موسم «حصاد الخير» إنتاج وفير لمحصول الأرز بالشرقية

يُعدّ الأرز من المحاصيل الصيفية الحيوية ذات القيمة الغذائية والاقتصادية العالية، إذ يُمثّل مكونًا أساسيًا فى غذاء المواطنين، ومصدر دخل رئيسيًا لآلاف الأُسر، كما يسهم بشكل فعّال فى دعم الاقتصاد الوطنى وتعزيز الأمن الغذائى.
وفى أجواء يملؤها الفرح والسرور، يستقبل الفلاحون موسم الحصاد فى الحقول احتفالًا ب«الخير الوفير»، فى مشهد يُجسّد مدى أهمية هذا المحصول الإستراتيجى فى حياة الفلاح.
يقول السيد عبد الفتاح، أحد مزارعى محافظة الشرقية يقول إن موسم حصاد الأرز يمثل فرحة وسعادة بالغة بالنسبة للمزارعين والمواطنين على السواء، وإنه يحرص على زراعة الأرز سنويًا لأنه جزء لا يتجزأ من مائدة المصريين، خاصة فى القرى، حيث يُعد بديلًا للخبز فى كثير من الأحيان، موضحًا أن نجاح موسم الأرز يبدأ من مرحلة إعداد الأرض، التى تُعد الأساس فى جودة المحصول وإنتاجيته.
وأشار إلى اتباع تقنيات حديثة فى التجهيز مثل استخدام الليزر لتسوية الأرض، مما يسهم فى تقليل فاقد المياه وزيادة كفاءة الرى، إلى جانب اختيار توقيت الزراعة بعناية والاعتماد على طرق متنوعة مثل الشتل والبدار والسطارة بما يتناسب مع طبيعة التربة.
ولفت عصام عبد المقصود، من المزارعين، إلى أن الأرز لا يقتصر دوره على كونه غذاءً، بل يُعد موردًا اقتصاديًا هامًّا يعتمد عليه الفلاحون لتغطية تكاليف الزراعة وسداد الديون، ومواجهة أعباء الحياة اليومية، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد.
من جانبه، أكد المهندس عماد جنجن، وكيل وزارة الزراعة بالشرقية، أن الوزارة تنفذ خطة متكاملة بالتعاون مع معهد بحوث المحاصيل الحقلية، تهدف إلى استنباط أصناف جديدة من الأرز تتميز بالإنتاجية العالية والقدرة على مقاومة الأمراض والتغيرات المناخية، بما يعزز تنافسية الأرز المصرى فى الأسواق العالمية.
وأشار إلى أن الأصناف الجديدة أثبتت كفاءتها الميدانية، ونالت رضا المزارعين من حيث الطول والنوعية، والتكيف مع الظروف البيئية الصعبة، موضحًا أن تطوير البنية التحتية للزراعة وتوسيع الأبحاث يسهمان فى استدامة هذا المحصول الإستراتيجى.
وفى السياق ذاته، قال المهندس سمير راشد، مدير إدارة المتابعة بمديرية الزراعة بالشرقية، إن الأرز يمثل أحد أهم المحاصيل الزراعية فى مصر، مشيرًا إلى أن الدولة طورت زراعته لمواكبة زيادة الاستهلاك المحلى وتعزيز القدرة التصديرية.
وأوضح أن محافظة الشرقية تُعد من أكبر المحافظات إنتاجًا للأرز، حيث بلغت المساحة المنزرعة هذا العام نحو 238.5 ألف فدان، متصدرة بذلك قائمة المحافظات.
وأضاف أن تطور زراعة الأرز يرجع إلى تطبيق التوصيات الحديثة ضمن البرنامج القومى لبحوث الأرز، ما ساهم فى رفع متوسط إنتاجية الفدان إلى 4 أطنان، مقارنة ب2.4 طن فى عام 1987، لافتًا إلى أن المساحة المزروعة بالأرز فى مصر ارتفعت إلى 1.5 مليون فدان، بإجمالى إنتاج يتجاوز 6.5 مليون طن من الأرز الشعير، و4.5 مليون طن من الأرز الأبيض.
واستعرض «راشد» أبرز الأصناف عالية الإنتاجية، منها سوبر 300، سوبر 301، سوبر 302، سوبر 303، جيزة 177، وجيزة 178، وسخا 101، وسخا 108، موضحًا أن هذه الأصناف تتحمل الملوحة وقلوية التربة، وتتميز بدورة حياة قصيرة تتراوح بين 110 و120 يومًا، مما يقلل من استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 30٪ مقارنة بالأصناف التقليدية.
ومع نهاية كل موسم حصاد لمحصول الأرز، تتجدد أزمة التخلص من القش، وهو أحد أبرز المخالفات الزراعية فى مصر، خاصة فى محافظات الوجه البحرى مثل محافظة الشرقية، التى تُعد من أكبر المحافظات زراعة لهذا المحصول، ولسنوات طويلة، كان قش الأرز عبئًا بيئيًا واقتصاديًا، حيث كانت الحقول تتحول إلى مشاعل مفتوحة، تُطلق كميات هائلة من الدخان، محدثة ظاهرة «السحابة السوداء»، والتى تُعد من أخطر مظاهر تلوث الهواء فى مصر.
رصدت «المصرى اليوم» الجهود المبذولة فى ظل تطور الوعى البيئى، ودعم وزارة البيئة، بالتعاون الوثيق مع مديرية الزراعة، والأجهزة التنفيذية حتى تحوّلت هذه الأزمة إلى فرصة، من خلال إطلاق وتنفيذ منظومة كبس قش الأرز، كحل مستدام يعالج المشكلة من جذورها ويحوّل المخلفات إلى موارد اقتصادية.
وكشف الدكتور مجدى الحصرى، رئيس الفرع الإقليمى لجهاز شؤون البيئة بالشرقية والإسماعيلية، عن اتخاذ عدة إجراءات للحد من ظاهرة السحابة السوداء بالتزامن مع موسم حصاد الأرز، منها تشغيل 130 موقعًا لتجميع قش الأرز من إجمالى 150 موقعًا تم تجهيزها بمختلف مراكز ومدن المحافظة، لافتًا إلى أنه تم اعتماد هذه المواقع وفقًا لاشتراطات الحماية المدنية، التى تضمنت ضرورة استخراج رخصة من جهاز تنظيم المخلفات، وتوافر معدات الإطفاء، والابتعاد عن الكتل السكنية، مع القرب من مصادر المياه، وذلك لضمان بيئة آمنة خلال موسم الحصاد.
وأشار «الحصرى» إلى أنه تم تجميع أكثر من 125 ألف طن من قش الأرز منذ بدء موسم الحصاد، فى حين تم توفير 29 معدة زراعية متنوعة تشمل مكابس وجرارات ولمّامات وفرّامات، مملوكة لوزارة البيئة، وتم تأجيرها للمتعهدين بإيجار رمزى، دعمًا من الوزارة لتشجيع عملية جمع وتدوير المخلفات الزراعية بدلًا من حرقها.
وأكد رئيس الفرع الإقليمى لجهاز شؤون البيئة بالشرقية استعداده لاستقبال متعهدين جدد لفتح مواقع تجميع جديدة، مع توفير المعدات الزراعية اللازمة بأسعار رمزية، وذلك بمقر فرع الجهاز بشارع فاروق بمدينة الزقازيق، فى إطار سعى الوزارة لدعم منظومة جمع وتدوير المخلفات الزراعية وخلق فرص عمل موسمية للشباب.
وأوضح «الحصرى» أن عملية كبس قش الأرز تبدأ مباشرة بعد الحصاد، حيث يتم جمع قش الأرز باستخدام مكابس آلية، مع مراعاة نسبة رطوبة تتراوح بين 15-20٪ لضمان كفاءة الكبس، وبعد ذلك يُضغط القش بمكابس هيدروليكية، أو ميكانيكية لتحويله إلى بالات مضغوطة، تسهيلًا لعملية النقل والتخزين، وكذلك التقليل من حجمه، لافتًا إلى أنه يتم تخزين القش المكبوس فى أماكن جافة وجيدة التهوية، بعيدًا عن مصادر الاشتعال أو الرطوبة الزائدة، للحفاظ عليه من التعفن أو الاشتعال الذاتى.
وأرجع مدير فرع شؤون البيئة بدايات منظومة الكبس إلى عام 2009، ومنذ ذلك الحين وهى تحقق نجاحات متتالية، إذ يتم سنويًا تجميع ما يقرب من 150 ألف طن من المخلفات الزراعية، يتم إعادة تدويرها أو بيعها، بما يساهم فى تقليل الفاقد وتحقيق قيمة مضافة، مؤكدًا أن مشروع كبس قش الأرز يمثل نموذجًا عمليًا للاقتصاد، حيث تتحول المخلفات إلى موارد، والأزمات إلى فرص، ومع تصاعد الاهتمام بقضايا البيئة والاستدامة، يُتوقع أن تشهد هذه المنظومة نموًا متسارعًا فى السنوات القادمة، لتكون ركيزة أساسية فى جهود مصر نحو مستقبل أخضر واقتصاد وطنى قوى.
من جهته، أكد المهندس حازم الأشمونى، محافظ الشرقية، أنه تم رفع درجة الاستعداد فى جميع مراكز ومدن المحافظة لمواجهة ظاهرة الحرق المكشوف لمخلفات الأرز، حفاظًا على الصحة العامة وجودة الهواء، موضحًا أن المحافظة تنفذ منظومة متكاملة للتخلص الآمن من المخلفات الزراعية، بالتعاون مع جهاز شؤون البيئة، وإدارة البيئة بالديوان العام، ومديرية الزراعة، مع تكثيف حملات التوعية للمزارعين بشأن أضرار الحرق المكشوف، وأهمية الاستفادة الاقتصادية من المخلفات من خلال إعادة التدوير.
وشدد «الأشمونى» على أن الدولة توفر بدائل عملية وآمنة للتعامل مع المخلفات الزراعية، بما يسهم فى حماية البيئة وتحقيق الاستدامة، وتحويل القش من عبء بيئى إلى فرصة اقتصادية واعدة.
وناشد محافظ الشرقية المزارعين الامتناع عن الحرق المكشوف لمخلفات الحصاد من قش الأرز وحطب الذرة، مشددًا على أهمية الاستفادة من هذه المخلفات سواء من خلال تدويرها أو بيعها، أو استخدامها كعلف حيوانى، لما لذلك من أثر إيجابى على البيئة والصحة العامة، مؤكدًا أن من يخالف ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية، وفقًا لأحكام قانون المخلفات رقم 202 لسنة 2020، حيث تنص المادة (20) على حظر الحرق المكشوف للمخلفات، فيما تنص المادة (70) على توقيع عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة، وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد عن مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، على كل من يخالف
أحكام المادة المذكورة.