تأخذنا رواية «عسل السنيورة» للكاتب والروائي شريف سعيد في رحلة ممتدة عبر التاريخ والخيال، حيث يمتزج الواقع بالمتخيل، وتتصاعد الأحداث بطريقة تشد القارئ إلى متابعة مصائر الشخصيات بكل تفاصيلها. أحداث الرواية، الصادرة عن دار الشروق، مستوحاة كما يقول المؤلف من قصة حقيقية ل"جوليا" التي كانت تقيم في فرنسا لكن جذورها إيطالية، مشيرا إلى أن أحداث الرواية تدور في إطار تاريخي، رومانسي، وغرائبي. لا تكتفي رواية السنيورة الفائزة بجائزة نجيب محفوظ كأفضل رواية مصرية، بسرد فترة الحملة الفرنسية على مصر (1798–1801)، بل تعيد قراءة التاريخ من زوايا مختلفة، لتكشف عن ما خلف الوقائع والأحداث الرسمية، وتطرح أسئلة حول الهوية المصرية التي لا تزال مطروحة حتى اليوم. تستند الرواية إلى بحث معمق ومكثف بدأ من هامش صغير في كتاب كان جزءًا من دراسة المؤلف، وتوسع لاحقًا ليشمل مراجع فرنسية وعربية، جمع منها شتات المعلومات التي شكلت قاعدة متينة للرواية. هذا البحث يظهر في الدقة التي صيغت بها الأحداث، وفي حرص الكاتب على أن تكون الشخصيات محكمة البناء، مع مونولوج داخلي يتيح للقارئ التعرف على خفايا أفكارها وعواطفها. ويقدم النص صورًا ولوحات روائية مشبعة بالتفاصيل، مستفيدًا من خبرة المؤلف كمخرج وثائقي، مع موازنة دقيقة بين الواقعي والمتخيل، دون أن يتحول العمل إلى سرد تاريخي جامد. فالرواية، كما يصفها النقاد، «تحرر القارئ من الانحسار في التاريخ والرؤى والقناعات التقليدية»، مع التركيز على فهم الهوية المصرية والاعتزاز بها، ولغة ممتعة وحضور قوي يعكس وعيًا فنيًا بارزًا. تتميز الرواية أيضًا بالاهتمام بالأنثى ودورها في الأحداث، حيث تتخللها قصص العشق المتتالية التي تضيف بعدًا إنسانيًا عميقًا، وتخلق دلالات قوية ترتبط في ذهن القارئ عبر أسماء الشخصيات والأماكن والرموز. عسل السنيورة" الصادرة عن دار الشروق، تذهب بالقارئ في رحلة، لتسلط الضوء على مصر وفرنسا، وإنجلترا وأجواء الخلافة العثمانية، وتنقل إلى القراء الواقع غير المتعارف عليه حول تلك الدول والتفاعلات التي أحاطت بها في أزمان تاريخية سابقة. وعلى الرغم من شمولها التاريخي، فإن الرواية تتجنب الانغماس في السرد التاريخي، مع الحفاظ على إيقاع مشوق ومتماسك يشد القارئ لمتابعة التفاصيل. فالشخصيات والأحداث تخدمان الدراما الروائية، وليس مجرد نقل الوقائع، مع استثمار الحوار والأحداث لإثارة التساؤلات حول الحملة الفرنسية وأثرها على مصر، وما إذا كانت قد حملت مشاعل التنوير من عدمه، حيث جاءت أحاديث نابليون في الرواية لتفتح أفقًا للتأمل والتساؤل، بعيدًا عن القراءة الأحادية للتاريخ. كما تسلط الرواية الضوء على أسئلة الهوية والمكانة التاريخية لمصر في تلك الحقبة، وتعيد للقارئ إمكانية النظر إلى الماضي بمنظور جديد، بعيد عن القوالب الجاهزة، مع إدراك الأبعاد الإنسانية والاجتماعية العميقة التي شكلت تجربة المصريين في مواجهة الصدمة التاريخية. باختصار، تقدم «عسل السنيورة» تجربة روائية متكاملة، تجمع بين المتعة الأدبية والدقة التاريخية، وتعيد فتح أبواب التساؤل حول ما مضى، وتبرز قدرة الرواية على أن تكون مساحة للتفكير والدهشة، مع الحفاظ على عنصر الإثارة والتشويق الذي يجعل النص ممتعًا ومؤثرًا في الوقت نفسه.