في زماننا كان معظم طلاب المرحلة الثانوية يتجهون إلي القسم العلمي. ثم جاءت سنوات التراجع التي داهمت مصر، لنري الغالبية العظمي من الطلاب تتجه إلي القسم الأدبي ثم لنجد »المدرسة» بمفهومها الشامل تختفي وتترك مكانها ل »السناتر» حيث يختفي التعليم الحقيقي، ولا يبقي إلا الملخصات والإجابات النموذجية، وحيث أجيال لا تستخدم من الملكات التي أنعم الله بها عليها إلا ما يتعلق بالحفظ والتلقين! ولم يكن هذا إلا انعكاساً لظروف مجتمع تراجعت فيه قيمة العلم والعمل، وساد فيه منطق الفهلوة وطريق السمسرة، وكانت هذه هي التربة المناسبة لتنمو جماعات الضلالة والتجارة بالدين، ولكي يتم سجن المجتمع في فكر ربما كان صالحاً قبل قرون، ولكي يصبح السؤال مكروهاً والإبداع حراماً والتفكير الحر ضلالة عند الكثيرين! والآن، وبعد ثورتين ونضال يتعاظم يوماً بعد يوم ضد الإرهاب والتخلف، يبدو طريقنا للخلاص مرتبطاً بانتصار العلم وبتحويل المجتمع إلي مجتمع منتج ومتطور ومبدع في كل المجالات. وبالاستثمار جيداً في التعليم وفي كل المبادرات التي تأخذ بيد شبابنا في طريق العلم والتجديد والابتكار. ولعل ما شاهدناه من نماذج رائعة لشبابنا في حفل تخريج المشاركين في المبادرة الرئاسية لرواد تكنولوجيا المستقبل، يؤكد لنا أن شبابنا قادر علي التعامل مع العصر بكل ما فيه من تقدم علمي مذهل، وأنه يستطيع لو وجد الرعاية والاهتمام أن يؤكد جدارته وتفوقه، وأن يثري الوطن بما يقدمه من أفكار، وما يبدعه من حلول لمشاكلنا. كان جيداً أن يشارك رئيس الدولة هؤلاء الشباب احتفالهم، وأن يقرر مضاعفة ميزانية برامج »رواد تكنولوجيا المستقبل» إلي 400 مليون جنيه. لكن الأهم أن يتحول ذلك إلي انحياز كامل من كل أجهزة الدولة للعلم وتطبيقاته التكنولوجية، وإلي تغلغل هذه الروح في كل مفاصل الدولة ومؤسسات المجتمع لتوفر لشبابنا كل الإمكانيات لكي يفكر ويبدع ويبتكر. الانتصار للعلم وللعقل هو طريقنا لبناء هذا الوطن، وهو سبيلنا لمحاصرة الفكر الضال ولقهر التخلف. برنامج »رواد تكنولوجيا المستقبل» الذي أشرف عليه وزير الاتصالات ياسر القاضي خطوة مهمة علي طريق ينبغي أن يتواصل ليطلق لدي شبابنا أجمل ما فيهم في كل المجالات والمهمة ليست سهلة علي الإطلاق.. فمازالت آثار سنوات الفساد تحاصرنا بالفهلوة والسمسرة من جانب، وبالتفاهة وإهانة العقل من جانب آخر، وبالدجل والشعوذة من جانب ثالث.. لتكون النتيجة هذا الميراث من الفساد والإفساد، ومن التراجع والتخلف، ومن الإرهاب الذي يعيش علي تغييب العقل قبل أي شيء آخر. ويبقي العلم طريق النجاة، وشبابنا الرائع هو الأمل.