كتب - ايمان علي ومي أبوزيد وخالد بيومي ورحاب لؤي علي غير عادته الصاخبة، رحل الدكتور نصر حامد أبوزيد أمس في هدوء بعد إصابته باضطراب في الوعي نتيجة التعرض لفيروس غامض فشل الأطباء في تشخيصه، ها هو المفكر الذي قدم أفكاره بوعي كبير، وواجه منتقديه وأعداء فكره بوعي أكبر يرحل تاركا- هو وآخرون- الساحة تخلو شيئا فشيئا من أصحاب الفكر المستنير ورافعي لواء "إعمال العقل"، ها هو المفكر يرحل عظيما بعد أن بدأ بسيطا. ولد أبوزيد بإحدي قري طنطا في 10 يوليو 1943 ناشئا وسط أسرة ريفية بسيطة، لم تمكنه حالتها الاقتصادية من الحصول علي شهادة الثانوية العامة التوجيهية التي بها يستكمل دراسته الجامعية، ولهذا اكتفي المفكر البسيط بالحصول علي دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي عام 1960 إلي أن وصل ليكون أستاذا زائرا لعدة جامعات في مختلف دول العالم، ولتكون له أعمال فكرية عميقة جلبت له الكثير من المشكلات ومنها: الاتجاه العقلي في النفسير، و "فلسفة التأويل" و" مفهوم النص" و"المرأة في خطاب الأزمة"، وغيرها. حين طرح صاحب "نقد الخطاب الديني" و"التفكير في زمن التكفير" أسئلته الجديدة والمغايرة في أبحاثه عن "الإمام الشافعي" للترقّي في الجامعة عام 1993 قامت الدنيا ولم تقعد، وكان طرده من الجامعة واتهامه بالردة والتفريق بينه وبين زوجته ابتهال يونس أستاذة الأدب الفرنسي بجامعة القاهرة عام 1995 هو الحل الأمثل لقناصة التكفير من أجل "انحسار العلمانية في الجامعة". كان آخر أنشطة أبو زيد الحاصل علي ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب جامعة القاهرة 1972 العام الماضي عندما ألقي محاضرة في الجمعية الفلسفية المصرية بالجيزة، بعدما قام في خريف 2008 بأطول زيارة له إلي مصر منذ خروجه منها عام 1995 أستاذا زائرا في جامعة "لايدن" بهولندا، ضيفا علي مكتبة الإسكندرية للحديث عن مشروعه البحثي الجديد "القرآن كنص". وقبل عدة أشهر منعت السلطات الكويتية أبوزيد من دخول أراضيها، بعد أن كان مدعواً لإلقاء محاضرتين عن نقد الخطاب الديني والمرأة، وحينما دفعه الأمر إلي عقد مؤتمر صحفي بمقر نقابة الصحفيين ينتقد فيه قمع الأنظمة العربية لحرية التفكير، فوجئ بالأمن بالنقابة يمنعه من استخدام إحدي قاعاتها، ما اضطره لعقد المؤتمر ببهو النقابة وبدون ميكروفونات. هنا يتحدث عنه أصدقاؤه، ومثقفين رأوا فيه رمزا "لإعمال العقل". موت نصر حامد كان مفاجأة غريبة الشكل خصوصاً عندما علمنا أنه مصاب بفيروس لم نعرفه، فلماذا لم يعالج في هولندا؟ فهل الفيروس غامض؟ إنه رجل مفكر وله رؤيته النقدية للتراث، ونحن بلد يحترم الاختلاف وكان من المفترض أن يتم التعامل مع اختلاف المناهج بقدر من الاحترام والقبول أيا كانت الرؤية، فلم تسعه مصر فعاش في هولندا خارج أرضه، وحقق مكانة في الخارج وفي مصر. مهما كانت الاختلافات والتناقضات لا تغلق أمام أصحابها الأبواب الفكرية، فموته خسارة كبيرة، إنه أستاذ يشرف مصر في المحافل الدولية فلنعزِّ أنفسنا. وأكد الناقد الادبي د.عبد المنعم تليمة: أن أبوزيد خاض بقوة ميدانين مهمين بشجاعة كبيرة، الميدان الأول تمثل في رسالتيه للماجستير والدكتوراه اللتين مال فيهما إلي العقلانية، والميدان الثاني أنه حمل بجسارة لواء «البيانية» في تفسير القرآن الكريم، أي الأخذ بالوجوه البلاغية في النص القرآني الكريم، مواصلاً بذلك مدرسة الزمخشري قديماً ومدرسة أمين الخولي حديثا، ونعني بالأمرين أولاً الإعلاء من شأن العقل وإعماله ونعني ثانيا أن النص القرآني الكريم أرفع نصوص لغتنا العربية وينبغي التعامل معه بيانياً، ولكن بعض التيارات المتخلفة تأخذ النصوص من ظاهرها لتستخدمها سياسياً واجتماعيا فًي أغراض انتفاعية، ولقد تصدي رحمه الله لقضية أساسية وهي تجديد الفكر الديني والتصدي لتيارات الجمود والتخلف، وكان تأثيره في آلاف الطلاب عميقاً وسيبقي هذا التأثير، وستبقي أعماله، رحمه الله. وقال الروائي جار النبي الحلو: نصر حامد أبوزيد واحد من المفكرين الكبار، وله تلاميذ في كل أنحاء العالم، افتقدناه كثيرا، الله يرحمه، لقد التقيت به أنا ومحمد المنسي قنديل ومحمد فريد أبوسعدة وذلك عام 1965 حينما ذهب ثلاثتنا إلي قصر ثقافة المحلة لنقابل ما تعرف ب"شلة المحلة" وكانت تضم نصر حامد أبو زيد وجابر عصفور وسعيد الكفراوي ومحمد صالح ورمضان جميل وآخرين، وقد كان لهذه الأسماء بعد ذلك إنتاجا متميز وإنجازات كبيرة. و كان د. عماد عبد اللطيف أستاذ بكلية التربية الفنية «ابن شقيقه» خارجاً لتوه من العزاء، و قال: كان أبو زيد كإنسان مثالا للخلق، في تعامله مع الناس وتواضعه، وفي تنزهه عن أغراض الدنيا، كان مثالاً في احترامه الشديد جداً لقيمة العلم، ولقيمة الإنسان، كان قيمة كبيرة لنا نحن طلابه، وقد استفدنا منه بشكل كبير. الأيام المقبلة سوف تكشف لنا مدي الظلم الذي طبقه عليه المجتمع الجامعي، والمجتمع ككل، الجميع كان قاسياً عليه، وغير واعٍ في كثير من الأفعال التي اتخذوها ضده. لقد تعرض نصر علي مدار 15 سنة إلي أقصي درجات التشويه المبني علي الجهل والاستسهال وترديد أقاويل دون أي تثبت منها، للأسف الشديد، وهذا لأننا مجتمع تشيع فيه الثقافة السمعية القائمة علي عدم المعرفة العلمية، والقائمة علي اتهام الآخرين بدون سمعهم، ووأد أي اجتهاد، أو أي شخص يعلن أفكاراً مغايرة للسائد والمعروف، وما أسهل أن يتهم شخص لانه مختلف، كانت المرة الأخيرة التي رأيته فيها خلال مؤتمر في الجمعية الفلسفية بجامعة القاهرة، لقد كانت لديه رغبة وقدرة غير عادية علي التسامح مع نفسه والآخرين، وكم غير معقول من السلام النفسي، وبكل أسف لم يكن يستحق ما حدث له إطلاقا. وأكمل: لقد حرص عدد كبير من المثقفين علي حضور جنازة الراحل، أبرزهم الدكتور جابر عصفور، والدكتور حسن حنفي، والشاعر فريد أبو سعدة، وأحمد مرسي، وحسين حمودة، وغيرهم من أساتذة الجامعة.