■ كتب: منى سراج في إحدى القرى النائية جلس «عم عبد الله» على سريره ينتظر مصيره، كان الأطباء قد حسموا القرار: بتر القدم بسبب قرحة سكري مُهملة. لكن ما لا يعرفه «عبد الله» أن هناك في مستشفى خاص بالعاصمة جهازًا صغيرًا يُدعى «SmartMat» كان يمكن أن يكشف المشكلة قبل أن تتفاقم. ◄ قسطرة ذكية وتقنيات حديثة تتحدى سكين الجراح ◄ بتر قدم بسبب السكري كل 20 ثانية هذه ليست حالة فردية، بل مأساة تتكرر كل 20 ثانية فى العالم، وبين تقدم طبى قادر على الوقاية، وتأخر وصوله لمن يحتاج، تتكشف مفارقة صحية فادحة. بحسب الاتحاد الدولي للسكري (IDF) تُجرى أكثر من مليون عملية بتر سنويًا بسبب مُضاعفات القدم السكري، أي أنه يُبتر طرف كل 20 ثانية في العالم، وتصل نسبة الوفيات بعد البتر خلال 5 سنوات من 50 إلى 70%، ومن المتوقع أن ترتفع حالات البتر المرتبطة بالسكري بنسبة 50% بحلول 2045. ◄ اقرأ أيضًا | كيف يحمي مرضى السكري عيونهم من العمى؟ ◄ مشكلة عالمية يُصاب أحد الأشخاص بقرحة في القدم بسبب السكري كل 20 ثانية حول العالم. وفى الولاياتالمتحدة، تبلغ معدلات البتر لمرضى السكرى السود ضعف مثيلاتها عند البيض. وفي مصر والدول العربية، لا تتوفر إحصائيات دقيقة، لكن نسبة البتر تبقى مرتفعة بسبب قلة الوعى وغياب البدائل الحديثة وتكلفتها العالية. ◄ بدائل طبية ولأن الطب لا يقف عند البتر، فهناك الآن وسائل للتشخيص المبكر مثل «SmartMat» الذكية التى تكشف الحرارة تحت القدم قبل ظهور القرح، ثم التصوير الحرارى الذى يرصد البؤر الساخنة فى القدم قبل تكوّن التقرحات، وهناك أيضًا بديل تخفيف الضغط (Total Contact Casts) وهو عبارة عن جبائر متخصصة لتوزيع الضغط على القدم المصابة، كما توجد تقنيات متقدمة لعلاج التقرحات العميقة، مثل العلاج باستخدام البلازما الغنية بالصفائح (PRP) ، والعلاج بالضوء الضغطى، و(VAC therapy)، ثم الخلايا الجذعية فى حالات تجريبية. ◄ جدل طبي الدكتور مأمون إسماعيل، أستاذ متفرغ لجراحة التجميل بكلية طب قصر العينى يؤكد أن قرار البتر يجب أن يكون الملاذ الأخير، ولا يُقبل إلا عند الضرورة القصوى، ويشير إلى أن البدائل الطبية الحديثة موجودة فى مصر، لكنها غير متوفرة على نطاق واسع، وأكبر عائق أمام استخدامها هو ارتفاع التكلفة. وأضاف البدائل المستخدمة لدينا حاليًا تشمل تغيير الضمادات بطرق متقدمة، والجلد الصناعى، وأجهزة الضغط السلبى لتحسين الدورة الدموية، وفى حالات انسداد الشرايين الطرفية، نستخدم أحيانًا دعامات لتحسين تدفق الدم، مما يقلل احتمالية البتر أو يؤجله، لكن فى بعض الحالات، مثل الغرغرينا التى تهدد حياة المريض، يصبح البتر إجراءً لإنقاذ الحياة. تابع، وفى هذه الحالات، قد يُكتفى ببتر إصبع بدلًا من القدم كاملة، خاصة إذا كانت الشرايين الدقيقة هى المتأثرة، أما تقنيات مثل حقن البلازما أو العلاج بالأكسجين فما زالت فى طور التجربة، ولم تثبت فاعليتها بشكل علمى واضح، ويشدد مأمون على أن الوقاية والمتابعة والرعاية اليومية للمرضى تظل أهم سلاح لتقليل نسب البتر. ◄ فاعلية الأكسجين رغم تعدد البدائل الحديثة المتاحة، إلا أن جدلًا كبيرًا يثار حول فاعلية بعض العلاجات، لاسيما العلاج بالأكسجين، حيث يرفضه بعض الأطباء بشكل قاطع. لكن ما هو الموقف الطبى من العلاج بالأكسجين؟! تحذر دكتورة إيناس شلتوت أستاذة الباطنة والسكرى بطب قصر العينى من العلاج بالأكسجين عالى الضغط وتصفه بأنه «جريمة طبية» فى حالات القدم السكرى، موضحة أن جميع التوصيات العالمية، من الأمريكية إلى الأوروبية، لم تذكره كعلاج فعال، بل وتبرأت منه كونه بلا دليل علمى ويُستخدم للتربح فقط. وأضافت أن هناك مستشفيات تستعمله دون مرجعية علمية، كما تسوّق له شركات مقابل آلاف الجنيهات، فى حين لم تثبت فاعليته فى إنقاذ أى قدم من البتر حتى الآن. وترفض التعامل مع البتر كخيار علاجي سريع، مؤكدة أنه لا يجب اللجوء إليه إلا عند الضرورة القصوى. وتشير إلى أن الوقاية تبدأ بضبط السكر والفحص المبكر في كل زيارة طبية، وتوضح أن أفضل وسائل الوقاية تشمل توزيع الضغط على القدم باستخدام الجبائر، وتغيير الأحذية، والفحص اليومي للقدم لملاحظة أى تغيرات مثل البثور أو الفطريات. ◄ إهمال المريض وتؤكد أن معظم حالات البتر سببها إهمال المريض لصحته لسنوات طويلة، وتنتقد غياب نظام رقابى يُلزم المرضى بالفحص الدورى، كما تفعل بعض الدول المتقدمة التى تربط بين التزام المريض وبين استمرار التأمين الصحي. واختتمت بأن فحص القدم يوميًا والانتباه لأى تغيرات فى اللون أو وجود بثور أو فطريات، هو الخط الأول للوقاية، ويجب ألا يُهمل. يتحدث دكتور جمال سالم، نائب عميد معهد السكر عن التقنيات التشخيصية الحديثة التى تساعد فى تحديد مدى تأثير مضاعفات السكرى على الأوعية الدموية، ويؤكد أن مصر تمتلك أجهزة تشخيصية متقدمة للأوعية الدموية، يمكنها رصد أى مشكلة تبدأ من إصبع القدم حتى شرايين المخ، باستخدام تقنيات غير تداخلية لا تعتمد على الصبغة، أما الوسيلة الأدق للتشخيص فهى قسطرة الأوعية بالصبغة، التى تُظهر بدقة مكان الانسداد، ومدى قابليته للدعامة أو التسليك، وتتفوق على أجهزة المسح الحرارى أو قياس السخونة، التى تُستخدم أحيانًا لكنها أقل دقة وتعتمد على تقدير الجراح. وأضاف أن هناك أجهزة متطورة تستخدم الأكسجين تحت ضغط عالٍ، مما يعد خطوة جديدة فى علاج القدم السكرى، رغم أن الجدل لا يزال قائمًا، كما أن العلاج بالأكسجين عالى الضغط يُستخدم لديهم كأحد الخيارات لعلاج القدم السكرى، عبر جهاز يشبه الكبسولة، يُضخ فيه الأكسجين بضغط يصل إلى 2 أو 3 جو، وقد أعطى نتائج إيجابية فى بعض الحالات، بإشراف طبيب متخصص حاصل على تدريب من بريطانيا، أما العلاج بالخلايا الجذعية، فيشير إلى أنه لم يتم تقنينه بعد ولا يُستخدم ضمن البروتوكولات الرسمية.