عاش الشعب المصري كله سعادة غامرة الأسبوع الماضي وهو يتابع النجاح الكبير الذي حققه مؤتمر دعم وتنمية اقتصاد مصر. وانبهر العالم كله بمستوي الإعداد والتنظيم والإدارة ومستوي الحضور والتمثيل. وما حققه المؤتمر من نجاحات سياسية واقتصادية. وعاشت مصر مكانتها العربية والإقليمية والدولية. أرسلت من خلالها رسالة واضحة للعالم كله ان مصر استيقظت وأنها كلها إصرار وإرادة علي دوران عجلة التنمية لتحقيق التقدم والازدهار. وشاهدنا كلنا قطاعات الدولة المدنية تقدم مقترحات بمشروعاتها التي تحتاجها مصر في الفترة القادمة. كما لاحظنا وجود الكثير من الدول المشاركة في المؤتمر إضافة إلي كبري الشركات العالمية ورجال الأعمال يؤكدون دعمهم للاقتصاد المصري ومشاركتهم في تلك المشروعات. وبدأ بالفعل توقيع عدد كبير من البروتوكولات والتعاقدات.. وكلنا أمل ان نعمل جميعاً علي قدم وساق لإنجاز كل الأهداف المطلوب تحقيقها علي أعلي مستوي من الجودة والدقة وفي أقل فترة زمنية ممكنة. وسوف ألقي الضوء في السطور التالية علي أحد الموضوعات المهمة وهو الزيادة السكانية المضطردة في مصر والتي وصلت إلي حوالي "90" مليون نسمة. ومدي تأثيرها علي التنمية المستقبلية.. وهذا الموضوع هو السبب الرئيسي في استحداث وزارة خاصة بالسكان في التعديل الوزاري الأخير.. لأنه من المهم جداً تنظيم عدد السكان وفقاً لمعدلات مقبولة وطبيعية. وتحقيق الاستفادة القصوي من كافة الكوادر البشرية المنتجة في جميع التخصصات. وعلينا ان ندرك أيضاً أننا في مصر نعاني من عدد كبير من التحديات الداخلية يتمثل أهمها في نسبة الأمية التي تجاوزت 30% ونسبة الفقر التي زادت علي 30%. ونسبة البطالة حوالي 13% أي حوالي "11" مليون مواطن بدون عمل. وهو أمر غاية في الخطورة لا يخفي علي أحد تداعياته الأمنية الجسيمة وتأثيره السلبي الشديد علي مشاعر الانتماء والولاء للوطن.. إضافة إلي العشوائيات بكل مشاكلها التي تجاوزت "1200" منطقة عشوائية.. وضعف مستوي التعليم الأساسي والجامعي.. وغير ذلك من المشكلات المتفاقمة. كما تعاني مصر من التحديات الخارجية التي تستهدف هدم مصر وتقسيم المنطقة بالكامل لأهداف إمبريالية صهيونية. وتهدف الرأسمالية العالمية إلي القضاء علي أي محاولات حقيقية للتنمية حتي تظل الدول النامية مجرد سوق لمنتجاتها. وقد يعتقد البعض ان الزيادة السكانية دائماً تكون معوقاً للتنمية. والحقيقة ان هذا الاعتقاد ليس سليماً دائماً.. لأن الأمر يحكمه عدة أمور من أهمها معدلات الزيادة السكانية. وهل هي في الحدود الطبيعية أم لا؟ وهل هؤلاء السكان مؤهلون علمياً وتدريبياً؟ وهل لديهم ثقافة العمل والإنتاج أم أن اهتمامهم يقتصر علي مجرد الاستهلاك؟ وخير شاهد علي ذلك العملاق الاقتصادي الصيني التي يتجاوز عدد سكانها الآن مليار وثلاثمائة مليون نسمة. ورغم ذلك أصبحت من أقوي اقتصاديات العالم. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلي أن الشعب الصيني لديه ثقافة العمل والإنتاج ويعمل بمنتهي الجدية والإصرار.. مما جعل معدلات النمو التي يحققها أعلي بكثير من معدلات الزيادة السكانية.. وهذا يعني بوضح ان هذا العدد الضخم من السكان يشكل قوة دافعة للتنمية ولا يعد معوقاً لها.. كما ان الصين تتبع علي التوازي سياسة متوازنة تطبقها بكل حزم لتنظيم الزيادة السكانية وفقاً لمعدلات طبيعية مقبولة. ولا شك ان أعباء الوزارة الجديدة لسكان ثقيلة جداً وتحتاج إلي جهود جبارة علي محورين أساسيين الأول هو كيفية تنظيم معدلات الزيادة السكانية. والثاني هو كيفية تحقيق أقصي استفادة من السكان بكل نوعياتهم وشرائحهم ومستوي تأهيلهم حتي يكونوا قوة دفع حقيقية للتنمية المستهدف تحقيقها. يتطلب وضع معدلات لتنظيم الزيادة السكانية إنشاء قاعدة بيانات متكاملة بالوزارة. لتحديد عدد السكان بدقة. وتقسيمه إلي شرائح عمرية. وتحديد معدلات النمو الحالية والمعدلات المستهدفة. وبيان الشرائح المنتجة في المجتمع وأعدادها. والعلاقة بين معدلات الزيادة السكانية ومعدلات النمو.. علي أن يتم تحليل هذه البيانات وغيرها تحليلاً دقيقاً حتي يمكن وضع السياسات والبرامج التنفيذية اللازمة لوضع تصور كامل لسياسة الدولة في تنظيم السكان. ولا يخفي علي أحد أن أهم صعوبة ستواجه وزارة السكان في هذا الأمر هي العادات والتقاليد والمعتقدات الدينية غير الصحيحة. حيث يري البعض ان تنظيم النسل مخالف لعقيدته الدينية.. كما ان البعض مازال يري ان كثرة عدد الأولاد عزوة وقوة ومصدر للرزق.. وأنهم يرزقون برزقهم وغير ذلك من المعتقدات. لذا من المهم جداً ان يتم إعداد استراتيجية إعلامية لتعديل هذه الأفكار المغلوطة بأسلوب علمي موضوعي يستهدف ترسيخ المفاهيم السليمة. ويتمثل المحور الثاني في تحليل نوعيات السكان وتصنيفهم إلي شرائح "أطفال/ شباب/ موظفين/ عمال/ قطاع خاص. ذكور وإناث. من هم في سن العمل/ كبار السن/ ذوو الاحتياجات الخاصة/ ..." ويهدف ذلك إلي تحديد أعداد القوي الإنتاجية بكل أنواعها في المجتمع.. ونوعية الإنتاج الذي يمكن ان تحققه كل شريحة من تلك المنتجة الشرائح حسب درجة ونوعية تأهيلها وتدريبها العلمي والفني. بغرض تعظيم الاستفادة منهم في تخصصاتهم. مع ضرورة إعادة الاهتمام بالصناعات اليدوية التي طالما اشتهرت بها مصر في مناطقها الريفية والصحراوية من خلال تعظيم وتشجيع المشروعات الصغيرة. من الأهمية بمكان ان تقوم وزارة السكان بوضع رؤيتها بالتنسيق الكامل مع جميع وزارات الدولة ومؤسساتها ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال.. والتنسيق أيضاً مع المجالس التخصصية الرئاسية ذات الصلة بما يكفل وضع استراتيجية متكاملة علي مستوي الدولة تحقق المستهدف منها. ونؤكد علي حتمية ربط التعليم في كل تخصصاته ومستوياته بالاحيتاجات الفعلية للدولة وفق برنامج زمني دقيق ومحدد.. وأيضاً سرعة حصر أعداد المؤهلين علمياً وفنياً الراغبين في العمل وإعادة تأهيلهم علي وجه السرعة في ضوء التخصصات المطلوبة للمشروعات التي أسفر عنها المؤتمر الاقتصادي للدفع بهم في سوق العمل .. حتي لا يضطر المستثمرون إلي استقدام عمالة أجنبية للعمل في مشروعاتهم في مصر.. وهنا تكون الطامة الكبري. ندعو بالتوفيق للدكتورة هالة يوسف وزير الدولة للسكان في هذه المهمة الشاقة.. وعلينا جميعاً حكومة وشعباً ان نتعاون ونتكاتف بإرادة حقيقية صلبة لا تلين.. فقد عانينا كثيراً.. وليس أمامنا رفاهية الاختيار أو البطء أو التراخي.. لأن التنمية الحقيقية لن تحدث إلا بسواعد وعقول أبنائنا وبمواردنا الطبيعية التي وهبها الله لأرض الكنانة.. ندعو الله من أعماق القلب ان يحفظ مصرنا الغالية وشعب مصر العظيم.