استمراراً للجدل الدائر حول قانون الانتخابات اللبناني ، جاء إقرار اللجان المختصة في البرلمان اللبناني أمس الثلاثاء لمشروع القانون الجديد الذي ستجري على أساسه الانتخابات النيابية في يونيو المقبل ليشعل الجدل ويزيد الانقسام من جديد . وهذا هو قانون اللقاء الأرثوذكسي الذي يقضي بأن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة، تنتخب كل طائفة ممثليها وتُعتمد على أساسه النسبية في العملية الانتخابية.
وقد انقسم النواب اللبنانيون المتنافسون في موقفهم من صياغة قانون انتخابي قبل الانتخابات البرلمانية في يونيو حزيران 2013 مما يزيد من حدة التوتر السياسي في البلاد.
وصوّتت كل الأحزاب والتيارات السياسية مع القانون بعد انسحاب نواب تيار المستقبل الذي يرأسه رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، ونواب الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط والنائبين المستقلين روبير غانم وبطرس حرب.
ويُنتظر أن يدعو رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجلسة للهيئة العامة لمجلس النواب يتم التصويت خلالها على مشروع القانون ليصبح نافذا إذا نال أكثرية الأصوات.
أسود وأبيض وكان الرئيس اللبناني أكد في أكثر من مرة رفضه مبدأ القانون الأرثوذكسي ، وهو ما يعطيه حق الاعتراض عليه دون إسقاطه نهائيا حال رفعه إليه، إذا جرى إقراره رسميا من قبل مجلس النواب.
وهناك انقسام بين الأطراف السياسية حيال هذا المشروع ، ويقود الأولى نواب كتلة المستقبل الذين يعتبرون أنّ هذه الصيغة تؤدي إلى تشتيت البلاد وزيادة الشرخ وتحويله إلى جماعات مذهبية تفاقم الأوضاع المتوتّرة. أما الثانية فيتزعمها نواب التيار الوطني الحر برئاسة النائب ميشال عون، ممن يراهنون على تحصيل حقوق المسيحيين وعدم المساومة على المشروع الأرثوذكسي، ورفض أي طرح لا يؤمّن المناصفة الفعلية، لمخالفته الدستور.
ففيما اعتبر سعد الحريري أن إقرار مشروع اللقاء الأرثوذكسي في اللجان المشتركة "يوم أسود في تاريخ العمل التشريعي"، بشّر النائب آلان عون عضو تكتل "التغيير والإصلاح" الذي يرأسه العماد ميشال عون، اللبنانيين بأنّه "تم قطع مسافة كبيرة في الطريق من أجل إجراء الانتخابات تبعاً لقانون جديد رغم محاولات البعض لعرقلة النقاش إلا أن الديمقراطيّة انتصرت وتم إقرار مشروع القانون الأوثوذكسي" .
واعتبر رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون أن اليوم هو الأنصع بياضاً في تاريخ لبنان، مضيفا "نحن سعيدون لأننا حققنا هذا الإنجاز، وأقول إنه لن يكون هناك احتكاك بين الطوائف لأن المنافسة ستكون داخل الطائفة الواحدة ، والمستفيدون من الخلل الذي كان قائماً لن يفرحوا بما أقر اليوم" .
وينص مشروع القانون الجديد أيضا على أن يصبح عدد نواب البرلمان اللبناني الجديد 134 أي بزيادة نائبين للأقليات المسيحية، ونائب كاثوليكي، ونائب درزي، ونائب شيعي ونائب سني، بعد أن كان يضم 128 عضوا.
ووفق التوزيع الطائفي السياسي المعتمد منذ عام 1989، فإن مقاعد البرلمان اللبناني ال 128 موزّعة مناصفة بين المسلمين والمسيحيّين وفق الحسابات التالية: 28 للسنّة، 28 للشيعة، 34 للموارنة، 14 للأرثوذكس، 8 للدروز، 8 للكاثوليك، 5 للأرمن، 2 للعلويّين، ومقعد واحد للأقلّيّات .
ويختلف مشروع قانون "الأرثوذكسي" عن نظيره الذي جرت على أساسه الانتخابات النيابية الماضية في عام 2009 والمعمول به حاليا في أن القانون الحالي ينص على تقسيم البلاد وفقا للمناطق على أن تقسّم العاصمة بيروت إلى 3 دوائر مما يجعل عدد الدوائر بشكل عام 24 دائرة انتخابية.
هذا وقد أكد عضو كتلة "الكتائب اللبنانية" النائب إيلي ماروني الحرص على تحالف قوى 14 آذار لأنه مبني على ثوابت ومبادئ وعلى دماء شهداء، وقانون الانتخاب يجب أن لا يفسد في هذا التحالف قضية.
وقال ماروني :"على الرغم من كل الأقاويل والمواقف العفوية متمسكون بوحدة 14 آذار". وأيد ماروني في حديث لإذاعة "لبنان الحر" "أن الكرة الآن في ملعب النائب وليد جنبلاط الذي عليه أن يسلم بمشروع الدوائر الصغرى مع بعض التعديلات"، مشيرا إلى "أن باب التواصل مفتوح على مصراعيه، وهناك محاولات مستمرة للوصول إلى قانون توافقي، وحتى الرئيس نبيه بري يشدد على هذا الأمر، فلذلك هناك مشاريع عديدة بديلة عن الأرثوذكسي مطروحة كالدوائر الصغرى والقانون المختلط". وأضاف :"حاضرون للتوافق مع تيار المستقبل" حليفنا الأول إذا كان جنبلاط حاضرا للسير بهذا التحالف وبهذه التقسيمات الانتخابية.
واعتبر ماروني انه "من حق رئيس الجمهورية أن يطعن بأي قانون يراه لا يؤمن الثوابت المؤتمن عليها في الدستور". وأشار إلى أنه "يتم الحديث اليوم عن تأجيلٍ تقني للانتخابات لبضعةِ أشهر، لأن أيَّ قانونٍ جديد يستدعي التأجيل لأسبابٍ لوجستية". وختم ماروني :"إذا اقر المشروع الأرثوذكسي وقبل طعن رئيس الجمهورية عندها علينا كنواب متابعة مساعينا من أجل الوصول إلى قانون آخر يؤمن التوافق اللبناني - اللبناني".
ضد القانون ومواكبة لإقرار مشروع القانون عبر اللجان النيابية، أطلق عدد كبير من اللبنانيين حملة واسعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعنوان "أنا ضد قانون اللقاء الأرثوذكسي"، معتبرين أنّه قانون طائفي يعزّز الانقسام بين اللبنانيين.
وكتبت رنا زنتوت على حسابها الخاص على تويتر:"بعد 22 سنة من نهاية الحرب اللبنانية الطائفية، لن نقبل بقانون تفتيت لبنان". وكتبت خديجة العمري:" الأرثوذكسي كشف كتير من الأقنعة المزيفة التي ما انفكت تنادي بالعيش المشترك والوحدة الوطنية". ودعت جمعيات المجتمع المدني مساء أمس لاعتصام، أمام مجلس النواب، في وسط بيروت للتعبير عن "غضبها من إقرار مشروع القانون الأرثوذكسي في اللجان المشتركة".
فمشروع قانون "اللقاء الأرثوذكسي" يقوم على اعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة على قاعدة النسبية، على أن تنتخب كل طائفة نوابها فقط بحسب المادة الثانية منه، وهو ما سيؤدي بحسب رافضيه لتكريس الطائفية والمذهبية ووضع اتفاق الطائف الذي رسم معالم الحياة السياسية بلبنان في مهب الريح.
التأجيل وتدل المؤشرات المحيطة بالنقاش الجاري حول قانون الانتخابات على أن ثمة رغبة لدى بعض الأطراف وضع عراقيل سياسية وتقنية وربما قانونية، للوصول الى عدم إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري. وتأتي هذه الإشارات برغم المساعي الحثيثة الجارية لإجراء الاستحقاق في وقته، عبر إقرار قانون جديد على أنقاض قانون الستين الذي أعلنت جميع القوى السياسية وفاته. ولأنّ وزير الداخلية مروان شربل كان ألمح إلى إمكان اللجوء إلى ما أسماه "تأجيل تقني" لهذا الاستحقاق، وهذا مما أدى بالعديد من النواب وبعض وسائل الإعلام للتداول في الصيغة القانونية التي يمكن اعتمادها للتأجيل ، لا بدّ من الإشارة إلى أنه لا مسوّغ قانونياً لهذا "التأجيل التقني"، وذلك لكون الانتخابات النيابية محكومة بنصوص دستورية وقانونية لا يمكن تجاوزها.
وتنصّ المادة 42 من الدستور على أن تجري الانتخابات العامة لتجديد هيئة المجلس في خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء الولاية. وهذا النص الدستوري لا يمكن اختراقه بقانون عادي ، كما تنصّ المادة 27 من الدستور على أن "عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه". فعندما تجري الانتخابات النيابية تتحدّد مدة وكالة التمثيل للأمة عبر قانون الانتخاب.
طوارئ سياسية وكوسيلة لاعادة اللبنانيين إلى الحوار ناشد وزير المال اللبناني محمد الصفدي الرئيس ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري بما يمثلانه من رمزية مسيحية وشيعية إلى إعلان حال طوارئ سياسية تعيد اللبنانيين إلى الحوار وتضع فوق الطاولة العقد الوطني لمناقشته وللبحث في كل الهواجس دون تردد أو مواربة.
واعتبر في بيان له اليوم أن مواجهة الحقيقة وحدها تصحح الخطأ وترسم طريق الصواب بينما الكذب والمكابرة والتحدي واستجلاب أزمات المنطقة إلى داخل الوطن لا تأتي إلا بالخراب.
ولفت إلى أن وحدة اللبنانيين هي الخاسر الأكبر بعدما أقرت اللجان النيابية المشتركة قانون الانتخابات على أساس مذهبي بحيث لم ينتصر الفريق المسيحي ولا الفريق الشيعي بل انتصر خوفهما على المصير إلى حد الانفصال عن الشريك السني بحجة الدفاع عن الحقوق.
وأقر الصفدي بأن القوانين الانتخابية التي طبقت منذ العام 1992 وما نتج عنها مسياسات أجحفت بحق المسيحيين ولكنها كانت مجحفة بحق كل لبنان لأنها كرست الهيمنة الطائفية على الحياة السياسية والعامة وأوجدت تباعدا بين اللبنانيين وولدت لدى قسم كبير منهم شعورا بالإحباط وشجعت على الفساد وأضعفت الأمل بقيام دولة مدنية يتساوى فيها المواطنين دون تمييز.
وفي النهاية نتساءل هل يتمكن النواب اللبنانيون من الاتفاق على قانون جديد للانتخابات ينبثق عنه مجلس نيابي جديد، وتنبثق عنه حكومة أكثرية منسجمة وقادرة على بناء دولة حديثة؟ .