شخصية تعيش فى المجتمعات الأكثر ذكاءً، وتمارس نشاطها بلا كلل ولا خوف من ردات الفعل، التى تختلف من مجتمع لآخر، وعادة ما يكون المقلبجى خفيف الظل، وهذا ما يضعه فى خانة الظرفاء، ومن أشهر وأظرف المقلبجية كان المرحوم الشاعر الأديب الكبير كامل الشناوى الذى تحولت بعض مقالبه إلى حواديت تشبه حواديت شهرزاد فى ألف ليلة وليلة - الخالدة - ومن هذه الحواديت حدوتة الأستاذ «ع. د» النتن الذى وصلت أخبار بخله ونتانته إلى الأستاذ كامل الشناوى عن طريق أحد السعاة فى دار التحرير، وبالصدفة البحتة عندما كان كامل بك فى طريقه إلى مكتبه وسمع الحوار التالى بين اثنين من السعاة: - تصدق وتؤمن باللى خلقك؟ - آمنت بالله الواحد الأحد. - الواد مدبولى فراش مكتبه هو اللى حلف لى بالطلاق تلاتة من مراته إن اللحش ده بعد ما بياكل العيش الفلاحى والجبنة القريش بيخلى مدبولى يلم له الباقى ويصرّه فى المنديل عشان يروّح بيه وياكله فى العشا. - يا ساتر يارب اللهم اكفينا السوء.. دا مش بنى آدم من أساسه. - ولا حتى حيوان، باقول لك يا مؤمن كل شهر يبعت المرتب بالكامل للست والدته فى البلد عشان تشترى بيه أرض باسمه وهو عايش هنا سفلقة فى سفلقة. - صحيح يا جدع الدنيا ما تهونش إلا ع الفقير. وبعد أن سمع الأستاذ كامل الشناوى هذا الحوار يأتى من خارج مكتبه استدعى الساعى الذى كان يروى وقال له: - ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فابتلع الساعى ريقه بصعوبة وهو يقول لكامل بك: - صحيح والنبى يا باشا. فرد كامل الشناوى: - صحيح ميه الميه. فقال الساعى: - ربنا يطمنك يا باشا. فقال كامل الشناوى: - إنما انت اسمك إيه بقى؟ فقال الساعى وهو مرعوب: - ليه بس يا باشا إن الله حليم ستار. فقال كامل الشناوى: - يا واد ما تخافش يا حمار أنا عندى السر فى بير، طب ما انا ما سألتكش عن النتن اللى انت بتتكلم عنه. فقال الساعى وهو يكاد يطير من الفرح: - بالذمة يا باشا.. وحضرتك تعرفه؟ فقال كامل الشناوى: - طبعاً أعرفه ميه الميه، لكن يستحيل أنطق اسمه. فقال الساعى: - صحيح يا ولاد العلم نور، مع إنى ما قلتش لسيادتك إنه يبقى الأستاذ (عين. دال). وضحك كامل الشناوى من قلبه وهو يقول: - بس انت برضو مقولتش انت اسمك إيه؟ وطبعاً لم يحظ كامل الشناوى بالإجابة لأن الساعى كان قد غادر المكتب فى لمح البصر وهو يتصور أنه ضحك على كامل بك الشناوى ولم يعطه اسمه. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ - لأ سيب أى حاجة فى إيدك وتعالى أنا مستنيك فى مكتبى. وكاد (عين. دال) أن يطير فرحاً خصوصاً بعدما قال له زميله: - كامل بيه الشناوى.. والله يا ابنى انت أمك داعية لك.. بس إياك بقى ما تنساش العشرة وتقل بأصلك زى سمير رجب وغيره وغيره كلهم طلعوا من هنا شلف وأسبوعين تلاتة بقوا رويسا وبهوات. وفى مكتب كامل الشناوى جلس (عين. دال) كأنه تلميذ يجلس أمام الناظر ووجهه فى الأرض، بينما جلس كامل الشناوى يتأمله وكأنه بياخد مقاساته عشان يفصل له المقلب على مقاسه، ثم قال له فجأة: - عموماً انت سمعتك فى المؤسسة نص نص يعنى ممكن بشوية انضباط تبقى ميه ميه وتفضل معايا على طول. ولم يتمالك (عين. دال) نفسه وخشى إن فتح فمه بكلمة يعك الدنيا، فالتزم الصمت التام. فقال الأستاذ كامل: - انت ما بتتكلمش ليه؟ مش أنا بكلمك؟ فقال بارتباك: - أيوة يا سعادة الباشا أنا باسمع وكلى آذان صاغية. فقال كامل الشناوى: - طب فهمت أنا قلت إيه؟ - وزاد ارتباك (عين. دال) فلم يجب واستمر فى صمته، فقال الأستاذ كامل الشناوى: - يا حمار يا جاموسة أنا عايز أخلق منك حاجة أطلع منك حاجة فاهم؟ فقال وهو يتلجلج: - إن شاء الله فاهم يا سعادة الباشا. فسأله: - طب فهمت بقى إيه قول لى؟ - فقال: - إن سعادتك عايز تطلع منى حاجة. فقال له: - عفارم عليك، قوم بقى اركب معايا العربية عشان تورينى بيتك، قالولى أنك ساكن فى شبرا. قال له: - تمام يا سعادة الباشا. وتنبه الأستاذ كامل الشناوى للطريق المؤدى إلى منزل (عين. دال) حيث ستبدأ القصة من هناك، وعند نزول المذكور من السيارة قال له كامل الشناوى: - كل أيام الأسبوع ما عدا الجمعة لازم تكون موجود فى بيتك بعد الظهر.. فاهم؟ وظل (عين. دال) ينحنى ويستقيم أمام كامل بك وهو يقول: - فاهم يا سعادة الباشا فاهم ربنا يخليك لمصر يا سعادة الباشا. ولم تمض سوى أيام حتى كان كامل بك عائداً من المنصورة فى سيارة أجرة بالعداد بعد أن اتفق مع سائقها على ما يلى: - انتو حتوصلونى جريدة الجمهورية وبعدين حتاخد مدير مكتبى توصله إلى دار الهلال وهو هيحاسبك، وخلى بالك هو حرامى لكن إذا وريته العين الحمرا حيدفع العداد وفوقه البقشيش، بس اوعى تعوره، يعنى ما تسبش فيه آثار دم أو تعوير انت تضربه فى ضلوعه عشان ما تسبش أى آثار وما تخافش أنا معاك.