لابد أن يشعر الإنسان بالحيرة وهو يتأمل حال العالم العربى، الأمية منتشرة، الفقر فى البلاد العربية يزداد سنة بعد أخرى، تخلف شديد فى الصناعة والتكنولوجيا الحديثة، غياب تقريباً للبحث العلمى بينما دول أخرى غير عربية كانت أكثر تخلفاً وفقراً وجهلاً أصبحت فى مقدمة الدولة الصناعية المتقدمة، مثل الصين، ما السبب؟ لماذا؟ لماذا، والعالم العربى يمتلك العوامل التى يمكن أن تجعله يقتحم القرن الحادى والعشرين بعلومه واكتشافاته وصناعاته؟ تأتى إلينا أصوات من المغرب العربى مهمومة ومشغولة وتبحث عن كيفية الخلاص، إنهم يرفضون أكاذيب المستشرقين الذين يدعون أن طبيعة "العقل العربى" هى السبب، لأن العقل العربى كسول لا يجهد نفسه فى البحث، وهو أسير "التقليد" ويرفض كل جديد ويعتبره بدعة، يفكر كما كان يفكر أجداده منذ مئات السنين، ويعيش كما كان يعيش آباؤه، ويرى أن "التقاليد" هى التى يجب أن تحكم حركة الحياة، العقل العربى يستسهل القول بأن الاستعمار هو السبب ويتجاهل مسئوليته أيضاً، فالاستعمار خرج فلماذا لم يتقدم العالم العربى ويلحق بالعالم المتقدم؟ المفكر الجزائرى محمد أركون، رأيه أن العقل العربى انفصل عن النهضة الفكرية والعلمية التى قفزت بها دول الغرب قفزات كبرى، وانفصل أيضاً عن النهضة العقلية التى ازدهرت فى العالم العربى فى العصر الذهبى، ولذلك لا تجد ما كتبه ابن رشد مثلاً فى موقعه الذى يستحقه فى الفكر العربى، بل وتجد من يردد كالببغاء، أن ابن رشد ضال مضلل (!) مع أن ابن رشد كان قاضى القضاة فى قرطبة يحكم بين الناس وفق الشريعة الإسلامية، مع استعمال العقل فى الحكم والاستنباط، والحل عند محمد أركون العودة إلى منابع الفكر الذى يعلى شأن العقل ويدعو إلى الاجتهاد والتجديد. محمد أركون، يرى أيضاً أن العقل العربى أصابه الضمور بسبب تراجع دور المثقفين والمفكرين والعلماء، وسيطرة السياسيين حتى لم يعد أمام المفكر أو العالم إلا أن يتبع السياسى، بينما العكس هو الوضع الطبيعى، أن يكون السياسى تابعاً للمفكر وبهذا يتقدم الفكر وينير الطريق ويوسع مجال الرؤية أمام السياسى، وبسبب تدخل السياسة فى الفكر ومحاصرة المفكرين، أصبح العقل العربى فى حالة ارتباك وحيرة، هل يتبع الغرب ويقلده وينقل كل ما فيه لأنه يرى أن ذلك هو الطريق الذى حقق فيه الغرب نهضته؟ من هؤلاء ترى مجاذيب أمريكا، ومجاذيب روسيا، ومجاذيب غيرهما، ومن يؤمنون بأنه لا صلاح العالم العربى إلا بما صلحت به أوروبا وأمريكا دون اعتبار لاختلاف الظروف والتطورات التاريخية للمجتمعات هنا وهناك، على الجانب الآخر مثقفون عرب يرون أنه لا صلاح ولا تقدم إلا بالعودة إلى تكرار الأفكار والعلوم التى حقق بها العرب نهضتهم فى عصرهم الذهبى، هؤلاء يرون أن الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا. ومفكر المغرب الكبير محمد عابد الجابرى، رأى أن الفرق الدينية التى ظهرت فى التاريخ الإسلامى كانت السبب فى انقسام الأمة وتفرقها وضعفها، لأنها كانت فى حقيقتها أحزاب سياسية، ولم تكن فرقاً دينية، وكان هدفها الوصول إلى الحكم وليس الوصول إلى الله، واستخدمت المصطلحات السياسية على أنها مصطلحات دينية، واعتبرت الخارج عليها خارجاً على الإسلام "زنديقاً أو منافقاً أو كافراً"، والحل هو التمييز بين ما هو دين وما هو سياسة وعدم الخلط بينهما حتى لا تكتسب السياسة قدسية الدين ويكون الاختلاف فيها معصية لله وحكمه. ومفكرنا المغربى الكبير رأيه أن تجديد العقل العربى وتحديث المجتمعات العربية يجب أن يكونا أولاً بإصلاح الاقتصاد والتخلص من عشوائية السوق وتدخل الدولة لحماية الاقتصاد من الانحراف الذى يقوده الفاسدون وأصحاب الأطماع اللا نهائية، وتدخل الدولة لضمان أن تكون ثمار التقدم لصالح المجتمع وليس لصالح فئة، وثانياً بالبدء فوراً فى برنامج لتغيير مناهج وأساليب التعليم المسئولة عن تخلف العقل العربى، وثالثاً: بغرس احترام حقوق الإنسان التى أصبحت لها الأولوية فى القرن الحادى والعشرين، بذلك تتحقق نهضة حقيقية للعالم العربى، نهضة ذات طابع حضارى وإنسانى، يشعر فيها العربى بالفخر وهو يقدم نفسه للعالم ويقول: أنا عربى!