انتهت اجتماعات الدورة ال 28 من اجتماعات المجلس الدولى لحقوق الإنسان وعبرت مصر هذا الامتحان بنجاح بعد اعتماد المجلس المراجعة الشاملة لمصر عقب موافقة الحكومة على 243 توصية من توصيات المجلس الدولى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المعروفة ب «توصيات جنيف» البالغ عددها 300 توصية صدرت خلال عملية المراجعة الدورية الشاملة لحالة حقوق الإنسان بمصر فى نوفمبر الماضى أى بنسبة 81% من إجمالى التوصيات بين موافقة كلية وموافقة جزئية فيما رفضت 23 توصية لتعارضها مع الدستور المصرى أو مبادئ الشريعة الإسلامية أبرزها إلغاء عقوبة الإعدام والاعتراف بحقوق المثليين والمساواة فى الميراث بين الرجل والمرأة. وانتهت دورة الانعقاد لتفتح لنا الباب للتساؤل حول من هى الجهة المخول لها أن تقرر حقوق الإنسان بالعالم؟ وبأى معايير؟ وما السبيل لتحاشى إشكالية التعارض بين مواد وبنود حقوق الإنسان كما تراها المنظمة العالمية وما يتناقض مع هويتنا العربية والإسلامية؟وما السبيل أيضًا لمقاومة فيروس «التسيس» الذى تقوم عليه عمل المنظمة من خلال ما تريد أن تفرضه الدول الكبرى من أفكار تتماشى مع ما يسمى الإنسان العالمى وحقوقه؟. فى البداية عكست كلمة السفير عمرو رمضان مندوب مصر الدائم لدى الأممالمتحدة رئيس الوفد المصرى فى جنيف ارتياحا كبيرا من قبل الوفود الأعضاء فى المنظمة وأعطت رسالة مهمة أن الدولة المصرية تتجاوب مع توصيات المجلس فيما يتعلق بحقوق الإنسان وأوضحت فلسفة الدولة المصرية فى تعاطيها مع حقوق الإنسان، فقد أكد السفير عمرو رمضان أن تأييد أو قبول مصر للتوصيات سواء كان تأييدًا مطلقًا أو جزئياً يأتى فى ضوء الالتزام والاتساق مع أحكام الدستور المصرى الجديد والتزامات مصر الدولية فى مجال حقوق الإنسان والحكومة المصرية تعاملت بانفتاح كبير وبجدية كاملة مع التوصيات التى قدمت إليها، الأمر الذى تجسد فى موقفها النهائى من التوصيات. وأضاف أن عدم تأييد بعض التوصيات الأخرى فى أضيق الحدود الممكنة قد يكون بسبب تعارض هذه التوصيات مع نصوص الدستور ومن بينها على سبيل المثال ما يقره الدستور حول كون الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع أو حين تتعارض توصية مع حقوق معترف بها للدول فى إطار القانون الدولى أو القانون الدولى لحقوق الإنسان مثل التوصية بإلغاء أو تعليق العمل بعقوبة الإعدام فى مصر ومع الأخذ فى الاعتبار أن القانون المصرى ينظم بوضوح إطار العمل بهذه العقوبة والضمانات الخاصة بتنفيذها على نحو ما أوضحه الوفد المصرى بشكل مفصل خلال جلسة المراجعة فى نوفمبرالماضى. وأكد رمضان أن مصر تؤيد جميع التوصيات التى تتفق مع الدستور والشريعة الإسلامية وملتزمة بمراجعة التشريعات المنظمة لحقوق المواطنين وتعديلها بما يتفق مع الدستور المصرى ومراجعة الموقف التعاقدى لمصر فيما يتعلق بالتزاماتها الدولية فى مجال حقوق الإنسان، مشيرًا إلى أنه يجرى حالياً النظر فى تحفظ مصر على المادتين (2) و (16) من اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة، بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية. من جانبه أكد الحقوقى حافظ أبو سعدة أحد أعضاء الوفد المصرى الذى كان متواجدا بجنيف وعضو المجلس المصرى لحقوق الإنسان أننا شركاء فى المواثيق الدولية منذ عام 1946 ومن بداية تأسيس اللجنة الدولية لحقوق الإنسان ومنذ العهد الأول العالمى لحقوق الإنسان ونحن نشارك فى صياغة كافة المواثيق الدولية ومصر صدقت على أغلبها عبر البرلمان المصرى وبالتالى من يقر حقوق الإنسان فى العالم هى الشعوب عبر مؤسساتها المنتخبة الممثلة للشعب والبرلمان هو ممثل للشعب ومصر كانت توافق على توصيات وتتحفظ على البعض الآخر لأنها كانت تتعارض مع قيمنا العربية وهويتنا الدينية، وبالتالى لايمكن لأى جهة أن تفرض علينا أمورا تتناقض مع القيم الإسلامية والعربية. ويعترف أبو سعدة بأن هناك شبه تسيس فى عمل المنظمة الدولية لحقوق الإنسان وهناك تدخلات من قبل الدول الكبرى فى مجال عمل المنظمة الدولية وهذا أمر معروف منذ فترة طويلة بدليل الانتهاكات التى ترتكبها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطينى والتى تعد جرائم حرب آخرها تقرير جولدستون عن الحرب الوحشية على غزة وأسفرت عن مقتل ما يزيد على 2000 شخص وأكثر من 5 آلاف آخرين لكن هذا لا يشككنا فى قيمة ومعايير حقوق الإنسان لأن الالتزام بها هو التزام بحقوق شعبنا. وهو ما حدث من قبل الحكومة المصرية فى المراجعات الدورية الأخيرة لمؤتمر حقوق الإنسان فى جنيف إذ قبلت الحكومة المصرية ما يقرب من 81% من توصيات المجلس وهو رقم كبير وما تم رفضه كانت توصيات تتعارض إما مع مواد الدستور مثل عقوبة الإعدام وإما مع الشريعة الإسلامية مثل المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث لأنها وكما قلنا أمور تحتاج لتفسير من المؤسسة الدينية أو توصيات لها طابع سياسى مثل توصية الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلى وهذا المعدل الكبير من التوصيات التى تمت الموافقة عليها تعطى انطباعا بأن مصر تحترم حقوق الإنسان ولها مؤشران الأول أن أغلبها تمت ترجمته لمواد فى الدستور المصرى الأخير ويعنى التزاما من الحكومة بعزمها إجراء حزمة تعديلات واسعة من خلال سن قوانين الأمر الثانى أن المادة 93 من الدستور ذكرت أن كل الاتفاقيات الدولية التى توقع عليها مصر تكون بمثابة القانون الداخلى، المؤشر الآخر أن إحالة قاتل الناشطة شيماء الصباغ للمحاكمة تأكيد من الدولة المصرية على أنه لن يتم السماح بانتهاك حقوق الإنسان. وأشار أبو سعدة إلى أنه لكى نتقى شر التدخل الدولى فى شئوننا الداخلية عبر بوابة المنظمة الدولية لحقوق الإنسان علينا أن نفعل الميثاق العربى لحقوق الإنسان العربى عبر لجنة حقوق الإنسان التابعة لجامعة الدول العربية بصفتها أن لها الأولوية فى مباشرة مهام حقوق الإنسان العربى وتشرك معها منظمات مجتمع مدنى فى المنطقة وبالتالى نتقى التدخل فى شئون إقليمنا العربى مثلما هو الحال من اتفاقيات خاصة بحقوق الإنسان الأوروبى والأمريكى. وأشارت نهاد أبو القمصان رئيس المركز المصرى لحقوق المرأة إلى أن توصيات المجلس الدولى لحقوق الإنسان وملاحظاته يجب ألا ننظر إليها على أنها عقاب والأممالمتحدة لا تملك فعل ذلك لكن فى النهاية لابد أن نحافظ على صورتنا أمام العالم كدولة تحترم حقوق الإنسان والمنظمة الدولية ليست صاحبة الحق الأوحد فى إقرار حقوق العالم على شعوب الأرض وعندما كانت لنا قوة فى ستينيات القرن الماضى وأسسنا مجموعة دول عدم الانحياز من 60 دولة شاركنا بقوة فى صياغة مبادئ حقوق الإنسان والعهد العالمى والذى يصنع الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان أصوات المنظمات غير الحكومية التى ترصد الانتهاكات ولابد أن تكون لك قوة لكى ترسم سياسات حقوق الإنسان. وأضافت: واضرب لك مثلا بحجة الهوية الدينية ففى مؤتمر حقوق المرأة منذ عامين وكان عن حقوق المرأة الريفية وكانت التوصيات تطالب بتعليم السيدات الزراعة وتقديم قروض صغيرة تفاجأ بأن القرضاوى يطلع يعترض على التوصيات بحجة مخالفتها للدين. وقالت أبو القمصان: فكرة وجود إشكالية وتناقض بين مبادئ حقوق الإنسان وهويتنا نحن من ندين أنفسنا بأنفسنا وكأن ثقافتنا العربية والإسلامية بربرية تأكل لحم الإنسان حيا فلا توجد ثقافة على وجه الأرض تقبل التعدى والتمييز ضد المرأة لذلك فى اجتماعى مع وزير العدالة الانتقالية قلت ذلك له. وتابعت: أرى أن مصر فى موضوع حقوق المرأة تأخذ بقصة الهوية الدينية بشكل مبالغ فيه فمثلا اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة تفاجأ بأن مصر متحفظة على 4 مواد منها المادة الثانية التى تعد مادة أساسية وتأسسيسة تعرف التمييز والمادة 9 تعطى حق نقل جنسية الأم لأولادها ونحن غيرنا القانون فى 2004 وكانت مصر ترفض هذه المادة حتى وافقت عليها فى 2011 أى أن الحكومة كسلت فى الموافقة لمدة 7 سنوات. وقالت: أقصد من القول أن هويتنا العربية والإسلامية مع حقوق الإنسان ومع فكرة العدالة والإنصاف نحن من صنعنا الاعلان العالمىلحقوق الإنسان وكلمة السفير عمرو رمضان فى جنيف كانت قوية وأدانت الكثيرين لأن ليس لديهم معلومات صحيحة فأنت فاعل وليس مفعولا به ومسألة تصدير قيم غربية للقضاء على قيمنا وهويتنا كلام فارغ نحن نقبل ما نراه يتناسب معنا ونرفض ما نرفضه ولكن علينا ألا نأخذ حجة الإسلام كمبرر للرفض وأعتقد أن مصر قامت بجهد جيد وأخذنا ملاحظات المجلس فى شهر سبتمبر الماضى وكانت هذه الدورة بخصوص المراجعات وتم الشغل على هذه التوصيات بشكل جيد فى مراجعتها ثم إنه لا توجد دولة سجلها الحقوقى 100% كل دولة ستجد لها توصيات. رأى عبد الغفار شكر نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان أن مسألة فرض النموذج الغربى على قيمنا وتصديرها لنا بحجة إذابة هويتنا العربية والإسلامية قول مغلوط لسبب بسيط أن أغلبية تركيبة المجلس الدولى لحقوق الإنسان من قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وحقوق الإنسان ليست جديدة على الإسلام ولو بحثنا سنجد العديد من المواضيع تؤكد ما تنادى به المنظمة ولنا أن نأخذ ما نراه منه وما يتعارض نرفضه واعتبر أن المخول له حقوق الإنسان كل شعوب العالم وليس جهة بعينها أو منظمة بذاتها والدليل أن مصر رفضت فى تقرير المراجعات الأخير توصيات تتعارض مع الشريعة الإسلامية مثل المواريث فى المساواة بين الذكر والانثى أو حقوق المثليين واعتقد أنه لاتزال أمامنا أمور أخرى لعبور امتحان حقوق الأديان كما أن هناك ملاحظات رأتها المنظمة الدولية وهناك منظمات تتبع جماعة الإخوان تحاول الشوشرة على أوضاع حقوق الإنسان فى مصر ومنظمات مصرية لها رأى آخر لكن فى المجمل المنظمة الدولية أبدت إعجابها بشكل جيد بتجاوب الدولة مع توصياتها. أما هشام قاسم رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان فرأى أن حقوق الإنسان ليس لها هوية بدليل أنها موجودة فى بلاد مثل اليابان وأمريكا وغيرهما من كافة بقاع الأرض رغم أن بها اتفاقيات مواد ونصوصا متباينة ومختلفة من مجتمع لآخر فهى فكرة عالمية وهى مبادئ أساسية أقرتها البشرية من خلال الأممالمتحدة ومصر والدول الإسلامية والعربية أعضاء فى هذه المنظمة ومن لايريد أن يدخل فى عضوية المجلس الدولى لحقوق الإنسان لن يفرض عليه أحد الدخول ومن يريد التواجد فى المنظمات الدولية لابد له أن يتقبل هذه الاتفاقيات فالموضوع ليس به إشكاليات. وقضية أن المنظمة الدولية لحقوق الإنسان بها شبه تسيس اعتبرها حجة البليد وهذه المفاهيم التى ترى أن الغرب يريد فرض نموذجه القيمى والثقافى لإلغاء هوية البلدان تعد مفاهيم قديمة كانت موجودة أوقات الاستعمار والحرب الباردة وانتهت هذه الحقبة، ثم إن استخدام حقوق الإنسان كسلاح للتدخل فى البلدان غير صحيح ثم إن التدخل يكلف فلوس واذا استرجعنا نصوص الإسلام وتراثنا العربى وحضارتنا سنجد أنه ليس بها ما يتناقض مع هويتنا وقيمنا. واعتبر قاسم أنه لأول مرة يكون هناك إقرار من مصر بأن هناك مشاكل وتقبل التوصيات عكس ما كان يحدث فى أوقات سابقة كان هناك رفض للتوصيات وهناك تفهم من قبل الحكومة المصرية بأن هناك أوضاعا لابد أن تتحسن وتقبلا لفكرة أن مصر لابد أن تكون جزءًا من الجماعة الدولية بدلا من الانغلاق.