يسابق اللبنانيون الزمن قبل يوم السبت المقبل، نهاية المهلة القانونية للترشح للانتخابات النيابية المقرر إجراؤها فى 16 يونيو المقبل، التى لم يحدد مصيرها حتى الآن بسبب الاختلافات الجذرية بين القوى والتيارات اللبنانية حول قانون الانتخاب المقترح سواء "الأرثوذكسى"، "الستينى"، "المختلط". وتعقد لجنة التواصل النيابية اجتماعاتها بشكل متواصل برئاسة رئيس مجلس النواب اللبنانى نبيه برى، على أمل التوصل إلى توافق ما، حول قانون الانتخاب، حيث عقدت اجتماعين يومى السبت والاثنين الماضيين (18-20 مايو الجارى)، على أمل الوصول بجلسة عامة للبرلمان بعد غد الخميس، لإقرار قانون انتخابى، وسط رفض تيار المستقبل وحلفائه لسياسات برى، الذى يصر على أن يكون جدول أعمال الجلسات النوعية للجان خاصا بالقانون الأرثوذكسى، الذى تتبناه قوى 8 آذار. وفى ضوء حال الانقسام النيابى، يرى المراقبون أن جلسة الخميس المقبل -التى يعول عليها الجميع للخروج من الأزمة- قد تتخذ قرار بالتمديد التقنى لمجلس النواب لفترة تتراوح بين 8 إلى 9 أشهر، كما حدث فى عام 2004، مما يدفع البلاد نحو مزيد من الفراغ الدستورى والسياسى. ولتفادى ذلك الفراغ دعا وزير الداخلية مروان شربل، لإجراء الانتخابات على أساس قانون الستين فى موعدها، بقوله: "لدينا قانون موجود هو القانون النافذ، وإذا لم نتفق على أى قانون آخر علينا التحضير لإجراء الانتخابات على أساسه". اللعب بورقة الاستقرار وفى خضم السجال السياسى الدائر على الساحة اللبنانية، طفت على السطح لغة التهديد والابتزاز السياسى واللعب بورقة الأمن والاستقرار من قبل قوى 8 آذار وحزب الله، وكانت آخر حلقاته السبت الماضى، حينما تمسك رئيس مجلس النواب نبيه برّى بتفرده فى توزيع جدول أعمال الجلسة العامة التى عقدت الاثنين الماضى وحصره ب"المشروع الأرثوذكسى"، رغم عدم موافقة هيئة مكتب المجلس على ذلك، فى مخالفة للنظام الداخلى والأعراف، ونكوصا بوعوده التى كان قطعها فى شأن التركيبة الميثاقية اللبنانية فى الإجمال. خيار وسط وفى المقابل تواصل قوى 14 آذار مشاوراتها بين مكوناتها الأساسية ومع زعيم "جبهة النضال الوطنى" النائب وليد جنبلاط للاتفاق على موقف موحّد وتقديم اقتراح واحد بتعديل "المشروع الأرثوذكسى" لإسقاط الفصل المذهبى منه وجعله مختلطًا، مما يؤدى إلى إنقاذ البلد من محنة كبرى، وإما الانسحاب من جلسة التصويت على ذلك المشروع، وخصوصًا من قِبَل نواب كتلتى "المستقبل" و"الحزب الاشتراكى"، إضافة إلى الرئيس نجيب ميقاتى والوزيرين محمد الصفدى وأحمد كرامى والنواب المسيحيين المستقلين فى 14 آذار. وتحدد الساعات القليلة المقبلة مصير الحياة السياسية اللبنانية التى تشهد خلطا كبيرا للأوراق بين الفرقاء، ومن أولى القوى التى يتحدد مصيرها قبل موعد الجلسة العامة المقررة الخميس المقبل؛ قوى 14 آذار، فإما أن تعيد تكوين نفسها من خلال اتفاقها على مشروع مختلط موحّد بين قواها ومع النائب جنبلاط، وإما أن ينفرط عقدها مع ذهاب حزبى "الكتائب" و"القوّات اللبنانية" إلى التصويت على "المشروع الأرثوذكسى" ويُقاطع الباقون. مقترح القانون المختلط الذى بات بديلا قويا يحظى بالأكثرية فى ضوء توافق كتل "المستقبل" و"القوات" و"جبهة النضال" مع بعض النواب المستقلين، وينص على أن تكون نقطة الارتكاز فى المشروع، فى جعل 55% من المقاعد النيابية ينتخب على أساس الأكثرية، و45% على أساس النسبة، كذلك ذُلِّلَتْ بعض العقبات فى شكل الدوائر الانتخابية، سواء على مستوى الأكثرية أو النسبية. ووسط تلك الحالة، يحاول نبيه برى وحزب الله وقوى 8 آذار، إخراج مقترح القانون المختلط من سياق جلسة الخميس المقبل، إلا أنه أمام ذلك لم يبق أمام قوى 14 آذار إلا الركون على "الجانب الميثاقى"، ومقاطعة الجلسة لإفقادها الجانب الميثاقى (النص على مشاركة كافة طوائف المجتمع فى القرارات الحاسمة)، حيث أعلنت كتل أساسية تمثل مكونات رئيسية فى لبنان ك«السنّة» و«الدروز» عدم حضور الجلسة العامة للمجلس النيابى إذا كان المشروع الأرثوذكسى بندًا وحيدًا على جدول أعمالها، وهذا ما يفقد هذه الجلسة صفتها الميثاقية، لو انعقدت بغياب هذه المكونات الرئيسية. ويبقى أمل آخر؛ وهو خيار اللجوء لتمديد قانونى طويل الأمد لولاية المجلس النيابى الحالى، على غرار التمديد القسرى الذى شهده المجلس النيابى فى الفترة الفاصلة بين اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 وصولا إلى عام 1992، تاريخ إجراء الانتخابات النيابية الأولى بعد اتفاق الطائف. المواجهة من جديد وفى سياق متصل، أيقظ الانقسام اللبنانى على قانون الانتخاب، خصومة مسيحية قديمة-جديدة، منهيا شهر عسل لم يدم طويلا بين حزب «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع، و«التيار الوطنى الحر» برئاسة النائب ميشال عون، بعد تقديم جعجع مع تيار 14 آذار مقترح المختلط، مخالفا اتفاقات مسيحية سابقة بدعم القانون «الأرثوذكسى»، الذى ينص على أن تنتخب كل طائفة لبنانية نوابها حصرا، وأعاد الخلاف، وما تبعه من اتهامات جاءت على لسان عون وفريقه ل«القوات» وجعجع ب«خيانة المسيحيين» و«التفريط فى حقوقهم»، فيما يتهم جعجع عون بممارسة «حرب الإلغاء».. من جديد.