لا يزال الإرباك سيد الموقف في لبنان، على خلفية المناقشات الجارية بشأن مشاريع قوانين الانتخاب ، ومن المنتظر مع بداية الأسبوع الجديد في لبنان، أن تعود الحرارة إلى الحركة السياسية، في مجال البحث في قانون الانتخاب وخصوصاً لجهة الحراك السياسي الذي يقوده البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يؤشر إلى رهان متجدد على دفع مسيحي في اتجاه إخراج قانون انتخاب جديد إلى النور قبل الاستحقاق. فلم تسفر الاتصالات والاجتماعات التي شهدها الأسبوع الماضي عن توصل الفرقاء اللبنانيين إلى التوافق على أي اقتراح محتمل لقانون الانتخابات النيابية، فيما قرأ معارضون لاقتراح "اللقاء الأرثوذكسي" ومطالبون بإقراره، في مضمون بيان اجتماع بكركي المفاجئ من جهة، وانسحاب ممثل "التيار الوطني الحر" النائب ألان من اجتماعات لجنة "التواصل" النيابية من جهة أخرى، تراجعا في السير بهذا الاقتراح، على ضوء ردود الفعل الرافضة له.
يأتي ذلك وسط خلاف سياسي حول القانون الانتخابي الأفضل لإجراء انتخابات سنة 2013 في شهر ايار / مايو المقبل واتجاه الأحزاب المسيحية الى اعتماد قانون يتيح انتخاب كل مواطن لنائب من طائفته "القانون الأرثوذكسي" واعتراض رئيس الجمهورية على هذه الصيغة التي تكرّس الطائفية السياسية بكلّ وجوهها.
وذكرت مصادر مقربة من أحد الأقطاب المشاركين في اجتماع بكركي ونقاشات اللجنة النيابية :"إن ثمة "فيتو أكيدا" من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط على إقرار اقتراح "اللقاء الأرثوذكسي"، الذي ينص على أن تنتخب كل طائفة نوابها.
وأشارت المصادر إلى أن "السير بهذا الاقتراح يحرم جنبلاط عددا كبيرا من نوابه، فيما يطيح بحظوظ ميقاتي داخل طائفته" ، معربة عن اعتقادها بأن "الخيارين المتاحين في ظل الإجماع على رفض العودة لقانون الستين هما إما السير باقتراح حزبي القوات والكتائب بتقسيم لبنان إلى 50 دائرة، وإما إسقاط حكومة ميقاتي من قبل وزراء جنبلاط لضمان عدم إقراره".
وفي حين اعتبرت المصادر عينها أن "عض الأصابع" بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر ليس على الاقتراح الأرثوذكسي، وإنما على بقاء الحكومة أو سقوطها في حال استمر دعم اقتراح "اللقاء الأرثوذكسي"، كشفت عن أن غياب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن الاجتماع المفاجئ للأقطاب المسيحيين الذي استضافه البطريرك الماروني بشارة الراعي بكركي "لم يكن لدواع أمنية، كما أشار البيان الصادر عن المجتمعين، وإنما بسبب علمه المسبق بمضمون البيان ورفضه لما اعتبره بمثابة تراجع عن التبني المسيحي للاقتراح الأرثوذكسي".
وكان البطريرك الراعي قد استضاف كلا من رئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل، بغياب جعجع ، وصدر عن المجتمعين بيان أفاد بأن "البحث تناول الأوضاع العامة في لبنان والأحداث في سوريا والمنطقة وتداعياتها ومخاطرها على لبنان، كما جرى التطرق إلى موضوع قانون الانتخاب، وكان توافقا وتأكيدا على ضرورة التوصل إلى قانون انتخاب يؤمن أفضل تمثيل وعدالة وسلامة لكل الطوائف اللبنانية".
أبرز الرافضين
وفي سياق متصل، لم ينكر مصدر مسئول في حزب "القوات اللبنانية" وجود حالة من عدم الرضا لدى جعجع على البيان الصادر عن بكركي. وقال المصدر لصحيفة "الشرق الأوسط" :"إنه جاء أقل من الحد الأدنى المطلوب، وشكل تراجعا عما تم إنجازه، وكأن فيه تخليا عن الإجماع المسيحي في وقت سابق على اقتراح "اللقاء الأرثوذكسي".
ودعا المصدر القواتي "كل من يعترض على "الاقتراح الأرثوذكسي" إلى أن يقدم بديلا آخر؛ لأن العودة إلى قانون الستين ليست واردة".
وعن موقف "القوات" من تيار المستقبل باعتباره أبرز الرافضين لاقتراح اللقاء الأرثوذكسي، أجاب المصدر: "ثمة اختلاف في وجهات النظر حاليا مع تيار المستقبل بشأن هذا الموضوع، لكن ذلك لن يعني الوصول إلى مأزق معه؛ لأننا متفقون على ثوابت مهمة، أبرزها رفض وجود السلاح غير الشرعي، والموقف من الثورة السورية، ودعم الديمقراطية، ولا تراجع عن ذلك إطلاقا".
وكان النائب في تيار المستقبل أحمد فتفت قد أشار إلى أن قانون الستين بالنسبة إلينا هو قانون ميشال عون، وعلى أساسه هناك شعور بالغبن عند المسيحيين، ومشروع الدوائر الصغرى خطوة مهمة لنا كتيار المستقبل تجاه حلفائنا"، مشيرا إلى أن البيان الذي صدر عن لقاء بكركي جيد ورسالته مهمة، ويمثل خطوة إلى الوراء بالنسبة إلى المشروع الأرثوذكسي.
وقال فتفت :"نحن مع اتفاق (الطائف) والعيش المشترك، وكان تعهد من حلفائنا عدم النقاش في قانون نسبي، فكما أن الطائفة المسيحية تشعر بالغبن، فكذلك هناك شعور بالغبن من طوائف أخرى".
وفي حين أعرب عن اعتقاده بأن حزب الله مستعد "للقبول بمشروع اللقاء الأرثوذكسي، لأن هذا القانون يربحه انتخابيا، وللأسف هو يستخدم العماد عون ويحاولون فرض النسبية"، لافتا إلى أن حزب الله قادر بأي نظام انتخاب نسبي أن يحسم نتيجة الانتخابات النيابية لصالحه.
تدمير الدولة
وتعليقا على ذلك وجهت صحيفة السفير اللبنانية انتقادات حادة لمشروع القانون الجديد الذى يتم مناقشته حاليا فى لبنان، واعتبرته بمثابة تدمير للدولة.
وأشارت الصحيفة ، فى افتتاحيتها اليوم، إلى أنه في كل دورة انتخابية تخسر الدولة بعض مبررات وجودها، ويحقق الطائفيون والمذهبيون انتصارا جديدا عليها.
واختتمت بالقول "لقد تم تدمير الدولة وهذا الجدل المؤذي والمدمر لمفهوم "المواطن"، بداية ثم لمعنى الديمقراطية ومفهوم الانتخاب، يحول الرعايا اللبنانيين إلى قطعان مسلحة في غمرة حرب أهلية مفتوحة..بقوة القانون".
قانون عادل
وأوضح النائب في كتلة حزب الله نواف الموسوي أن الحزب "يذهب إلى هذه الانتخابات على أساس قانون عادل يحفظ الوحدة الوطنية ويؤمن التمثيل الصحيح للمكونات الاجتماعية السياسية اللبنانية".
وأكد "أننا لا نذهب على أساس القانون الحالي الذي قال عنه الفريق الآخر قبلنا إنه قانون غير عادل، وهذا ما يوجب علينا أن نذهب جميعا إلى الانتخابات النيابية على أساس قانون انتخابي جديد عادل، يؤمن صحة التمثيل". ولفت إلى أن "حزب الله يتعامل بتعاون كامل من أجل التوصل إلى قانون انتخابي توافقي، وما زال يدعم أي سعي يؤدي إلى التوافق حول قانون انتخابي عادل".
في موازاة ذلك، أكد النائب المستقل في فريق "14 آذار" بطرس حرب أنه "من حق المسيحيين أن يكون لديهم أكثر من رأي يتداولون به". مشدداً على أهمية "التمثيل الصحيح للمسيحيين" ، لافتا في الوقت عينه إلى أن اقتراح (الأرثوذكسي) يؤمن للمرة الأولى للمسيحيين 64 نائبا، لكنه يؤدي إلى تحويل لبنان إلى دويلات طائفية يغلب فيها التطرف".
من ناحيته، حمل عضو تكتل "التغيير والإصلاح" النائب نعمة الله أبي نصر على تيار "المستقبل" وعلى عدد من النواب ممن انتقدوا المشروع الأرثوذكسي.
واعتبر أنه "ما إن اتفق المسيحيون على استعادة جزء من حقوقهم التي سلبها منهم اتفاق الطائف وقوانينه الانتخابية، حتى تبدلت لهجة الذين كانوا يدعون الحرص على الشراكة والتوازن والمناصفة مع المسيحيين".
محققاً للآمال
هذا ودعا مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني الى "إقرار قانون للانتخابات النيابية يحقق آمال اللبنانيين وتطلعاتهم إلى تمثيلهم في المجلس النيابي حق التمثيل، ويعكس الإرادة الصادقة للشعب، لتكون قضايا الوطن كلها داخل المجلس النيابي، لا في الشارع".
وتداول مفتي الجمهورية خلال اتصال مع نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبدالامير قبلان وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، في الشئون الإسلامية والوطنية، وما يمكن عمله للتخفيف من التوترات الخطابية في مشروع قانون الانتخاب ليأتي القانون الذي يقره مجلس النواب محققا للآمال.
من جهته، أعرب وزير المال اللبناني محمد الصفدي عن أسفه "للمنحى الطائفي والمذهبي الذي يسلكه الحوار عن قانون الانتخابات"، وقال: "إن الانتخابات النيابية استحقاق وطني، هدفه إنتاج سلطة تتولى شؤون الدولة، وتعزز المساحة المشتركة بين اللبنانيين".
وأضاف :"إن وثيقة الوفاق الوطني نصت على إنشاء مجلس للشيوخ، تتمثل فيه الطوائف بصورة متعادلة، على أن يتم تدريجًا إلغاء الطائفية السياسية في المؤسسات الدستورية الأخرى، ولكن مجرى الأحداث على مدى العشرين عامًا الماضية، أدى إلى زيادة الطائفية وتراجع الخطاب الوطني".
ورأى أن "الانتخابات مناسبة ليتشارك اللبنانيون على اختلاف طوائفهم في اختيار ممثليهم، ولذلك لا بد من قانون يراعي بنظامه وتقسيماته ضرورة تلاقي اللبنانيين على إنتاج سلطة تشريعية تمثلهم متضامنين. من هنا تأتي أهمية اعتماد النسبية في دوائر موسعة أو متوسطة في الحد الأدنى حتى لا تتحول الانتخابات النيابية إلى ما يشبه المجالس المذهبية أو ما كان يعرف بمجالس الملة".
وختم الصفدي: "إن الذين يدرسون اليوم قوانين الانتخابات عليهم أن يفكروا في مستقبل لبنان وفي مصير الحياة المشتركة بين الأجيال".
من جانبه اشار عضو تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ابراهيم كنعان في حديث اذاعي الى ان "طرح غياب الحكومة عند طرح مشروع قانون الانتخابات غير منطقي" ، وسأل "ماذا ينتظر مسيحيي 14 اذار"، لافتا الى ان "هناك ارباكا وتراجع في المواقف، الا ان هناك ضغطا من "المستقبل" وبعض الجهات الاقليمية"، مشددا على ان "هناك جريمة اغتيال لقانون جديد، واغتيال لحقوق المسيحيين".
واعتبر ان "المقاطعة تحمل مسئولية تطيير قانون الانتخاب الجديد للمقاطعين، خاصة المسيحيين منهم"، داعيا الأطراف المسيحية في 14 اذار أن "تتوجه الى مجلس النواب لمناقشة قانون انتخابي جديد".