معارضة رئيس الجمهورية كانت بطولة قبل الثورة، من لم يلحق بها فاته الكثير ويخطئ لو افترض أنه يستطيع تعويض ما فاته بمعارضة الرئيس الحالى، فمعارضة الدكتور مرسى أو أى رئيس جمهورية قادم لم تعد مجالا للبطولة، لأنها لم تعد عملا فرديًّا بعد أن أسهم فيها الملايين بوقفتهم فى ميدان التحرير، محمَّلين برسائل فاقت قسوة أصحاب أطول ألسنة معارضى الرئيس السابق.. اليوم لن يقف أحدٌ فى وجهك إذا عارضت الرئيس الحالى، ولن تتعرض للأذى بعد أن كسرت الجموع فكرة تقديس الرئيس وبعد أن صار رئيس الجمهورية مجرد رجل منتخب، قد يصل إلى موقعه بفارق أقل من واحد فى المئة من أصوات الناخبين.
البطولة اليوم ليست فى معارضة الرئيس أو المسؤولين، الشقاء الحقيقى والجرأة الحقيقية اليوم فى معارضة الشعب، وتكسير الأصنام التى يصنعها الشعب، ومحاربة التقديس بكل أنواعه.. بطولة المعارضة اليوم مرتبطة بأن تقف فى وجه المستترين خلف قدسية الدين، مهما كانت شعبيتهم جارفة قد تقودك إلى ما هو أسوأ من سجون أمن الدولة (سجون التشهير والعزل الاجتماعى)، مرتبطة بأن تمتلك جرأة كاملة على توجيه الاتهامات لكل واحد يسير وخلفه ملايين المؤيدين فى الشارع ومئات آلاف المناضلين على الإنترنت، أن تمتلك جرأة أن توقظ الأتباع المضللين من الوهم الذى يعيشونه، تحطيم الأصنام يجب أن يكون أحد أهم أهداف المعارضة الجديدة، وهو بالمناسبة أمر قبل أن يدعم صحة المجتمع يدعم صلابة رئيس الجمهورية.
بطولة المعارضة اليوم فى أن تمتلك الجرأة على أن تعطى كل ذى حق حقه، مهما كان هذا الشخص مرفوضًا شعبيًّا، ومهما كان فريسة سهلة لمعاول الهدم، المعارضة الحقيقية أن تقاوم تيار الهدم ما دمت ترى هذا الشخص على حق، ولا تشارك فى هدمه مجاملة للتيار العام.
بطولة المعارضة اليوم فى أن تضع كل شخص فى حجمه الطبيعى، فلا كل من حمل كارنيه الثورة يستحقه، ولا كل من اعتقد الناس أنه يخدم الثورة قد خدمها بالفعل.. بطولة المعارضة فى محاربة تقييم كثيرين المبالغ فيه لشخصية ما، والمبالغة فى التقييم هى أُولى درجات الضلال العام الذى يقع فيه المجتمع، حيث تتحول المبالغة إلى عدوى تنتشر دون أى إعمال للعقل، فتتحول أنصاف القوالب إلى مساكن جاهزة.
بطولة المعارضة اليوم فى أن تنتصر لكلمة الحق مهما كان قائلها مكروها شعبيا، أن تمنح طاقتك وكامل انحيازك للموضوع وللفكرة، متحديا المجاميع التى تضع أصابعها فى آذانها كلما فتح هذا الشخص فمه، أن تقاوم تيار الرفض وتسبح ضده حتى تلتقط من بين الموج فكرة ربما تكون طوق نجاة أو اتهاما ربما يجعلنا نعيد اكتشاف مَن يقفون بيننا، أو معلومة ربما لو وضعناها فى حساباتنا بجدية ودون استهزاء لكانت فارقة.
بطولة المعارضة الآن فى أن تقاتل فى سبيل حرية رأى الآخرين مهما كنت مختلفًا معهم، أسهل شىء أن تقابل حرية الرأى بالسخرية لشعورك أنك فى مركز قوى وأن صاحب هذا الرأى ضعيف ومكروه وغير مؤثر، لأنه بمرور الوقت ستتغير الأماكن.
انتهى زمن أن تعارض الرئيس فتشعر أنك مقاتل، القتال الحقيقى اليوم فى أن تكسر معظم الممارسات الفكرية للشعب حاليا قبل أن تتحول إلى ثوابت، وأن تقف فى وجه من ينافق الجماهير فى الوقت نفسه.