«ملخص المبادرة الوطنية للانطلاق الاقتصادى» التى أعدتها الحكومة كبرنامج إصلاحى للحصول على قرض صندوق النقد تحمل عناوين «براقة» للفقراء، تشمل وعودًا مستقبلية بزيادة معاش الضمان الاجتماعى وتقديم مساعدات للمرأة المعيلة وأسرتها وتقديم إعانة مدارس للطلبة، أما تفاصيل هذه العناوين فأقل ما يمكن أن يقال عنها أنها «مخزية» تكشف مدى انفصال الحكومة عن الواقع الاقتصادى ومعاناة الفقراء ومحدودى الدخل. المبادرة كشفت عن اعتزام الحكومة زيادة قيمة معاش الضمان الاجتماعى (يحصل عليه الشريحة الدنيا والمتوسطة من الفقراء الذين لم ينتظموا فى عمل طوال حياتهم وغير المؤمَّن عليهم) 300 جنيه شهريا، وبفرض أن هذا المبلغ سيقتات به شخص واحد لا أسرة كاملة، فإنه بالكاد يكفى تلبية احتياجات الفرد من الغذاء، أما الكساء والسكن والعلاج فلا مجال لها فى معيشته.
كما أعلنت المبادرة عن إعانة سخية لدعم التعليم فى أسر مستحقى معاش الضمان الاجتماعى. الإعانة جاءت بواقع 20 جنيهًا للطالب، بحد أقصى أربع طلاب فى الأسرة الواحدة، ووفقا لأرقام شعبة الخردوات والأدوات المكتبية بالاتحاد العام للغرف التجارية فإن هذا المبلغ يكفى لشراء 6 كراسات و6 أقلام فى المتوسط شهريا، هذا على اعتبار أن التعليم قراءة وكتابة فقط دون دروس خصوصية أو مواصلات أو ملابس.
أما عن المرأة المعيلة فلم يغفلها البرنامج الحكومى للإصلاح الاقتصادى الذى سيتم تقديمه إلى صندوق النقد فقد كشفت مبادرة البرنامج عن ضم نحو 5 ملايين سيدة وأبنائهن ضمن برنامج المرأة المعيلة إلى نظام التأمين الصحى الاجتماعى بتكلفة تبلغ نحو 300 مليون جنيه سنويا بواقع 60 جنيهًا لكل سيدة بمفردها، وباعتبار أن متوسط عدد الأطفال فى الأسرة المصرية 3 أطفال فإن الأم والأطفال نصيب كل واحد منهم من التأمين الصحى وفقا لبرنامج الأسرة المعيلة يبلغ نحو 15 جنيهًا سنويا، وهو مبلغ لا يمكن مقارنته بسعر أى نوع من الدواء أو الرعاية الصحية حال قرر الفرد أن يمرض مرة واحدة سنويا.
المبالغ الهزيلة التى رصدها برنامج الحكومة لبعد العدالة الاجتماعية ينمّ عما سيكون عليه حال الفقراء العامين الماليين القادمَين على المدى المتوسط، مما يؤكد النظرة التشاؤمية المستقبلية حيال الاهتمام الحكومى بالفقراء، وهو ما أسفرت عنه المؤشرات المتحققة فعليا لهذا البعد خلال الربع الثانى من العام المالى الجارى والتى كشفت عنها بيانات وزارة التخطيط قبل أيام، إذ كشف تقرير متابعة الأداء عن ارتفاع المصروفات بواقع 37 مليار جنيه تأتى نتيجة لزيادة الإنفاق على فوائد الديون بنسبة بلغت نحو 38%، وهو أمر لا يمت بصلة إلى الفقراء، يضاف إلى ذلك ارتفاع معدلات الإنفاق على بند المصروفات الأخرى بنحو 13%، أما شراء السلع والخدمات فقد ارتفع الإنفاق عليه بنحو 16%، وحتى الزيادة التى حققها بند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية فقد ذهب 84% منه للمنتجات البترولية التى يتم تسريب جزء كبير منها للسوق السوداء بسبب الانفلات الأمنى، بمعنى أنه حتى ما تقدمه الحكومة من دعم سلعى للفقراء لا تقوى على حمايته حتى يصل إلى مستحقيه، وهو الأمر الذى يجعله كأن لم يكن.