أدلة على استحالة الحد الأعلى لأكثر من يوم واحد.. د.محمد حافظ: توليد 5150 ميجاووات من السد الأثيوبي جزء من "شو" الافتتاح    عقوبة نصرة المظلوم بشبه دولة السيسي .. اعتقال متحدث منطقة "طوسون"- الإسكندرية مشهد متكرر!    وكالة فيتش تخفّض التصنيف الائتماني لفرنسا على وقع اضطرابات سياسية    ميناء دمياط يستقبل سفينة قمح أوكرانية محملة ب22.6 ألف طن    أبو الغيط يرحب باعتماد الأمم المتحدة لإعلان نيويورك بشأن حل الدولتين    الكرملين: المفاوضات مع أوكرانيا متوقفة    الشرع: سوريا تجري مفاوضات مع إسرائيل للتوصل إلى اتفاق أمني    الكشف عن سبب غياب شيكو بانزا عن قائمة الزمالك أمام المصري    منتخب مصر تحت 20 سنة يستعد للسفر إلى تشيلي لخوض كأس العالم    إسماعيل يوسف يعلق على اعتذار الخطيب عن الترشح    أحمد سعد: أنا جريء وواضح مع كل الناس إلا ابنتي.. بتكسف منها جدًا    أحمد سعد يكشف رحلة تحوله مع الطب النفسي: حب الظهور أدخلني في أزمة    التقديم الإثنين المقبل.. تفاصيل إعلان وظائف مصر للطيران 2025 الجديدة و7 تخصصات مطلوبة (مستند)    مدارس لتكنولوجيا الرى بالتعاون مع «التعليم»    رسميًا الآن.. تنسيق الأزهر 2025 (مؤشرات القبول للبنين والبنات علمي وأدبي PDF كامل ورابط التسجيل)    فلسطين تحذّر من تفجير الأوضاع فى الضفة الغربية    قطر تتعهد بحماية سيادتها بعد هجوم إسرائيل في الدوحة    ضمان وتأكيد.. سر زيارة وزير الخارجية الأمريكي ل إسرائيل اليوم (تفاصيل)    الجيش الصينى يتعقب ويراقب سفينتين حربيتين أمريكية وبريطانية عبرتا مضيق تايوان    موجة رفض واسعة ل«رسوم إغراق خام البليت»    قفزة جديدة في عيار 21 الآن.. ارتفاع أسعار الذهب اليوم السبت بالصاغة محليا وعالميا    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 13 سبتمبر 2025    الكشف عن طاقم تحكيم مباراة الأهلي و إنبي في الدوري    ترتيب هدافي دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة الرابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    موعد مباراة ريال مدريد وريال سوسيداد في الدوري الإسباني والقناة الناقلة    "الجنايات" تنظر محاكمة 39 متهمًا في قضية الهيكل الإداري للإخوان    «التعليم»: تطبيق أعمال السنة لطلاب الشهادة الإعدادية بنسبة 20٪ من مجموع الدرجات بدءًا من 2027/2028    «ارتفاع مفاجئ».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحذر»    "نجوم الأهلي الأبرز".. لاعبون اهتموا بالظهور على "تيك توك" عن الملاعب    ميكروباص ونص نقل وملاكي.. إصابة 8 أشخاص في حادث تصادم 3 سيارات في الدقهلية    محافظ الجيزة يقود اجتماعًا حاسمًا لتنظيم الإعلانات وتعظيم موارد المحافظة.. صور    بنك ناصر يوضح حقيقة فتح باب التعيين لوظيفة خدمة العملاء    5 أبراج «ريد فلاجز»: متناقضون يرفضون إلقاء اللوم عليهم ويحملون مشاعر انتقامية    الجيزة تنظم زيارة ل45 طفلًا ومرافقيهم لمنطقة آثار سقارة ومتحف إيمحتب    «البحوث الإسلامية» يحذر من خطورة تراجع القيم والتشكيك فى ثوابت الدين    مؤشر خطير للإصابة ب«مرض بهجت».. حسام موافي يحذر من تجاهل 3 علامات في الجسم    حسام موافي يحذر من مخاطر ارتفاع الضغط ومضاعفاته على القلب    مخاطر «فقع الحبوب» بعد تورم وجه صديقة نيمار: تصل لشلل عضلات العين وإعاقة وصول الدم للمخ    أمانة وشهامة.. مصطفى عثر على أكثر من مليون جنيه ورَدّها لصاحبها ورفض المكافأة    عودة المدارس| البعض يبحث عن بدائل.. «باص المدرسة» يقصم ظهر أولياء الأمور    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. مصر ترحب باعتماد قرار يؤيد إعلان نيويورك بشأن تنفيذ حل الدولتين.. و142 دولة تصوت فى الأمم المتحدة لصالح قرار إقامة دولة فلسطينية    صراع هجومي مشتعل في الزمالك قبل مواجهة المصري    "وسع وسع".. النجم أحمد سعد يشعل ستوديو "معكم" وتصفيق حاد من الجمهور.. فيديو    أحمد سعد ل"معكم": منعت ولادى من الغناء.. وهذه علاقتى بابنتى جودى    صنع التعادل في الوقت القاتل.. إلتشي يفسد ظهور سانشيز الأول مع إشبيلية    تفاصيل سقوط البلوجر أنتكا في قبضة الأمن بتهمة نشر فيديوهات خادشة    اليوم.. الحكم على مروة يسري المعروفة ب ابنة مبارك بالمحكمة الاقتصادية    اليوم.. محاكمة التيك توكر خالد الرسام بتهمة نشر الفسق والفجور    وكيل صحة الفيوم تتفقد الوحدات الصحية وتوجه بإحالة المتغيبين للشئون القانونية    أنغام النيل تلتقي بتراتيل الهان.. الأوبرا تحتفي ب30 عامًا من الصداقة المصرية الكورية| صور    وزارة التعليم: عدم ربط تسليم الكتب الدراسية بدفع المصروفات بالمدارس التجريبية    تامر حسني: "وصلني اقتراح أغني زي الأوبرا من غير تنطيط.. وأفكر فيه بجدية"    ما حكم من لا تقدر على كفارة اليمين ولا الصيام؟.. أمين الفتوى تجيب    ما طريقة وضع الميت أثناء صلاة الجنازة؟.. الإفتاء توضح    ما هو السرطان المنسي الذي يزداد انتشاره ويهدد الشباب اليوم؟    "منهج النبى (ص) فى تقويم السلوك".. قوافل دعوية للواعظات بالإسكندرية    تجارة أسيوط تطلق البطولة الصيفية لكرة القدم بمشاركة 18 فريقًا    دعاء فجر يوم الجمعة.. لحظة تفتح أبواب الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



2010 سنة الخسائر المتتالية: الجابري وأبو زيد وأركون!
نشر في القاهرة يوم 04 - 01 - 2011

لقد كانت سنة 2010 سنة الخسائر بالنسبة للثقافة العربية ولتيار الفكر العقلاني حيث فقدت الساحة الفكرية عددا من المفكرين العرب، وكان التتابع في الموت في 3 مايو لمحمد عابدالجابري وفي 5 يوليو لنصر حامد أبو زيد ثم في 14 سبتمبر لمحمد أركون، ثلاثتهم كانوا من المفكرين التنويريين الذين عملوا علي قراءة التراث قراءة تحليلية واعادة فهمه بإخضاعه لمنطق العقل والنقد.
بدأت محنتهم عندما خرجوا علي سرب التقليد، فأركون غادر بلده لمدة طويلة، وأبو زيد لجأ إلي المنفي بعد أن تم تكفيره وتطليقه من زوجته بحكم قضائي، ومن لم يتعرض للنفي كالجابري لم يسلم من ألسنة المتطاولين.
رحل الجابري وبقيت إشكالياته الفكرية!
لقد تزامن التألق الفكري لمحمد عابد الجابري (1936- 2010) مع هبوب رياح العولمة وبداية المد الديني الأصولي في المرحلة التي شهدت تراجع الفكر القومي والفكر اليساري وهما منظومتان فكريتان شغلتا المشهد السياسي والفكري العربي في فترة ما بعد الاستقلال.
والجابري أثار خلال مسيرته الفكرية كثيرا من الجدل وبقدر ما حظي باحترام وتكريم من اليونسكو، فقد تناولته أقلام متعددة بالنقد والاتهام علي أسس فكرية أو من منطلقات دينية، المنتقدون من التيارات الفكرية منهم حسن حنفي وجورج طرابيشي الذي خصص موسوعته "نقد نقد العقل العربي" للرد علي عقلانية الجابري التي اتهمها بالمنحرفة والمتحيزة وشكك بأصالة منطلقاته في تعريفه وتحليله للعقل، أما المنتقدون من التيارات الدينية فقد ظهروا بعد نشره لكتابه الأخير "التعريف بالقرآن" حيث تطرق لمسألة الزيادة والنقصان في الآيات القرآنية واعتبروا أن الجابري مس الخطوط الحمراء حيث تساءل بناء علي روايات تراثية إن كان القرآن الذي بين أيدينا يحتوي كل الآيات دون نقص ولا زيادة؟.
ان الحراك الذي أثاره الجابري ومنتقدوه ومؤيدوه شكل نهضة فكرية هي أقرب للتي أثارها مفكرو عصر النهضة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بتياراتهم الإسلامية والوطنية، فقد اثار الجابري نفس التساؤلات عن التراث والهوية والتعليم والدين مختصرة في سؤال: لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون؟ وقد جدد التساؤلات ولكن ضمن معطيات جديدة من خلال كتبه، سواء تعلق الأمر بالتربية والتعليم: "أضواء علي مشاكل التعليم بالمغرب"، "من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية"، أو تعلق الأمر بالتراث: "نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي"، "المثقفون في الحضارة العربية الإسلامية محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد"، أو تعلق الأمر بالعقل: "تكوين العقل العربي"، "بنية العقل العربي"، "العقل السياسي العربي"، "العقل الأخلاقي العربي"، أو تعلق الأمر بالدين فهما وتفسيرا وهو الموضوع الحاضر في كتاباته وخصوصا في كتابه الأخير حول القرآن.
رحل المفكر محمد عابد الجابري ولم ترحل إشكالاته وتساؤلاته الفكرية، فما زال الواقع العربي بحاجة لمفكرين عقلانيين ومتنورين يخترقون جدران الجهل والتخلف والظلم والاستبداد.
نصر حامد أبو زيد .. التفكير في زمن التكفير!
كان نصر حامد أبو زيد (1943- 2010) وجها من وجوه طليعة نقدية حاولت اختراق أسوار الممنوع العقلي والثقافي في حياتنا، إنه مفكر واجه الانغلاق الفكري وسلطة المقدس والموروث منفتحا علي أكثر الأسئلة ارتباطا بالمرحلة التي عرفت انتعاشا غير مسبوق لسطوة التقليد أراد أصحابها إعادة تنشيط عقلية الوصاية والهيمنة علي المجتمع العربي في لحظة عرفت انتكاسا وتراجعا لمشاريع التحديث والتقدم الاجتماعي والسياسي.
يمثل مشروع نصر أبو زيد أحد المشاريع الفكرية العربية التي حملت علي عاتقها هم العقلنة كما يمثل مواجهة علمية نقدية للمسكوت عنه في ثقافتنا الموروثة كاشفا عن مأزق الخطاب الديني السائد من خلال كتاب نقد الخطاب الديني وكتب أخري منها: "الاتجاه العقلي في التفسير"، "فلسفة التأويل"، "مفهوم النص دراسة في علوم القرآن"، "اشكاليات القراءة واليات التأويل"، "دوائر الخوف قراءة في خطاب المرأة"، "التفكير في زمن التكفير"، "الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية".
كان نصر أبو زيد علي قناعة بأنه لا سبيل لتقدم العرب والمسلمين وإصلاح أوضاعهم إلا بنقد الخطاب الديني وقراءة التراث بمنظار العقل، كما دعي إلي تفسير علمي مدعم بالحجج، ينطلق من النص ليصنفه في سياقه التاريخي فيفرق بين المعاني العقائدية والمعاني التي فرضها السياق التاريخي، وبنفس الوقت كان أبو زيد مدافعا عن حقوق المرأة وعن مفهوم المواطن الفرد وحقه بالمشاركة في تقرير مصيره وعمل في كل أبحاثه وكتاباته لوقف عملية تديين السياسة وتسيس الدين.
إن من يزعم امتلاك الحقيقة الدينية واحتكار تفسيرها هو في الواقع يعارض إرادة المفكرين في البحث العلمي، ويعارض حرية الناس في اختيار ما يرونه مناسبا من تفسير يناسب حياتهم الحديثة، ومن الطبيعي أن يتمسك التيار الديني باحتكاره لآلية فهم الحقيقة الدينية، لأن أي تراجع لصالح حرية الاختيار وتعددية الفهم هو بمعني تقديمه تنازلات قد تهدم بنيانه.
ان الاتهامات مثل ملحد وزنديق ومرتد وكافر والتي كانت وستظل توجه إلي أبوزيد بسبب اعتباره متعديا علي ثوابت الدين نستنتج منها أن اتهام أبوزيد جاء استنادا إلي الاختلاف معه في فهم الثوابت الدينية وليس الاختلاف علي أصل هذه الثوابت، لذلك فإن فكر أصحاب التيار الديني يعيش أزمة تتمثل في تكفير وإلغاء الآخرين، واعتبار أن فهمهم للقرآن هو فهم نهائي وخاص بهم فقط، كما أنهم لا يحكمون علي التفسير الآخر بأنه خاطئ فحسب وإنما يعتبرونه خارجا عن الدين ولا يعبر عن أي فهم للقرآن.
رحيل أركون وبقاء الأركونية!
الانتصار المعرفي الذي أحدثه محمد أركون (1928- 2010) ضد الجمود الذي يحيط بالعقل العربي والإسلامي من خلال إدانته للقراءة الدينية التي تتراوح بين التقليد والتحامل، انما هو انتصار لصالح انهدام الأصولية والاستشراق، الأصولية التي تعمل علي رهن الحاضر والمستقبل لمقولات الماضي لتنتهي بتصور مشوه للفكر الديني، والاستشراق الذي يعمل علي منهج ناتج عن تحامل وتعتيم.
ومنهج أركون يمر بثلاثة مستويات: الاستخدام المنهجي والتاريخي الوضعي "دراسة عمودية"، ثم المنهجية التاريخية كما هي في مدرسة الحوليات الفرنسية "دراسة أفقية"، ثم مستوي الفلسفة والنقد المعرفي "الأبستمولوجي"، أو التركيب بعد التفكيك، وكان يري أن الفكر الإسلامي يرتكز علي ثلاثة عناصر هي: العقل، والخيال، والثقافة،
وقد أصر أركون علي انفتاح إسلامي علي أفكار التنوير والعقلانية وكان يبحث عن طريق للتعايش السلمي بين الأديان والحضارات معارضا بذلك لنظرية صراع الحضارات، كما رأي أن الوهم في الفكر الإسلامي و الفكر الغربي مبني علي أن ثقافة الآخر هي العدو.
بدأ أركون مشروعه الفكري كرد علي المعرفة الاتباعية بالتقليد، ونتيجة ذلك واجه التهم التكفيرية لكنه واصل جهوده العلمية منجزا الكثير من المؤلفات منها: "بحث في علم الأخلاق"، "قراءات في القرآن"، "الاسلام الدين والمجتمع"، "الفكر العربي الاسلامي"، "أين هو الفكر الاسلامي المعاصر"، "الاسلام أوروبا والغرب"، "نافذة علي الاسلام"، "من الاجتهاد الي نقد العقل الاسلامي"، "الاستشراق بين دعاته ومعارضيه"، "كيف نفهم الاسلام اليوم"، "قضايا في نقد العقل الديني".
لقد ساهم أركون في ضبط آليات التفكير العربي الاسلامي، وفي تقديم صورة مضيئة للاسلام الحقيقي، وهو واحد من المفكرين العقلانيين والتنويريين الذين استوعبوا حقائق عصرنا استيعابا عقليا نقديا، وجعلوا من المناهج التعليمية والتربوية مراكز لتجديد المعارف والابداع والابتكار، وبرحيله تنتهي حياة مفكر نادي بضرورة مواجهة تردي الفكر العربي بتنوير العقل العربي.
ان مسيرة التقهقر والتخلف الفكري للمجتمعات العربية قد تخللتها مراحل تنويرية الا أنها قد تم القضاء عليها وعلي أصحابها وذلك منذ استطاع الأصوليون استخدام سلطان الحكم لمصلحتهم وإثارة الناس علي أي مفكر أو فيلسوف حاول إعمال العقل والمنطق للبحث في شؤون الدنيا والدين، فتم علي سبيل المثال قتل ابن المقفع، وجلد بشار بن برد حتي مات، وسجن جابر بن حيان حتي فارق الحياة، وصلب الحلاج، وأعدم السهروردي، ورمي بالكفر أبو بكر الرازي وابن الراوندي والمعري والكندي والفارابي وعمر الخيام، وفي عصرنا يطرد المفكرون والمبدعون العرب من أوطانهم ليعودوا إليها جثثا أو في صراع مع الموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.