جاء في العنوان الرئيسي لجريدة الأهرام يوم4 أكتوبر أن الحكومة ستبدأ حوارا مجتمعيا يستمر حتي نهاية الشهر الحالي حول رؤيتها الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وبرامج الإصلاح وبما يحقق أهداف ثورة25 يناير, وذلك بمشاركة الوزراء وكل فئات المجتمع لصياغة رؤية شاملة للإصلاح خلال السنوات العشر المقبلة. وقد أثارني هذا الخبر وجعلني أفكر في أن اتقدم لسيادة الدكتور رئيس الحكومة بعدة تساؤلات: أولا: ما هو أسلوب مشاركة كل فئات المجتمع؟ وهل ستتم من خلال الأحزاب أم من خلال النقابات؟ وما هو دور الجامعات وخبرائها في صناعة الرؤية المرتقبة؟ ثانيا: هل يستهدف برنامج الاصلاح سكان مصر الحاليين أم سكان مصر عام2022 ؟ لأن حجم سكان مصر الحالي كما أعلنه رئيس الجهاز للتعبئة العامة والإحصاء قد وصل إلي91 مليون نسمة.. منهم83 مليون نسمة بالداخل و8 ملايين بالخارج.. وهذا الحجم لابد أن يختلف عن حجم سكان مصر المتوقع عام2022 في ظل حجم مواليد يزيد عن مليوني مولود سنويا.. وعلي ذلك فالحجم المتوقع للسكان بالداخل سيزيد علي100 مليون نسمة عام2022 أي أن الزيادة المتوقعة للسكان خلال السنوات العشر أي خلال مدة برنامج الاصلاح في حدود20 مليونا أي في حدود حجم سكان أستراليا أو اليمن. ثالثا: هل سيتضمن برنامج الإصلاح سياسات أو برامج لرصد ودراسة الأوضاع السكانية ودراسة تداعيتها واسلوب ضبطها؟.. وخاصة أن الاجهزة والهيئات المعنية بالسكان في مصر أصبحت شبه مغلولة الأيدي لأنها لاتعرف رؤية الحكومة بشأن القضايا السكانية. إن الأمر خطير واستمرار الأوضاع السكانية علي هذه الوتيرة يمكن أن يهدد أمننا القومي ويهدد أي أمل في النهضة التي نأملها فإذا كانت الحكومة وخبراؤها يرون بحق وطبقا لحقائق علمية أن لدينا الوفير من الموارد وإذا كانت الدولة قادرة علي توفير احتياجات السكان الحاليين والقادمين الجدد من الغذاء والخدمات التعليمية والعلاجية والإسكان وفرص العمل الحقيقية كما وكيفا فمرحبا ومرحبا بالزيادة السكانية.. أما اذا لم يكن الوضع كذلك فان الأمر يحتم علي الحكومة وقفة لتدارس هذه الأوضاع وتداعياتها.. علي حجم الدعم المطلوب علي مستوي الفقر وعلي العشوائيات والإسكان, علي البطالة علي نسبة استيعاب الطلاب في المدارس والجامعات علي الخدمات العلاجية وعلي جميع الأزمات التي شملها برنامج ال100 يوم للرئيس مرسي ألا وهي رغيف العيش والمرور والوقود والنظافة.. واخيرا علي العجز المائي الذي يزداد عاما بعد عاما.... الخ. إن التخطيط العلمي للمستقبل لابد أن يعتمد علي الحقائق والإحصاءات, كما يجب العمل علي تعظيم الاستفادة من تجارب الدول الأخري.. فبعد الثورة الإسلامية في إيران هوجمت السياسات السكانية وبرامج تنظيم الأسرة وبالتالي ارتفع عدد ومعدلات النمو السكاني مما دعا قادة الحكومة آنذاك إلي مناقشة الوضع مع الإمام الخوميني وشرح خطورة الوضع السكاني والاقتصادي والاجتماعي علي مستقبل الشعب الإيراني ورفاهيته.. مما دعاه إلي اصدار فتوي بمشروعيه تنظيم الأسرة وعلي أثرها اعتمدت الحكومة برامج تتيح استخدام وسائل لاتستخدم في مصر.. وحققت هذه البرامج نجاحات في فترة قصيرة يشهد لها العالم.. حيث انخفضت أعداد ومعدلات المواليد.. هذا بالاضافة إلي تجارب دول النمور الأسيوية والتي لم تكن لتحقق ما تحقق من نهضة اقتصادية واجتماعية دون التحكم في معدلات النمو السكاني. إن النظرة إلي الشارع المصري سواء في القاهرة أو في المحافظات تعكس خطورة بعض جوانب الأوضاع السكانية التي آمل أن تضعها الحكومة والخبراء المعنيين عند صياغة الرؤية الاستراتيجية المستقبلية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وبرامج الإصلاح.. خاصة إن الدراسات متاحة والإحصاءات متاحة والخبراء المعنيون لهذه القضايا متاحون في العديد من الجامعات. أن أحد أسباب عدم تحقيق خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال الستينيات في مصر وفي العديد من الدول النامية فيما يتعلق بهدف مضاعفة متوسط دخل الفرد يرجع إلي حد كبير إلي إن هذه الخطط لم تأخذ في حساباتها النمو السكاني خلال فترة تنفيذ الخطة ولم تأخذ في حساباتها كذلك أهمية رصد هذه الأوضاع السكانية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية من أجل التعامل معها بما يضمن تحقيق أهداف هذه الخطط. المزيد من مقالات د. هشام مخلوف