لا تزال بطولات حرب أكتوبر المجيدة تُروي للأجيال باعتبارها ملحمة خالدة صنعتها دماء الشهداء وعزيمة المقاتلين، وفي هذا الحوار يكشف اللواء أ.ح صالح الحسينى، أحد أبطال القوات المسلحةعن ذكرياته منذ لحظة التحاقه بالجيش وحتى خوضه معارك الاستنزاف والعبور، ليؤكد أن الإرادة المصرية كانت ولا تزال قادرة على تحطيم المستحيل وكاشفًا عن تفاصيل بطولات لا تُنسى، شهادته تظل شاهدًا على زمنٍ أثبت فيه المصريون أن الانتماء لا يُقاس بالكلمات، بل يُترجم بالفعل والدماء. التحق بالقوات المسلحة ضمن الدفعة 54 حربية الاستثنائية، وهى دفعة أعلنت عنها القوات المسلحة بعد نكسة 1967، وكان الهدف هو ضخ دماء جديدة فى صفوف الجيش استعدادًا لجولات قادمة من القتال.. يقول: تخرجت فى الثالث من فبراير 1969، وتوجهت مباشرة إلى الجبهة، كانت حرب الاستنزاف قد بدأت قبل تخرجى بنحو شهر تقريبًا، ويمكننى القول إن تلك الحرب كانت البداية الحقيقية للنصر فى أكتوبر 1973، لأنها منحتنا خبرة قتالية عالية، واختبرت قدرتنا على الصمود فى مواجهة عدو متغطرس. وأوضح أن حرب الاستنزاف كانت حربًا قاسية بكل المقاييس، لكنها صقلت خبرات الجيش المصري، كنا نخوض عمليات محدودة، نشتبك مع العدو، نكبدّه خسائر، ثم نعود أكثر تصميمًا. استمرت الحرب حتى 1970، وخلالها تعلمنا كيف نواجه أسلحة متطورة، وكيف نصنع التكتيكات التى ستصبح لاحقًا أساس خطة العبور. ◄ اقرأ أيضًا | د. يسري الجمل وزير التعليم الأسبق: الدفاع الجوى حصَّن الجبهة من الطيران الإسرائيلي وشدد الحسينى على أن يوم 6 أكتوبر سيظل محفورا فى ذاكرتى كأنه البارحة، بدأت الحرب بالضربة الجوية التى شلت دفاعات العدو وأربكت حساباته، ثم تبعتها المدفعية الثقيلة التى مهدت الطريق للمشاة. رأيت بعينى آلاف الجنود المصريين يعبرون القناة، يرفعون العلم المصري على خط بارليف، ويشتبكون مع قوات العدو فى قتال شرس. فى تلك اللحظة أدركنا أننا نحطم أسطورة الجيش الذى لا يُقهر، وأن النصر صار قريبًا. ووصف الروح المعنوية للجنود أنها كانت مرتفعة فى السماء، كنا نعرف أن وراءنا وطنًا كاملاً ينتظرنا، وأهالى فقدوا أبناءهم فى النكسة يريدون رد الاعتبار. كل جندى كان يقاتل بروح الشهيد، لا يخشى الموت ولا يفكر إلا فى رفع العلم على أرض سيناء. ونوه إلى أن أهم الدروس المستفادة من حرب أكتوبر هو أن الإرادة تهزم السلاح. صحيح أن العدو كان يمتلك ترسانة متطورة ودعمًا خارجيًا ضخمًا، لكن الجندى المصرى بإيمانه وعزيمته كسر كل المعادلات. أيضًا أكدت الحرب أن التنسيق بين أفرع القوات المسلحة، الجوية، المدفعية، المشاة، هو مفتاح أى نصر عسكرى. أقول لهم إن النصر الذى تحقق لم يكن هدية، بل جاء بدماء آلاف الشهداء. عليهم أن يعتزوا بجيشهم ووطنهم، وأن يدركوا أن سيناء التى عادت بالدماء لن تُفرّط فيها مصر أبدًا. وأؤكد لهم أننا ما دمنا نملك الإرادة والوحدة، فلن يستطيع أى عدو أن ينال من هذا الوطن.