[email protected] ظهر في أواخر القرن العشرين موقف سلبي محافظ يملي علي المثقف الانزلاق الي فجوة الانحصار في بوتقة الماضي الدفين ويسلب منه قدرته علي الابداع والعطاء والتجديد، بل يجعله عاجزا عن مواجهة قضايا العصر وكلما ظهر أو حاول بثقافته الجديدة وعلومه المعاصرة رجموه وسدوا امامه الطريق واتهموه بالعمالة والامبريالية رغم انه يمثل الاتجاه الزاحف بثقافته وافكاره وعلومه، وأنه القادر علي العطاء والتغيير وتبني ايديولوجية تتوافق مع التطور الجديد، والتغيرات والتحول من خلال رؤية الحاضر في ضوء المستقبل المرتقب، وان هذه الايديولوجية التي يحمل قضاياها المثقفون لاريب انها بدأت في الاونة الاخيرة تأخذ موقفا ورؤية تقدمية تسعي الي فرز العلوم المستحدثة العائمة علي سطح المساحة الفكرية المتاحة واعطت الحق دون استثناء لكل من يريد ان يغرف أي مقدار يريده من مفاهيمها ومعارفها لكي يغربل بوسائلها الشوائب العائقة التي خلفتها الموروثات العائقة لحركة التقدم والتجديد مما يعوق صنع القرار اللازم علي ضوء العلوم والمستجدات لاسقاط وحذف مظاهر التخلف التي تؤدي إلي التقهقر والتراجع في ثقافتنا، ويؤكد رواد هذه النظرية المتطورة علي عاتقهم تبني المنحني الجدلي السليم المرتبط بقضايا الواقع المعاصر المطروحة علي الساحة الفكرية وتبلورها نحو التقدم في المنظومات الثقافية الفكرية ومايستجد في مضاميرها المستحدثة علي ضوء التغيير والمغايرة والتغير والتحويل والتحول للانتقال من الماضي الدفين الي الحاضر استعدادا لاستقبال الغد بكل ما يحمل من منظومات فكرية كانت أو علمية التي تعد الدرع الواقية من أي تلوث ذهني، لاشك ان هذه النخبة من المثقفين التي تبنت هذا المنحني تتعرض لصراعات فكرية مع هؤلاء الذين لايريدون الصعود بالفكر أو التقدم العلمي إلي ما اسفر إليه العالم في عصر التقنية والتكنولوجيا والعولمة »globalization« ومازالت المعركة بين هؤلاء قائمة حتي يومنا هذا رغم انه كان يجب الفصل فيها من فترة زمنية بتراجع هؤلاء الذين ينسبون لانفسهم صفة المحافظين او بالاحري هؤلاء المصابون بشيخوخة الفكر نتيجة المرض المزمن الذي اصاب البعض بشيخوخة الفكر غير القابل للعلاج يهاجمون كل جديد بتهمة انه وارد من الخارج في عصر ميكنة الثورة العلمية ولايعترفون بما افرزه العقل العربي علي ضوء هذه الثورة من خلال آلياتها التي ميكنت التحديث في قنواتها الفكرية والثقافية، بل يشدون حبال الماضي السحيق وينغمسون في ألحانه وايقاعاته التي لم تعد تتوافق مع اوتار الثقافة الجديدة والثورة المعلوماتية والعلوماتية والمفهوماتية التي فرضت منظوماتها علي المثقفين في بقاع العالم قاطبه دون استثناء، وخصوصا عند هؤلاء الصفوة من المثقفين الذين يتطلعون الي صناعة غد افضل يعود بمنافعه علي البشرية جمعاء، اما المناوئون لحركة التقدم العلمي والتقني والعقل العربي المستنير فهؤلاء المتقهقرون الذين يعتبرون العلم يشكل خطرا عليهم وعلي افكارهم الهشة التي سقطت من قاموس المعارف والعلوم في مستنقع من الصقيع يصعب الخروج منه بعد ان سقط زمانها مع تلك الفترة الزمنية قبل الطيران وغزو الفضاء ومازالوا يعيشونها منفصلين منعزلين عن العالم اليوم. ان ذلك الصراع لاشك انه يشكل خطورة علي الاتجاهات والقيم في تلك المجتمعات ليس فقط بالنسبة للمثقفين انما ايضا بالنسبة للفئات الاجتماعية المختلفة. ويساعد علي تشكيل فئة لاهداف لها سوي السلبية التي تفرض علي الثقافة المبدعة قيودها لتغير مسارها كي تحل محلها ثقافة استهلاكية مستهلكة دون هدف ضاق اللسان من كثرة ترديدها وصمت الاذان من سماعها فلم تتفق ولم تتوافق مع الركب الجديد من الثقافات التي فرضت مناهج علومها ومنظوماتها وعلي الخصوص في الاونة الاخيرة علي المجتمعات سواء كانت اوروبية أو اسيوية أو افريقية، وهنا يتضح ان صورة التخلف تلاحق المثقفين ولاتهمد من تلك الملاحقة والمتابعة، والمثقف المبدع لايستطيع هضم مايريد هؤلاء من افكار لايسيغها ولا يستسيغها العقل إنه دائما الجانب الرافض غير المستسلم لتلك الافكار البالية التي أكل الدهر عليها وشرب. كاتب المقال : عضو اتحاد كتاب العرب