من المفارقات المثيرة للدهشة في المجتمع المصري عدم الاهتمام بالمرأة التي تعول أسرة بالقدر الذي نولي به الاهتمام للأطفال المتسربين من التعليم والعاملين والأيتام والأطفال بلا مأوي, في حين أن معظم هؤلاء الأطفال هم نتاج الفقر والحاجة التي قد لا تستطيع سدها المرأة المعيلة لأسرة, لأن المجتمع لم يتح لها فرص العمل, ولم يقدم لها المساندة الكافية, ولم يساعدها في القيام بدورها رغم ما نسمعه كل يوم من الحقوقيين وممثلي الجمعيات الأهلية من أن المرأة في مصر تعول ثلث المجتمع, وما تؤكده تقارير التنمية البشرية من أن المرأة التي تعول أسرة تمثل أكثر من20% من هذا المجتمع, وكذلك أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء بأن نسبتها تتراوح بين22% و26%. وللحق هناك محاولات للنهوض بالمرأة المعيلة وتنميتها ولكنها لم تحقق المرجو منها حتي الآن, من بينها جهود المجلس القومي للمرأة التي انصبت في الغالب علي المرأة الريفية, كما كان للمجلس محاولات لتشكيل شبكة للمناداة بحقوق المرأة المعيلة, ولكن للأسف مازالت( محاولات) نتمني أن يتحقق, أما منظمات المجتمع المدني فتضع المرأة المعيلة علي قائمة اهتماماتها إلا أن دعم مشروعاتها ليست علي قائمة الممول أو المتبرع المصري الذي غالبا يطلب توجيه دعمه للأيتام أو المرضي أو ما شبه ذلك من الأنشطة الخيرية, لأن مفهوم التنمية مازال غير واضح لدي معظم الناس. فكما يقول عزت أحمد عوض رئيس جمعية فرسيس الخيرية بمحافظة الغربية إنه كثيرا ما يرفض المتبرع دعم مشروعات تدريب المرأة أو توفير أدوات انتاج مثل ماكينة خياطة أو نول لعمل السجاد اليدوي يدر عليها دخلا لا يقل عن500 جنيه شهريا, في حين يجزل العطاء للايتام!!. وتقول مديرة إحدي دور الأيتام التي ترفض ذكر اسمها حتي لا يحجم المتبرعون عن دعم الدار أن المتبرع أحيانا يطلب توجيه تبرعه لإطعام اليتيم فقط وليس راتب الأم البديلة التي تقوم علي رعايته, مع أن معظمهن فتيات وسيدات مسئولات عن إعالة أسرهن, أي أن دعمها يمثل دعما لليتيم الذي ترعاه, وأيضا لأسرتها التي تحتاج هي الأخري إلي من يعولها. هل يحدث هذا لأن مفهوم المرأة المعيلة للأسرة غير واضح؟! ربما!! فالمرأة المعيلة هي كل من تعول أسرة سواء لفقد الزوج أو الأب أو العائل للأسرة بسبب الغياب أو الوفاة أو السجن, أو بسبب عجز العائل, وهي ليست المرأة البسيطة الفقيرة فقط وإنما أيضا المتعلمة وصاحبة المكانة الاجتماعية, وليست المطلقة أو الأرملة أو الزوجة والأم فقط وإنما قد تكون الابنة أو الشقيقة, فهناك فتيات صغيرات مسئولات عن أسرهن. هكذا وصفت مايا مرسي- منسقة هيئة الأممالمتحدة لشئون المرأة( في مصر) من تعول أسرة, وأضافت أن الهيئة مهتمة بالمرأة لأنها منوطة بالعمل علي التوعية بحقوق النساء وتدريب القيادات النسائية ومساندة الهيئات في البرامج المتعلقة بالمرأة, وتولي اهتماما خاصا بالخروج من دائرة الفقر, وتركز علي المرأة الريفية, وبشكل خاص في صعيد مصر, كما تولي اهتماما خاصا أيضا بالمرأة التي تعول أسرة, والتي كانت نسبتها في مصر تتراوح بين16 و20% ثم أصبحت بين22 و26%. وتوضح أن ارتفاع النسبة ربما جاء نتيجة دقة البيانات. هي.. ليست مجرد رقم! المشكلة كما تستطرد مايا- ليست في النسبة ولكن في امكانية حصول هؤلاء السيدات علي فرص عمل, وتتساءل: إذا لم تعمل هؤلاء السيدات فمن الذي يعول أسرهن؟ وتؤكد أن هناك صعوبات في الظروف التي تعمل بها النساء, ولا يعقل أن تكون ثلثهن مضطرات للعمل ولا توجد سياسات مساندة لهن من حيث توفير العمل المناسب لظروفهن, وتوافر الخدمات التي تمكنهن من الاستمرار في العمل مثل دور حضانة مناسبة, وأوراق اثبات الشخصية( توجد نحو4 ملايين سيدة في مصر ليست لديهن بطاقات رقم قومي) التي يمكن من خلالها الحصول علي حقوقها من تأمينات ورعاية صحية, فصحة المرأة المعيلة هي رأس مالها, والمحافظة علي صحتها حماية لأسرتها. الإعالة ليست اختيار وعمل المرأة المعيلة ليس اختيارا, بل غالبا ما يكون صدمة- حيث تفاجأ المرأة بأنها أصبحت مسئولة عن أسرتها- خاصة للفقيرات اللاتي غالبا يلجأن للعمل بالمنازل لأنه أوفر الفرص المتاحة أمامهن, لذا تعاوننا كهيئة مع جمعية أهلية مصرية لانشاء جمعية لعاملات المنازل في حلوان هي( جمعية الشهاب) التي بدأت بتسجيل800 عاملة بمجرد تأسيسها لتقديم ما لم تقدمه الحكومة لهؤلاء العاملات من معاش ضمان اجتماعي, وتأمين صحي.. وهذا لا يكفي بل المطلوب من الحكومة وضع سياسات واضحة لمساندة المرأة المعيلة, أما الجمعيات الأهلية فتقوم بدور مهم لأنها تلمس احتياجات النساء, ومنها الكثير الذي قدم قروضا ومشروعات لهذه المرأة, ولكن المهم هو تأهيل السيدات, وتوفير أصول مثل كشك يضمن استمرار وجود دخل أو مخبز يدر دخلا مستمرا ويتيح الفرصة لأخريات للعمل به, أي خطة لاخراجهن من دائرة الفقر, وتغيير نمط حياتهن. أما المرأة المتعلمة أو المؤهلة فلابد من إتاحة الفرصة لها لتتمكن من الارتقاء بأسرتها, فليس من الحكمة أن نظل في دائرة مكافحة الجوع والخروج من دائرة الفقر فقط. والكلام عن الارتقاء بالمرأة المعيلة وأسرتها يفتح باب التفاؤل خاصة في ظل قرار رئيس مجلس الوزراء د. كمال الجنزوري بتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية لنحو خمسة ملايين امرأة لديهن أطفال حتي ست سنوات ويقدر هؤلاء الأطفال بنحو اثني عشر مليون طفل. مطلوب دراسة متخصصة وقد جاء تعقيب الخبراء والمتخصصين علي هذه الخطوة باقتراحات لصالح المرأة. فمعظم هؤلاء السيدات كما يوضح د. حمدي حافظ أستاذ علم الاجتماع بجامعة جنوبالوادي. يعملن في قطاع غير رسمي وبالتالي يفقدون التأمينات والتعويضات والرعاية الصحية, كما أن الأم أو الأطفال لا يجدون الرعاية ولذلك لابد من عمل دراسات للنهوض بالمرأة المعيلة. وتؤكد د. عزة كريم أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أيضا أهمية إمداد السيدات المعيلات بالقدرات اللازمة مثل تدريبهن علي مهن للالتحاق بسوق العمل وإكسابهن المهارات لإقامة مشروعات صغيرة ورفع مهام السيدات العاملات وذلك من خلال دورات تدريبية تتولاها الجمعيات الأهلية تجاه ذلك, كما يجب ألا تقتصر رعاية السيدات المعيلات علي محافظة بعينها بحيث يتم الاهتمام والنهوض بها في جميع المحافظات ولا سيما المرأة الريفية. تحتاج الحماية ومراعاة مشاعرها وتؤكد من جهة أخري أن وجود المرأة المعيلة في المجتمع تحول إلي ظاهرة بعد تزايد أعداد النساء المعيلات خلال الأعوام العشرة الأخيرة وذلك بسبب تدني الحالة الاقتصادية وانخفاض الدخل والتفكك الأسري, ولذا يجب وضع ضمانات للمرأة لتحمي حقوقها. ولأن المرأة ليست ألة وانما إنسان له مشاعر لابد من مراعاتها, لذا يري د. عادل المدني أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر إن المرأة عندما تتحمل الإنفاق علي المنزل ورعاية الأسرة فهي بذلك تقوم بدور الأب والأم معا مما يصيبها بضغوط نفسية نتيجة لازدواجية الدور ونتيجة لما تواجهه من ضغط الأعمال خاصة إن المرأة المعيلة تعمل في أعمال قاسية وتتعرض لأقصي درجات المشقة مما يشعرها بالقهر والإحباط, ولذلك نجد إن معظم الأسر التي تعيلها امرأة تتسم بالعنف والانهيار نظرا لأنها لا تتمتع بأي امتيازات اقتصادية وتعاني الفقر. الشئون الاجتماعية في خدمتها ويقول ممدوح السيد أبوسبع- مدير إدارة الأسر المنتجة لقطاع القاهرة: إنه رغم صعوبة مواجهة مشاكل المرأة المعيلة في ظل زيادة أعداد المطلقات والأرامل تحاول إدارة الأسر المنتجة القيام بدور فعال تجاه هذه الشريحة فمثلا مؤخرا تم تقديم مشروع يعول25 أسرة تم تدريبهن علي التفصيل وتم منحهن ماكينة خياطة يتم تسديد ثمنها بدون فوائد, ولاقي المشروع نجاحا كبيرا حتي بلغ دخل الأسرة ألفا وخمسمائة جنيه شهريا. وعلي الجانب الآخر تحرص الإدارة علي متابعة كل أسرة بصورة شهرية للوقوف علي مشاكلهم! وأضاف: للأسف ينقص إدارة الأسر المنتجة الدعم الكافي لتمويل مثل هذه النوعية من المشروعات. وأكد إنه يتمني إلقاء الضوء في وسائل الاعلام علي تقديم التمويل لإدارات الأسر المنتجة سواء بتوجيه رجال الأعمال أو تفعيل دور الحكومة من خلال الجمعيات الأهلية للتدخل بصورة جادة لتوفير الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمرأة المعيلة. فالمرأة المعيلة ليست مسئولية الحكومة وحدها بل مسئولية المجتمع الذي تعول ما يقرب من ثلث أفراده.