يعيش اللبنانيون هذه الأيام مرحلة من الممكن أن نطلق عليها مرحلة «الاختيارات الحاسمة» ،ففي محاولة أخيرة للتوصل إلى توافق حول قانون الانتخابات، يواجه مجلس النواب اللبناني الاختيار ما بين أمرين، أما قانون جديد للانتخابات، وإما على مشروع قانون تمديد للمجلس النيابي لإفساح المجال أمام مواصلة البحث في قانون انتخابي توافقي يسمح لرئيس المجلس بدعوة الهيئة العامة لإقراره قبل 20 مايو الحالي. لكن المعطيات المتوفرة التي أفرزتها الجلسات المتتالية التي عقدت على مدار الأيام الماضية، لا توحي بوجود خريطة طريق واحدة عما ستؤول إليه الأمور في هذا الملف الصعب، والذي يهدد المؤسسات الدستورية. خلاف حاد كان رفع رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري يوم الأربعاء 15 مايو الجلسة العامة التي كانت محددة لإقرار قانون جديد للانتخابات وسط خلافات حادة بين الأطراف السياسيين، الأمر الذي يهدد بتأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في يونيو وتعميق الانقسامات السياسية في البلاد. ويسعى الأفرقاء السياسيون في لبنان منذ أكثر من سنة إلى التوافق على بديل للقانون الانتخابي النافذ حاليا والمعروف باسم «قانون الستين»، كونه يعود إلى الستينات، والذي ترفضه غالبية القوى السياسية، وخصوصاً المسيحية منها. ويؤخذ على هذا القانون أنه يعتمد الأكثرية في دوائر مختلطة تذوب في عدد كبير منها أصوات المسيحيين الذين يمثلون 34% تقريبا من السكان. وكان يفترض أن يناقش النواب يوم الخميس 16 مايو مشروع قانون معروف باسم «قانون اللقاء الارثوذكسي» ينص على أن ينتخب كل لبناني نواب المذهب الذي ينتمي إليه وأثار جدلًا واسعا في الأوساط السياسية. فيما رفضته الأوساط الثقافية والنخبوية بحجة أنه يكرس الطائفية والمذهبية في لبنان، كما عارضه أركان رئيسيون في المعارضة، وأبرزهم تيار المستقبل بزعامة النائب السني رئيس الحكومة السابق سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط ومستقلون، حظي المشروع بتأييد قوى الغالبية الحكومية، وأبرزها «حزب الله» وحركة «أمل» الشيعيين، وتكتل التغيير والإصلاح بزعامة النائب المسيحي ميشال عون، إضافة إلى تاييد الأحزاب المسيحية المعارضة. إلا أن حزب القوات اللبنانية المسيحي تمكن قبل ساعات من بدء جلسة البرلمان من الاتفاق مع حليفه تيار المستقبل ومع جنبلاط على صيغة لقانون انتخابات آخر أطلق عليه اسم «القانون المختلط» يقوم على تقسيم الدوائر الانتخابية بين النظامين الاكثري والنسبي. وبانسحاب القوات اللبنانية من تأييد «قانون اللقاء الارثوذكسي» ، "نسبة إلى اسم التجمع السياسي الذي وضع صيغة القانون"، لم يعد يحظى بأكثرية تمكن من تمريره في مجلس النواب. نتيجة ذلك، أعلن بري رفع الجلسة العامة "نظرا غلى التطورات التي حصلت وحرصا على التوافق العام"، استنادًا إلى بيان صادر عن مكتبه الإعلامي. وحدد الساعة السادسة من، مساء الجمعة، موعدا لجلسة عامة جديدة، على أن يتم في غضون الأيام المقبلة السعي إلى توافق على قانون جديد. وفي وقت سابق هذه السنة، علق مجلس النواب مهل الترشح للانتخابات في انتظار التوصل إلى قانون جديد، حتى 19 مايو ، مما يعني أنه في حال عدم إقرار قانون جديد، سيجد اللبنانيون نفسهم أمام خياري العودة إلى القانون القديم أو تمديد ولاية البرلمان المؤلف من 128 نائبا موزعين مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وهذا الخيار الأخير هو المرجح. خيارات نيابية ورأت مصادر نيابية شاركت في اجتماعات مجلس النواب اللبناني أن إمكانية التوصل إلى اتفاق على قانون شبه مستحيلة، وان المنطق القانوني سيدفع بعدد من الكتل الرافضة لقانون الستين إلى تقديم ترشيحاتها على أساس هذا القانون، مشيرة إلى أن الأيام المتبقية من نهاية هذا الشهر، هي التي ستحدد مسار الأحداث القادمة المتعلقة بالانتخابات النيابية التي يجب أن تحصل قبل 19 يونيو المقبل موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي. وقالت المصادر نفسها أن إمام النواب ثلاث خيارات، أفضلها الاتفاق على قانون جديد للانتخابات وهذا أصبح صعبا جدا بعد حفلة المزايدات والشروط المضادة التي وضعها ممثلي الكتل النيابية على كل الاقتراحات أو مشاريع القوانين التي نوقشت، حيث كان ينطلق هؤلاء من حسابات الخسارة والربح مع أي مشروع قانون يتم طرحه. الخيار الثاني هو مشروع قانون بالتمديد للمجلس النيابي الحالي قبل أخر شهر مايو الحالي، لمدة يتم الاتفاق حولها ولا تقل عن عام واحد، ولكن تبين أيضا ومن خلال المناقشات داخل اللجنة على انه لا يجرؤ أي فريق من الافرقاء من التقدم بمشروع قانون للتمديد، مع أن معظم القوى تؤيد هذا الخيار باستثناء العماد ميشال عون، لأنه يخشى أن يسري هذا الأمر على التمديد لاحقا لرئيس الجمهورية الحالي ميشال سليمان، في حال تعذر القوى السياسية الأساسية الاتفاق على مرشح رئاسي قبل مايو 2014. أما الخيار الثالث فهو الذهاب إلى الانتخابات وفق قانون الستين الحالي المرفوض، اقله علنا من معظم الكتل في 14 اذار والذي يرى فيه التيار الوطني الحر خيارا أفضل من خيار التمديد، لكن الثنائي الشيعي يراه غير قانوني، خاصة وانه ينص على وجود هيئة الإشراف على الانتخابات وهذه لم تشكل بعد، وان إجراء الانتخابات بحاجة إلى أموال غير متوفرة، إضافة إلى عدم وجود قيود أيد متعلقة باقتراع المغتربين حسب ما تنص عليه التعديلات التي أدخلت على هذا القانون في وقت سابق. ورأت هذه المصادر أن من مخاطر الذهاب إلى انتخابات وفق هذا القانون أي قانون الستين الساري المفعول، والذي لا يلغيه إلى قانون أخر وهذا غير متوفر حتى هذه اللحظة، هو موقف الثنائي الشيعي الذي يرفض أن تجرى الانتخابات على أساسه، ولكنه لم يقرر بعد ما يمكن أن يكون عليه موقفه بانتظار معرفة ما إذا كان هذا الخيار سيصبح الخيار الوحيد أمام اللبنانيين. إرادة الشعب وعلى جانب أخر حذر الرئيس اللبناني ميشال سليمان ، من تجاوز إرادة الشعب في اختيار ممثليه ووكالته لهم للمدة المحددة في القانون الذي تمت الممارسة الديمقراطية على أساسه، وعدم اللجوء إلى تأجيل الاستحقاقات الدستورية وتمديد ولاية المجالس المنتخبة، فالاستحقاقات الدستورية وجدت لتحترم وعدم احترامها يترك سمعة سيئة على لبنان، ودعا النواب إلى الانكباب على إنجاز قانون انتخابي بدلاً من إهدار الفرص في المهاترات السياسية ولغة الشتم والتخوين المتبادل. ومن جانبه نفى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري رغبته في التمديد للبرلمان ولو ليوم واحد، وأوضح في تصريح سابق له، أن التوصل لاتفاق على قانون الانتخابات وتحديد موعدها سيسهل عملية تشكيل الحكومة الجديدة، أما إذا لم يكن هناك انتخابات وجرى تمديد لمجلس النواب فإن تشكيل الحكومة سيأخذ مرحلة طويلة. وشدد بري على ضرورة التوصل إلى توافق على قانون الانتخاب، محذرا من الفراغ لأنه يشكل خطرا كبيرا؛ يشار إلى أن بري يترأس شخصيا الاجتماعات التي تعقدها اللجنة البرلمانية الفرعية منذ ثلاثة أيام وبمعدل جلستين يوميا والتي تضم ممثلين عن جميع الكتل والتيارات بهدف التوافق على قانون انتخاب جديد. ونحو هذا الصدد أعرب عضو البرلمان اللبناني بطرس حرب عن تخوفه من أن يكون هناك مخطط لإيقاع لبنان في الفراغ الدستوري بعد الفشل في التوصل إلى قانون انتخابات توافقي وفي التشكيل الحكومة الجديدة. واعتبر حرب - في تصريحات له - أن مشروع قانون الانتخابات المختلط الذي توصلت إليه قوى 14 آذار مع النائب وليد جنبلاط ليس النظام المثالي لكنها تبنته للخروج من مأزق مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي الذي ينص على أن ينتخب المسيحيون نوابهم والمسلمون نوابهم. وحول إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه لن يدعو إلى جلسة عامة في حال لم يحدث توافق على قانون انتخابي جديد، رفض حرب توقف العمل البرلماني في حال عدم التوافق ، داعيا الى التمسك بالممارسة الديمقراطية وتفعيل الأحكام الدستورية وطرح اقتراحات القوانين على التصويت. وبشأن تشكيل الحكومة اللبنانية، أوضح حرب أن رئيس الوزراء المكلف تمام سلام يأخذ في الإعتبار التعقيدات السياسية ويبني موقفه على ذلك ، داعيا السياسيين إلى التوقف عن ابتزاز رئيس الحكومة المكلف بالمطالبة بامتيازات في الحكومة الجديدة. من جهته، اعتبر وزير الداخلية اللبناني مروان شربل أن النقاش تحول في اللجنة البرلمانية الفرعية التي تعقد اجتماعات مفتوحة إلى التمديد لمجلس النواب بدلا من إيجاد قانون انتخابات. وأكد أنه في حال لم يتم التوافق على قانون جديد فانه سيعتمد القانون الحالي المعروف بقانون «الستين» نسبة إلى صدوره عام 1960 والذي ترفض معظم الكتل إجراء الانتخابات على أساسه.