تحل ذكرى رحيل الفنانة القديرة شادية، التي لم تكتفِ بالوصول إلى النجومية بأدائها التمثيلي فقط، بل أسرت القلوب بصوتها العذب وحضورها الكاريزمي، لتستحق عن جدارة لقب شادية مصر. تنحدر الفنانة الراحلة من أصول ترجع إلى محافظة الشرقية، وكان والدها مهندساً زراعياً يشرف على الأراضي الخاصة الملكية. هذه الأيقونة الفنية الشاملة، التي مثلت عصراً ذهبياً في تاريخ السينما المصرية، أثبتت منذ بدايتها أنها مشروع نجمة استثنائية قادرة على التنوع والإبداع. مسيرتها الفنية، التي امتدت لعقود، تركت بصمة لا تُمحى في الوجدان العربي، حيث تنوعت أدوارها ما بين الرومانسية، والكوميديا، والتراجيديا العميقة، ما رسخ مكانتها كواحدة من أهم فنانات العرب. اقرأ ايضا «حرب العطش».. كيف تحوّل سلاح المياه إلى تحدي وجودي وأداة للنزوح القسري؟ البداية المبكرة والشراكات الذهبية اكتشف شغف شادية بالفن المخرج أحمد بدرخان، الذي كان له الفضل في أول ظهور سينمائي لها من خلال دور صغير في فيلم أزهار وأشواك عام 1947. لم يمضِ وقت طويل حتى رشحها بدرخان لدور البطولة أمام الفنان محمد فوزي في فيلم العقل في إجازة، الذي حقق نجاحاً كبيراً، الأمر الذي شجع فوزي على الاستعانة بها في العديد من أفلامه اللاحقة، ليثبتا معاً ثنائية فنية واعدة. كما حققت شادية نجاحات متتالية تحت مظلة المنتج أنور وجدي. وفي تلك الفترة، ارتبط اسمها بالفنان كمال الشناوي، حيث شكّلا ثنائياً ناجحاً ومحبوباً لدى الجمهور، وقدما معاً العديد من الأعمال التي لا تزال خالدة في تاريخ السينما المصرية. محطات التحول في التراجيديا والكوميديا تضمنت مسيرة شادية الفنية محطات حاسمة أظهرت قدرتها الفائقة على تجسيد مختلف الأدوار. ويُعد فيلم المرأة المجهولة للمخرج محمود ذو الفقار من أهم هذه المحطات، إذ أثبتت فيه شادية موهبتها الاستثنائية في تجسيد الأدوار التراجيدية المعقدة والمؤثرة. كما تألقت شادية في محطة فنية أخرى من خلال أفلامها مع الفنان صلاح ذو الفقار، حيث أبدعت في تقديم طاقتها الكوميدية الساحرة. ومن أبرز أعمال هذا الثنائي الكوميدي الناجح أفلام مراتي مدير عام، وكرامة زوجتي، وعفريت مراتي، بالإضافة إلى الفيلم الرومانسي الشهير أغلى من حياتي الذي يعد تحفة سينمائية خالدة. عبقرية التجسيد بين الرواية والمسرح والاعتزال برعت شادية كذلك في تجسيد الشخصيات المأخوذة عن روايات الكاتب العالمي نجيب محفوظ، ومنها أفلام اللص والكلاب وزقاق المدق، بالإضافة إلى تألقها في أعمال مقتبسة أخرى مثل نحن لا نزرع الشوك وشيء من الخوف. لم يتوقف إبداعها عند الشاشة الفضية، فقد صعدت شادية إلى خشبة المسرح للمرة الأولى، رغم كل هذا الرصيد السينمائي، لتقدم رائعة ريا وسكينة. كان أداؤها مدهشاً لدرجة أنها بدت كممثلة مسرح مخضرمة، واجتذبت الجماهير مع فريق العمل لثلاث سنوات متتالية في مصر والدول العربية. اختتمت شادية مسيرتها الفنية بفيلم لا تسألني من أنا عام 1984، متجاوزة في رصيدها أكثر من 110 أفلام، قبل أن تعتزل العمل الفني وهي في سن الخمسين لتختتم حياتها بعيداً عن الأضواء، ثم حان موعد الرحيل في الثامن والعشرين من نوفمبر عام 2017، لتبقى أيقونة السينما المصرية شامخة في تاريخ الفن العربي.