أثار انقسام النخبة الحاكمة فى لبنان على مشروع قانون انتخابى جديد، مخاوف الكثيرين من عودة شبح الحرب الأهلية للبلاد. وتقدم نائب رئيس الوزراء السابق "إيلى الفرزلى"، مؤخرا بمشروع قانون انتخابى يكون بديلا عن قانون 1960، يهدف إلى إجراء انتخابات، على أساس القاعدة النسبية، لتكون لبنان كلها دائرة انتخابية واحدة، بينما يقوم كل مذهب بانتخاب ممثليه فى البرلمان. وبينما تتميز الانتخابات البرلمانية فى لبنان المقرر إجراؤها يونيو القادم بنكهة خاصة؛ حيث تعد الأولى دون وصاية أو تدخلات خارجية، يحذر البعض بأن مشروع القانون المقترح، سيعيد النزعة الطائفية والمذهبية بوجهها القبيح من جديد. وبحسب الدستور اللبنانى والتعديلات التى أدخلت عليه، لا سيما فى اتفاق الطائف عام 1989، تجرى انتخابات المجلس النيابى، الذى يضم 128 نائبا، توزع بين المسيحيين والمسلمين وبقية الطوائف، كل 4 سنوات. وتقسم المقاعد داخل الطائفة المسيحية إلى 34 مقعدا للموارنة، 14 للروم الأرثوذكس، 8 للروم الكاثوليك، 5 للأرمن الأرثوذكس، وواحد لكل من الأرمن الكاثوليك والإنجيليين والأقليات المسيحية، بينما توزع مقاعد المسلمين كالتالى: 27 لكل من السنة والشيعة، 8 للدروز، ومقعدان للعلويين. ويقف اللبنانيون على مفترق طرق؛ حيث يفتقدون لقانون انتخابى متفق عليه، فقد تم تشكيل لجنة نيابية مصغرة برئاسة النائب "روبير غانم"، تعقد اجتماعات مكثفة متواصلة، منذ الثامن من يناير الماضى للوصول لقانون انتخابى يحظى بتوافق بين القوى الأساسية وأكثرية نيابية، تمهيدا لعرضه على جلسة عامة تعقد لإقراره، قبل وضعه حيز التنفيذ. وتكمن المشكلة فى أن قانون الانتخابات الجديد لا بد أن يحظى بإجماع وطنى، وهو ما يبدو بعيد المنال، فى ظل صراع سياسى مرير يهيمن على الساحة اللبنانية، وكل طرف لديه مصالح متضاربة مع الطرف الآخر، بعكس السابق؛ حيث كانت قوانين الانتخابات تأتى جاهزة من دمشق وتكاد لا تناقش داخليا. لكن اليوم كل طرف يقيم حساباته على أساس مصالحه، ومن ثم يرفض أى قانون انتخابى، يؤدى لخسارته ولو لمقعد واحد فى الانتخابات المقبلة. والمشكلة أن كل مشاريع القوانين المتداولة تسمح لكل الأطراف بتوقع النتائج وإجراء حسابات الربح والخسارة، ومن ثم تأييدها أو رفضها انطلاقًا من هذه الحسابات. مشروع طائفى وهناك الكثير من الاقتراحات التى تم تقديمها لصياغة قانون انتخابى جديد بدءا من "لجنة بطرس" التى عينها رئيس الوزراء حينها فؤاد السنيورة فى 2005، والتى اقترحت فى مايو 2006 نظاما مختلطا يقوم على اعتماد التمثيل النسبى على مستوى المحافظة والتصويت الأكثرى على مستوى القضاء، ولكن علق لمدة عامين بسبب حرب يوليو الإسرائيلية والأزمة السياسية. وفى النهاية، اتفق السياسيون على العودة إلى القانون الانتخابى لعام 1960. ثم جاء اقتراح وزير الداخلية "مروان شربل" ويتضمّن تغييرا أساسيا، باستبدال النظام الأكثرى الحالى، بالتمثيل النسبى مع تقسيم الدوائر الانتخابية إلى ما بين 10 و14 دائرة متوسطة الحجم، وعلى أساس اللوائح "المفتوحة" وليس "المغلقة"، لكنه تم رفضه أيضا. ثم تلاه مشروع القانون الذى تقدمت بها القوات اللبنانية مع حزب الكتائب باقتراح النظام الأكثرى، مع تقسيم لبنان إلى 50 دائرة انتخابية، ولكنه تم رفضه أيضا لتشجيعه المال الانتخابى ونفوذ العائلات وأصحاب النفوذ، ولم يحظ أيضا بالموافقة. وأخيرا جاء مشروع نائب رئيس الوزراء السابق "إيلى الفرزلى"، الذى احتل الحيز الأكبر من المناقشات، ويتضمن إجراء الانتخابات على قاعدة النسبية، وأن تكون لبنان كلها دائرة انتخابية واحدة، ولكن يقوم كل مذهب بانتخاب ممثليه فى البرلمان، ويحل هذا المقترح مشكلة التمثيل المسيحى ويفرض التنافس بين أحزاب سياسية على مستوى لبنان كله وليس الدوائر الصغرى أو الكبرى. وحظى المشروع بتأييد كل القوى المسيحية، مثيرا خلافات داخل "تحالف 14 آذار"، التى علقت اجتماعاتها مؤقتا، بسبب رفض كتلة المستقبل له، وحتى حزب الله أيده إكراما للحليف ميشال عون -رئيس تكتل التغيير والإصلاح- وهذا يعنى أنه المشروع الوحيد الذى يحظى بأغلبية برلمانية ساحقة، رغم إمكانية تسببه بتصدع وتفسخ ميثاقى. ويرى الجنرال "ميشال عون" أن هذا المشروع يعطى لكل ذى حق حقه، وشن حملة مركزة على منتقديه. انقسام لبنانى إلا أن رئيس حزب المستقبل سعد الحريرى، كان من أشد المنتقدين ووصف مشروع القانون بال"قنبلة الموقوتة"، وفؤاد السنيورة -رئيس كتلة المستقبل- الذى تساءل: "كيف سيستقر لبنان فى ظل محاولة إقرار قانون يحوّله قبائل طائفية ومذهبية متناحرة؟ كما أنه يشكل مقدمة لتقسيم وشرذمة لبنان والإطاحة بصيغة العيش المشترك. كذلك رئيس الوزراء نجيب ميقاتى، الذى اعتبر أن هذا "القانون يقوم على أساس قسمة اللبنانيين على قواعد الطائفية والمذهبية ويعيد إحياء طموحات لا يريدها اللبنانيون، وهى الفيدرالية، وأى خرق لاتفاق الطائف يعيد عقارب الساعة إلى ما قبل الطائف بكل تجليات الفترة البائدة، وقد يؤدى فى ظل الأوضاع الإقليمية المشحونة، وتصاعد النزاعات المذهبية. الجماعة الإسلامية أما الجماعة الإسلامية فى لبنان، فترى مشروع قانون الانتخابات المطروح يعيد لبنان إلى الطائفية؛ حيث يؤكد النائب البرلمانى عن الجماعة الإسلامية اللبنانية "عماد الحوت" أن الواقع السياسى اللبنانى لا يتحمل قانونا انتخابيا يعيد اللبنانيين إلى طائفية لا مصلحة للبنان فيها ويحمل شبهة لا دستورية قد تؤدى للطعن عليه، ومن ثم الدخول فى أتون تجاذبات سياسية، اللبنانيون فى غنى عنها".