30 دقيقة تأخر على خط «القاهرة - الإسكندرية».. السبت 11 أكتوبر 2025    أسعار الأسماك والخضروات اليوم السبت 11 أكتوبر 2025    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 11 كتوبر 2025    بحضور صيني روسي، كوريا الشمالية تستعرض "أقوى الأسلحة النووية" على الساحة (فيديو)    الولايات المتحدة تعلن استعدادها لخوض حرب تجارية مع الصين    ترامب يسخر من منح جائزة نوبل للسلام للمعارضة الفنزويلية    أرض متفحمة ورائحة دم، صور توثق ماذا وجد أهالي غزة بعد عودتهم إلى شمال غزة    وسائل إعلام لبنانية: تحليق مكثف للطيران المسير الإسرائيلي فوق مناطق جنوبي البلاد    علماء أعصاب بجامعة داونستيت بولاية نيويورك يقاضون "آبل" بسبب الذكاء الاصطناعي    بديو "هو دا بقى" تامر حسني وعفرتو وكريم أسامة يشعلان الساحل الشمالي (صور)    ثالوث السرعة والبساطة ولفت الانتباه.. كلمات الأغاني بأمر التريند    منة شلبي طاردتها بأربعة أفلام.. هند صبري نجمة الربع قرن    تراجع عيار 21 الآن بالمصنعية.. تحديث سعر الذهب اليوم السبت 11-10-2025    انخفاض كبير تخطى 1000 جنيه.. سعر طن الحديد والأسمنت اليوم السبت 11-10-2025    3 ساعات حرِجة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم وتُحذر من ظاهرة جوية «مؤثرة»    النيابة العامة تباشر التحقيق في واقعة وفاة 3 أطفال داخل بانيو ب المنوفية    فتاوى.. عدة الطلاق أم الوفاة؟!    فتاوى.. بلوجر إشاعة الفاحشة    يصل إلى 8 جنيهات، ارتفاع أسعار جميع أنواع الزيت اليوم في الأسواق    حريق يثير الذعر فى المتراس بالإسكندرية والحماية المدنية تتمكن من إخماده    حرب أكتوبر| اللواء صالح الحسيني: «الاستنزاف» بداية النصر الحقيقية    بعد اتهامه بالتعسف مع اللاعبين، أول تعليق من مدرب فرنسا على إصابة كيليان مبابي    بعد رحيله عن الأهلي.. رسميًا الزوراء العراقي يعين عماد النحاس مدربًا للفريق    بالأسماء، نقابة أطباء أسوان الفرعية تحسم نتيجة التجديد النصفي    النيل.. النهر الذي خط قصة مصر على أرضها وسطر حكاية البقاء منذ فجر التاريخ    أطباء يفضحون وهم علاج الأكسجين| «Smart Mat» مُعجزة تنقذ أقدام مرضى السكري من البتر    «الوزراء» يوافق على إنشاء جامعتين ب«العاصمة الإدارية» ومجمع مدارس أزهرية بالقاهرة    أولياء أمور يطالبون بدرجات حافز فنى للرسم والنحت    تصفيات كأس العالم 2026| مبابي يقود فرنسا للفوز بثلاثية على أذربيجان    استعداداً لمواجهة البحرين.. منتخب مصر الثاني يواصل تدريباته    محمد سامي ل مي عمر: «بعت ساعة عشان أكمل ثمن العربية» (صور)    مصطفى كامل يطلب الدعاء لوالدته بعد وعكة صحية ويحذر من صلاحية الأدوية    الموسيقار حسن دنيا يهاجم محمد رمضان وأغاني المهرجانات: «الفن فقد رسالته وتحول إلى ضجيج»    موسم «حصاد الخير» إنتاج وفير لمحصول الأرز بالشرقية    بالأسماء.. إعلان انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء في القليوبية    عمرو أديب: شيء ضخم جدا هيحصل عندنا.. قيادات ورؤساء مش بس ترامب    مع برودة الطقس.. هل فيتامين سي يحميك من البرد أم الأمر مجرد خرافة؟    برد ولا كورونا؟.. كيف تفرق بين الأمراض المتشابهة؟    وصفة من قلب لندن.. طريقة تحضير «الإنجلش كيك» الكلاسيكية في المنزل    بمشاركة جراديشار.. سلوفينيا تتعادل ضد كوسوفو سلبيا في تصفيات كأس العالم    13 ميدالية حصاد الناشئين ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالعاصمة الإدارية    15 أكتوبر.. محاكمة أوتاكا طليق هدير عبدالرازق بتهمة نشر فيديوهات خادشة    من المسرح إلى اليوتيوب.. رحلة "دارك شوكليت" بين فصول السنة ومشاعر الصداقة    التصريح بدفن طالب دهسه قطار بالبدرشين    غادة عبد الرحيم تهنئ أسرة الشهيد محمد مبروك بزفاف كريمته    د. أشرف صبحي يوقع مذكرة تفاهم بين «الأنوكا» و«الأوكسا» والاتحاد الإفريقي السياسي    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب يعتزم عقد قمة مع دول عربية وأوروبية خلال زيارته لمصر.. الخطوات التنفيذية لاتفاق شرم الشيخ لوقف حرب غزة.. وانفجار بمصنع ذخيرة بولاية تينيسى الأمريكية    وزارة الشباب والرياضة| برنامج «المبادرات الشبابية» يرسخ تكافؤ الفرص بالمحافظات    العراق: سنوقع قريبا فى بغداد مسودة الإتفاق الإطارى مع تركيا لإدارة المياه    صحة الدقهلية: فحص أكثر من 65 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية    تفاصيل طعن مضيفة الطيران التونسية على حكم حبسها بتهمة قتل نجلتها    انطلاق بطولة السفير الكوري للتايكوندو في استاد القاهرة    جنوب سيناء.. صيانة دورية تقطع الكهرباء عن رأس سدر اليوم    جلسة تصوير عائلية لنجل هانى رمزى وعروسه قبل الزفاف بصحبة الأسرة (صور)    فوز أربعة مرشحين في انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء القليوبية وسط إشراف قضائي كامل    أدعية يوم الجمعة.. نداء القلوب إلى السماء    أصحاب الكهف وذي القرنين وموسى.. دروس خالدة من سورة النور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النيل.. النهر الذي خط قصة مصر على أرضها وسطر حكاية البقاء منذ فجر التاريخ
نشر في البوابة يوم 11 - 10 - 2025

يعد نهر النيل شريان الخلود الذي صنع حضارة مصر عبر العصور.. إنه ليس مجرد نهر، بل هو مصدر الحياة والهوية، على ضفافه قامت الحضارة المصرية، ومن مياهه استمد المصريون قوتهم وأمنهم واقتصادهم، لم يكن النيل مجرى مائيًا فحسب، بل محورًا للسياسة والحرب والتنمية عبر العصور، إذ شكل أساس الأمن القومي المصري ومصدر الصراع والتعاون مع دول الجوار.
وفي مواجهة تحديات الأمن المائي وأزمة سد النهضة، تتبنى مصر استراتيجية متكاملة لضمان استمرار الحياة والتنمية، وتشمل هذه الاستراتيجية تحديثًا هندسيًا ضخمًا عبر تبطين الترع، وإنشاء قناطر جديدة كقناطر أسيوط والدلتا، وصناعة المياه عبر أكبر محطات التحلية والمعالجة في العالم، كما تعمل مصر على التوسع الأفقي عبر ترعة الشيخ زايد واستغلال المياه الجوفية، مع بناء شراكة تنموية مع دول حوض النيل لترسيخ التعاون الإقليمي.

شريان الخلود
نهر أسطوري كتب تاريخ مصر وحضاراتها عبر العصور
موحد القطرين والعمود الفقري الإداري والاقتصادي للدولة
المهندس الأول والمنظم الأول والموحد الأول للأمة وسر الخلود

النيل ليس مجرد نهر يمر ببلادنا، بل هو الوجود ذاته منذ فجر التاريخ، لم يكن النيل شريان حياة فحسب، بل كان الوعي الجماعي الذي وحّد المصريين وبنى حضارتهم على ضفافه الخصبة. إن العلاقة بين مصر ونهرها العظيم فريدة ولا مثيل لها في التاريخ الإنساني، فقد كان النهر المهندس الأول، والمنظم الأول، والموحد الأول لهذه الأمة، وهو سر الخلود الذي جعل المؤرخ اليوناني هيرودوت يصف مصر بأنها "هبة النيل".. لولا تدفق هذا النهر من أعماق القارة الأفريقية، لكانت هذه البقعة الشاسعة مجرد امتداد للصحراء القاحلة ولكن بفضل فيضانه السنوي المبارك، نشأت أعظم حضارات العالم، حيث تداخل التاريخ والجغرافيا في تلاحم أسطوري.
موحد القطرين
في عصور ما قبل الأسرات، كان النيل هو القوة الفاعلة التي أجبرت القبائل على التجمع والتعاون.. إن ضرورة تنظيم الري والتعامل مع الفيضان السنوي هي التي ولّدت أولى أشكال الحكم المركزي فلم يكن بإمكان أي فرد أو قبيلة صغيرة بناء شبكات الري وقنوات التصريف اللازمة لتحويل الفيضان إلى نعمة دون سلطة مركزية قادرة على التخطيط والتنفيذ على مستوى واسع.. هذا الاحتياج الجماعي هو ما أدى إلى توحيد القطرين (مصر العليا والسفلى) تحت حكم مركزي واحد، مما جعل النيل فعليًا هو الموحد الأول للدولة المصرية.

لقد أثر النيل بعمق في النظام الاقتصادي المصري القديم، الذي كان يعتمد بالكامل على الدورة الزراعية المترتبة على الفيضان. قسم المصريون القدماء السنة إلى ثلاثة فصول متصلة بالنهر: أخت (الفيضان)، برت (الإنبات والزراعة)، وشمو (الحصاد).. هذا التقسيم الزمني الدقيق لم يكن مجرد تقويم، بل كان إطارًا لحياة المصريين بأكملها، بما في ذلك تنظيم الضرائب والاحتفالات والأعمال العامة، إذ كانت فترات الفيضان هي أوقات فراغ الفلاحين للعمل في مشاريع البناء الكبرى كالأهرامات والمعابد وكان النظام الاقتصادي برمته يدور حول قياس منسوب مياه النيل، أو ما عُرف ب"مقاييس النيل"، التي كانت تُعد أهم المرافق الحكومية آنذاك.
النيل والدين والخلود.. رمزية الفيضان الأزلية
تجاوزت أهمية النيل الجوانب الاقتصادية لتصل إلى عمق العقيدة المصرية القديمة، لم يُنظر إلى النهر على أنه مجرد ظاهرة طبيعية، بل كإله، هو الإله حابي إله الفيضان والخصوبة، الذي كان يُعبد ويُحتفل بفيضانه سنويًا احتفالًا مهيبًا. كان الفيضان يرمز إلى الدورة الأبدية للحياة والموت والبعث، وهي جوهر فكرة الخلود التي آمن بها المصريون القدماء فحينما كانت المياه تغمر الأرض، كانت تعني الموت المؤقت للتربة، وحينما تنحسر، كانت تترك وراءها الطمي الأسود الخصب، لتولد الأرض من جديد وتمنح الحياة للمحاصيل.. هذا النموذج الأسطوري للبعث من الماء كان عنصرًا أساسيًا في بناء الفكر الديني المصري.
كما أن النيل كان له دور محوري في مفهوم الرحلة إلى الآخرة فقد كان الممر المائي الأهم لنقل جثمان المتوفى ومستلزمات دفنه إلى الضفة الغربية، حيث تقع مدن الأموات (المقابر)، بينما كانت مدن الأحياء ومعابدهم تُبنى على الضفة الشرقية حيث شروق الشمس.. هذا التمييز الجغرافي، الذي فرضه مسار النهر، كان له دلالات دينية عميقة تتعلق بدورة الشمس والحياة الأبدية.
الشريان الحضري والتجاري في العصور الوسطى والإسلامية
لم تتوقف أهمية النيل مع انهيار الحضارة الفرعونية، بل استمر النهر في كونه المحور الأساسي للحضارات المتعاقبة في العصر الروماني والبيزنطي، كان النيل هو الطريق التجاري الأول لنقل الغلال إلى روما والقسطنطينية.. ومع الفتح الإسلامي لمصر، استمر النهر في لعب دوره المحوري، إذ كانت القاهرة والفسطاط وبقية العواصم الإسلامية تُبنى وتتوسع بشكل ملاصق لمجرى النهر أو قنواته المتفرعة.
كان النيل في العصر الإسلامي هو شريان التجارة الداخلي الذي يربط بين الصعيد والدلتا، مما سهل حركة البضائع والمحاصيل الزراعية، وساهم في ازدهار المراكز الحضرية على طول ضفافه كما أن الخلفاء والسلاطين اهتموا اهتمامًا بالغًا بصيانة شبكات الري وحفر القنوات الجديدة وتطهير القديمة، إدراكًا منهم بأن استقرار الحكم مرتبط بشكل مباشر باستقرار الموارد المائية، ومن أبرز الشواهد على ذلك استمرار العمل بمقاييس النيل "كمقياس الروضة" حتى فترات متأخرة لقياس الفيضان وتحديد الضرائب بدقة بناءً على كمية المياه التي غمرت الأراضي، فالنيل لم يكن مجرد مصدر للمياه، بل كان العمود الفقري الإداري والمالي للدولة.
التحدي الهندسي والسيادي في العصر الحديث
مع دخول العصر الحديث، تحولت علاقة مصر بالنيل من مجرد الاعتماد على فيضانه السنوي إلى التحكم الهندسي الكامل فيه. هذا التحول بدأ مع محمد علي باشا، الذي بدأ في بناء القناطر، وصولًا إلى المشروع الهندسي الأعظم في التاريخ الحديث، وهو السد العالي.
كان بناء السد العالي بمثابة تتويج لعلاقة مصر بالنيل، حيث حول النهر من مصدر سنوي للرزق يتقلب بين الجفاف والفيضان المدمر إلى خزان استراتيجي أبدي يحمي مصر من كوارث الفيضان والجفاف.
لقد وفر السد العالي الأمن المائي لأول مرة في التاريخ، وسمح بالتوسع في الزراعة الصيفية على مدار العام، وأنشأ بحيرة ناصر كأكبر بحيرة صناعية في العالم، ليصبح النيل هو ضمان البقاء والعبور للمستقبل.
في الوقت الراهن، تكتسب العلاقة مع النيل بعدًا جديدًا هو البعد الإقليمي والسيادي فمع تزايد المشروعات المائية في دول حوض النيل الأخرى، أصبح الحفاظ على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل تحديًا جيوسياسيًا يركز على ضرورة التوصل إلى اتفاقيات ملزمة تضمن استمرار تدفق النيل كشريان خلود لهذه الأمة يبقى النيل هو الوحدة، هو التاريخ، وهو المستقبل، وسيبقى المصريون أبناءً أوفياء له، يدافعون عن حقه في الجريان واستمرارية وجوده كمصدر الحياة الأول والأخير.

ميزان النيل المعقد
سد النهضة الإثيوبي.. قضية وجود تبحث عن حل
الأمن المائي المصري خط أحمر لضمان عدم الإضرار بمصالح مصر المائية
الحكومة المصرية أكدت على ضرورة إبرام اتفاق قانوني ملزم يشمل كافة جوانب إدارة السد
منذ الإعلان عن مشروع سد النهضة الإثيوبي في عام 2011، بدأ هذا المشروع يشكل أحد أبرز القضايا السياسية والاقتصادية التي تؤثر على مصر والدول الإفريقية المحيطة، السد الذي يقع على نهر النيل الأزرق في إثيوبيا ويعتبر من أكبر المشروعات المائية في القارة، لم يكن مجرد مشروع تنموي لدولة واحدة، بل كانت له تأثيرات واسعة على الأمن المائي في دول حوض النيل، خاصةً مصر، التي تعتمد بشكل كبير على مياه النيل في تأمين احتياجاتها المائية والزراعية.
السد وحصة مصر من مياه النيل
تأثيرات سد النهضة على مصر لا تقتصر فقط على الجانب المائي، بل تمتد لتشمل أبعادًا سياسية، اقتصادية، وبيئية معقدة ويتركز القلق المصري في تأثير السد على حصة مصر من مياه النيل، والتي تصل إلى حوالي 555 مليار متر مكعب سنويًا لكن مع بناء السد، تخشى مصر من أن يؤدي احتجاز المياه في السد إلى تقليل تدفق المياه التي تصل إليها، مما يهدد الإنتاج الزراعي ويؤثر سلبًا على الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد بشكل رئيسي على الري.
منذ بداية الأزمة، أبدت مصر اعتراضها بأن المشروع قد يساهم في تقليص تدفق مياه النيل إليها، خاصة في فترات الجفاف أو في حالة ملء خزان السد بشكل سريع وتركزت مطالب مصر على ضرورة أن يتم بناء السد بشكل يضمن عدم المساس بحصتها التاريخية في مياه النيل على مدار سنوات، أجرت مصر عدة مفاوضات مع إثيوبيا والسودان للوصول إلى اتفاق حول كيفية إدارة السد وكيفية ملء خزان السد دون الإضرار بمصالحها.
من أبرز التحديات التي تواجهها مصر في هذا السياق هو فترة ملء الخزان ففي حال تم ملء السد بسرعة أو على مراحل غير مدروسة، قد يؤدي ذلك إلى نقص كبير في المياه التي تصل إلى مصر، مما يهدد مشروعات الري ويزيد من التحديات الزراعية.
كما أن تأثير السد على الجودة البيئية لمياه النيل يمثل تحديًا آخر، حيث قد تؤدي تقلبات تدفق المياه إلى تدهور الأراضي الزراعية وزيادة الملوحة في بعض المناطق.
في المقابل، ترفض إثيوبيا أي محاولات للتدخل في خططها الخاصة بإدارة السد وملء خزان المياه. وبذلك، وقع المشروع في مأزق دبلوماسي مع دولتي المصب، حيث تتعدد الآراء والمواقف، وتتفاقم الأزمة بسبب عدم الوصول إلى اتفاق واضح ومُلزم بين الأطراف المعنية.
الجهود المصرية لإيجاد حلول مرضية لجميع الأطراف
ورغم هذا التصعيد في المواقف، تواصل مصر محاولة تحقيق التوازن بين مصالحها المائية وحماية حقوقها في المياه، فقد قامت بتفعيل العديد من القنوات الدبلوماسية من خلال الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، واتفقت مع إثيوبيا والسودان على إجراء مفاوضات ثلاثية لإيجاد حلول ترضي جميع الأطراف. كما أن الحكومة المصرية أكدت على ضرورة إبرام اتفاق قانوني ملزم يشمل كافة جوانب إدارة السد، بما في ذلك الملء وتشغيل السد، وضرورة ضمان عدم الإضرار بمصالح مصر المائية.
تعتبر مصر أن التعاون الإقليمي بين دول حوض النيل هو السبيل الأمثل لضمان التنمية المستدامة لجميع دول الحوض إذ أن إدارة مياه النيل لا تقتصر على مشروع سد النهضة فقط، بل تشمل أيضًا مشاريع تنموية أخرى تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول لتوسيع الفرص الاقتصادية والارتقاء بمستوى التنمية البشرية في المنطقة.

شراكة النيل
كيف تعيد مصر بناء جسور التعاون مع إفريقيا لتنمية حوض النيل؟
استراتيجية مصرية جديدة لتأمين الأمن المائي عبر التنمية الإقليمية الشاملة
مصر تعمل على بناء السدود الصغيرة وتوفير مياه الشرب النقية من خلال حفر الآبار الجوفية في مختلف الدول الإفريقية

نهر النيل هو شريان حياة يربط دول القارة الأفريقية ببعضها البعض، ولطالما اعتبرت مصر أن مصيرها المائي والتنموي مرتبط بشكل وثيق بمصير جميع الدول المشاطئة لذا، تجاوزت السياسة المصرية التقليدية في التعامل مع ملف النيل الحدود الجغرافية والقانونية، لتركز بدلًا من ذلك على استراتيجية واسعة الأفق للتعاون الإقليمي التنموي الشامل، تقوم على مبدأ المكسب المشترك والمنفعة المتبادلة وتعد هذه المشروعات التنموية في دول حوض النيل بمثابة استثمار في الأمن المائي المصري، إذ أن التنمية المستدامة في دول المنبع تضمن الاستخدام الرشيد للموارد المائية لمصلحة الجميع.
المراكز التدريبية المصرية.. مصنع لتأهيل خبراء المياه الأفارقة
تقوم هذه الاستراتيجية المصرية على ثلاثة محاور رئيسية، أولها هو بناء القدرات وتبادل الخبرات، حيث تدرك القاهرة أن التنمية المستدامة تتطلب تأهيل الكوادر المحلية القادرة على إدارة الموارد المائية الحديثة ولتحقيق ذلك، تفتح مصر أبواب مراكزها التدريبية المتخصصة، وعلى رأسها المركز الإقليمي للتدريب والموارد المائية، لاستقبال مئات المتخصصين والمهندسين من دول الحوض الأفريقي سنويًا وتشمل هذه الدورات التدريب على أحدث تقنيات الإدارة المتكاملة للموارد المائية والري الحديث، ونظم الإنذار المبكر للأمطار والسيول، وصيانة وتشغيل المنشآت المائية المعقدة، مما يساهم في تأسيس جيل جديد من الخبراء الأفارقة
السدود الصغيرة وحفر الآبار.. مشاريع مصرية تنقذ حياة الملايين في أفريقيا
المحور الثاني يتمثل في تنفيذ مشاريع البنية التحتية ذات المنفعة المباشرة على الأرض وتتجسد هذه الجهود في تمويل وتنفيذ منشآت هيدروليكية تخدم المجتمعات المحلية في دول الحوض، ومن أمثلة ذلك بناء السدود الصغيرة ومتعددة الأغراض في دول مثل أوغندا وتنزانيا، والتي تهدف إلى حصاد مياه الأمطار والسيول وتخزينها لاستخدامها في الشرب والري، مما يقلل من الفاقد المائي ويحسن الظروف المعيشية لسكان القرى النائية.

كما تعمل مصر بجهد مكثف على توفير مياه الشرب النقية من خلال حفر وتجهيز مئات من الآبار الجوفية في مختلف الدول الأفريقية، مثل جنوب السودان والسودان وإريتريا، لتوفير حلول سريعة ومستدامة للتجمعات السكانية التي تعاني من ندرة المياه الصالحة للشرب.
مصر في الخطوط الأمامية للدفاع عن النهر من مكافحة "ورد النيل" إلى أنظمة الإنذار المبكر
أما المحور الثالث، فهو التعاون في مواجهة التحديات البيئية والأخطار المشتركة وتتولى الفرق المصرية المتخصصة مهام شديدة الحيوية لحماية المجاري المائية ومن أبرز هذه الجهود حملات مكافحة ورد النيل، وهو نبات مائي ضار يهدد الملاحة ويعيق تدفق المياه ويستنزف كميات هائلة من مياه البحيرات والأنهار.

وتشارك مصر بفاعلية بالتعاون مع دول مثل أوغندا وجنوب السودان في مشروعات لإزالة هذه الآفة من المسطحات المائية الكبرى بالإضافة إلى ذلك، تقدم مصر الدعم الفني لمشاريع الحماية من الفيضانات والسيول، حيث تشارك في إنشاء محطات رصد مائي ومناخي حديثة في دول الحوض، مما يمكنها من التنبؤ بالكوارث المائية والتقليل من آثارها المدمرة على الأرواح والممتلكات والبنية التحتية وتعد هذه المشروعات، التي تشمل إقامة المزارع الإرشادية لتعليم تقنيات الري الحديث في جنوب السودان، دليلًا على أن التعاون المصري الأفريقي يسعى لترسيخ التنمية المستدامة وتعزيز العلاقات التاريخية، تأكيدًا على أن النيل يجب أن يظل رمزًا للحياة والرخاء المشترك لكل الشعوب التي يمر بأراضيها.

بنية تحتية للمستقبل
تطوير المنشآت المائية في مصر.. قناطر جديدة وإحلال وتحديث للبنية المائية
خطة متكاملة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومواجهة التحديات المستقبلية التي تواجهها البلاد
تنفيذ مشروعات عملاقة لتعزيز قطاع الري والزراعة وتوفير المياه بشكل أكثر كفاءة

تعد مشروعات إنشاء قناطر جديدة وإحلال وتجديد المنشآت المائية في مصر خطوة أساسية في مسارها نحو تحقيق الأمن المائي والغذائي. بفضل هذه المشروعات، ستتمكن مصر من زيادة قدرة الري الزراعي، وتحسين كفاءة توزيع المياه، وتعزيز استدامة قطاع الزراعة، مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ويساعد على مواجهة التحديات المستقبلية التي تواجهها البلاد.
وتواصل الدولة تنفيذ مشروعات هامة لتعزيز قطاع الري والزراعة وتوفير المياه بشكل أكثر كفاءة تهدف إلى إحلال وتجديد المنشآت المائية القديمة وإنشاء قناطر جديدة على نهر النيل وفروعه، هذه المشروعات تأتي في وقت حساس حيث يواجه قطاع المياه العديد من التحديات المرتبطة بتغير المناخ، وزيادة الاحتياجات المائية، وضغوط التغيرات الجيوسياسية التي تؤثر في حصة مصر من مياه النيل ولذلك، فإن تحديث هذه المنشآت يعد خطوة استراتيجية لضمان استدامة الموارد المائية وتحقيق الأمن الغذائي.
أحد أهم المشاريع الحالية هو تحديث القناطر القديمة التي تم إنشاؤها منذ أكثر من قرن من الزمان، حيث كانت هذه المنشآت المائية قادرة في وقتها على تأمين احتياجات مصر من المياه، لكن مع مرور الوقت وازدياد عدد السكان والمساحات الزراعية، أصبحت تلك المنشآت لا تواكب حجم الطلب على المياه لذلك بات من الضروري القيام بتجديدها أو بناء قناطر جديدة.
عملاق الصعيد.. مشروع قناطر أسيوط الجديدة لتأمين وعدالة توزيع مياه الري في الوجه القبلي
من أبرز المشروعات في هذا السياق مشروع قناطر أسيوط الجديدة الذي يعد من المشاريع المائية الكبرى في الصعيد. تهدف القناطر الجديدة إلى تحسين إدارة مياه الري في محافظات الصعيد وضمان توزيع المياه بشكل عادل بين المناطق الزراعية في غرب وشرق النيل هذا المشروع لا يقتصر فقط على إنشاء قنطرة جديدة، بل يشمل أيضًا بناء محطات رفع مياه وشبكات توزيع جديدة تسهم في تحسين طرق الري وتعزيز الإنتاج الزراعي من خلال هذه المشاريع، يتوقع أن يتمكن الفلاحون في الصعيد من الحصول على المياه بشكل أكثر انتظامًا ودقة، مما يعزز من جودة المحاصيل الزراعية ويدعم الاقتصاد الوطني.
سلة غذاء مصر.. قناطر الدلتا الجديدة وميزان توزيع المياه للأراضي الزراعية المتزايدة
مشروع آخر يتضمن إنشاء قناطر الدلتا الجديدة التي تستهدف تحسين كفاءة توزيع المياه في منطقة الدلتا، التي تعتبر سلة غذاء مصر. هذه القناطر ستكون نقطة انطلاق لتوزيع مياه الري بشكل أكثر توازنًا بين الأراضي الزراعية المتزايدة في هذه المنطقة، كما تساهم في تحقيق استدامة الري في المناطق الزراعية المستصلحة إضافة إلى ذلك، فإن القناطر ستسهم في تحسين نقل المياه إلى الأراضي المزروعة في المناطق الجديدة غرب الدلتا، والتي تعد من أهم المشاريع الزراعية في مصر.
تجديد الكنز القديم
لا تقتصر التحديثات على القناطر الجديدة فقط، بل تشمل أيضًا تجديد العديد من المنشآت المائية القديمة مثل قناطر نجع حمادي التي تم تحديثها مؤخرًا لتحسين نقل المياه إلى المناطق الزراعية في قنا والأقصر يتضمن هذا التجديد استبدال البوابات القديمة وتحديث الأنظمة الميكانيكية لضمان التحكم الأمثل في تدفق المياه.
هذه المشروعات المائية، التي تعتمد على التقنيات الحديثة في بناء المنشآت، تهدف إلى مواجهة تحديات نقص المياه الناتج عن التغيرات المناخية وزيادة الطلب على المياه في ظل النمو السكاني السريع كما أنها تساهم في تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز قدرة مصر على إنتاج المحاصيل الزراعية بكفاءة أكبر فالمياه هي أساس الإنتاج الزراعي، وبالتالي فإن تحسين إدارة المياه من خلال القناطر الجديدة والتحديثات المائية يُعد أحد الركائز الأساسية لنجاح القطاع الزراعي في مصر.
من الفوائد الاقتصادية المباشرة لهذه المشروعات هي زيادة الإنتاج الزراعي نتيجة لتحسين كفاءة الري، مما يسهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد وزيادة الإنتاج المحلي من المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة والأرز كما أن تحسين إدارة المياه يعزز من الاستدامة الزراعية في مصر، ويُساهم في توفير فرص عمل جديدة في مجالات البحث، الصيانة، والإدارة، ويحفز الاستثمارات في القطاع الزراعي.
بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية، فإن هذه المشروعات تعود بالفائدة على الحياة اليومية للمزارعين، حيث تُحسن وصول المياه بشكل عادل وتقلل من الفاقد كما أنها تساعد على خفض الفقر في المناطق الريفية من خلال دعم النشاط الزراعي ورفع إنتاجية الأرض لذا، فإن تحديث منشآت الري والمياه يُعتبر خطوة هامة نحو تحقيق التنمية المستدامة في المناطق الريفية.

"مشروع مستقبل مصر"
النهر الجديد.. أعظم مشروع ري في العصر الحديث بفضل إرادة القيادة السياسية
النيل الثاني.. شريان جديد يروي الصحراء الغربية ويحولها إلى جنة خضراء
المشروع يستهدف تحويل مصر إلى قوة زراعية عالمية ويفتح آفاقًا جديدة للاستثمار في القطاع الزراعي
في قلب الصحراء الغربية، حيث كانت الرمال تمتد بلا نهاية، يولد اليوم مشروع تاريخي يغير خريطة مصر الزراعية والتنموية والذي يطلق عليه اسم "ترعة مشروع مستقبل مصر"، التي يحلم بها المصريون كنهر جديد، لم تعد مجرد فكرة على الورق، بل أصبحت واقعًا ملموسًا يشق طريقه عبر الصحراء ليحولها إلى جنة خضراء تروي ظمأ الأرض والإنسان معًا.
"النيل الثاني" يعد واحدًا من أهم المشاريع القومية التي تهدف إلى تحقيق التنمية الزراعية في مصر، وتوفير مصدر مستدام للمياه للزراعة في الصحراء الغربية. إن المشروع يسهم بشكل كبير في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية، ويعزز من الأمن الغذائي، كما يخلق فرص عمل جديدة في العديد من القطاعات الاقتصادية كما يعكس رؤية مصر المستقبلية في تحويل الصحراء إلى أرض خصبة، وتحقيق التنمية المستدامة في كافة جوانب الحياة

بداية الحلم
قبل سنوات، كانت المنطقة الواقعة غرب دلتا النيل أرضًا صحراوية قاحلة، لا حياة فيها ولا خضرة.. اليوم، وبفضل إرادة القيادة السياسية وتصميم الشعب المصري، أصبحت هذه الصحراء مسرحًا لأعظم مشروع ري في العصر الحديث.
ويعتمد النهر الجديد على نقل المياه المعالجة من محطات كبرى مثل بحر البقر والمحسمة عبر مسار هندسي بطول يزيد على 170 كيلومترًا، لتغذية مناطق التوسع الزراعي في الدلتا الجديدة وشرق العوينات، وصولًا إلى التجمعات العمرانية الحديثة في الشيخ زايد و6 أكتوبر.
وهناك مسار آخر بطول 114 كيلومترا لنقل مياه الصرف الزراعي من الدلتا القديمة إلى محطة معالجة الحمام لإعادة تدويرها وتنقيتها لتصبح صالحة للري، بدلًا من تصريفها في البحر المتوسط، وينقل 7.5 مليون متر مكعب يوميًا.
كما تم تخصيص ممر مائي آخر، هو المصدر الشرقي بطول 41.3 كيلومتر من "ترعة تحيا مصر"، لنقل 10 ملايين متر مكعب يوميًا لري الدلتا الجديدة بمياه نهر النيل الواردة من فرع رشيد.
يُنفذ المشروع على ثلاث مراحل رئيسية، حيث تم الانتهاء من المرحلة الأولى التي شملت حفر 50 كيلومترًا، وتجري الآن أعمال المرحلة الثانية بجدول زمني محكم لضمان الالتزام بمواعيد التسليم.
تحسين ظروف حياة المواطنين
هذا المجري المائي بجانب أنه من أهم المشروعات القومية في مجال الري الزراعي في مصر فهو لا يقتصر على توفير المياه للزراعة، بل يساعد أيضًا في توليد الطاقة الكهربائية عن طريق محطات توليد الكهرباء من المياه المنتشرة على طول مجراه، كما يسهم في تطوير البنية التحتية في المناطق الريفية التي تمر بها، مثل إنشاء طرق جديدة، ومرافق صحية، ومراكز إدارية لخدمة السكان.
ويسهم المشروع في تحسين ظروف حياة المواطنين في المناطق الصحراوية، حيث يوفر فرص عمل في الزراعة والبناء والصناعات المرتبطة بها، مما يساهم في تقليل البطالة في تلك المناطق كما أنه يساهم في تطوير البنية التحتية في المناطق الريفية وزيادة قدرة مصر على مواجهة تحديات السكان المتزايدين.
الرؤية المستقبلية والتوسع
مصر تسعى إلى توسيع رقعتها الزراعية عبر ترعة الشيخ زايد ومشروعات استراتيجية كبرى في مناطق أخرى، مثل مشروع توشكي ومشروع سيناء، لكن مشروع الدلتا الجديدة يظل من أكبر المشاريع الوطنية التي تهدف إلى تحسين وتوسيع الإنتاج الزراعي في مصر وتعزيز القدرة على تحمل التقلبات المناخية المستقبلية.
من المتوقع أن يساهم المشروع في تحويل مصر إلى قوة زراعية عالمية، ما يفتح آفاقًا جديدة للاستثمار في القطاع الزراعي ويسهم في زيادة القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية في السوق المحلي والدولي

مصر تصنع ماءها
ثورة قومية في التحلية والمعالجة تحقق الأمن المائي والتنمية الساحلية
تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان وتأمين مصدر مستدام للمياه في المناطق المعرضة لتقلبات الظروف المائية
توجيه المياه المعالجة نحو الاستخدامات غير التقليدية والتحرر من الاعتماد على النيل في المناطق البعيدة
في مواجهة تحديات شح المياه المتصاعدة، والزيادة السكانية المطردة، واعتماد البلاد على حصة ثابتة من نهر النيل، أعلنت مصر انتقالها إلى عصر "صناعة المياه".. هذا التحول الاستراتيجي، الذي يمثل ركنًا أساسيًا من أركان الاستراتيجية القومية للموارد المائية 2050، يقوم على الاستثمار بمليارات الجنيهات في مشروعات عملاقة لتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي.. الهدف واضح وطموح لتعظيم الاستفادة من كل قطرة، وخلق مصادر مائية جديدة غير تقليدية تدعم التنمية الساحلية وتفتح آفاقًا للزراعة في الصحراء هذه المشروعات لا تعد مجرد بنية تحتية، بل هي مخزون استراتيجي غير تقليدي يضمن مرونة الدولة في مواجهة أي تحديات مستقبلية.
تحلية مياه البحر.. تأمين الأطراف الساحلية
تُعد محطات تحلية مياه البحر هي الحل الأمثل للمناطق الساحلية البعيدة عن نهر النيل، وقد شهدت مصر طفرة غير مسبوقة في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة وتتركز جهود التحلية على المدن والمحافظات ذات الكثافة السياحية والصناعية المرتفعة والمناطق الحدودية، مثل محافظات شمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر ومطروح.

على سبيل المثال، تم إنشاء محطات ضخمة في مدن مثل الجلالة والعلمين الجديدة لخدمة المدن الذكية الجديدة، إلى جانب محطات في مدن قائمة مثل شرم الشيخ والغردقة ومرسى مطروح. تستخدم هذه المحطات أحدث تقنيات التناضح العكسي، وهي تقنية ذات كفاءة عالية في فصل الأملاح عن المياه بتكاليف طاقة متزايدة الكفاءة وتستهدف الخطط الحكومية زيادة الطاقة الإجمالية للمحطات العاملة والجاري إنشاؤها لتصل إلى مستويات قياسية تضمن تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان والسياحة، وتؤمن مصدرًا مستدامًا للمياه في المناطق المعرضة لتقلبات الظروف المائية. هذه التحلية تُحرر المناطق الساحلية من عبء الاعتماد على نقل المياه من الدلتا والوادي، مما يعزز استقلاليتها التنموية.
معالجة الصرف الصحي والزراعي.. تحويل الهدر إلى ثروة
المحور الثاني في الاستراتيجية المائية لا يقل أهمية، وهو تحويل مياه الصرف بمختلف أنواعها إلى مورد قومي ثمين. لقد أصبحت مصر رائدة إقليميًا في مشاريع المعالجة الثلاثية، التي تضمن أعلى مستويات النقاء للمياه المنتجة، لتصبح صالحة للاستخدام في ري المحاصيل الزراعية الآمنة، خاصة في الأراضي الصحراوية الجديدة.
محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر
تُعد هذه المحطة الأكبر في العالم لمعالجة مياه الصرف الزراعي، بطاقة هائلة تبلغ خمسة وستة من عشرة مليون متر مكعب يوميًا الهدف من هذه المحطة مزدوج، فهو بيئي وتنموي؛ حيث تم إنقاذ بحيرة المنزلة من التلوث الذي كان يسببه مصرف بحر البقر، وتحويل المياه الملوثة إلى شريان حياة يغذي مشروع تنمية شمال سيناء لزراعة مئات الآلاف من الأفدنة
محطة الحمام لمعالجة المياه
تخدم هذه المحطة الضخمة مشروع الدلتا الجديدة بالساحل الشمالي الغربي، وهي مصممة لمعالجة مياه الصرف الزراعي من غرب الدلتا، وتوفير مصدر مائي مستدام لزراعة أكثر من مليون فدان في قلب الصحراء هذا المشروع يمثل دليلًا قاطعًا على أن مصر لم تعد تعتمد على النيل وحده لتنفيذ مشاريعها الزراعية الكبرى، بل تستخدم التكنولوجيا ل"صناعة" المياه اللازمة للتوسع الأفقي
ثلاثية الأمن المائي
الهدف من مشروعات التحلية والمعالجة ليس العمل في معزل، بل الاندماج في منظومة مائية متكاملة، فالمياه المنتجة من التحلية والمعالجة الثلاثية يتم توجيهها بالكامل نحو الاستخدامات غير التقليدية، سواء في الري أو الاستخدام المنزلي في المناطق الساحلية هذا التحرر من الاعتماد على النيل في المناطق البعيدة يسمح بتوجيه حصة النيل المتوفرة إلى مناطق الوادي والدلتا القديمة ومشاريع التوسع في الصعيد، مما يخفف الضغط على شبكات النقل ويسهم في توفير كميات كبيرة من المياه بالتالي، تشكل هذه الاستثمارات التكنولوجية حجرًا أساسيًا في بناء "نيل جديد" يتجاوز الحدود الجغرافية لنهر النيل، ويضمن الأمن المائي المصري في ظل أي تقلبات إقليمية أو بيئية إن مصر تمضي قدمًا نحو تأمين مستقبلها المائي بالابتكار الهندسي والاستثمار الرشيد.

المياه الجوفية
كنوز تحت الرمال تمثل ثروة مصر الخفية لتحقيق الأمن الغذائي
مصر تسعى لتحويل المناطق الصحراوية إلى "قلب زراعي خصب"
استراتيجية مصر 2030 للتنمية المستدامة تسعى لتحسين القطاع الزراعي من خلال إدارة دقيقة لهذه المياه

تعتبر المياه الجوفية أحد الموارد الطبيعية الهامة التي تستفيد منها مصر في مشاريع استصلاح الأراضي وتوسيع الرقعة الزراعية، خاصة في المناطق الصحراوية التي تعاني من قلة الموارد المائية السطحية،وذلك في إطار سعي الحكومة المصرية لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الاستدامة الزراعية.
يعد مشروع استخدام المياه الجوفية في مناطق الصحراء من المشاريع الحيوية التي تهدف إلى تحويل الصحاري إلى مناطق زراعية خصبة، مما يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة للمواطنين.
ويمثل مشروع استخدام المياه الجوفية في الصحراء جزءًا من استراتيجية مصر 2030 للتنمية المستدامة التي تسعى لتحقيق أمن مائي وزراعي، وتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تحسين الإنتاج الزراعي، وتوسيع المساحات الزراعية إن هذا المشروع لا يمثل مجرد حل للتوسع الزراعي، بل يشكل أيضًا خطوة نحو تحقيق الاستدامة البيئية وتحسين الأمن الغذائي في مصر.
تمتلك مصر كميات كبيرة من المياه الجوفية في باطن الأرض، وهي تمثل مصدرًا رئيسيًا للري في العديد من المناطق الصحراوية، مثل شبه جزيرة سيناء، الصحراء الغربية والصحراء الشرقية.
وبالرغم من أن المياه الجوفية تعد ثروة قيمة، فإنها بحاجة إلى إدارة دقيقة لضمان استدامتها وعدم استنزافها في هذا السياق، يأتي مشروع استخدام المياه الجوفية في مناطق الصحراء كحل مستدام لتحسين القطاع الزراعي.
إنشاء آبار جديدة واستخدام تقنيات حديثة
من أبرز ملامح المشروع هو استصلاح الأراضي الصحراوية، حيث يتم استخدام المياه الجوفية في الري الزراعي للزراعة في المناطق التي لا تتوفر بها مصادر مياه سطحية تقوم وزارة الموارد المائية والري بالتعاون مع وزارة الزراعة بإنشاء آبار جديدة واستخدام تقنيات حديثة لاستخراج المياه الجوفية من الأعماق، إضافة إلى تطوير محطات تحلية المياه الجوفية لضمان جودة المياه وعدم تأثيرها على التربة الزراعية.
يهدف المشروع بشكل رئيسي إلى زيادة الإنتاج الزراعي وتوفير محاصيل غذائية مختلفة، بحيث تتوفر الزراعة المروية على مساحة أكبر من الأراضي من خلال هذه المشاريع، حيث تعمل مصر على تقليص الاعتماد على الأراضي الزراعية التقليدية في الدلتا وتوجيه الاستثمارات الزراعية إلى المناطق الصحراوية التي تتمتع بإمكانيات كبيرة للنمو الزراعي، مما يقلل من الضغط على الموارد المائية المحدودة
الواحات البحرية.. أبرز المستفيدين
واحدة من أبرز المناطق المستفيدة من هذا المشروع هي الواحات البحرية في الصحراء الغربية، حيث يتم استخدام مياه جوفية من الآبار العميقة لري الأرض وتحويلها إلى مناطق زراعية يمكن زراعة المحاصيل بها وقد أثبتت هذه المناطق قدرتها على إنتاج العديد من المحاصيل مثل القمح، الشعير، والموالح، كذلك تُنفذ العديد من المشاريع الزراعية في سيناء التي كانت في السابق غير صالحة للزراعة بسبب قلة المياه، ولكن باستخدام المياه الجوفية، تم فتح آفاق جديدة لزراعة الأراضي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل الاستراتيجية
إنشاء مزارع كبيرة تعتمد على المياه الجوفية
ويعتبر مشروع تطوير الصحراء الغربية في مصر مثالًا مهمًا على استخدام المياه الجوفية في استصلاح الأراضي، حيث تم تنفيذ مشاريع عملاقة تشمل إنشاء مزارع كبيرة تعتمد على المياه الجوفية في الري من هذه المشاريع، مشروع توشكى الذي يعد واحدًا من أكبر مشروعات الري في مصر، حيث يعتمد على مياه جوفية من باطن الأرض لري الأراضي الزراعية في منطقة منخفضة، مما يسهم في تحويل الأراضي الصحراوية إلى مناطق زراعية خصبة، ويعمل على زيادة الناتج الزراعي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل المهمة.


إنهاء الفقر المائي
المشروع القومي لتبطين الترع يروي أحلام المصريين
مصر تكسو شرايين الحياة.. ضخ الكفاءة في شبكات الري لتوفير مليارات الأمتار المكعبة من المياة
المشروع يوفر خمسة مليارات متر مكعب سنويًا.. كافية لزراعة مئات الآلاف من الأفدنة الجديدة
في خطوة تاريخية غير مسبوقة لإدارة الموارد المائية، أطلقت مصر المشروع القومي لتأهيل وتبطين الترع، الذي يُعد أكبر عملية إصلاح للبنية التحتية لشبكة الري منذ عقود هذا المشروع، الذي يستهدف تأهيل نحو عشرين ألف كيلومتر من المجاري المائية على مستوى الجمهورية، هو استجابة مباشرة لتحديات شح المياه ويهدف إلى تغيير وجه الري في مصر من خلال الانتقال من منظومة قديمة تعاني من الهدر والفاقد إلى شبكة حديثة وفعالة وبميزانية ضخمة تناهز عشرات المليارات من الجنيهات، أكدت الدولة أن تأمين المياه أصبح أولوية قصوى، وأن توفير قطرة من المياه بات يعادل إنتاج قطرة جديدة.
لطالما عانت شبكة الترع المصرية، التي يمتد تاريخ بعضها إلى آلاف السنين، من ظاهرة الرشح، حيث تتسرب المياه عبر التربة الطينية لقنوات الري غير المبطنة، بالإضافة إلى ضياع كميات كبيرة بسبب البخر والنمو الكثيف للحشائش المائية هذا الفاقد المائي، الذي يُقدر بمليارات الأمتار المكعبة سنويًا، يشكل إهدارًا غير مقبول في دولة تعيش تحت خط الفقر المائي. مشروع التبطين جاء كحل جذري، عبر كسوة قاع وجوانب الترع بالخرسانة أو المواد الجيوتكستايلية المبطنة، مما يمنع التسرب بشكل شبه كامل.
الأثر المائي المتوقع لهذا الإنجاز كبير، حيث ينتظر أن يوفر المشروع ما لا يقل عن خمسة مليارات متر مكعب سنويًا، وهي كمية كافية لزراعة مئات الآلاف من الأفدنة الجديدة أو تلبية احتياجات النمو السكاني المتزايد.
العدالة التوزيعية للمياه
لم يكن الهدف من التبطين مجرد توفير المياه فحسب، بل كان له أبعاد اجتماعية واقتصادية مباشرة على الفلاح المصري في المنظومة القديمة، كانت المياه لا تصل بانتظام إلى نهايات الترع، مما يضطر المزارعين في تلك المناطق إلى زراعة محاصيل أقل ربحية أو اللجوء إلى حلول مكلفة للري مع التبطين، أصبحت المياه تتدفق بسرعة وانتظام، مما يحقق مبدأ العدالة التوزيعية للمياه ويضمن وصولها إلى جميع المزارع، وخاصة في أبعد النقاط هذا الاستقرار في إمدادات المياه يساهم في رفع الإنتاجية الزراعية، وزيادة دخل المزارع، وتشجيعه على التحول إلى نظم الري الحديثة، حيث يصبح التحكم في المياه أسهل بكثير اقتصاديًا، سيؤدي التبطين إلى خفض كبير في تكاليف الصيانة الدورية للترع، بما في ذلك تكاليف إزالة الحشائش المائية ومخلفات تطهير الترع.
تحسين الصحة العامة في المجتمعات الريفية
على المستوى الهندسي، يمثل المشروع نقلة نوعية في كفاءة إدارة وتشغيل شبكة الري، لأن تبطين الترع لا يزيد من سرعة تدفق المياه فحسب، بل يمنع تدهور جودة المياه الناتج عن التلوث بمخلفات القمامة والبناء التي كانت تُلقى في مجاري الترع الترابية التحول إلى قنوات ذات قطاعات منتظمة ومبطنة يسهل عملية المراقبة والتحكم، ويحسن المظهر الحضاري للقرى والمناطق الريفية بيئيًا، حيث ساهم المشروع في القضاء على البؤر التي كانت تنتشر فيها الحشرات والبعوض، مما أسهم في تحسين الصحة العامة في المجتمعات الريفية علاوة على ذلك، يمثل المشروع دافعًا قويًا للتحول التكنولوجي في الري، إذ أن تأهيل الترع هو خطوة ممهدة لتنفيذ مشروع آخر موازٍ، وهو التحول الشامل للري الحديث في الأراضي الزراعية، حيث تصبح عمليات سحب المياه من الترع المبطنة أكثر سهولة وكفاءة للمضخات الحديثة في نهاية المطاف.
يعتبر مشروع تأهيل وتبطين الترع إنجازًا وطنيًا متعدد الأوجه، يضع البنية التحتية لشبكة الري المصرية في مصاف النظم الحديثة، ويؤمن المياه للأجيال القادمة، ويؤكد على أن مصر ملتزمة بتعهداتها نحو الإدارة الرشيدة للموارد المائية في ظل التحديات التي يواجهها النيل.


مياه النيل تصل إلى سيناء
دفع عجلة التنمية بمشروع قومي لضخ مياه النيل عبر الأنفاق واستصلاح 400 ألف فدان
رؤية شاملة لإنشاء مجتمعات عمرانية وزراعية متكاملة وتوفير الآلاف من فرص العمل
تجسيد عملى لإرادة الدولة فى تخفيف التكدس السكاني في الدلتا وتعزيز التنمية فى المناطق الحدودية


يعد مشروع تدفق مياه النيل إلى سيناء تجسيدًا عمليًا لإرادة الدولة في إعادة توزيع السكان والموارد، وتعزيز التنمية في المناطق الحدودية وبينما تسابق مصر الزمن لتنفيذ جميع مراحله، يبقى المشروع أحد أهم الركائز في مسيرة تحقيق الاكتفاء الغذائي وضمان الأمن المائي للأجيال القادمة، وتحويل سيناء من منطقة مهمّشة إلى قلب نابض للتنمية الوطنية.
ربط مياه النيل بسيناء لأول مرة
يستهدف المشروع في مراحله الكاملة نقل نحو 56 مليون متر مكعب من المياه يوميًا إلى أراضي شمال ووسط سيناء، باستخدام مزيج من مياه نهر النيل ومياه الصرف الزراعي المعالجة ويعتمد في تنفيذه على منظومة متكاملة تشمل ترعة السلام، وسحارة سرابيوم، ومحطة معالجة مياه مصرف بحر البقر، ومسارات ناقلة عملاقة تمتد شرقًا حتى مناطق الاستصلاح في سيناء.
في سبتمبر 2021، افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر، والتي تُعد حاليًا أكبر محطة معالجة مياه صرف زراعي في العالم، بطاقة إنتاجية تبلغ 56 مليون متر مكعب في اليوم تُعالج المحطة المياه الواردة من الأراضي الزراعية بدلتا النيل وتُعيد توجيهها نحو سيناء بعد معالجتها ثلاثيًا وفق أعلى المعايير البيئية، مما يُوفر مصدرًا آمنًا وفعالًا لري آلاف الأفدنة الجديدة.
سحارة سرابيوم.. عبور المياه تحت قناة السويس
من أبرز إنجازات المشروع أيضًا، سحارة سرابيوم، التي تمثل شريان الحياة بين ضفتي القناة وهي عبارة عن أربعة أنفاق عملاقة تمتد بطول 420 مترًا تحت قناة السويس، وتسمح بمرور المياه من غرب القناة إلى شرقها دون التأثير على حركة الملاحة وقد تم الانتهاء من تنفيذها وتشغيلها لتغذية الأراضي المستصلحة الجديدة، خاصة في مناطق مثل بئر العبد ورمانة.
استصلاح 400 ألف فدان وتوطين المجتمعات
تسعى الدولة من خلال هذا المشروع إلى استصلاح أكثر من 400 ألف فدان في سيناء، في إطار خطة شاملة لإنشاء مجتمعات عمرانية وزراعية متكاملة ويُتوقع أن يسهم المشروع في توفير آلاف فرص العمل، وتخفيف التكدس السكاني في دلتا النيل، بالإضافة إلى دعم الأمن الغذائي المصري.
رؤية تنموية شاملة
لا ينفصل مشروع تدفق مياه النيل إلى سيناء عن الرؤية الأوسع للدولة تجاه تنمية سيناء، التي تشمل إلى جانب المشروعات الزراعية، إقامة بنية تحتية متكاملة من طرق وكهرباء ومناطق صناعية وسكنية وقد تم ربط المشروع بمحاور تنموية أخرى مثل محور 30 يونيو ومحور قناة السويس، لخلق بيئة مشجعة للاستثمار وتوطين التنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.