أعلنت الحكومة المصرية فى تقريرها أمام مجلس حقوق الإنسان قبول 243 توصية من إجمالى 300 توصية تقدمت بها أكثر من مائة دولة فى جلسة 5 نوفمبر 2014، ويعد هذا أكبر عدد من التوصيات التى تقبلها حكومة وتلتزم بها أمام مجلس حقوق الإنسان، وتنوعت التوصيات التى تم رفضها إما على أساس تعارضها مع الشريعة الإسلامية «توصية إلغاء عقوبة الإعدام»، أو تلك التى تتعارض مع الدستور المصرى وقيم وثوابت المجتمع، أو تلك التى تتعلق بالتدخل فى شئون القضاء، كتلك المتعلقة بالإفراج عن جاسوس إسرائيلى محكوم عليه بالسجن المشدد، وفى الحقيقة فإن أغلب هذه التوصيات التى تم رفضها كان متوقعاً هذا بالنظر إلى توصيات عام 2010، فلم تخالف الحكومة المصرية منهجها فى هذا. المتغير المهم فى مناقشة التقرير الدورى الشامل هذا العام هو أن الحكومة جاءت إلى جنيف ولديها دستور مصر لعام 2014 الذى تضمن الكثير من مبادئ وقيم حقوق الإنسان، فى نصوص قاطعة لحماية هذه الحقوق، بل وتم النص فى المادة 93 على اعتبار كل الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر بمثابة تشريع داخلى، فهى قابلة للتطبيق مباشرة، فضلاً عن أن الدستور قد قيد حق المشرّع أثناء إصدار تشريعات تترجم هذه النصوص الدستورية أى انتقاص من هذه الحقوق، بل يمكن طبقاً له أن يضيف إليها ضمانات، فالكثير من التوصيات هى ترجمة حقيقية للدستور، مثل حق التظاهر السلمى الذى نص على أن يكون بالإخطار، أيضاً الحق فى تكوين الجمعيات، فينص على أن تنشأ بالإخطار وأن تعمل بحرية واستقلال ولا يجوز حلها إلا بحكم قضائى. السؤال هو: ماذا بعد إقرار التوصيات من قبَل مجلس حقوق الإنسان، كيف يمكن أن نعمل على التنفيذ الكامل لهذه التوصيات؟ فى الحقيقة هذه التوصيات يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات؛ الأولى تتعلق بتعديلات للتشريعات، وهذا يتطلب حواراً مجتمعياً وإشراك المنظمات غير الحكومية فى المناقشات، وهى مهمة البرلمان بالأساس. الثانية هى تلك التوصيات المتعلقة بالسياسات، وهذه مسئولية الحكومة فى تغيير السياسات التى تؤدى إلى انتهاكات حقوق الإنسان، مثل مواجهة ظواهر العنف والتحرش ضد المرأة، والعمل على تدريب وتأهيل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون على احترام حقوق الإنسان، وثالثاً الاتفاقيات والبروتوكولات المطلوب قبولها أو التصديق عليها والتحفظات التى يجب سحبها. الحقيقة وكما قلت أمام مجلس حقوق الإنسان فى كلمتى أن التوصيات التى تم قبولها تصلح لأن تكون أساساً لخطة وطنية لحماية حقوق الإنسان تلتزم بها الدولة المصرية بسلطاتها الثلاث، بالإضافة إلى إشراك المجتمع المدنى والمجلس القومى لحقوق الإنسان فى تنفيذ هذه الخطة، بأدوار محددة؛ منها تقديم الشكوى، وتقديم مقترحات للقوانين والتشريعات أو المشاركة فى آليات للتشاور، وتحديد آليات الإنصاف والتحقيق فى الانتهاكات وتعويض الضحايا. كما يجب ألا ننسى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التى يعد ضحاياها أكبر بكثير من ضحايا انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية، بل يمكن أن نقول إن تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمصريين تأخذ أولوية أولى تتطلب جهوداً مميزة لضمان العيش بكرامة للطبقات الفقيرة والمهمشة ودون أن نمن عليهم أو نحولها إلى أعمال خيرية. هذه حقوق رتبتها المواثيق الدولية والتزمت بها الحكومة ليس فقط فى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ولكن أيضاً الدستور المصرى. بعد إقرار التوصيات فى جنيف أعتقد أن الوقت حان للعمل والتحرك نحو تحقيق حماية حقيقية لحقوق الإنسان وتعزيز الإنصاف للضحايا وإطلاق الحريات.