تخفيف الأحمال فى «أسبوع الآلام»    استهداف قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغداد وأنباء عن قتيل وإصابات    اندلاع مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس    مدرب ريال مدريد الأسبق مرشح لخلافة تشافي في برشلونة    أمن القليوبية يضبط المتهم بقتل الطفل «أحمد» بشبرا الخيمة    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    عيار 21 الآن فى السودان .. سعر الذهب اليوم السبت 20 أبريل 2024    تعرف على موعد انخفاض سعر الخبز.. الحكومة أظهرت "العين الحمراء" للمخابز    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 إبريل 2024 بعد الانخفاض الأخير    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    نشرة منتصف الليل| الأرصاد تكشف موعد الموجة الحارة.. وهذه ملامح حركة المحافظين المرتقبة    300 جنيها .. مفاجأة حول أسعار أنابيب الغاز والبنزين في مصر    منير أديب: أغلب التنظيمات المسلحة خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية.. فيديو    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب"اللا مسؤول"    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    الخطيب ولبيب في حفل زفاف "شريف" نجل أشرف قاسم (صور)    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    «أتمنى الزمالك يحارب للتعاقد معه».. ميدو يُرشح لاعبًا مفاجأة ل القلعة البيضاء من الأهلي    بركات: مازيمبي لديه ثقة مبالغ فيها قبل مواجهة الأهلي وعلى لاعبي الأحمر القيام بهذه الخطوة    يوفنتوس يواصل فقد النقاط بالتعادل مع كالياري.. ولاتسيو يفوز على جنوى    دوري أدنوك للمحترفين.. 6 مباريات مرتقبة في الجولة 20    صفقة المانية تنعش خزائن باريس سان جيرمان    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    حالة الطقس اليوم.. حار نهارًا والعظمى في القاهرة 33 درجة    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    شفتها فى حضنه.. طالبة تيلغ عن أمها والميكانيكي داخل شقة بالدقهلية    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    وزارة الداخلية تكرم عددا من الضباط بمحافظة أسوان    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    حدث بالفن| وفاة صلاح السعدني وبكاء غادة عبد الرازق وعمرو دياب يشعل زفاف نجل فؤاد    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    بفستان لافت| ياسمين صبري تبهر متابعيها بهذه الإطلالة    حزب "المصريين" يكرم 200 طفل في مسابقة «معًا نصوم» بالبحر الأحمر    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    لأول مرة.. اجراء عمليات استئصال جزء من الكبد لطفلين بدمياط    عاجل - فصائل عراقية تعلن استهداف قاعدة عوبدا الجوية التابعة لجيش الاحتلال بالمسيرات    إعلام عراقي: أنباء تفيد بأن انفجار بابل وقع في قاعدة كالسو    وزير دفاع أمريكا: الرصيف البحري للمساعدات في غزة سيكون جاهزا بحلول 21 أبريل    خبير ل«الضفة الأخرى»: الغرب يستخدم الإخوان كورقة للضغط على الأنظمة العربية المستقرة    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    عمرو أديب يطالب يكشف أسباب بيع طائرات «مصر للطيران» (فيديو)    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النوبة .. صور و حكايات
نشر في أكتوبر يوم 17 - 10 - 2010

فى هذه الأيام الغريبة الصعبة وأكثر من أى وقت مضى نحتاج إلى ابتسامة صافية تعكس قلبا سعيدا يرقص فرحا مشاعره، طازجة مرهفة لها صلة مباشرة بأسارير الوجه تماما مثل ابتسامة شاب نوبى أسمر تكشف عن أسنان بيضاء تصطف كعقد لؤلؤى حر أحس فى الابتسامة النوبية بالصدق.. نعم الصدق كما أطرب بونسة أهل النوبة على إيقاع الدفوف والأحباب يغنون للنيل والصحبة والغربة بلغة الكنوز أو الفاديجا... لافرق عندى أحب اللقاء حول كوب الشاى بالحليب ومشاكسات الأصحاب والرطان الذى لا أفهمه ولكن أحس موسيقاه وانطباعاته على وجوه الجالسين.. أعشق الرقص الذى يستمد إيحاءاته وإيماءاته من أمواج النيل وحركة الأسماك وتمايل شواشى النخيل، الرقص الجماعى الذى يشترك فيه الرجال والنساء دون ابتذال أو خلاعة... رقص يتحد بالطبيعة فى انسجام تام سواء كان كف أو أراجيد أو رقصة الفرى. أحب بساطة البيت النوبى.... الحوش السماوى المفتوح الذى يردد معابد أخناتون والتى كانت بلا سقف يحجب أشعة الشمس فتدخل أيادى رع البيضاء لتوزع الخير على البشر أجمعين... أحب المزيرة فى يوم قائظ الحر وأحب الأبراش والأكراج المعلقة فى حجرة العروس. أحب أن أجلس فى الظل وأتابع بعينى الحركة الدائبة لإعداد طعام الغداء، أتلذذ بالأبرية بعصير الليمون أو أورمة بصل، ويا حبذا لو كان هناك جاكوت بكل انواع الخضرة.. ياسلام.. وبجواره تلمع أكواب الكركديه المثلج... أتناول خيرات الأرض وتمر النخيل على أنواعه وأستمتع بصحبة رائعة لناس لا تحب النكد، وتحتفل بالأفراح لأسابيع طويلة.
أشتاق لرؤية بنات النوبة وجرجارهن يشف عن جلابيب ملونة، وتزين جيدهن حلى ذهبية كبيرة.. تردد صداها أقراط مستديرة تلمع تحت سهام الشمس الملتهبة وتعكس بريقها على حلى الأنف والشعر فتبدو الفتاة النوبية كعروس دائمة الشباب، ناضرة لا تشيخ أبدا.
تمنحنى النوبة كل مفردات اليوتوبيا لأحلق بعيدا فى أحلامى أستلهم منها البلد القديمة والنيل وحكايات الأجداد.. تتمثل أمامى مثل درر منفرطة تسكن بين فراغاتها شحنات الخيال لتهبنى فى النهاية فيضا لا ينقطع من الإبداع.... احتاج للنوبة.
يوميات رحالة
سألت نفسى هل أستطيع أن أسافر الآن عبر بلاد النوبة القديمة؟ وكانت الإجابة المنطقية إذا ما غرقت البلاد تحت الماء فلنجر فوقها ونستشعر أنفاسها تحت سفينتنا..
حجزت غرفتى فى أحد مراكب بحيرة ناصر وبدأت رحلتنا بزيارة لمعبدى أبو سمبل.. لم أكن زرته من قبل وبالطبع تركت ضخامة التماثيل الأربعة بواجهة المعبد الكبير أثرا كبيرا فى نفسى، وكانت الشمس تداعب وجوه رمسيس الثلاثة وتودعها وهى تمضى إلى خدرها فى الغرب خلف القبة الصناعية الضخمة التى تقنعك بأنها صخرة من صنع الطبيعة دخلت إلى بهو المعبد وألقيت التحية على عم عوض الحارس والثمانية تماثيل الأوزيرية للملك ثم تقدمت داخلا لقدس الأقداس والذى تدخله أشعة الشمس المشرقة مرتين وقت التعامد فى 21 فبراير و21 أكتوبر ويختلف الأثريون حول المناسبات الملكية التى توافق هذين التاريخين ولكن يجتمع آلاف السياح كل ستة أشهر لمشاهدة هذه الظاهرة الفريدة ولكننى أكره الزحام وبعقلية الفنان أستطيع أن أتخيل المشهد!
جلست أمام المعبد لأرسم الواجهة كاملة فى ظلال ما بعد الظهيرة ثم تقدمت إلى معبد نفرتارى الذى بناه الملك ليخلد حبه لزوجته المحبوبة وهو لعبادة الآلهة حتحور وأحببت الواجهة المائلة قليلاً للخلف والتى تعطى إحساسا بالصرحية والمهابة كما أعجبتنى الأعمدة الحتحورية والتى تختلف عن مثيلاتها فى معبد دندرة وفيلة والدير البحرى لأن النحت فى أحجار النوبة ليس سهلا فجاءت وجوه حتحور مسطحة ولها ضفيرتان طويلتان نسبيا مما يعطيها شكلا حداثيا لا نراه فى المعابد الأخرى.
وعندما غابت الشمس خرجنا جميعا من المعبد.. ثم دخلنا ثانية لنشاهد عرض الصوت والضوء والذى جاء رائعاً فى جو هادئ لا يعكر صفوه ضوضاء أو رياح.. فعشنا فى زمن رمسيس نتخيل موكبه واحتفالاته فى هذه البقعة الفريدة.. وتذكرت لوحات صديقى العزيز الفنان حسين بيكار والذى سجل ملحمة بناء معبدى «أبو سمبل» فى لوحات ملونة تخلب الألباب، وكأنه شاهد عيان على عصر ولى ورحل ونستطيع أن نرى المجموعة كاملة فى متحف الجونة بعد أن نجح المهندس سميح ساويرس فى استرجاعها مرة أخرى لأرض الكنانة.
فى الفجر تتحرك بنا السفينة لنلقى نظرة الوداع على أبو سمبل وشمس الصباح تصحو لتداعب الوجوه فى لطف وتفاؤل.. ثم نبحر شمالا مع اتجاه التيار وتتسع البحيرة بينما تطل عليها جبال النوبة من الناحيتين.. وبعد حوالى ساعتين اقتربنا من إبريم..
اعترتنى الدهشة حين علمت أن قصر إبريم هو الأثر الوحيد الذى لم يحتج لإنقاذ اليونسكو حتى بعد ارتفاع المياه خلف السد لأن القلعة فوق أعلى منسوب للمياه.. وصارت التلة جزيرة بعد أن حوطتها المياه من كل جانب.. لم يسمح لنا بالنزول للجزيرة ولكننى تأملت طائرين جارحين جاثمين فوق الأقواس الهلالية لبقايا الكاتدرائية والتى يرجع تاريخها إلى القرن الثامن الميلادى وعلمت أن إبريم كانت مركزا تجاريا وصناعيا نشطاً وبها آثار من أيام تحتمس الثالث والملك طهرقا وبعدها كانت مسرحا للقتال بين الرومان وكنداكة ملكة الحبشة وظلت لقرون مركزا آخر لعبادة إيزيس ثم تحولت النوبة للإسلام وأثناء الحكم العثمانى كانت إبريم وقلعتها مركزاً للكشاف وأقامت بها حامية من البوسنة يقال إن محمد على نسيها هناك فاستقر العسكر وتزوجوا من نوبيات.. وقبل بناء السد كانت قرية إبريم تنتج أجود البلح النوبى والذى يطلق عليه البلح الإبريمى وقد استفادت القرية من مشاريع الرى بعد التعلية الثانية وأيضا من قربها لقرية عنيبة التى صارت عاصمة جنوب النوبة.. وخرج من إبريم كثير من القادة والنبغاء منهم الفنان القدير النحات أحمد عثمان رئيس قسم النحت بكلية الفنون الجميلة وصاحب واجهات حديقة حيوان الجيزة وأيضا صاحب فكرة تقطيع معبد أبو سمبل باستخدام المنشار ونقله إلى منسوب أعلى.
ودّعنا إبريم الوحيدة وسط المياه وأبحرنا فى اتجاه المحطة التالية وهو موقع عمدا الجديد حيث يمكن للزائر أن يشاهد معبدى عمدا والدر ومقبرة بينوت.. تقف السفينة قريبا من الشاطىء ثم تنقلنا اللنشات على دفعات إلى حيث المعابد..
معبد عمدا يقف وحيدا حيث يبدو كمبنى مهجور له بوابة واحدة وهو أقدم المعابد على بحيرة ناصر وقد تم إنقاذه بمعجزة هندسية حيث تم فك الجزء الأمامى منه ونقلها كأحجار أما الحجرات الداخلية فقد تم رفعها هيدروليكيا ككتلة واحدة ثم سحبها على قضبان سكة حديدية لمسافة 2.6 كم أعلى الهضبة حيث تكون فى أمان من مياه السد العالى وكان المعبد يتحرك بمعدل 25 مترا يوميا وأشرف على نقله البعثة الأثرية الفرنسية.. وقد كرس لعبادة الإله آمون رع ورع حور اختى لأنه الحارس الجنوبى وبدأ بناءه الملك تحتمس الثالث وأكمل فى عهد الملك تحتمس الرابع حفيده.. وداخل البوابة إلى اليسار يوجد نص مهم كتب فى عصر مرنبتاح ابن رمسيس الثانى وهو نص إعادة افتتاح المعبد بعد أن أغلقه إخناتون ويذكر أن المعبد تحول لكنيسة فى العصر المسيحى وكانت تعلوه قبة.
نتحرك قليلاً ثم نقف أمام معبد «الدر» بكسر الدال وهو مثال مصغر لمعبد أبو سمبل حيث كان أيضا منحوتا فى الصخر وكان يقع خلف قرية الدر وكانت مركزا مهماً وبها مدرسة الكمال الابتدائية وقصر الكاشف بالإضافة إلى مركز الشرطة ولكن مياه السد أتت على كل ذلك وقبلها التعلية الثانية للخزان والتى أجبرت الأهالى على بناء مساكنهم ومتاجرهم على ثلاثة هضاب.. ويأتى ذكر قرية الدر كثيرا فى رواية الشمندورة لأهميتها السياسية قبل التعلية الثانية ولكنها فقدت ذلك لصالح قرية عنيبة فيما بعد.. نرجع ثانية للمعبد الذى هو الأثر الوحيد الذى يحفظ ذكرى «الدر» لقد أبهرتنى ألوان رسوم جدرانه التى احتفظت بنضارتها وزهوها وأروعها فى نظرى وتصوير الملك رمسيس الثانى واقفا تحت شجرة الخلود بأغصانها وأوراقها الكثيفة وأمامه بتاح وسخمت وخلفه الإله تحوت إله الحكمة..
وعندما نترك معبد الدر نتجه إلى مقبرة بينوت وهى ترجع إلى عصر رمسيس السادس وقد أسهمت فى إنقاذها البعثة الأمريكية وهى تقع حالياً أسفل هضبة تشبه أهرام دهشور داكنة اللون وقد سرقت معظم رسومها عدا منظرين على جانبى الحجرة الصغيرة المحفورة فى الصخر.. ويعتقد أن بينوت هذا كان حاكم واوات ومشرفا على أعمال المحاجر ولا نعلم إن كان مصريا أو نوبياً.
بعد هذه الزيارة الأخيرة يقابلك بائعو التحف والهدايا التذكارية وهم يحملون التماسيح الصغيرة التى تم تفريخها من بيض التمساح.. وقد لاحظت غلق فم التمساح بقطعة صغيرة من السلك حتى لا يقضم أصبع السائح فإنه إذا ما أغلق فكيه لا تستطيع قوة أن تفتحهما ثانية.
رجعنا للسفينة مرة أخرى وأبحرنا شمالاً والشمس تتدحرج خلف جبال النوبة والمنظر يبدو ساحراً محملاً بالقصص والأساطير عن مدن تقبع تحت الماء، تسبح بين بيوتها الأسماك وملائكة النهر.
استيقظت فى اليوم التالى على صياح الديك فقد وصلنا إلى موقع السبوعة الجديد.. كانت الشمس تتثاءب فى كسل لذيذ بينما الصيادون يصلحون الشباك والمجاديف ترتطم بصفحة المياه البلورية لتنظيم إيقاع سيمفونية الصباح الجديد.. إلى جوار جزيرة فى البحيرة تناولنا طعام الإفطار بسرعة ثم حملتنا اللنشات مرة أخرى إلى موقع وادى السبوعة حيث تقبع تماثيل أبو الهول على الجانبين بينما نتوجه إلى الصرح الكبير وعلى يساره يقف تمثال رمسيس الثانى شامخاً وعندما أدخل، فإننى التفت إلى الخلف لأبصر أجمل منظر أحبه حالياً فى بلاد النوبة.. تماثيل «أبو الهول» صم الصحراء والجمال ثم البحيرة الصافية والجبال فى خلفية المنظر.. وأتخيل نفس المنظر بعد التعلية الثانية للخزان حيث كانت تماثيل أبو الهول تغمرها المياه معظم شهور السنة وتظهر فقط كاملة زمن التحاريق.. ولقد تولت البعثة المصرية إنقاذ وترميم هذا المعبد بمساعدة مالية من أمريكا وتماثيل السفنكس فى المقدمة لها رأس آدمى أما الأربعة فى الخلف لها رأس صقر «حورس».. أما الفناء الرئيسى المفتوح فتزينه على الجانبين تماثيل أوزيرية للملك رمسيس ثم ندخل إلى صالة الأعمدة والتى استخدمت ككنيسة فى العصر المسيحى وحتى عهد قريب كانت لها بوابتان هلاليتان كمدخل تم إزالتهما فى الترميم ليرجع المعبد لشكله الأصلى.. وهناك بقايا لرسم فريسكو قديم للقديس بطرس فى قدس الأقداس وهو يحمل مفتاح ملكوت السماوات وقد كان منظره كاملاً قبل النقل. بعد الزيارة امتطى جملاً هائجاً ليصعد بنا إلى موقع معبد الدكة وهو يقع الآن على ربوة عالية.. وأهم ما يميزه هو الصرح الهائل الذى يتقدم واجهة المعبد ويذكرنا بصرح الكرنك وقد قام ببنائه الملك المروى أرجامون وكان معاصراً لحكم بطليموس الثانى والثالث فى مصر.. وبعد ذلك أضاف البطالمة أجزاء كثيرة للمعبد.. أما الرومان فقد أضافوا صالة صغيرة مقطوعة من الجدار الشرقى بها أجمل نقوش للمعبد وهى تصور تحوت مثل قرد أمام تفنوت كأنثى الأسد يعلوهما منظر طائر أبو منجل المقدس وأسفلهما منظر لأسدين هما أولاد رع شو وتفنوت.
ثم ننزل مرة أخرى لنرى المعابد فى تلك البقعة الجميلة.. معبد المحرقة.. ولقد أثار اهتمامى تهدم جدران المعبد فى صورة التقطت قبل نقله لمكانه الحالى، أما الآن فيظهر كاملاً ولا نستطيع أن نرى ما بداخله من الخارج.. قام ببناء المعبد بعض كهنة الرومان أثناء العصر الرومانى وكرسوه لعبادة الإله سيرابيس وكان يقع على الحدود الجنوبية الجديدة لمصر كما رسمها الرومان.. ويتميز المعبد بأعمدته الجميلة ووجود سلم حلزونى يقود للسطح.. وقد تحول المعبد إلى كنيسة فى العصر المسيحى.. والجدير بالذكر أن بلدة المحرقة القديمة كانت تقع فى بلاد الكنوز حوالى 125 كيلو متراً جنوب مدينة أسوان.. أى أن المعبد قد نقل 50 كيلو متراً جنوب موقعه الأصلى.
قضينا بقية اليوم فى السفينة حيث أبحرت شمالاً حتى ميناء أسوان وكان هناك حفل به رقص نوبى ورحل بنا بعيداً إلى زمن النوبة وفى الصباح قمنا بزيارة آخر موقع والذى يضم معابد كلابشة وبيت الوالى ومقصورة قرطاسى وما تبقى من معبد جرف حسين.
ولقد كنت مشتاقاً لزيارة مقصورة قرطاسى بصفة خاصة وهى من العصر البطلمى وكانت تقع 40 كيلو متراً جنوب موقعها الحالى فى مكان مرتفع على هضبة صخرية وكانت بمثابة بوابة لمنطقة محاجر الحجر الرملى بالنوبة وقد خصص المعبد لعبادة الإله حتحور المعبودة الرئيسية لعمال المحاجر.. وأجمل ما فى هذه المقصورة التى تتكون من صالة واحدة هى الأعمدة الحتحورية الرشيقة وأيضاً النسب الرائعة للكتل الحجرية والتى يكسبها موقعها على البحيرة جمالاً فائقاً..
يقف معبد كلابشة الآن بجوار المقصورة حيث نصعد لصرحه الكبير عبر سلالم تكسبه مهابة واضحة.. وكان أصلا يقع 50 كم جنوب موقعه الحالى ويعود تاريخه للأسرة 18 ولكن هذا المعبد قد تهدم وبنى مكانه المعبد الحالى الذى أعيد بناؤه فى العصر البطلمى ولكنه أكمل بهيئته الحالية فى عصر الإمبراطور الرومانى أغسطس وقد كرس لعبادة الإله «ماندوليس» وهو إله الشمس النوبى وكان اسمه المصرى «ميلول» وعادة يظهر بشكل رجل يرتدى تاجاً به 4 ريشات متوجة بأقراص الشمس.. والمعبد له صرح كبير يفضى إلى فناء مفتوح به 14 عموداً ثم يؤدى إلى بهو الأعمدة ثم حجرتين تقودنا إلى قدس الأقداس ومن الممكن الصعود إلى سقف المعبد ومشاهدة مناظر رائعة بانورامية للسد العالى ومقصورة قرطاسى من أعلى.. وقد قامت البعثة الألمانية بإنقاذ معبد كلابشة ونقله إلى مكانه الحالى بجوار السد العالى.
يتبقى لنا أن نزور الجزء المتبقى من جرف حسين الذى له حكاية سنذكرها فى حينها ثم نسير عبر طريق منحنى إلى أحد معابد رمسيس الثانى محتفظه بألوانه الزاهية ألا وهو معبد بيت الوالى وربما كان يسكنه أحد الأولياء الصالحين لذلك أطلق عليه اسم بيت «الولى» والتى حرفت إلى الوالى.. وكان أساساً منحوتاً فى الصخر ويعد باكورة أعمال رمسيس الثانى فى بلاد النوبة. أمر ببنائه وهو أمير فى الثانية والعشرين من عمره بعد حملة ناجحة لإخماد الثورة فى بلاد النوبة.. وتظهر الرسوم الملونة انتصارات رمسيس على السوريين والليبيين بمصاحبة طفليه، أما قدس الأقداس فقد دمرت تماثيله عندما تحول المعبد إلى كنيسة فى العصر المسيحى.
بهذا نكون قد انتهينا من زيارة المعابد التى تم إنقاذها من الغرق بواسطة اليونسكو استجابة للنداء الذى أطلقه وزير الثقافة آنذاك الفاضل الدكتور ثروت عكاشة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.