ثمة فرصة جد محدودة فى أن تفيق جماعة الإخوان المسلمين إلى رشدها، إن أكدت نتائج الاستفتاء على الدستور أن المصريين خرجوا بالفعل فى حشود ضخمة تجاوزت توقعات الجميع، وأن نتائج الاستفتاء تؤكد بصورة حاسمة انحياز الغالبية العظمى للمصريين إلى شرعية دستورية جديدة تجعل عودة الجماعة إلى الحكم أمراً مستحيلاً، وأن استمرار الجماعة فى طريق العنف والإرهاب لن يغير شيئاً من واقع الحال، لعجز الجماعة الواضح عن إحداث تغيير حقيقى فى موازين القوى على أرض الواقع، وعلى العكس سوف يؤدى تورط الجماعة فى أعمال عنف جديدة إلى المزيد من خسارتها، وسوف تترسخ صورتها فى أذهان الجميع كجماعة إرهابية يتحتم اجتثاث جذورها، وفى النهاية لن يكون مصيرها أحسن حالاً مما جرى فى الجزائر، حيث فشل الإسلاميون فى الوصول إلى الحكم بعد موجة دامية من العنف وقع فيها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى. لن تنجح الجماعة فى كسر شوكة الدولة أو تقويض مؤسساتها الهامة، ابتداء من الجيش والشرطة إلى القضاء والإعلام، لأن الجماعة استخدمت على امتداد الشهور الماضية أقصى طاقاتها دون أن تحقق أى نجاح، هددت بحرق مصر إن دخل رئيسها قفص الاتهام، ودخل مرسى قفص الاتهام ولم يتحقق وعيد الجماعة! وهددت أقباط مصر بالانتقام واحتفل أقباط مصر ومعهم المسلمون بعيد الميلاد المجيد دون أن تتمكن الجماعة من تنفيذ تهديداتها، ووعدت بأن تحيل أيام الاستفتاء وما قبل الاستفتاء إلى جحيم، وها هو موعد الاستفتاء يأتى دون أن تنجح الجماعة فى تقليل حماس المصريين إلى النزول إلى صناديق الاستفتاء بالملايين. وأظن أن الجماعة تعرف جيداً أنها وضعت الشعب المصرى فى زاوية ضيقة، ولم تترك له حلاً آخر سوى أن يطارد أفرادها فى كل شارع وزقاق كما حدث فى مدينة طلخا، عندما تعرضت بعض محلات أفراد الجماعة ومنازلهم إلى عملية هجوم عشوائى من عائلات فى المدينة سقط لها ضحايا أبرياء فى حادث تفجير مديرية أمن المنصورة، وكما حدث فى بعض مدن المنوفية عندما طلبت الجماهير هناك من بعض الناشطين فى جماعة الإخوان البقاء فى منازلهم، لا يغادرونها إلى التظاهر فى الشوارع إن أرادوا أن يكونوا آمنين على بيتوهم وأهلهم. ومع الأسف لا تزال ريما على عادتها القديمة، تعاند الواقع رغم الهزائم العديدة التى منيت بها الجماعة، وتتصرف بحماقة زائدة جعلتها تخسر الجلد والسقط، تبالغ فى فظاظة حملتها على الجيش والفريق السيسى، بينما تنتفض ذعراً وغضباً لمجرد سماع أغنية تتحدث عن إنجازات الجيش المصرى، وتتصور وهماً أن المصريين يصدقون أكاذيبها، على حين يعرف الجميع أنها أصبحت موضع كراهية المصريين وبغضهم، لأنها تكذب وتتضلل وتخادع لكنها تضحك فى النهاية على نفسها، لأن كل ما تفعله الجماعة يأتى بنتائج عكسية، وكلما زاد سوء أدبها تجاه السيسى والقوات المسلحة ازداد تعلق الجماهير بهما، ومع ذلك لا تريد الجماعة أن تعترف بهزيمتها وتكف عن استخدام العنف والبذاءات، وتتيح لأبنائها فرصة التراجع فى معركة خاسرة حفاظاً على حياتهم ومستقبلهم، بدلاً من أن تلقى بهم فى دوامة العنف دون طائل، وتؤثر أن تستمر كجماعة إرهابية بدلاً من أن تعود إلى ينابيعها الأولى، وتصبح جماعة دعوية تنبذ العنف والإرهاب وتركز على تنقية المعتقدات الدينية من الخرافة والخزعبلات، وترجو شعبها السماحة والغفران. وما من سبب لذلك سوى أن الجماعة لا تقبل بالحوار الديمقراطى أساساً لتنظيم فكر الجماعة، لأنها ربّت أعضاءها على السمع والطاعة، والتزمت قياداتها المحافظة نهجاً متعالياً لا يقبل النقد أو المراجعة، يصرون على أنهم وحدهم يملكون الحقيقة. وبرغم أن الجماعة اختارت طريق العنف والإرهاب منذ الأربعينات، وتورطت فى قتل النقراشى والخازندار، وجريمة سيارة الجيب التى كانت تستهدف تفجير أماكن هامة، وارتكبت فى منتصف الخمسينات محاولة اغتيال جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية، كما كانت الجماعة المعطف والعباءة التى خرجت من تحتها كل جماعات العنف والإرهاب، ابتداء من صالح سرية مدبر جريمة الفنية العسكرية إلى شكرى مصطفى صاحب التكفير والهجرة، التلميذ النجيب لفيلسوف الجماعة ومفكرها الأكبر سيد قطب، برغم كل هذه الجرائم والأحداث تصورت الجماعة أنها تستطيع أن تدفن جرائمها فى بئر النسيان، ولم تقدم على طول تاريخها اعترافاً أو اعتذاراً واحداً عن أى من هذه الجرائم، وظل سيد قطب على وضعه ومكانته فى الجماعة، تقدم كتبه الحيثيات والمبررات لأفعال جماعات الإرهاب وجرائمها! بل ثمة من يعتقد أن العنف كان ولا يزال جزءاً من بنية الجماعة التنظيمية والفكرية منذ بداية نشأتها عام 1928، وأن اعتناق الجماعة لفكر التقية حيث تظهر غير ما تبطن، مكّن الجماعة من أن تحافظ على وجهين متناقضين، وجه للدعوة يتسم بلين القول والبشاشة، ووجه آخر شيطانى يتسم بالبشاعة، لا يتورع عن استخدام كل أساليب العنف والتضليل والتشهير والبذاءة للوصول إلى أهدافه. وأظن أن الجميع لا يزال يذكر اقتحام شباب الجماعة لمدرج كلية دار العلوم بينما المفتى السابق د. على جمعة يحاضر طلابه، كما اقتحمت مدرج كلية السياسة والاقتصاد خلال الاحتفال بذكرى واحد من أهم عمداء الكلية السابقين الدكتور عبدالملك عودة! ولأن المرض مزمن ودفين يبدو أن الجماعة لا تستطيع أن تتخلى عن هذا النهج لأنها لا تستطيع أن تنسلخ عن جلدها، ومصيرها فى النهاية هو الاندثار والتشرذم. والواضح من المقدمات السابقة أن الجماعة لن تفيق من عالمها الافتراضى، تحاول أن تلعب دور الضحية لكنها سوف تواصل أعمال العنف والشغب، وتوجه طلابها إلى الخروج فى تظاهرات يتخللها عنف وتدمير وتخريب، وفى الأغلب سوف تستمر الجماعة على هذا النهج إلى أن يتم تجفيف ينابيعها المالية، وتنكسر شبكة اتصالاتها ويتم تقويض قوتها التنظيمية بالكامل، وأظن أن الشواهد تقول إن ذلك ليس ببعيد. وتعكس تحذيرات بعض المحللين الغربيين الذين يتخوفون من أن تتحول جماعة الإخوان إلى تنظيم إرهابى جديد يماثل تنظيم القاعدة الكثير من المبالغة، لأن نسبة كبيرة من أعضاء الجماعة تنتمى إلى الطبقة الوسطى، وبينهم الكثير من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة العاملين فى مجالَى التجارة والعقارات، همهم الأكبر تنمية مصالحهم المالية والاقتصادية، وسوف يضطر أغلب هؤلاء إلى ترك الجماعة خوفاً على مصالحهم، إن لم تراجع الجماعة أفكارها ورؤاها فى ضوء الأزمة الضخمة التى مُنيت بها، كما أن جغرافية مصر المنبسطة دون كهوف وجبال لا تسمح بوجود ملاذ آمن لجماعة إرهابية يحميها من مطاردة أجهزة الدولة، باستثناء شبه جزيرة سيناء التى يمكن أن تكون مصيدة لهذه الجماعات التى تهدد الأمن الإقليمى فى موقع استراتيجى خطير يتعلق به مصالح أطراف عديدة، فضلاً عن أن الغالبية العظمى من المصريين لا تتعاطف مع الجماعة، ولا تساندها فى معاداتها لمؤسسات الدولة خاصة الجيش والشرطة، لأن الاستقرار والأمان يشكلان مطالب ضرورية ولازمة للشخصية المصرية التى جُبلت على الاستقرار والبناء. وأظن أن استقرار أوضاع مصر والحفاظ على المسار الديمقراطى وحقوق الإنسان، وارتفاع معدلات الرضا العام وسط المصريين، وتركيز اهتمام الحكم على مشاكل مصر الأساسية، والتزامه بسياسات عملية واضحة وشفافة، تستثمر موقع مصر الجغرافى كهمزة وصل بين الشعوب والأمم، سوف يعيد مكانة مصر الدولية إلى وضعها الصحيح، ويحفظ لها إرادتها المستقلة، ويحصنها من أية تدخلات خارجية غير مرغوبة.