مستشفى 15 مايو التخصصي ينظم ورشة تدريبية فى جراحة الأوعية الدموية    اليوم، رئيس كوريا الجنوبية يلتقي السيسي ويلقي كلمة بجامعة القاهرة    تحذير عاجل من الأرصاد| شبورة كثيفة.. تعليمات القيادة الآمنة    رشا عدلي: أشعر بالفخر لكتابة رواية شغف.. ونجاحها إنصاف لزينب البكري    الصين تُبقي أسعار الفائدة دون تغيير للشهر السادس رغم مؤشرات التباطؤ    شاهد، أعمال تركيب القضبان والفلنكات بمشروع الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجريب في مجموعة " في تلك اللحظة " لخالد السروجي
نشر في نقطة ضوء يوم 06 - 11 - 2015

إن أهم ما يميز القصة القصيرة، أنها جنس أدبى قابل للتشكل والتعدد فى الشكل والمضمون، فضلا عن سهولة نشرها وقراءتها. هناك القصة القصيرة الطويلة، القصة القصيرة، القصة القصيرة جدا، القصة الومضة. ومن حيث البناء الشكلى هناك القصة الفقرة الواحدة، وأخرى المقسمة الى فقرات، وتلك التى تتشكل فى جمل قصيرة، بل وفى مفردات. كما أن هناك القصة القصيرة الحوارية والسردية بالكاملة ثم المزيج بينهما.
ومن حيث المضمون، فالقصة القصيرة قادرة على التعبير عن كافة المضامين الذاتية والعامة بالوصف الخارجى، وتعدد الضمائر، وتوظيف الأحلام والأسطورة، والإسترجاع والقفز على الآني إلى استشراف المستقبل.
بتلك الخصوصية تعكس القصة القصيرة وعي وتصورات كاتبها، وتكشف عن قدراته ورؤيته المتفاعلة مع الواقع، ومع تقنيات القصة واستشراف الجديد دوما، والأخير هى سمة التجريب، تلك السمة التي تسعى لإضافة لبنة إلى صرح ما كتب في القصة القصيرة العربية.
يعتبر القاص خالد السروجي من هؤلاء الذين يسعون في أعمالهم إلى إضافة لبنة جديدة إلى المنتج القصصي له، ولسيال القصة القصيرة العربي. تلك السمة الشخصية عند القاص، هي أكثر ما يلفت الإنتباه في نصوصه، إنها محاولات التجريب المستمرة في أعماله ما يجعلنا نبحث عن ملامح "التجريب" وخصائصه من خلال مجموعته القصصية "في تلك اللحظة".
ويبدو أن نزعة التجريب عند القاص فيها من القصدية الكثير، وهو ما عبر عنه أحيانا برغبته في تجاوز شكل حارة نجيب محفوظ والكتابة حولها وفي فلكها، وواقعية يوسف إدريس التعبيرية، وهي رؤية طموح للقاص الذي يمثل جيله الذي قد يبعد عن محفوظ وإدريس بجيلين قبله، مع العلم أن القاص بدأ النشر القصصي في أوائل عقد التسعينيات من القرن الماضي.
.. ربما يعبر عن مفهوم التجريب بأنّه حركة واعية وموقف نقدي من الحصيلة الثقافية للأمة، فهو ليس حركة عشوائية مبنية على الصدفة، بل هو نتيجة حتمية لتحولات الواقع وتغيراته، إذ "يتجاوز خروج النص التجريبي عن النص/النصوص السابقة، التقليدية منها والمغايرة، من حيث تقنياتها وقواعدها، حدود الرفض السلبي ليكون تعبيرا عن وعي عميق بتغير الواقع وتحوله من جهة، وموقفا من هذا الواقع ورفضا له من جهة ثانية. التجريب هو خلخلة للجاهز من الكتابة، ومن ثم فهو يرمي إلى خلخلة الجاهز من الوعي أيضا (على حد تعبير "ميسون علي" فى "الرواية العربية وفاعلية الاختلاف بين المرجع الحي وبنية السرد"). وينطبق على التجريب القصصي بالعموم.
لعل التجريب هو عملية تجاوز لما هو سائد على مستوى الشكل أو المضمون في الإبداع القصصي، هذا من جهة ومن جهة أخرى على مستوى الرؤيا والمضمون من جهة أخرى.
وقد نرصد محاولات التجريب عند السروجي مع شيوع مصطلح "الحساسية الجديدة" في الرواية. وأعني التوافق الزمني، لشيوع المصطلح، وهو ما يعبر عن وجود بعد إستشرافي جديد في مجموعة القيم والمفاهيم على المستوى الاجتماعي والثقافي والتاريخي ("ادوار الخراط" فى كتابه "الحساسية الجديدة مقالات في الظاهرة القصصية")، بمعنى أنها تفاعل التغيرات الاجتماعية والتاريخية في عملية الكتابة القصصية.
وقد ميزها "ادوار الخراط" عن الحداثة، فالحساسية الجديدة ترتبط بسياق تاريخي معين، أي أنّها ذات بعد زمني، في حين أن الحداثة تمثل البحث المطلق عن الحقيقة، فهي قلق مستمر وعملية تجاوز وخرق مستمر لما هو سائد. وهذا لا ينفي الرؤية والقدرات الخاصة للقاص ورغبته في التحقق والانجاز.
.. كما أن معجم "اللغة العربية المعاصر عرف "التجريب": هو "أحد مراحل عمليّة تبنِّي الأفكار المستحدثة يحاول فيه الفرد تطبيق الفكرة المستحدثة وتجديد فائدتها والتأكُّد من مناسبتها لظروفه الخاصّة."
ملامح التجريب في قصص المجموعة:
نستطيع تقسيم قصص المجموعة إلى أقسام داخليه، كل قسم يعد تعبيرا عن حالة تجريبية خاصة للقاص:
القسم الاول: هو الأربع قصص الأولى من المجموعة (الحارس - أيام السيد المجيدة - شطرنج- على مقهى التحرير) بدت القصص كائنات تبحث عن شيء ما، مهمومة بالخفي والظاهر، وغير قادرة على الصراخ الزاعق، فتتجلى ملامح القهر وأسبابه:
: قصة "الحارس".. يجلس "حامد" في المقهى يدخن الشيشة شاردا ويحتسي قهوة الصباح، وإلى جواره كلب ليس ككل الكلاب، ليس كلبه، لكنه التصق به، ودون إرادة منه، مجهولون وضعوا للكلب سريرا في غرفة نوم "حامد".. ثم ذهب معه عنوة الى عمله، وما عاد يبرحه الكلب كظله، ومنذ أن قرأ الرجل خبرا سياسيا في جريدة الصباح.. "فطاف في ذهنه أن بلاده ليست ديمقراطية، بل ولا أمل في أن تكون كذلك في المستقبل القريب، فلم يشعر إلا والكلب قد انقض عليه وعضه في ذراعه".
وكانت العضة الثانية، عندما شرد وهو داخل الحمام وإلى جواره الكلب، حيث اكتشف أن ما تبقى من الراتب الشهري لا يكفي احتياجاته لنهاية الشهر: "فشعر بالحنق، وتردد في نفسه أن اللصوص الرسميين وغير الرسميين لم يتركوا شيئا للناس".
.. وكانت العضة الثانية من الكلب! واحتذر "حامد" وأصبح همه الإبتعاد عن كل الخواطر. وحضر من جاء وأخذ الكلب منه وذهبوا معا. "ولم يندهش في الصباح التالي عندما لاحظ أن الناس في الشوارع يمشي كل منهم برفقة كلب!".
: قصة "أيام السيد المجيدة".. في يوم عيد تنصيب الرئيس، اغتالوه، لكنه لم يمت لأنه لم يبرح القصر لعشرين سنة سابقة، مات "البديل" تلك الظاهرة التي عرفت لبعض الرؤساء العرب. وسب الرئيس الجميع، من قتلوا البديل والمسئولين، ولم يعد يثق بهم، وكل من تزداد شعبيته يطيح به. حتى عندما واتته فكرة تولي ابنه الاكبر الرياسة منذ سنوات بعيدة، قتله واعتبروه شهيدا للوطن. ولا ينسى أحدهم خطاب توليه المسئولية، خصوصا جملته الشهيرة: "الحرية .. كل الحرية للشعب، ولا حرية لاعداء الشعب"!
بلغ الأمر أن سعى الرئيس إلى البحث عما يحقق له الخلود، وعاش حياته كصبي مغامر، وبقي رئيسا حتى قال له رئيس الوزراء إن الولايات المتحدة مستاءة من سياسته الداخلية غير الديمقراطية، فقرر أن يشكل أحد الوزراء حزبا للمعارضة، على أن يثبت له أنه "استحم".. "قدم استقالتك وكون حزبا معارضا، ولكن قبل ذلك أثبت لي أنك تستحم؟"
: قصة "شطرنج".. هي ثنائية منفصلة بين من يلعب "الشطرنج" ومن ينام إلى جوار أخيه بينما الجندي جاء كي يقبض عليه. ولأن اللعبة واحدة.. استطاع لاعب الشطرنج تهديد الملك "كش ملك"، ونجح الجندي في القبض على الاخ، ولم يعد الا جثة. وإن علق الأخ في نهاية اللعبة قائلا: "لا.. إنه لم يمت.. ما زال هناك مخرج".
: "على مقهى التحرير".. تعريف بعناصر لعبة الشطرنج ومصطلحاتها.. يلعبان بالأبيض والأسود، وبخطط دفاعية. إلا أن ما حدث مدهش وعجيب: "لون جديد بدأ يغزو الرقعة، لون أحمر قانٍ جعلنا نفتش في أنفسنا عن جروح الاحصنة الهائحة أصبحت تتصرف بلوثة".
ومع دوام اللعب نجح اللاعب الأبيض "كش ملك"، العجيب أن كل لاعبي الأبيض في المقهى كان يهلل منتصرا ويضحك: "خاصة عندما أدركوا صواب موقفهم من رفض عرض إنهاء الدور ب "الباطة" (أي بالتعادل). ما سبق هو الفصل الأول من القصة، أما الفصل الثاني بكامله مجموعة من النقط لعدة سطور!
.. قصص هذا القسم يرويها الراوي العليم، إلا أن هذا الراوي مأخوذ هو نفسه كما شخوصه.. فامتزج الحاضر بالغائب، الواقعي بالحلم، معتمدا على الإسترجاع تارة، والإسقاط مع التورية والترميز تارة أخرى. وهو ليحقق تلك الرؤية التجريبية: يوظف قواعد لعبة "الشطرنج" تارة، تشييد العالم الأسطوري تارة أخرى.
وهو ما تجلى في القصة الأولى، حيث أصبح "الكلب" معادلا للرقابة والحصار الخارجية، حتى على خصوصيات "حامد" في حجرة نومه. كما تبدى في القصة الثانية في شخصية "السيد" الأسطورية، بكل ملامحها الاستبدادية. وفي قصة "شطرنج" خطان متفاعلان بين من يلعب الشطرنج ويسعى لإنقاذ ملكه. بينما جاء من قبض على أخيه، ثم أخبروه بموته، إلا أنه يختم القصة "لا.. إنه لم يمت.. ما زال هناك مخرج"، بما يجعل القارىء يتساءل: هل يعني ملك الشطرنج أم عن مقتل أخيه؟! أما مفهوم الإنتصار المتعسف أو إقحام قوى أخرى (دموية وعنيفة) لتحقيق الإنتصار والغلبه فهو أمر مرفوض، بل يرفض إنهاء الدور "باطة" أي بالتعادل.. ليتشكل الفصل الأخير من القصة بمجموعة لا حصر لها من "النقاط السوداء".
*القسم الثانى: وفيه غلبة الشكل القصصى "قصص قصيرة جدا" عددها 13 قصة قصيرة جدا. يبدو للقارىء أن "السروجي" وجد في الشكل التجريبي فرصته للتعبير عن دواخلة البعيدة قبل القريبة. هناك البعد الصوفي كما في قصص "فجأة - الغني.."، وهو ما تجلى فيما بعد في العديد من أعمال القاص. كما يتضح البعد النقدي ما بين النقد الذاتي إلى النقد المجتمعي، كما في قصص "الحب – المطعون". ثم النقد السياسي كما في قصة "الإمام".
وفي مجمل القصص يستخدم القاص الرموز التاريخية تارة "النبي سليمان - جيفارا.." ويستخدم نفسه مشاركا وفاعلا في الحدث القصصى المطروح.. وهو ما أضفى البعد الاسطوري وملمح البحث عن الخفي من بين أشلاء الظاهر.
: نموذج قصة قصيرة جدا.. "فجأة"
( فجأة التفت فرأيته يلبس العمامة السوداء، الملفوفة فوق عمامة أخرى ملونة بالأبيض والأحمر. الطيلسان فوقه عباءة تميل للون البني الفاتح، يفوح منها رائحة مسك خفيف، تأكدت أني أعرفه).
القسم الثالث: وفيه قصص البعد النفسي ذات بعد تحليلي ورصد للنفس البشرية في حالات الخوف حتى الرعب.. ثلاث قصص.
: قصة "استلاب".. لم يكن "مودي" يعانى من الخجل والإنطوائية فحسب، وإنما من خوف مبهم يتحول إلى رعب.. عندما ماتت أمه بعد أبيه رفض أن يترك شقته.. تحولت الأشياء من حوله إلى كائنات غامضة.. فشل في تكوين الصداقات، وفضل قضاء الوقت في لعبة الشطرنج.. بمرور الوقت شعر بالرغبة في التحدث مع الناس، وتعرف على "مادي" أو هو شبيهه، ويفضل مجالسته بجوار المرآة. بمرور الوقت شعر "مودي" أنه بلا ظل ولا صورة له في المرآة، عندما أخبر صديقه قال الصديق: "لقد ضقت وسئمت أحاديثك المملة".
وفى مواجهة بينهما شك "مودي" أن "مادي" يحيك مؤامرة: فقد بدأ يتصرف داخل الشقة بسلوك غريب، دون مراعاة له، فشعر بالانزعاج، كأن يتسبب في تجميع الناس داخل الشقة، وفقد العزلة التي كان يعيشها، فلما اعترض، قال "مادي": "الآن ما عليك الا أن تصمت إلى الأبد".
وتنتهى القصة ليجىء دور المحلل النفسي!
: قصة "في تلك اللحظة".. لعلها امتداد ومعالجة للقصة السابقة، حيث كان المسلوب ممدا على فراشه، فاقد النطق والحركة، حتى شاهد "سالبه" يدخل من باب الحجرة، يطعمه في صمت ثم يخرج. بعد هذا التعريف والمدخل للقصة، يتوقف الزمن.. وتنقسم القصة إلى فقرات مطولة منفصلة، تبدأ كلها بجملة "في تلك اللحظة".
مع كل قسم من القصة، يعرف القارىء أن المسلوب مازال على سريره، بينما صالة الشقة تعج بالأصدقاء، ولا يستطيع الخروج إليهم، وأيضا يأتي السالب ليقدم له العشاء ليأكله المسلوب على مضض.. حتى كانت المرة التي أعلن فيها المسلوب تمرده، وعرض بعدها السالب كل وسائل الإنتحار! "ظل نظره مثبتا على باب الغرفة طويلا طويلا.. ثم في النهاية أسند رأسه إلى مخدة السرير ومات ونظره صوب الباب...".
: قصة "الآفاق".. هي قصة المسلوب أيضا لكنه هنا بعيدا عن غرفة نومه، إنه يسعى أن يكون مشاركا لأفراد أسرته الصغيرة والناس. لكنه يعاني كما حدث أن ذهب إلى شاطىء البحر وتابع أطفاله في مياه البحر.."قلق مبهم متوتر عندما يواجه إتساعا لا نهائيا كالبحر أو الصحراء أو السماء..".
وعندما أوقعه حظه العاثر في شقة بالدور السابع، روّض نفسه على عدم النظر والوقوف في الشرفة. الا أن المشكلة مع أطفاله، بعد أن شاهدوه ذات مرة يركب البلكونة وكاد يسقط منها؟! ومنع أطفاله من فتح باب البلكونة واعترض الجميع. ولم ينته الامر هينا، فقد أحضر من رشق الباب بالمسامير، وهو ما جعله يبتسم سعيدا، بل ابتسم له كل من كانوا يصدرون إليه الأوامر صغيرا وكبيرا.. بداية من أبيه مرورا بمدرسه وانتهاء برئيسه في العمل!
.. وعلى الرغم من وضوح البعد الذاتي النفسي لقصص هذا القسم، إلا أنه لا يخلو من البعد المجتمعي، بل وربما القهر السياسي. كما في الدعوة إلى "الصمت" في قصة استلاب"، والموت قهرا وغيظا في قصة "في تلك اللحظة"، وضيق ذات اليد والسكن في شقة بالدور السابع، وهو الذي يعلم خوفه بل مرضه من الأماكن المرتفعة.
*القسم الرابع لقصص التناص: القصة الاولى، وهي نص قصصي تناص فيه القاص مع نص "مونتانا" للقاصة المغربية "منى وفيق".
: قصة "مونيتا الثانية.. فيها من الشعرية الكثير، ليس في الصياغة بل وفي التناول والرؤيا والبعد الخفي الظاهر الذي يشكله "السروجي" في أعماله القصصية.
* أما قصة "كان بجانبي"، وهي الأخيرة في المجموعة، نص قصصي استرجاعي مع الأحداث التاريخية بمعنى ما. هاهو ذا "عادل" أحد الاخوة للراوي يشير الى نكسة 67، وقد شاب شعره ولقبوه ب "حمال الهموم".. بينما الرواي يشير إلى أن هموم "عادل" لم تكن حول النكسة.. ها هي الحروب والمذابح، بل سمع من إحدى القنوات الفضائية أن الوزير الاوغندي يؤكد ضرورة التفاوض من جديد حول مياه النيل.. وتتوالى الهموم، حتى كانت لحظة وداع عادل، كانت المقولة المثيرة للسؤال والحيرة: "أنا ذاهب لاحضار "كتاب النيل". وهو ما يبرر العنوان الرئيسي للقصة "كتاب النيل".
* إجمالا بدت محاولات القاص السروجي في التجريب باستخدام العديد من التقنيات:
.. أنسنة الاشياء/ الغور في أعماق النفس/ مزج الواقعي بالخيالي والمتوهم/ إبراز الروح الصوفية/ إستحضار الشخصيات التراثية.
.. ولتحقيق ذلك كانت المفردات المتقابلة (مودي ومادي) قصة "استلاب".. والمفردات المقسمة (مو- سا) قصة "عصا".
.. كما وظف القاص الألوان في أكثر من قصة لإبراز دلالات بعيدة: قصة "فجأة" "الطيلسان فوقه عباءة تميل للون البني الفاتح.. تأكدت أني أعرفه".
.. أما التوظيف الزمني، تبدى على شكل التنقيط بما يعنى مرور الزمن، كما في قصة "كان بجانبي".. أو لإستشراف المستقبل كما في قصة "على مقهى التحرير" (الفصل الثانى مجموعة من النقط فقط).
.. السرد قائم على العبارة المكثفة الدالة دون فضفاضة أو إزادة.
.. أما ما يلفت الإنتباه هو توظيف القاص لأسرار لعبة "الشطرنج" في أكثر من قصة، بل هناك قصة "شطرنج" (وأعلم أن للقاص رواية "الشطرنجي" التي عمق بها هذا التوظيف الفني للعبة ما).
.. إن أول ما يتبادر إلى الذهن بعد قراءة تلك المجموعة هو التساؤل حول مدى تمرد هذه النصوص على مفهوم النص القصصي التقليدي أو الشائع. وقد عمد القاص إلى صهرها في قالب (قوالب) جديد.
والآن يمكن الجزم بنجاح محاولات "خالد السروجي" في التمرد على عباءة الشكل القصصي السابق عند (محفوظ وإدريس) ولعلهما أهم محاور أشكال القص وأبرز معطيات القصة القصيرة بعامة خلال العقود الاخيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.