حزب الجيل: ذكرى تحرير أرض سيناء المباركة عيد عزة وكرامة للشعب المصري    د. مفيد شهاب ل «الأخبار»: تحرير سيناء نتاج نصر عسكرى وسياسى وقانونى    تحرير سيناء «1»    السيد البدوي يدعو الوفديين لتنحية الخلافات والالتفاف خلف يمامة    موعد إجازة شم النسيم 2024 في مصر.. وتواريخ الإجازات الرسمية 2024    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية للمتسربين من التعليم    برلماني: قانون التأمين الموحد يساهم تحقيق التنمية المستدامة واستراتيجية الشمول التأميني    تقديم الساعة مساء الخميس أم الجمعة؟.. «المساحة» تحسم جدل التوقيت الصيفي    «الاتصالات»: الكفاءات الرقمية وحيادية البيانات تجذب استثمارات الذكاء الاصطناعي    مصدر رفيع المستوى: مصر تكثف اتصالاتها مع كافة الأطراف لوقف إطلاق النار بغزة    بايدن يدعو إسرائيل للسماح بوصول المساعدات الإنسانية لغزة    توقيع اتفاق ثنائي في مجال النقل الجوي بين مصر وسلطنة عمان    صحفية صينية: زيارة وزير خارجية أمريكا لبكين تهدف إلى تعزيز الحوار بين الجانبين    محمد صلاح يقود ليفربول لمواجهة إيفرتون    بسبب إزالة صورته من الزمالك.. مرتضى منصور مهددًا حسين لبيب: «أقسم بالله ما هسيبك»    تردد قناة الجزيرة 2024 الجديد.. تابع كل الأحداث العربية والعالمية    ضبط سيدة نشرت مقاطع منافية للآداب على «تيك توك»    بعد إحالة الجاني للمفتي.. ابنة ضحية الممرض اللص بالإسماعيلية تنهار من الفرحة    مدير «مكافحة الإدمان»: 500% زيادة في عدد الاتصالات لطلب العلاج بعد انتهاء الموسم الرمضاني (حوار)    الصور الأولى لحفل زفاف ابنة بدرية طلبة    أحمد فهمي يروج لمشاركته في فيلم عصابة المكس مع «السقا»: «أخويا الكبير»    الإفتاء توضح أدعية عند اشتداد الحر    دعاء الستر وراحة البال والفرج.. ردده يحفظك ويوسع رزقك ويبعد عنك الأذى    حكم تصوير المنتج وإعلانه عبر مواقع التواصل قبل تملكه    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. ومحتكر السلع خبيث    جامعة كفر الشيخ تطلق قافلة طبية لقرى مركز بيلا ضمن مبادرة حياة كريمة    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    بعد إنقاذها من الغرق الكامل بقناة السويس.. ارتفاع نسب ميل سفينة البضائع "لاباتروس" في بورسعيد- صور    «الزراعة» : منتجات مبادرة «خير مزارعنا لأهالينا» الغذائية داخل كاتدرائية العباسية    حفل ختام برنامج «دوى» و«نتشارك» بمجمع إعلام الغردقة    أزمة الضمير الرياضى    مونفيس يودع بطولة مدريد للتنس مبكرا    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    ارتفع صادرات الصناعات الهندسية ل1.2 مليار دولار بالربع الأول من 2024    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    حكم الاحتفال بشم النسيم.. الإفتاء تجيب    بلطجة وترويع الناس.. تأجيل محاكمة 4 تجار مخدرات بتهمة قتل الشاب أيمن في كفر الشيخ - صور    قريبا.. مباريات الدوري الإسباني ستقام في أمريكا    أوراسكوم للتنمية تطلق تقرير الاستدامة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات    توافق مصري هولندي على وقف إطلاق النار بغزة وإنفاذ حل الدولتين    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    توقعات برج الثور في الأسبوع الأخير من إبريل: «مصدر دخل جديد و ارتباط بشخص يُكمل شخصيتك»    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    هل يجوز أداء صلاة الحاجة لقضاء أكثر من مصلحة؟ تعرف على الدعاء الصحيح    «الصحة»: فحص 1.4 مليون طالب إعدادي ضمن مبادرة الكشف المبكر عن فيروس سي    إبادة جماعية.. جنوب إفريقيا تدعو إلى تحقيق عاجل في المقابر الجماعية بغزة    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    بشير التابعي: أتوقع تواجد شيكابالا وزيزو في التشكيل الأساسي للزمالك أمام دريمز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شباب مصر .. فى خطر
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 07 - 2015

منذ انقسم المجتمع المصرى على نفسه اصبحت لعنة الانقسامات تهدد كل شيء فيه .. وما اكثر الشوارد فى حياتنا الآن لأن كل فصيل يحاول ان يغنى خارج السرب .. وكل يغنى على ليلاه .. اصبح الأن من الصعب ان تجد قضية واحدة يمكن ان يتجمع حولها مجموعة من الناس، ولا ابالغ إذا قلت ان الإنقسامات فى الرأى والفكر والمواقف قد اجتاحت المجتمع كله حتى وصلت الى ابناء الأسرة الواحدة .. اننا جميعا نعلم الأسباب التى وصلت بنا الى هذه القطيعة ولاشك انها تمثل خطرا حقيقيا يهدد اهم مقومات المجتمع المصرى فى التواصل والتآلف والرحمة .. لقد انقسم المصريون امام اسباب سياسية شاركت فيها بقوة جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الدينية وشاركت فيها النخبة امام قصور فى الرؤى واختلال فى المفاهيم وشارك فيها واقع اجتماعى بغيض حرم الشعب من حقه فى حياة كريمة وشارك فيها نظام مستبد اغلق ابواب الاحلام على الملايين من المصريين طوال ثلاثين عاما من النهب والفساد، هذه الظواهر والأسباب نعرفها ونتابعها ومازلنا نجنى ثمارها المرة .. ولكن الذى يزعجنى كثيرا هذه الأيام هى حالة العزلة والإنسحاب التى اختارتها فصائل الشباب فى مواقع كثيرة .. ان الشباب غاضب ومن حقه ان يغضب .. والشباب محبط وهذه حقيقة لابد ان نعترف بها ونرصدها بدقة .. والشباب ايضا مظلوم امام مجتمع بخل عليه بكل شيء وقبل هذا كله فإن الشباب يفكر فى الرحيل وهذه اخطر الظواهر التى يمكن ان نتوقف عندها ..
ان غضب الشباب له مبرراته فقد قام بثورة اذهلت العالم كله واستطاع فى ايام قليلة ان يطيح بنظام مستبد رفض ان يترك السلطة ثلاثين عاما اضاعت على هؤلاء الشباب فرصا كثيرة فى حياة كريمة وبيت وسكن وعمل واحلام فى المستقبل .. وكانت فصائل الشباب تتصور انها ستجنى ثمار هذه الثورة مستقبلا واحلاما وواقعا ولكنها وجدت نفسها فى آخر المطاف امام مجتمع انكر عليها كل شيء بل وجدت سيلا من الاتهامات ما بين التواطؤ والعمالة وتخريب البلد، وخرج من اطلال العهد البائد من يتغنى به ويبكى على ايامه الخوالى .. سوف تبقى ثورة يناير اكبر جراح جيل الشباب فلا هى انصفته ولا هى فتحت له ابوابا للمستقبل بل انها تحولت الى وليمة للآفاقين وكذابى الزفة من اصحاب المصالح الذين وجدوها فرصة لتصفية الحساب وكان الضحية هو المستقبل بعد ان سرقوا الماضى والحاضر ..
لا ادرى كيف يمكن ان نعيد الشباب الى صفوفنا مرة اخرى ومنهم من هو قابع فى السجون ومنهم من يعانى ظروفا صعبة حيث لا عمل ولا امل ولا مستقبل ..
هناك دوامات من الإحباط احاطت بأجيال الشباب .. هذه حقيقة مؤكدة وهذا الإحباط كانت له اسبابه وكانت له ايضا نتائجه .. اول هذه الأسباب - بعيدا عن ضحايا ثورة يناير الذين تحولوا الى مجرمين فى نظر البعض - الميراث الثقيل الذى حملوه من غياب الفرص وتهميش الطبقات الفقيرة وطغيان الطبقة الجديدة التى لم ترث البلد وحدها ولكنها ورثت كل شيء لأبنائها مالا ونفوذا وفرصا ومكانة .. هناك اجيال لم تأخذ شيئا على الإطلاق غير ورقة صغيرة من احدى الجامعات تفيد ان صاحبها كان مميزا وكان متفوقا وكان خلوقا ولكن لأنه غير لائق اجتماعيا جلس فى الغيط او الشارع بجوار والده الفقير الذى مازال يعمل ليل نهار لكى يطعم فريقا من الأبناء .. كيف يرى الشاب هذا المجتمع وامامه ابناء الأكابر وكانوا زملاء فاشلين فى الجامعة وقد اصبحوا فى اعلى المناصب وهو مازال ينتظر قروشا من ابيه لكى يحتسى فنجان شاى على الرصيف لأنه غير قادر على ان يجلس فى المقهى ..
هناك اسباب كثيرة للاحباط لدى الشباب وهو يشاهد هذا السيرك الرخيص بين من ملكوا كل شيء واطمأنوا على ابنائهم وهم يتصارعون على الفضائيات والصحف ويتشدقون بالحريات والعدالة الاجتماعية وحرية الصحافة والإعلام وهو قابع فى قريته يبتسم امام هذا الدجل الرخيص .. ان هذه الوجوه التى يراها الآن كانت على كل الموائد كانوا مع النظام السابق فى الحزب الوطنى وكانوا مع الإخوان فى الحرية والعدالة وهم يرددون نفس الشعارات ونفس الكلمات، الشيء الوحيد الذى تغير ان الثمن اصبح اكبر وان المصالح تضخمت وان الممولين يملأون الساحة .. ان الشباب الآن امام انقسامات فكرية حادة فهو يسمع كثيرا عن العدالة الإجتماعية ويشاهد كل يوم الثمار التى تتساقط فى ايدى فصيل معروف وواضح وهو لم يتغير لأن ثورة يناير لم تغير شيئا فى الواقع الاجتماعى المصرى، مازال مجتمع الربع فى المائة يسيطر على كل شيء وإذا مات الآباء فقد ورث الأبناء التركة كلها ولا عزاء بعد ذلك للملايين الجائعة .
ان الشباب يقف حائرا وهو يسمع شعارات اجيال قضت كل سنوات عمرها فى هذه المهزلة حيث نفاق الإعلام وباعة الفكر وسماسرة المواقف ورجال كل عصر، هذه النخبة التى غيرت افكارها ومواقفها عشرات المرات مازالت تصر على البقاء على المسرح رغم ان الرواية انتهت وانسحب الجمهور واسدل الستار .
ان الشباب لا يجد نفسه فى اسرته التى انقسمت على نفسها فالأب إخوانى والأم حزب وطنى منحل والأشقاء كل فى طريق هذا سلفى وهذا صوفى وهذه تشجع مسلسلات التليفزيون هذا الإنقسام فى دائرة الأسرة انتقل الى اماكن العمل إذا كانت هناك وظيفة، وانتقل الى المسجد إذا كانت هناك صلاة، وانتقل الى الجامعة بين طلاب العلم واساتذتهم وقبل هذا كله فإن الإعلام يقسم الناس كل ليلة على شاشاته السوداء فهذا عميل وهذا خائن وهذا بطل .. ان الأوسمة التى توزع كل ليلة على اصحاب الشعارات والمعارك التى تدور كل يوم بين رموز النخبة وقت ضائع وفكر مشوه ومصالح واموال افسدت كل شيء .. حين يجد الشاب نفسه حائرا وسط هذا المجتمع فهو يسأل نفسه وما هو الحل وكيف اعيش وسط هذه الغابات البشرية المتناحرة ؟! ..
نحن امام مجتمع اهدر كل القيم واصبح معلقا بين السماء والأرض فلا هو ارضى السماء ولا هو اسعد البشر .. انه حائر بين الشك واليقين بين الدين والسياسة بين المال والقناعة بين اصحاب الفكر وتجار المصالح بين ثورة يناير وثورة يونيو بين فلول الوطنى وفلول الإرهاب بين من ملكوا كل شيء وغير قانعين ومن خسروا كل شئ وساخطين .. وسط هذا الصخب يقف شباب مصر وهم بطبيعة الأشياء والعمر الأحق بالرعاية لأنهم مستقبل هذا الوطن ..
تؤرقنى ثلاث ظواهر خطيرة يجب ان يتوقف عندها هذا المجتمع الغافل تجاه شبابه :
اولا : هناك اتجاه خطير للهجرة الى الخارج بين الشباب المصرى وإذا كان الكثير من شبابنا يذهب للعمل فى الدول العربية الشقيقة ثم يعود بعد فترة إلا ان الجديد ان شبابنا يهاجر بلا عودة الى دول اخرى خاصة اوروبا وامريكا وكندا واستراليا .. ان الشيء اللافت للنظر فى هذه الظاهرة ان شبابنا المميز صاحب القدرات والمواهب الخاصة هو الذى يهاجر الآن، ان خبراء الإتصالات والبنوك والتكنولوجيا الحديثة هم الذين يجدون فرصا للعمل فى الخارج ولاشك ان هذا النزيف البشرى لو استمر يمثل تهديدا خطيرا لمستقبل هذا الوطن .. يجب ان ترصد الدولة ولديها الأجهزة المتخصصة حركة هجرة الشباب فى السنوات الأخيرة والدول التى يتجهون اليها والتخصصات التى يعملون فيها حتى لا تخسر مصر انبغ واقدر شبابها ..
ثانيا : لاشك ان قضية الإدمان بين الشباب اصبحت ظاهرة خطيرة جدا ولا ينبغى ان نعالجها من خلال الأفلام والمسلسلات لأنها بالفعل تدمر شباب هذا الوطن ان المطلوب دراسات اجتماعية عن احوال الشباب واسباب انتشار الظاهرة ووسائل علاجها امنيا وطبيا واجتماعيا.. ان اعداد المدمنين تتزايد كل يوم والمصحات الخاصة والعامة لا تكفى وقد كانت هذه الظاهرة سببا فى زيادة الجريمة والعنف فى الشارع المصرى بل انها من الأسباب الرئيسية فى حوادث المرور وقبل هذا كله فهى تدمر اجيالا كاملة صحيا ونفسيا واخلاقيا .. لا يكفى المعالجات الإعلامية او السينمائية او دنيا المسلسلات ولكن ينبغى ان تضع الحكومة اولوية خاصة لهذه القضية التى تهدد مستقبل اجيال كاملة نفقدها كل يوم .
ثالثا : هناك قضية اخطر لأن بعض الدلائل تشير الى انتشار ظاهرة الإلحاد بين اعداد كبيرة من شبابنا، وفى المجتمع المصرى الذى كان الإيمان دائما اهم ثوابته يمكن ان تمثل هذه الظاهرة منحدرا خطيرا فى مستقبل الوطن.. اننا نقدر الأسباب التى يمكن ان تكون وراء ذلك خاصة حالة الخلل وعدم التوازن التى اصابت جيل الشباب فى ظل حالة الفوضى والفتن التى اصابت عقائد الناس فى السنوات الأخيرة .. كان للإخوان المسلمين دور فى ذلك امام فشلهم السياسى وقصورهم الدينى وكان للإسلام السياسى دور فى ذلك ايضا امام الخلط بين قدسية الدين ومستنقعات السياسة .. هذا بجانب ان البعض من اصحاب التيارات الفاسدة حاول استغلال هذه الظروف بتشويه صورة الإسلام وقد شارك الإعلام المصرى فى هذه الجريمة من خلال عدد من البرامج المشبوهة التى قامت بهذا الدور او برامج اخرى شجعت على طرح فكر الإلحاد او الدفاع عنه بل وترويجه .. وما بين تشويه الإسلام الدين والعقيدة والثوابت وتقديم نماذج فجة للإلحاد والملحدين يبدو ان تيارات الإلحاد وجدت مناخا مناسبا يشجعها ويروجها ويدعو لها .
هذه الثلاثية الخطيرة التى انتشرت بين شبابنا تحتاج الى وقفة حكيمة من اجهزة الدولة لأنها امراض خطيرة لو انتشرت ووجدت الظروف المناسبة سوف تتحول الى واقع اخلاقى وانسانى مدمر .. ان الإدمان كارثة .. والهجرة لأفضل العناصر البشرية خسارة كبيرة والإلحاد فى مجتمع مؤمن نذير شؤم وخراب ولهذا علينا ان نلتفت قليلا لشبابنا ونقترب منه اكثر على كل المستويات .. ان للأسرة دورا كبيرا .. وللمدرسة والجامعة ادوار اكبر وللإعلام مسئولية ضخمة وقبل هذا كله على الحكومة ان تسعى لمواجهة قضايا الشباب حتى لا نخسر الحاضر والمستقبل معا .

..ويبقى الشعر

‎انتزعُ زمانكِ منْ زَمنِي
ينشَطرُ العُمرْ
تنزِفُ في صَدْري الأيامْ
تُصبحُ طوفَانَا يُغرقُني
ينشَطرُ العالمُ من حوْلي
وجهُ الأيام ِ.. بِلاَ عينيْن
رأسُ التاريخِ .. بلا قدَمينْ
تنقسمُ الشمسُ إلى نصفينْ
يذوبُ الضوءُ وراءَ الأُفقِ
تصيرُ الشمسُ بغير شعاعْ
ينقسمُ الليلُ إلى لَونينْ
الأسْودُ يعصفُ بالألوانْ
الأبيضُ يسقُطُ حتَّى القاعْ
ويقُولُ الناسُ دُموعَ وداعْ
* * *
‎اَنتزعُ زمانِكِ من زَمنِي
تتراجعُ كلُّ الأشياءْ
أذكرُ تاريخًا .. جمَّعنَا
أذكر تاريخًا .. فرَّقنَا
أذكرُ أحلاماً عشْناهَا بينَ الأحزانْ
أتلوَّن بعدَكِ كالأيامْ
في الصبح ِأصيرُ بلون الليلْ
في الليَّل ِأصيرُ بلا ألوانْ
أفقدُ ذاكرَتِي رَغمَ الوهْمِ
بأنى أحيا كالإنسَانْ ..
ماذَا يتبقى مِنْ قلبِي
لو وُزَّعَ يومًا في جَسدَينْ
مَاذا يتبقى مِنْ وجهٍ
ينشَطِرُ أمامِي فِي وجهَينْ
نتوحدُ شوقًا في قلبٍ ..
يشْطُرنا البُعدُ إلى قلَبينْ
نتجَمَّع زَمنًا في حُلمٍ
والدهرُ يُصرُّ على حُلمَينْ
نتلاقَى كالصبحِ ضياءً
يَشْطرُنا الليلُ إلى نِصفينْ
كلُ الأشياءِ تفرقُنَا في زمنِ الخَوفْ
نهربُ أحيانًا في دَمِنا
نهربُ في حزنٍ .. يَهزِمُنا
مازلتُ أقولْ ..
أن الأشجارَ وإن ذبُلتْ
في زمنِ الخوفْ
سيَعودُ ربيعٌ يُوقظُها بينَ الأطلالْ
إن الانهارَ وان جَبُنتْ فى زَمنِ الزَّيفْ
‎سَيجئُ زمانٌ يُحيِيهَا رغم الأغلال
‎مازِلتُ أقولْ ..
لو ماتتْ كلُّ الأشْياءْ
سَيجئُ زمانٌ يشعرنا أنَّا أحياء
‎وتثُور قبورٌ سئمتنَا
‎وتَصيحُ عليهَا الأشلاءْ
‎ويموتُ الخوفُ ..يموتُ الزيفُ
‎..يموتُ القهرُ
‎ويسقطُ كلُ السُفهاءْ
‎لنْ يبقَى سَيفُ الضُّعفاءْ
‎سيموتُ الخوفُ وتجْمعُنا كلُ الأشياء
ذراتكِ تعبرُ أوطانًا
وتدورُ وتبحثُ عن قلبِي في كل مكانْ
ويعودُ رمادكِ لرمادي
يشتعلُ حَريقا يحملنَا خلفَ الأزمانْ
وأدورُ أدورُ وراءَ الأفقِ
كأني نارُ في بُركانْ
ألقِي أيامي بينَ يديكِ
همومَ الرحْلةِ والأحزان
نلتئمُ خلايا ..وخلاَيا
‎نتلاقَى نبضًا وحنايا
تتجمًّع كلُّ الذراتْ
تصبحُ أشجاراً ونخيلاً
وزمانَ نقاءٍ يجمعُنا
وسَيصرخُ صمتُ الأمواتْ
تُنبتُ في الأرضِ خمائلَ ضوءٍ ..انهاراً
وحقولَ أمانٍ في الطُرقاتْ
نتوحدُ في الكونِ ظلالا
‎نتوحدُ هدْياً ..وضلالاً
‎نتوحدُ قُبحًا وجمالا
‎نتوحدُ حسًا وخيالاً
‎نتوحدُ في كل الأشياءْ
‎ويموتُ العالمُ كى نبقَى
‎نحنُ الأحياءْ

قصيدة «سيجئ زمان الاحياء» 1986

[email protected]
لمزيد من مقالات فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.