم الأول، ولم يكتف سليم بقتل طومان باى بل علق رأسه على باب زويلة، منتهى الإجرام واللإنسانية، وهذا يتفق مع فكرة الصراع السياسى وأن الحروب لا تعرف الأخلاق.
الكثير من المراجع والكتب وصفت سليم الأول بأنه كان سفاحا وسيئ الخلق، نريد صورة عن قرب؟
المصادر والمراجع تؤكد أنه كان سفاحا لا يستخدم إلا السيف وهذا حقيقى، وتفسيرى لذلك أنه ليس من نسل حضارة وهذا متوارث فى العثمانيين، عكس مصر الدولة صاحبة الحضارة القديمة، والموروث الثقافى والحضارى كبير ولدينا ثقافة وسطية معتدلة هى ثقافة العدل ولا نميل للتطرف نقيض الشخصية العثمانية أو التركية التى هى أقرب إلى البربرية، فتاريخ سليم الأول لا يعرف إلا السيف .
دائما ما يردد الأتراك أن الدفاع عن الإسلام والشريعة هو ما دفعهم لدخول بلاد العرب ومصر، هل فعلا حمى العثمانيون الإسلام؟
هذا ادعاء ذكرته المصادر العثمانية، الدفاع عن الشريعة الاسلامية والفتنة الطائفية التى حدثت فى مصر وقت الحملة الفرنسية وتقسيم المصريين إلى مسيحى ومسلم ويهودى وشامى للعمل فى الدواوين، والعثمانيين لم يدافعوا أو يقدموا شيئا يذكر للاسلام، وهى كلها أباطيل يرددونها بالدفاع عن الشريعة، وعندما دخلت الحملة الفرنسية لم يفعلوا شيئا يذكر، وعندما سقطت الجزائر فى يد فرنسا عام 1830 لم تتحرك الدولة العثمانية وهى كانت ولاية تتبعها، وعندما سقطت تونس عام 1881 نفس الأمر، لم يتصادم وترك هذه الدول لمصيرها حسب موازين القوى.
ألم يقدموا شيئا نافعا عندما دخلوا مصر عام 1517؟ وما هى جرائمهم؟
لم يقدموا شيئا لمصر، وكانت هناك مقاومة بين المماليك والمصريين، لكن مقاومة المصريين لهم كانت أقل لأن العثمانيين دخلوا مصر بالسيف، من هنا هرب المصريون للاختباء والحماية داخل المساجد، لا يتردد العثمانيين فى اقتحام المساجد، بل وقتلهم داخل المساجد، وكما يقول ابن ياس فى كتابه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» إذا هرب مصرى منهم إلى المئذنة صعدوا إلى المئذنة ويلقونه منها إلى الأرض، كانت المساجد مستباحة، ولانهم ليسوا أهل حضارة ولا يملكون موروثا ثقافيا لم يقدموا شيئا للمصريين، والمؤرخون القدامى يصفون الحكم العثمانى بأنه حكم سطحى، بمعنى أنه ليس متعمقا، اكتفوا من المصريين بدفع الجزية وضرائب المال فقط، إدارة البلد كلها كانت من هناك، ولم تكن توجد وظيفة للمصرى سوى وظيفة «السوروجى»، ووظيفة السوروجى جمع الضرائب من شيوخ الطوائف سواء كانت الطوائف حرفة أو مهنة أو مذهب أو دين، وبالتالى لم يكن لديهم شيئا يحاكيه المصريون، لأنهم أكثر حضارة منهم .
وهل هناك دلائل أخرى على عدم استفادة المصريين منهم وجرائمهم؟
لقد استولى العثمانيون على فرش مسجد السيدة نفيسة ومقامها ونفس الأمر فى مسجد السيدة زينب، والجامع الأزهر ومسجد طولون ولم يترددوا فى دخول واقتحام المساجد وقتلوا المصريين داخله، وسرقوا أى شىء فى المساجد، لأنهم كانوا غير متحضريين، سلبوا من المصريين العمال المهرة وبنوا من خلالهم عمائرهم ومساجدهم بالأستانة وتأثرت الصناعة اليدوية فى مصر وتقدموا هم، رغم أن ابن اياس يذكر فى كتابه أن مهمة العمال المصريين انتهت بعد 3 سنوات، فأمر السلطان سليم بعودتهم إلى مصر ولم يعودوا إلى مصر ومنهم من خرج من تركيا إلى أوروبا، لكن خروجهم كان مؤثرا على المهن لأنها كانت متوارثه ولم تكن وقتها هناك مدارس للتعلم .
وصف ابن اياس فى كتابه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» يوم سقوط مصر فى يد العثمانيين، إنه كان اليوم الأشد وطأة ونكبة وحسرة على المصريين وشبهه بما وقع من جند هولاكو فى بغداد.. إلى هذه الدرجة كان المشهد مأساويًا؟
صحيح لأنهم عندما دخلوا مصر أعملوا السيف، كما قال سليم الأول اذا لم يستجَب إلى طلبى سوف أدخل البلد والعب فيهم بالسيف، فكل ما لديهم تدمير ونهب وسرقة، والنتيجة خراب البلد، وتسببوا فى عزلة مصر وبلاد الشام عن التيارات الحضارية العالمية عن طريق معابر التجارة العالمية من السويس إلى الإسكندرية ثم أوروبا من خلال المراكب التى كانت تقيم بالأيام والشهور، وكان المصريون يحاكون السلوكيات الحضارية التى يرونها وكان أحيانا يحدث زواج ونسب من أصحاب هذه البضائع من المصريين فمنعوا دخول المراكب التجارية الأجنبية بحجة الخوف على الأماكن المقدسة مكة والمدينة لأن الصراع وقتها كان دينيا، وتفرغ البضاعة فى ميناء عدن وتنقل على مركب محلى لتستكمل طريقها لمصر والشام، مما عزل المصريون عن التطور الحضارى.
قلت إن التطور الحضارى للقوى سبب فى سقوط مصر.. ألم يكن للخيانة دور آخر؟
طبعا فنائب الغورى اسمه «خاير بك» عندما وجد أن الغورى سيهزم انضم إلى العثمانيين وأطلق عليه المصريين «خاين بك» كما ذكر الجبرتى فى كتابه، وطبيعة أى عدو يبحث عن عملاء تكون الخيانة والوشاية سلاح هام، وكان هدفهم من الدول أن تطيعهم، واذا حاول الوالى الاستقلال يقضى عليها عن طريق الوشايات، وأجهزة الجواسيس كانت موجودة حينها.
وكيف كان حال مصر قبل مجيء العثمانيين؟
مصر فقدت قيمتها كدولة بعد انهيار الحكم الفرعونى، فقد كانت دولة قوية ومتوسعة وصلت إلى أعالى نهر الفرات، بعدها خضعت لقوى أحدث طبقا لنظرية صراع القوى، الأحدث يقضى على الأقدم، فجاء الإسكندر الأكبر واحتل مصر وورثها إلى بطلميوس حتى كليوباترا لمدة 300 عام، ومصر أصبحت ولاية تابعة ثم الرومان ثم جاء العرب المسلمون، ثم خضعت للخلفاء الأمويين والعباسيين، ثم الفاطميين من بلاد المغرب وتأسست الخلافة الفاطمية، فمصر كانت منهكة قبل مجيء العثمانيين.
بمناسبة الخلافة.. هناك خلط عند البعض بين الإمبراطورية العثمانية والخلافة الإسلامية؟
الخلافة الإسلامية أصلا فى قريش وبالأخص فى بنى هاشم فهى خلافة عربية فى قريش، ولهذا كان الخلفاء الراشدين من قريش والأمويين والعباسيين، وعندما جاء الفاطميون وأصبحوا خلفاء، وعندما قضى صلاح الدين على الخلافة الفاطمية لم يسم نفسه الخليفة، إنما السلطان لأنه كان كرديا.
أما الربط بين الإمبراطورية العثمانية والخلافة الإسلامية اعتبره ادعاء، لأنه بعد انهيار الخلافة العباسية فى 1238، كان الخليفة العباسى مثل المطالب بالعرش لكنه ليس خليفة، لكنهم كانوا يتوارثون اللقب، وآخرهم «المتوكل» كان يعيش فى مصر عندما دخل الأتراك العثمانين مصر، فقيل أن هذا السلطان العباسى «المتوكل « تنازل للسلطان سليم عن لقب الخلافة، وبعض المراجع تذكر ذلك بتنازله وهذا غير حقيقى، والذى يكشف ذلك أكثر عبد الرحمن الكواكبى فى زمن السلطان عبد الحميد، وهنا نؤكد أن المراجع التركية لا يذكرون لقب الخليفة العثمانى رغم ما قيل فى حكاية تنازل المتوكل، لكن عندهم فى المراجع اسمه السلطان، اذا غزا أرضا يضاف له لقب السلطان الغازى، وفى عام 1876 أصدر السلطان عبد الحميد دستور وذيله باسم عبد الحميد خليفة المسلمين، وتصدى له الكواكبى فى كتاب «طبائع الاستبداد « وذكر أن الخلافة عربية.
لماذا كانت مصر ولاية عصية على الباب العالى؟
السبب حضارى.. فالمصريون يحتقرون العثمانيين، ويرونهم أقل منهم حضارة، وبالتالى الأتراك لديهم شعور بالنقص تجاه المصريين وأن المصريين أكثر منهم رقيا وحضارة، والمصريون كانوا مكرهين على قبوله ولكنهم غير معترفين بهم .
هل ترى ثمة تشابه بين أردوغان وجده السفاح سليم؟
نعم يتشابه مع أجداده، فأجداده عندما قدموا من شمال غرب الصين جاء معهم أناس كثيريين، وبالتالى لا توجد ملامح شكلية واحدة لحكام تركيا، عندما تنظر إلى أحمد أوغلوا أو شاويش أوغلوا تجد لكل منهم ملامح، الوحيد القريب الشبه من الأصول القديمة للعثمانيين هو أردوغان، تجد ملامح وجه صينية فمن الواضح أنه أقرب شبها إلى السلالة التركية القديمة، والأقرب من جده سليم .
يتحدث أردوغان مرارا عن إرث أجداده العثمانيين وعودة الإمبراطورية العثمانية.. كيف ترى ذلك؟
لا يمكن أن يحدث شيء من هذا الكلام، والخلافة العثمانية ليست خلافة بل أكذوبة، ومن يستجيب لهذا الكلام أصحاب الخلفيات والاتجاهات والجماعات ممن يرون فيه نصرا لهم، وكل هدفهم الوصول إلى الحكم منذ تأسيس جماعة الإخوان، ولا يمكن عودة الإمبراطورية العثمانية فالتاريخ لن يعود، ولن يسمح بوجود دولة دينية أخرى، وأردوغان لا يعيش الزمن والعصر .
هل ثمة مقاربة بين الماضى والحاضر لدخول الأتراك بلاد العرب بحجة الدفاع عن الإسلام والشريعة؟
كلها كانت ذرائع وعلل، وبحث مستمر عن علة أو ذريعة تخفى الأغراض الحقيقية، وكيف يتم الضحك على شعوب الشرق سوى باللعب بالدين ورفع راية الإسلام والذى يستجيب هى تلك الجماعات غير المثقفة والتى لا تعرف من أمر التاريخ شيء .
هل أردوغان مهووس بالتاريخ أم مريض نفسى؟
هو مهووس بشكل عام لأنها جزء من تركيبته وأصوله التاريخية، لأنه لا يجد سبيلا لأن يكون سلطانا كبيرا إلا باللعب على ورقة الدين، وبداخله طغيان وفى ذات الوقت به حماقة ولا يعتبر من دروس التاريخ.
قولا واحدا.. دخول العثمانيين مصر كان غزوا أم فتحا؟ وهل الغزو العثمانى كان أشد وطاة على المصريين من الإمبراطوريات التى غزت مصر؟
كان غزوا بالطبع، وهم لم يكونوا أشد وطأة إلا فى حالة القمع، واى محاولة للانقضاض على الحكم العثمانى كانت تقمع بالسيف، فكانت الناس تؤثر السلامة.
لولا العثمانيون لكان العرب ضاعوا ولولاهم لما كان هناك لسان عربي.. ما ردك على كلام المؤرخين الأتراك؟
هذا تبرير، وهنا فارق بين التبرير والتفسير، مهمة البحث فى التاريخ تفسير الحدث الذى وقع استنادا إلى كافة الظروف الموضوعية المصاحبة، لكن التبرير لا يعد بحثا علميا فى التاريخ، ثم ذكرت لك ضياع الجزائر وتونس وليبيا فى أيادى الإنجليز والإيطاليين والفرنسيين، ماذا فعل الأتراك عندما جاء الفرنسيون رغم أن مصر كانت ولاية عثمانية ولم يخرجوا إلا بدعم إنجليزى لأنها تنافس فرنسا فساعدت تركيا على إخراج الفرنسين ليس حبا فى الأتراك ولكن كراهية فى فرنسا التى انفردت بمصر، فسلموا البلاد العربية للاستعمار الأجنبى وهذا الكلام السابق يعد تبريرا للتاريخ وليس تفسيرا للتاريخ.
هل كان العثمانيون يفضلون العنصر التركى على العربى؟
بطبيعة الحال والعثمانية من كلمة زعيم القبيلة عثمان فهم آل عثمان والأتراك هم العثمانيون.
هل المناهج الدراسية تحتاج إلى تغيير لاسيما وانها لا تعتبر الحقبة العثمانية غزوا؟
بالطبع لا بد من أن تسمى الأمور بمسمياتها يقال الغزو العثمانى مثلما يقال الغزو الفرنسى والانجليزى ونشرح معنى كلمة غزو.. نحن نقر واقعا ومطلوب إعادة النظر فى المناهج الدراسية
الدرما التركية تمجد الحقبة العثمانية وأسرت ألباب وعقول الناس؟
الدراما سلاح فتاك، لكن عيبها أن مؤلف الدراما يدخل للعمل بفكرة مستقرة فى ذهنه وثابتة ويبحث عن اثباتتها فى المراجع والمصادر، فالأساس مثلا أننى أتبنى فكرة أن العثمانيين عظماء أدخل إلى المراجع، ويعرضها لكنه يلتقط منها ما يخدم فكرته ويترك الوقائع التى تؤثر، وهذا تزييف للتاريخ وبالتالى ما تقدمه الدراما التركية تزييف للتاريخ، ونفس الأمر لمن يتصدى لأى عمل تاريخى لا يجب انتهاج سياسة الانتقاء.
وما رأيك فى مسلسل «ممالك النار»؟
جميل وذكر الجانب الآخر مما أغفلته الدراما التاريخية من فظائع، ونحن فى حاجة إلى أعمال تاريخية كثيرة عن هذه الفترة للرد على الأعمال التركية بالمزيد من الأعمال فنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.